سعيد الفطيسي
20-06-2010, 02:31 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا ريت أربعه ما يصطفونْ
و لا يبقى لحلواهم دوامِ
معاهدة النساء المطرباتْ
و كثر لذة المال الحرامِ
و حكم جاير من غير حقْ
و لا تصفو السماء عن الغمامِ
هنا نعود مرة أخرى مع أحد عمالقة الشعر النبطي الخليجي وشاعرنا اليوم هو المرحوم الشاعر الماجدي بن ظاهر
http://uae20.com/images/images.jpg
الشاعر النبطي الأقدم والأشهر في الإمارات ،، تغلغلت أشعاره في كل وجدان ،وجرت أبياته على كل لسان ،وتمثل بأمثاله وحكمه الشعرية الكبار والصغار من كل طبقات المجتمع ،واضحى شخصية شعبية تحاك حولها قصص الذكاء وقصص المقدرة الشعرية الفذة ،وهو فيلسوف الحكمة والموعظة عند أهل الإمارات وقد إهتم الناس قديماً وحديثاً بشعر هذا الشاعر ،واعتبروا أبيات قصائده حكماً ومواعظ يتناقلوها في مجالسهم ويضربون بها الأمثال ،،
إمتلك الماجدي بن ظاهر زمام الشعر النبطي وتصدر معاصريه بما جادت به قريحته من ابداع شعري جاء رائقاً رائعاً ،نزيهاً من مرذول القول وذل السؤال والتملق ،أطلق في الشعر النبطي خيالاً مبدعاً خلاقاً وبثَ فيه حرارة العاطفة ،وانتقى له من الكلمات كل ذي إيحاء ورنين ، فجاءت الكلمات في إتفاق متسق مع معانيه ،واشاع فيه المعاني السامية والحكمة الصائبة.
إن الباحث المجتهد الساعي وراء الحقائق الممسك بخيوط من القرائن يدرك تمام الإدراك أنه من الصعب تحديد الفترة الزمنية التي عاصرها هذا الفيلسوف العملاق،
و الراجح و الله أعلم أنه عاش في نهاية القرن السابع عشر إلى أواسط القرن الثامن العشر الميلادي كما ذكر الشاعر حمد خليفة بوشهاب في كتابه "تراثنا من الشعر الشعبي" الذي يضم بين دفتيه روائع الشعر الشعبي القديم ، و قد ذيل لإسم ابن ظاهر بجملته التالية : " المتوفى عام 1123 هجرية " . و نحسبه أيضا من قاطني منطقة رأس الخيمة دون الحاجة إلى الخوض في التفاصيل المتعلقة بتحديد عين المنطقة أكانت "دهان" أم " الخرّان" أم غيرهما.
تناقل الناس الكثير من القصص عن حكمة هذا الشاعر الفيلسوف ، و عن سرعة بديهته و نباهته ،، من هذا أن ثلاثة رهط قدموا عليه فاستقبلهم كعادته بالترحاب و الضيافة العربية الأصيلة ، من غير معرفة أسمائهم و لا من أين أتوا ، حتى إذا أتمم عليهم سألهم الواحد تلو الآخر : ما اسمك؟ ، فأجاب الأول : في يدك اليمنى ، فقال الماجدي بثقة : مرحبا بخاتم، أم الثاني فقال : تمرك العامي ، فرحب به الماجدي قائلا يا هلا بعتيج، أما الثالث فقد قال : من العشر ثلاث، فقال الماجدي على الفور : أهلا بالسبع.
و حكاية أخرى عن الماجدي أن رجلا امتحنه بأسئلة شعرية عبارة عن شطر من بيت ، فقال : إيش الفتاة اللي يزاغيها الصبا؟ ، فأجابه ابن ظاهر : سفينة و يديرها سكانها،
قال: إيش الفتاة اللي تجهجل عينها؟ ، فرد الماجدي : هي الرحا و يديرها مطحانها،
قال : إيش الفتاة اللي حسين لونها ؟ فقال شاعرنا : الشمس و الله عالم بزوالها.
