المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة قصيرة بقلمي معمعة السيول


جاسم القرطوبي
03-09-2010, 07:52 PM
كَانَ الْوَقْتُ قَدْ تَعَدَّى مُنْتَصَفَ الّلَيْلِ حَيْثُ الْكُلُّ أَمْسَى يَغُطُّ فِي لِبَاسِهِ ، فَهَذَا يَغُطُّ فِي سَرِيْرِهِ ، وْذَانَكَ فِي حِضْن ِ بَعْضِهِمَا ،وَأَمَّا هُمَا فَوَحَدُهُمَا الْلَّذَيْن ِ أَلْقَى الْسَّحْرُ مَظَلَّتَهُ عَلَى شَهِيْق ِ الْعَتَب ِ بَيْنَهُمَا وَزَفِير ِالْتَحَسُّر ِ مِنْهُمَا . الْطَاوِلَةُ الَّتِي شَهِدَتْ أَوَّلَ مَوْعِدٍ لَهُمَا اسْتُشْهِدْت الْيَوْمَ لاِقْتِرَان ِِ وَدَاعِهِمَا . هَمَسَتْ لَهُ : يَا حَبِيْبِي لا تَشُكْ بُرْهَة ً قَطُّ بِأَنَّكَ لَسْتََ الْوَحِيْدُ الَّذِي احْتَلَّ مَسَاحَاتِ قَلْبِي الْشَّاسِعَةِ ، وَاسْتَوْلَى أيْضَا ًعَلَى الفَرَاغَاتِ الَّتِي مَلَّكْتُهَا بِصُكُوكِ الْدَّم لأبِي وَأُمِّي وَأُخُوَّتِي ، وَلَكِنْ لِلأَسَف ِ كَمَا سَدَنْتُ لِمِحْرَابَكَ وَفَاءً سَأَرْعَوِي إِخْلاَصَا ً لِعَادَاتٍ وَتَقَالِيْدٍ تَرَعْرَعَتُ فِيْهَا .نَعَمْ لاَ أَعَتَرِفُ أَنَّهَا بِحَق ٍ ، وَلكِنَّهَا وَاقِعٌ فُرُضَ عَلَيْنَا كَالَصَّلاة ِ وَالصِّيَام ِ يَتَحَتَّمُ عَلَيْنَا إِيْفَائُهُ أَو قَضَاءُهُ ، عَزِيْزِيْ هِيَ قُلُوْبٌ سَتَتَحَطَّم كَأَوَانِي الزَّهْرِ. يَا لِقَلْبٍ أَمْطَرَتْهُ هَذِهِ الْلَّكَمَاتُ الْوُجْدَانِيَّةُ فَأَحَسَّ بِأَنَّ رُوْحَهُ غَادَرَتْ مَكَانَه ، وَلَم يَبْرَح جَسَدَا قَابِعَا و مُسْتَقْبِلاً لمَوْجَاتٍ تُغْرِقُ أَمْوَاجَهُ . كَانَتْ تُرَاوِدُهُ عِدَّةُ تَصَوُّرَاتٍ قَبْلَ هَذَا الِّلقَاءِ فَيَصُدَّهَا ظَنَّاً بِأَنَّهَا الأَوْهَامُ . وَبَنَحِيبِ الثَّكْلَى سَأَلَهَا : أَلَمْ تَقُوْلِي أَنَّ مَا فِي جُعْبَتِي مِن مَشَاعِر ٍ كَفِيْلَةٌ لإِثْبَاتِ هُوِيَّةِ حُبِّنَا الْبِكْرِ . وَكَمَثَلِ سُقُوْطِ الرَّذَاذِ فِي الخَارِجِ رَدَّتْ عَلَيْهِ : بَلَى قُلْتُ وَلَكِن ...؛ وَتَوَلَّت عَيْنُهَا تَكْمِلَةَ الْجَوَابِ . وَمَعَ تَزَايِدِ حَبَّاتِ المَطَر ِ بَدَتْ عَيْنَاهُ تَغْرَقَانِ بِعَيْنَيْهِ ،وَتَلَعْثَمَتْ يَدُهُ فَأَمْسَكَ يَدَهَا لأَوَّل ِ مَرَّةٍ فِي تَارِيْخِ حُبِّهِمَا ، نَظَرَتْ لِيَدِه الْمُسَجَّاة ِ عَلَى يَدِهَا مَلِيّا ثُمَّ أَهْدَتْ ظَهَرَ يَدَهُ بَطَنُ يَدِهَا الأُخْرَى وَهَكَذَا فَعْلَ هُوَ بِيَدِه الأُخْرَى إِلَى أَنْ قَطَعَ لُوَّحَتَهُما الْشَّاعِرِيَّةَ تِلْكَ مَنْظَرُ رَاقِصَةٍ تَدُسُّ أُلُوْفَ الْنُّقُودِ لِحَبِيْبِهَا وَتَتَوَسَّلُ إِلَيْهِ بِمَدَامِعَ سِجَامٍ قَائِلَة وصَوْتُهَا الرَّخِيْمُ يَهْدِي اللُّبَانَ لِلْمَكَانِ : اقْبَلْهَا ، فَإِنِّي أُحِبُّكَ يَا رَجُلُ جِدَّا وَلَقَد سَئِمْتُ حُجَجَكَ الْوَاهِيَةَ وَأَنْتَ تُسَوِّفُ خِطْبَتَنَا ، هَيَّا فلِتَتَزَوَجِّنِي فَلَمْ يَعُدْ فِيْ قَوْسِ الصَّبْرِ مَنْزَعٌ ... وَمَا زَالَتْ فِي اسْتَجْدَاءٍ إِلَى أَن أَقْصَاهُما الْنَّادِلُ، كَانَتْ أُنْثَى بِكلِّ مَا تَحْمِلُهُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ مِنْ مَعْنَىً ، وَكَانَ هُوَ رَجُلٌ بِكُلِّ مَا تَحْمِلُهُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مِنْ مَبْنَى . تَمَعَّنَ هَذَا طَوِيْلاً ؛ أَنَّى لِهَذِهِ الَّتِي يَتَهَافَتُ عَلَيْهَا (الْكَبَّارَاتُ ) أَنْ تُغْرِي بِمَالِهَا صُعْلُوْكًا ؟