كان الماجدي بن ظاهر تاجر لؤلؤ، و لا يختلف اثنان أن تلك كانت مهنة الأشراف في تلك الحقبة من الزمن، و قد كان رحمه الله يعمل على جلب اللؤلؤ بنفسه فقد كان غواصا (غيص) أيضا ، قبل أن يبلغ به الكبر عتيا ،، لقد هيأ الله سبحانه و تعالى للشاعر الفيلسوف الجمع بين العمل اليدوي و التجارة في آن واحد ، بالإضافة إلى انتمائه المطلق إلى طبقة الأشراف و أعيان البلدة (رأس الخيمة)،، نرى ملامح هذا الشخصية المبجلة واضحة جلية في أشعاره ، في استهلالاته بإسمه و باسم قبيلته ، و بلفظة "فهيم" التي تكررت لتؤكد أن قائلها لم يكن يقصد بها الفخر بقدر ما كان يحاول توثيقها و قد كان له ما أراد بكل استحقاق.
طبع " ديوان ابن ظاهر " الأول عام 1963م بدار المطبعة العمانية في دبي على نفقة الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم وهي المطبعة الوطنية الأولى في الإمارات وفي العام 1967م تمكن الناشر محمد شريف الشيباني وهو الشاعر الخاص لسمو حاكم أبوظبي آنذاك من جمع قصائد شاعر الخليج ابن ظاهر في ديوان جديد اطلق عليه " ديوان الجواهر في شعر ابن ظاهر " والذي طبع بأمر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وقد أخذ الشاعر الشيباني الأشعار المدونة في ديوان الجواهر من الشيخة (سلامة) رحمها الله والدة صاحب السمو المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان قبل وفاتها في الثلث الأول من السبعينات كما ذكرها الدكتور غسان الحسن.
إن المستعرض لشعر الماجدي بن ظاهر يقف مبهوراً أمام ثقافته الواسعة التي مكنته من تصريفها في أغراضه الشعرية كما يشاء ،فتعجب حين تقرأ له الأمثال المبتكرة والحكم النادرة والوصف البديع والمعاني العميقة ،يتوج ذلك اسلوب رفيع ولفظ جزل وسبك رصين لا يقل مستواه عن الفصحى ،فهو يصدر منه عن فطرة مصقولة بالعلم ويؤاتيه عن طبعٍ شحذته التجربة ، كما ان القارئ الفطن لشعر ابن ظاهر يراه قمة في لغته الشعرية وأسلوبه البياني ،قريباً جداً من الشعر العربي ، ولو كان الشاعر خلواً من العلم والثقافة لما أستطاع أن يأتي بهذه الدرر الثمينة والنفائس الكريمة التي خلدها التاريخ على مدى ثلاثة قرون من الزمان تتداولها ألسنة الناس أمثالاً واوصافاً وحكماً ، ودليل آخر يستند ما ذهبنا اليه من ثقافة الشاعر وهو تنقلاته الكثيرة في أرجاء المنطقة رغم صعوبة المواصلات آنذاك والتي مكنته من الإطلاع على ثقافات الآخرين فتأثر بها وتفاعل معها واكتسب بحكم هذه اللقاءات الكثيرة ثقافة وتجارب قيمة مفيدة في هذه الحياة .
ان شعر ابن ظاهر لم يكن بحاجة الى أن يطلب مستمعاً له فشعره رسالة في الكرامة لأنه أكد أن للشعر كرامته النقية بعد أن ابتذله بعض الشعراء بسبب المتاجرة بشعرهم والمزايدة بقوافيهم ، كما أن شعره ليس شعراً (اخوانياً) أي ليس فيه مديح ورثاء وتهنئة ومراسلات ومشاكاة وشكوى الى أشخاص وأمراء لأنه ذبح شعره على مذبح فلسفة الحياة الكريمة والدعوة الى الفضيلة
http://up.fayezalsaeed.net/images/xzvabpgxyk0dhdyv0fpc.jpg
كان للماجدي بن ظاهر مزرعة نخيل في ضنك في عمان اما مسكنه فقد كان في الغريف والغريف هنا سيح يقع بالقرب من منطقة "المدام" التابعة لإمارة الشارقة حالياً التي انتقل منها بعد ذلك الى الذيد والذيد منطقة صحرواية تابعة لإمارة الشارقة التي قطنها خمسة وثلاثين عاماً ،بعدها استقر ودفن في "الخران" وهي منطقة في إمارة رأس الخيمة.
ومن الروايات الشعبية حول الماجدي بن ظاهر اذ إنه وبينما كان عائداً ذات يوم من مزرعته في "ضنك" بجربان تمر وعلى مطيتين مر على هور (الهور هو محل تجمع المياه وركودها في الأراضي المنخفضة ) لذا ترجل الماجدي عن بعيره ومضى يقود مطيته مخترقاً ذلك الهور فإذا به يسمع همهمات من خلفه وحينما التفت تفأجأ بإمرأة ظنها بادئ الأمر إنسية إلا أنها كانت على وجه التحديد من إناث الجن (أرضية) خرساء وكانت عطشى فاسقاها ابن ظاهر من قربته وحين احس بعينها على التمر سارع في تمزيق جانب من أحد الجربان بخنجره وأعطاها من تمره وبعد أن شربت الجنية الخرساء وأكلت حدث ما لم يكن في الحسبان اذ انفكت عقدة لسانها ونطقت داعية لإبن ظاهر بدعاء يتردد في القول بانه الإلهام الشعري قد أدرك الماجدي نتيجة لهذا الدعاء حتى أن ابن ظاهر حين عاد الى أهله في الغريف وبعد اسبوع من إقامته بدا قول الشعر وسط استغراب جماعته التي شككت في بادئ الأمر في كون الأمثال التي بدأ ابن ظاهر في قولها صادرة عن قريحته هو بالذات لأنهم لم يعهدوه شاعراً من قبل.
أما الأوزان التي استخدمها الماجدي بن ظاهر فمنها وزن :
مستفعلن مستفعلن مستفعلن
مستفعلن مستفعلن مستفعلن
ويناظره في الفصيح وزن الرجز ويسمى لحن التغرود في الشعر النبطي وهذا الوزن من أقدم الأوزان التي نظمت عليها الأشعار النبطية ،، يقول بن ظاهر على هذا الوزن :
والخيرين ادافع أسباب البلا
تطفي الخبيث ابمالها وحلالها
وثمة وزن آخر قال عليه ابن ظاهر وهو:
مفاعلين مفاعيلن فعولن
مفاعلين مفاعيلن فعولن
ويسمون هذا الوزن الصخري
يقول بن ظاهر عل هذا الوزن:
يذكرني إلي مني طلعت
على دربٍ رفيع البني نابي
ووزن آخر نظم عليه بن ظاهر وهو:
فعولن فعولن فعولن فعولن
فعولن فعولن فعولن فعولن
ويناظره في الفصيح البحر المتقارب وهو وزن ليش واسع الإنتشار بين الشعراء
ونظم عليه بن ظاهر قصيدته:
يقول ابن ظاهر مقالٍ عجيبْ
تظاهر عليّه من الصدر جيل
ونترككم الآن مع بعض من روائع الماجدي بن ظاهر
يــقــول الفـــهيم المـــايدي إلــــي بنــا .. و الأمــــثال ما بيـــن الـروات اتقال
بوصـيــك عــن كـثر الكلام المــخالــف .. و ماجــاك من كــثر الحــديث أقوال
و ان يتك عويــا مـــن ســـفيه فـــخلها .. و ان يــات مـــن غير السفيه فسال
و لا يــنقــل المــنقال رجــــل ابـــجيـــد .. و لا يـــشرب الــدهن المذاب إريال
و مـــن لا يــداري عـــلة الهـــون أول .. تبــاطـــا بــها زادت علــيه أعـــلال
و لا ضـــمها إلا المســتريــف اوالــفت .. عـلى الطـــيب و إلا ما يضيق مجال
و لا ل تــغاظـــا ماليا منـــك صــاحــب .. و جاديـــــك لـلــداني بغـيــر مــجال
و فــرحت شــمات الــعدا بــافــتراقـــك .. و خــفيــت و الحمل الخفيف إيشال
كما رافــع مـن لا يعــــادل ارفــــاعـــة .. إن زل عــــدال الـــــرفاع أو مـــال
الى آخر القصيدة
وهذه اخرى :
يـــــــقـول الــــمايـــــــدي أبـيــــــات شـــعر
يــــــــداد الــجـيــــل عـــــدلات الـــــــمباني
مـــــــدارات تــــــــكـــــن لــلـعــارفــــيـــن