أَوْ أَنْ تَرْغَبَ عَنْ شَمُوَسٍ تُظِلُّهَا مَن ِ الْشَّمْس ِ إِلَيْهِ ؟ هَلْ ضَحَّتْ فِعْلا ً بِأَهْلِهَا وَامَتَهَنَتْ الْرَّقْصَ لِتُشَرِّفُهُ مَعَ أَهْلِهَا إِذَا مَا تَقَدَّمَ فِيْهَا ؟ . اخْتَلَجَ بِخَلَدِهِ مَا أَزْعَجَتْهُ الْهَامِسَةُ بِزَقْزَقَةِ الْعَصَافِيْرِ ، وَمَا تَنْحِتُهُ الْأَنْهَارُ عِنْدَ خَرِيْرِهَا ، وَمَا تَكْشِفُهُ الْعَوَاصِفُ عِنْدَ هَيَجَانِهَا . أَدْرَكَ فِي نَفْسِهِ أَخِيِرًَا حَقِيْقَةً طَالَمَا أَخْفَاهَا جَاهِدَاً ، وَ سِوَى مَا يُفَسِّرُ الْأُمِّيُّ الْأُمُومَةَ بِالأُمِّيَّةِ . قَامَ مِنْ عَلَى كُرْسِيِِّهِ وَفُنْجَانُ الْشَّاي عَلَى طَاوِلَتِهِ غَاصٌ بِدُمُوْعِهِ ، عَرَقُ الْمَرَارَةِ وَسُكَرِيَّةُ الْحُبِّ يَرْشَحُ مِنْهُ وَيَتَقَاطَرُ حَبَبَا مِنْ كَبِدِه المُنْفَطِرَة ِ أُوَارُ هَذِهِ الْفُصُوْل ِ. ومَا انْفَكَّتْ مَاسِكَة ًيَدَهُ ، حَضَنَهَا وَلَمْ تَزَلْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ بِمِآقٍ اسْتَحَالَتْ دُمُوْعُهَا دِمَاءً . الأَنْفَاسُ مِنْهُ مُتَصَاعِدَةً جَدَّا ، وَالأَطْرَافُ فِيْهِ تَرْتَعِدُ مِن بَرَدِ مَا يَحْدِثُ ، أُرِيْدُ الِدِّفءَ مَاذَا أَفْعَلُ ؟ أَنِّي أَرْتَجِفُ ... أَرْتَجِفُ... فَضَمَّهَا لِصَدْرِهِ أَحَسَّتْ أَنَّ رُوْحَهَا تَسْرِي بَيْنَ جَسَدَيْهِمَا ، وَأُحِسَّ - هُو - أَنَّ الْعِظَامَ مِنْهُ طُلِّقَتْ عَلَى سُلامَاهُ ، وَتَرْجَمَ لِسَانُهُ مِنْ حَنَايَاهُ قَوْلَهُ لَهَا : قَدْ آَنَتْ يَا حَبِيْبَتِي الْلَّحْظَةُ الَّتِي تُحَتِّمُ عَلَيْنَا أَنْ نَفْتَرِقَ فِيْهَا وَلِلأَبَدِ . انْتَزَعَتْ جُثَّتَهَا مِنْ حُضْنِهِ بِشِدَّةٍ ، يَدَهََا لمْ تُقْلِعْ مِنْ مُطَيْرِ كَتِفَاهُ كَأُمٍّ تُمْسِكُ بِصَغِيْرِهَا لِتُسَاعِدَهُ عَلَى الْمَشْي حَذَرَا ً مِنْ مُصَابِ حَادِثٍ تَخْشَاهُ ، تَمَلَّكَهَا لِسَمَاعِهَا قَرَارَهُ مَا هُو أَغَرْبُ مِنْ نَبَأِ انْعِكَاس ِ دَوَرَان ِ كُلِّ سَاعَاتِ الأَرْض ِ بِطُوْلِهَا والعَرْض ِ . نَظَرَتْ مُجَدَّدَا لِيَدِهِ الَّتِي ظَنَّتْهَا هُنَيْهَةً خُلِقَتْ لتَمْلَئ فَرَاغَاتِ يَدِهَا سَرْمَدَا. أَرَادَتْ أَنْ تَصْرَخَ بِوَجْهِهِ أَو تَلْطُمَهُ أَو تَعُظَّهُ لِيَعِضَهُ حَالُهَا عَنْ مَقَالِهَا . (إِنَّ الْرِّجَالَ جَمِيْعُهُمْ أَطْفَالُ ) أُغْنِيَةً تَعْزِفُهَا الفِرْقَةُ اللَّيْلةَ حَجَلَ مِنْهَا كُلُّ شَيءٍ مَا خَلاَ أَوْصَدَاهُ . حَرَّكَ رَتْجَ الْسُّكُوْن ِ وَفَتْل حَبْلَ الْوَصْل ِ وَاتَّجَهَ لِلْبَابِ يَجُرُّهُ خَلْفُهُ ، وَمَا أَنْ اقْتَرَبَ مِنْ عَتَبَةِ السَّرَاحِ إِلاَّ مَنَعَهُ بُكَاءُ الْسُّحُبِ مِنْ أَن يَخْرُجَ. رَجَعَ الْقَهْقَرِىُّ وَحَمْلَقَ فِيْهَا طَوِيْلاً وَنَظَرَتْ إِلَيْهِ كَاسِفَة ً طَرْفَهَا ، .وَلَوْلا دُمُوْعِهِمَا سَاعَتَهَا لَمَا اسْتَطَاعَ الْبَحْرُ أَنْ يَنْبِضَ طَوَال هَذِه الْسِّنِيْن ، دَنَا مِنْهَا وَتَرَجَّلَ تَحْتَ قَدَمَيْهَاهَامِسا ً لَهَا : : حَبِيْبِي ، فَلْنَفْتَرِقْ....ثُمَّ رَكَضَ خَارِجَا ً فِي مَعْمَعَةِ الْسُّيُوْل ِ.