عـــــــروف الـــجــيـل فـطـن فـي الـمـعـاني
و لــــــــــما قـــال لــي فـــي الـوجــــه ذم
هــــذرنــي فــي الـــقـــفـا لــــما شــــــناني
فــــــلا ذمـــــــيـــت لــي يــــوم صـــديج
و لا أشتـــــنــــي عـــــــدو ما شـــــنــانـــي
أخـــــاف مـــن الـــــروات الـــــسامـعـيــن
و قــــــول الـــــنـاس شـــــــان الله فـــلان ِ
و لا يــــــافــــيــــت خـــــل لــــي امـــــــود
و لا صـــافـيــت حـــــد مــــا اهـــتــــــواني
و لــــــكــنـتـي إذا مــــنـــي بـــلـــيـــــت
فـــــلا الـــبــــلـوى يــجــــوز إلــها التواني
أنــــــــا و الله مــــانــــا بالـــعــــيــــــــــول
عــــــلى الـــــمـهذران كــــود الـلي بـــلاني
بـخــــال مــــن مــــسـاعــيـــــه الــــــنـمـوم
يـــصــبح بــالــــعلوم أو بـــالـــمشـــــاني
فـــــلا يـــــهواه لـــي يــــوم صــــــــديــــج
و يـــــــفــرح بـــي إذا شـــوقـــي يـفـانــي
إذا يـــــوابـــا بــالــــرضــــا متـــواســيين
و لا مـــــن صــــوبــنــــا يـعـنــــا عـنـــاني
إذا رضــــــا الـصــديــج عـــن الـصـــــديـج
يــــــمــوت الـــواشـي مــن مـيـراه طــانـي
الى آخر القصيدة
وأخرى :
يقول المايدي أبيات شعر
طرا بنيانها وافي التمام
مثايلها تشوق الرامسين
إلى من ظال ظولٍ و ازدحام
سقيت و ظم واردها العطين
ظماياه رووا و هيه حيام
تفز لها قلوب الفاهمين
وخالي البال خالطه المنام
إذا طا حت من اليمنى عصاك
فلا تخطا يسارك م ِ زمام
أنا ريت أربعه ما يصطفون
و لا يبقى لحلواهم دوام
معاهدة النساء المطربات
و كثر لذة المال الحرام
و حكم جاير من غير حق
و لا تصفو السماء عن الغمامِ
سمعت ابهدهد في هدو ليل
تحايا به اقليب المستهام
كشفت الحف مضفي اللفاف
نظرته عقب ما طاب المنام
شمالي منكس الجوزا قصاد
مقيب الشمس للقيلة يمام
ترى هذا مشع اوذا مفع
و ساقه مشمع ساق الظلام
إلى من إضربه عصف الرياح
دنا من رعدها عالي النهام
سرى شروا رفيف المطربين
مزاره دار شوقي كل عام
وضربتها عصى برق رفوف
تخاخا من مغاريه الحزام ِ
عليك ابتبع ست اللازمات
صلاتك و الشهاده و الصيام ِ
و حج البيت و لزام الزكاة
و نطق الصدق ما فيه إوتهام ِ
وصلوا يا حضور على الرسول
عدد ما غرد القمري وحام
رحم الله الماجدي بن ظاهر فقد كان من أعظم شعر اء المنطقة في عصره واكثرهم تعبيراً عن البيئة وخصوصيتها وأحلامها ومطامحها ، تحمل عناء الظروف ،نشأ في هذه الأرض صغيراً ةتبلورت أفكاره في أرجائها كبيراً وتعلقت نبضات قريحته بها كثيراً وشغف بها في شعره وعظاته وضرب الأمثال في عباراته وكم توجه بالدعاء الى خالقه اذا احس بنكبة طارقة لينزل الغيث على الموارد والقرى فينعم اهلها بالخير الوافر ويرى الشجر بثماره والأرض كانها الفلك في مداره بين غصون مالت بها الأوراق وزهر ناضر كأنه الأحداق كسيت بثياب سندسية موشحة بخطوط عبقرية تميل مع الريح حيثما مال ويفوح من نوارها شذى عطريّ ،فعند ذلك يهنأ بال ابن ظاهر ويسعد بالطمأنينة وينام نوم الظافر ،، هو هذا شاعرنا العظيم الماجدي بن ظاهر رحمه الله.
المراجع:
1. كتاب "ابن ظاهر بحث توثيقي في شعره وسيرته الشعبية" للكاتب أحمد راشد ثاني
2. كتاب " تراثنا من الشعر الشعبي " للكاتب والشاعر الراحل حمد خليفة بو شهاب
3. مقتطفات من بعض المواقع في الإنترنت
تحياتي
سعيد الفطيسي
أنا ريت أربعه ما يصطفونْ
و لا يبقى لحلواهم دوامِ
معاهدة النساء المطرباتْ
و كثر لذة المال الحرامِ
و حكم جاير من غير حقْ
و لا تصفو السماء عن الغمامِ
هنا نعود مرة أخرى مع أحد عمالقة الشعر النبطي الخليجي وشاعرنا اليوم هو المرحوم الشاعر الماجدي بن ظاهر
http://uae20.com/images/images.jpg
الشاعر النبطي الأقدم والأشهر في الإمارات ،، تغلغلت أشعاره في كل وجدان ،وجرت أبياته على كل لسان ،وتمثل بأمثاله وحكمه الشعرية الكبار والصغار من كل طبقات المجتمع ،واضحى شخصية شعبية تحاك حولها قصص الذكاء وقصص المقدرة الشعرية الفذة ،وهو فيلسوف الحكمة والموعظة عند أهل الإمارات وقد إهتم الناس قديماً وحديثاً بشعر هذا الشاعر ،واعتبروا أبيات قصائده حكماً ومواعظ يتناقلوها في مجالسهم ويضربون بها الأمثال ،،
إمتلك الماجدي بن ظاهر زمام الشعر النبطي وتصدر معاصريه بما جادت به قريحته من ابداع شعري جاء رائقاً رائعاً ،نزيهاً من مرذول القول وذل السؤال والتملق ،أطلق في الشعر النبطي خيالاً مبدعاً خلاقاً وبثَ فيه حرارة العاطفة ،وانتقى له من الكلمات كل ذي إيحاء ورنين ، فجاءت الكلمات في إتفاق متسق مع معانيه ،واشاع فيه المعاني السامية والحكمة الصائبة.
إن الباحث المجتهد الساعي وراء الحقائق الممسك بخيوط من القرائن يدرك تمام الإدراك أنه من الصعب تحديد الفترة الزمنية التي عاصرها هذا الفيلسوف العملاق،
و الراجح و الله أعلم أنه عاش في نهاية القرن السابع عشر إلى أواسط القرن الثامن العشر الميلادي كما ذكر الشاعر حمد خليفة بوشهاب في كتابه "تراثنا من الشعر الشعبي" الذي يضم بين دفتيه روائع الشعر الشعبي القديم ، و قد ذيل لإسم ابن ظاهر بجملته التالية : " المتوفى عام 1123 هجرية " . و نحسبه أيضا من قاطني منطقة رأس الخيمة دون الحاجة إلى الخوض في التفاصيل المتعلقة بتحديد عين المنطقة أكانت "دهان" أم " الخرّان" أم غيرهما.
تناقل الناس الكثير من القصص عن حكمة هذا الشاعر الفيلسوف ، و عن سرعة بديهته و نباهته ،، من هذا أن ثلاثة رهط قدموا عليه فاستقبلهم كعادته بالترحاب و الضيافة العربية الأصيلة ، من غير معرفة أسمائهم و لا من أين أتوا ، حتى إذا أتمم عليهم سألهم الواحد تلو الآخر : ما اسمك؟ ، فأجاب الأول : في يدك اليمنى ، فقال الماجدي بثقة : مرحبا بخاتم، أم الثاني فقال : تمرك العامي ، فرحب به الماجدي قائلا يا هلا بعتيج، أما الثالث فقد قال : من العشر ثلاث، فقال الماجدي على الفور : أهلا بالسبع.
و حكاية أخرى عن الماجدي أن رجلا امتحنه بأسئلة شعرية عبارة عن شطر من بيت ، فقال : إيش الفتاة اللي يزاغيها الصبا؟ ، فأجابه ابن ظاهر : سفينة و يديرها سكانها،
قال: إيش الفتاة اللي تجهجل عينها؟ ، فرد الماجدي : هي الرحا و يديرها مطحانها،
قال : إيش الفتاة اللي حسين لونها ؟ فقال شاعرنا : الشمس و الله عالم بزوالها.