لِجَاسِمُ القَرْطُوْبِيْ

سالم الوشاحي
04-09-2010, 12:48 AM
جاسم القرطوبي

لديك قلم جميل جدا

وحس قصصي رائع

سلمت أناملك أيها

الفاضل.............

نبيلة مهدي
06-09-2010, 09:23 AM
أستاذي العزيز
جاسم القرطوبي..
دائما أنت رائع عندما تكتب..أعجبتني القصة..
كثيرا وتحتاج للوقوف بين أسطرها لتأمل..
كنت رائعا هنا..

كل الأحترام و التقدير

تثبت فهي تستحق أسمحو لي أيها الكرام

جاسم القرطوبي
09-09-2010, 12:19 AM
ايها السيد والسيدة شاكر مروركم

وهذا شرف لي


ان يثبت لي نصا هنا

nightghost
13-10-2010, 12:33 AM
شكرا على الموضوع الرائع
واتمنى مواصلة كتابتك بطريقة جوهرية اكثر
لتستقطب اكبر عدد من المعجبين بالفن

جاسم القرطوبي
14-10-2010, 11:01 AM
شكرا على الموضوع الرائع
واتمنى مواصلة كتابتك بطريقة جوهرية اكثر
لتستقطب اكبر عدد من المعجبين بالفن

سيدي الفاضل تكمن الإشكالية في فن القصة القصيرة هي أنها لقطات بل ومضات إن استطعت أن تختزلها لسطرين خير لك من صفحتين .. غادة السمان أوصلت القصة القصيرة جدا لسبع كلمات
إذن هناك فرق بين القصة والقصة القصيرة والقصة القصيرة جدا .. وهناك من يلغي مفهوم القصة ليقول الرواية .

أوراق رواية منسية
15-10-2010, 01:11 PM
كنت أعتقد أن كلماتك تحتضن الشعر فقط أخي جاسم لكنها وصلت لسرد القصص ايضا لك من اجمل تحية سلمت اناملك

إشراق النهدية
15-10-2010, 10:23 PM
أبداع رائع في السرد........
سلمت اناملك..........

خالد الريسي
16-10-2010, 12:56 AM
رائـــــــــــــــــــــعة
بانتظـــــــــــــــــار الأروع
تقبل مروري,,