كان الماجدي بن ظاهر تاجر لؤلؤ، و لا يختلف اثنان أن تلك كانت مهنة الأشراف في تلك الحقبة من الزمن، و قد كان رحمه الله يعمل على جلب اللؤلؤ بنفسه فقد كان غواصا (غيص) أيضا ، قبل أن يبلغ به الكبر عتيا ،، لقد هيأ الله سبحانه و تعالى للشاعر الفيلسوف الجمع بين العمل اليدوي و التجارة في آن واحد ، بالإضافة إلى انتمائه المطلق إلى طبقة الأشراف و أعيان البلدة (رأس الخيمة)،، نرى ملامح هذا الشخصية المبجلة واضحة جلية في أشعاره ، في استهلالاته بإسمه و باسم قبيلته ، و بلفظة "فهيم" التي تكررت لتؤكد أن قائلها لم يكن يقصد بها الفخر بقدر ما كان يحاول توثيقها و قد كان له ما أراد بكل استحقاق.
طبع " ديوان ابن ظاهر " الأول عام 1963م بدار المطبعة العمانية في دبي على نفقة الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم وهي المطبعة الوطنية الأولى في الإمارات وفي العام 1967م تمكن الناشر محمد شريف الشيباني وهو الشاعر الخاص لسمو حاكم أبوظبي آنذاك من جمع قصائد شاعر الخليج ابن ظاهر في ديوان جديد اطلق عليه " ديوان الجواهر في شعر ابن ظاهر " والذي طبع بأمر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وقد أخذ الشاعر الشيباني الأشعار المدونة في ديوان الجواهر من الشيخة (سلامة) رحمها الله والدة صاحب السمو المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان قبل وفاتها في الثلث الأول من السبعينات كما ذكرها الدكتور غسان الحسن.
إن المستعرض لشعر الماجدي بن ظاهر يقف مبهوراً أمام ثقافته الواسعة التي مكنته من تصريفها في أغراضه الشعرية كما يشاء ،فتعجب حين تقرأ له الأمثال المبتكرة والحكم النادرة والوصف البديع والمعاني العميقة ،يتوج ذلك اسلوب رفيع ولفظ جزل وسبك رصين لا يقل مستواه عن الفصحى ،فهو يصدر منه عن فطرة مصقولة بالعلم ويؤاتيه عن طبعٍ شحذته التجربة ، كما ان القارئ الفطن لشعر ابن ظاهر يراه قمة في لغته الشعرية وأسلوبه البياني ،قريباً جداً من الشعر العربي ، ولو كان الشاعر خلواً من العلم والثقافة لما أستطاع أن يأتي بهذه الدرر الثمينة والنفائس الكريمة التي خلدها التاريخ على مدى ثلاثة قرون من الزمان تتداولها ألسنة الناس أمثالاً واوصافاً وحكماً ، ودليل آخر يستند ما ذهبنا اليه من ثقافة الشاعر وهو تنقلاته الكثيرة في أرجاء المنطقة رغم صعوبة المواصلات آنذاك والتي مكنته من الإطلاع على ثقافات الآخرين فتأثر بها وتفاعل معها واكتسب بحكم هذه اللقاءات الكثيرة ثقافة وتجارب قيمة مفيدة في هذه الحياة .
ان شعر ابن ظاهر لم يكن بحاجة الى أن يطلب مستمعاً له فشعره رسالة في الكرامة لأنه أكد أن للشعر كرامته النقية بعد أن ابتذله بعض الشعراء بسبب المتاجرة بشعرهم والمزايدة بقوافيهم ، كما أن شعره ليس شعراً (اخوانياً) أي ليس فيه مديح ورثاء وتهنئة ومراسلات ومشاكاة وشكوى الى أشخاص وأمراء لأنه ذبح شعره على مذبح فلسفة الحياة الكريمة والدعوة الى الفضيلة
http://up.fayezalsaeed.net/images/xzvabpgxyk0dhdyv0fpc.jpg
كان للماجدي بن ظاهر مزرعة نخيل في ضنك في عمان اما مسكنه فقد كان في الغريف والغريف هنا سيح يقع بالقرب من منطقة "المدام" التابعة لإمارة الشارقة حالياً التي انتقل منها بعد ذلك الى الذيد والذيد منطقة صحرواية تابعة لإمارة الشارقة التي قطنها خمسة وثلاثين عاماً ،بعدها استقر ودفن في "الخران" وهي منطقة في إمارة رأس الخيمة.
ومن الروايات الشعبية حول الماجدي بن ظاهر اذ إنه وبينما كان عائداً ذات يوم من مزرعته في "ضنك" بجربان تمر وعلى مطيتين مر على هور (الهور هو محل تجمع المياه وركودها في الأراضي المنخفضة ) لذا ترجل الماجدي عن بعيره ومضى يقود مطيته مخترقاً ذلك الهور فإذا به يسمع همهمات من خلفه وحينما التفت تفأجأ بإمرأة ظنها بادئ الأمر إنسية إلا أنها كانت على وجه التحديد من إناث الجن (أرضية) خرساء وكانت عطشى فاسقاها ابن ظاهر من قربته وحين احس بعينها على التمر سارع في تمزيق جانب من أحد الجربان بخنجره وأعطاها من تمره وبعد أن شربت الجنية الخرساء وأكلت حدث ما لم يكن في الحسبان اذ انفكت عقدة لسانها ونطقت داعية لإبن ظاهر بدعاء يتردد في القول بانه الإلهام الشعري قد أدرك الماجدي نتيجة لهذا الدعاء حتى أن ابن ظاهر حين عاد الى أهله في الغريف وبعد اسبوع من إقامته بدا قول الشعر وسط استغراب جماعته التي شككت في بادئ الأمر في كون الأمثال التي بدأ ابن ظاهر في قولها صادرة عن قريحته هو بالذات لأنهم لم يعهدوه شاعراً من قبل.
أما الأوزان التي استخدمها الماجدي بن ظاهر فمنها وزن :
مستفعلن مستفعلن مستفعلن
مستفعلن مستفعلن مستفعلن
ويناظره في الفصيح وزن الرجز ويسمى لحن التغرود في الشعر النبطي وهذا الوزن من أقدم الأوزان التي نظمت عليها الأشعار النبطية ،، يقول بن ظاهر على هذا الوزن :
والخيرين ادافع أسباب البلا
تطفي الخبيث ابمالها وحلالها
وثمة وزن آخر قال عليه ابن ظاهر وهو:
مفاعلين مفاعيلن فعولن
مفاعلين مفاعيلن فعولن
ويسمون هذا الوزن الصخري
يقول بن ظاهر عل هذا الوزن:
يذكرني إلي مني طلعت
على دربٍ رفيع البني نابي
ووزن آخر نظم عليه بن ظاهر وهو:
فعولن فعولن فعولن فعولن
فعولن فعولن فعولن فعولن
ويناظره في الفصيح البحر المتقارب وهو وزن ليش واسع الإنتشار بين الشعراء
ونظم عليه بن ظاهر قصيدته:
يقول ابن ظاهر مقالٍ عجيبْ
تظاهر عليّه من الصدر جيل
ونترككم الآن مع بعض من روائع الماجدي بن ظاهر
يــقــول الفـــهيم المـــايدي إلــــي بنــا .. و الأمــــثال ما بيـــن الـروات اتقال
بوصـيــك عــن كـثر الكلام المــخالــف .. و ماجــاك من كــثر الحــديث أقوال
و ان يتك عويــا مـــن ســـفيه فـــخلها .. و ان يــات مـــن غير السفيه فسال
و لا يــنقــل المــنقال رجــــل ابـــجيـــد .. و لا يـــشرب الــدهن المذاب إريال
و مـــن لا يــداري عـــلة الهـــون أول .. تبــاطـــا بــها زادت علــيه أعـــلال
و لا ضـــمها إلا المســتريــف اوالــفت .. عـلى الطـــيب و إلا ما يضيق مجال
و لا ل تــغاظـــا ماليا منـــك صــاحــب .. و جاديـــــك لـلــداني بغـيــر مــجال
و فــرحت شــمات الــعدا بــافــتراقـــك .. و خــفيــت و الحمل الخفيف إيشال
كما رافــع مـن لا يعــــادل ارفــــاعـــة .. إن زل عــــدال الـــــرفاع أو مـــال
الى آخر القصيدة
وهذه اخرى :
يـــــــقـول الــــمايـــــــدي أبـيــــــات شـــعر
يــــــــداد الــجـيــــل عـــــدلات الـــــــمباني
مـــــــدارات تــــــــكـــــن لــلـعــارفــــيـــن
عـــــــروف الـــجــيـل فـطـن فـي الـمـعـاني
و لــــــــــما قـــال لــي فـــي الـوجــــه ذم
هــــذرنــي فــي الـــقـــفـا لــــما شــــــناني
فــــــلا ذمـــــــيـــت لــي يــــوم صـــديج
و لا أشتـــــنــــي عـــــــدو ما شـــــنــانـــي
أخـــــاف مـــن الـــــروات الـــــسامـعـيــن
و قــــــول الـــــنـاس شـــــــان الله فـــلان ِ
و لا يــــــافــــيــــت خـــــل لــــي امـــــــود
و لا صـــافـيــت حـــــد مــــا اهـــتــــــواني
و لــــــكــنـتـي إذا مــــنـــي بـــلـــيـــــت
فـــــلا الـــبــــلـوى يــجــــوز إلــها التواني
أنــــــــا و الله مــــانــــا بالـــعــــيــــــــــول
عــــــلى الـــــمـهذران كــــود الـلي بـــلاني
بـخــــال مــــن مــــسـاعــيـــــه الــــــنـمـوم
يـــصــبح بــالــــعلوم أو بـــالـــمشـــــاني
فـــــلا يـــــهواه لـــي يــــوم صــــــــديــــج
و يـــــــفــرح بـــي إذا شـــوقـــي يـفـانــي
إذا يـــــوابـــا بــالــــرضــــا متـــواســيين
و لا مـــــن صــــوبــنــــا يـعـنــــا عـنـــاني
إذا رضــــــا الـصــديــج عـــن الـصـــــديـج
يــــــمــوت الـــواشـي مــن مـيـراه طــانـي
الى آخر القصيدة
وأخرى :
يقول المايدي أبيات شعر
طرا بنيانها وافي التمام
مثايلها تشوق الرامسين
إلى من ظال ظولٍ و ازدحام
سقيت و ظم واردها العطين
ظماياه رووا و هيه حيام
تفز لها قلوب الفاهمين
وخالي البال خالطه المنام
إذا طا حت من اليمنى عصاك
فلا تخطا يسارك م ِ زمام
أنا ريت أربعه ما يصطفون
و لا يبقى لحلواهم دوام
معاهدة النساء المطربات
و كثر لذة المال الحرام
و حكم جاير من غير حق
و لا تصفو السماء عن الغمامِ
سمعت ابهدهد في هدو ليل
تحايا به اقليب المستهام
كشفت الحف مضفي اللفاف
نظرته عقب ما طاب المنام
شمالي منكس الجوزا قصاد
مقيب الشمس للقيلة يمام
ترى هذا مشع اوذا مفع
و ساقه مشمع ساق الظلام
إلى من إضربه عصف الرياح
دنا من رعدها عالي النهام
سرى شروا رفيف المطربين
مزاره دار شوقي كل عام
وضربتها عصى برق رفوف
تخاخا من مغاريه الحزام ِ
عليك ابتبع ست اللازمات
صلاتك و الشهاده و الصيام ِ
و حج البيت و لزام الزكاة
و نطق الصدق ما فيه إوتهام ِ
وصلوا يا حضور على الرسول
عدد ما غرد القمري وحام
رحم الله الماجدي بن ظاهر فقد كان من أعظم شعر اء المنطقة في عصره واكثرهم تعبيراً عن البيئة وخصوصيتها وأحلامها ومطامحها ، تحمل عناء الظروف ،نشأ في هذه الأرض صغيراً ةتبلورت أفكاره في أرجائها كبيراً وتعلقت نبضات قريحته بها كثيراً وشغف بها في شعره وعظاته وضرب الأمثال في عباراته وكم توجه بالدعاء الى خالقه اذا احس بنكبة طارقة لينزل الغيث على الموارد والقرى فينعم اهلها بالخير الوافر ويرى الشجر بثماره والأرض كانها الفلك في مداره بين غصون مالت بها الأوراق وزهر ناضر كأنه الأحداق كسيت بثياب سندسية موشحة بخطوط عبقرية تميل مع الريح حيثما مال ويفوح من نوارها شذى عطريّ ،فعند ذلك يهنأ بال ابن ظاهر ويسعد بالطمأنينة وينام نوم الظافر ،، هو هذا شاعرنا العظيم الماجدي بن ظاهر رحمه الله.
المراجع:
1. كتاب "ابن ظاهر بحث توثيقي في شعره وسيرته الشعبية" للكاتب أحمد راشد ثاني
2. كتاب " تراثنا من الشعر الشعبي " للكاتب والشاعر الراحل حمد خليفة بو شهاب
3. مقتطفات من بعض المواقع في الإنترنت
تحياتي
سعيد الفطيسي