المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النرجسية الغضة .. قراءة سيميولوجية في " يدان " لفيصل الزوايدي


فيصل الزوايدي
15-11-2010, 04:05 PM
النرجسية الغضة ....
قراءة سيميولوجية في " يدان " سرد للقاص التونسي فيصل الزوايدي.
بقلم الباحث المغربي محمد مهيم

إنها مسألة الكينونة والوجود تغازل فضول المتلقي ، في " يدان " عبر الأبعاد التصويرية هامسة بنبض الحياة ، وسيولة السرد ما دامت اليدان جزء يحيل على كل / الجسد ، بل الإنسان، كما سنرى ، فاليدان كانتا قيمتين مجردتين قبل ارتباطهما به كعضوين يمارسان عددا من الوظائف في عالم ما قبل الدخول إلى الحمام ، عالم الناس ، ذلك أن خارج الحمام يوجد فضاء الشارع والبيت والمؤسسات المختلفة المشارب والمقاصد ، فضاء زاخر بنبض الحياة وتناقضاتها تتشكل خلاله طبائع الأفراد والجماعات التي ستسم علاقاتهم وتحدد نوعية سلوكاتهم ، ورؤاهم للحياة والوجود ، فاليدان بوصفهما إحدى وسائط اتصال الإنسان بذاته وبالآخر ، يمثلان أداة حساسة في تحديد نوعية العلاقة بين الذات وموضوع القيمة ، ونحن نعرف القيم التي ألحقتها الثقافات الإنسانية بكل من اليد اليمنى و اليد اليسرى ، وما تفرع عنهما من قيم إيجابية وأخرى سلبية تارة تنسب إلى اليمين وأخرى إلى اليسار ، خاصة الثقافة الإسلامية . إنهما رؤيتان أو قل وموقفان متناقضان من الحياة والوجود طبعتا مسيرة البشرية .. لكن ما سر هذا التناقض... ؟؟ ما أصول هذا التمايز ... أتعود إلى رؤية ثقافية محضة راكمتها تجارب السنين على مر تاريخ الإنسانية ؟ أم إلى هوية متجذرة في العضو ذاته ؟ ..
ذلك ما حاولت محافل الخطاب نسجه عبر الحالات والتحولات التي طبعت التسريد والخطاب معا . فعلى مستوى التسريد نحن أمام ثلاث تحولات ، يمثلان ثلاث وضعيات للكينونة والوجود ، انطلاقا من العنوان :
يدان ـــــــــــــــــــــــ اليدان ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ اليد اليمنى واليد اليسرى ..
الاحتمال ـــــــــــــــــ التحيين ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التحقيق .
فالعنوان " يدان " بوصفه البؤرة التي ستنبثق عنها حركة التحول المنتظرة ، يحيل على تصور مجرد ، متموضع خارج إكراهات المكان وكرونولوجية الزمن ، عار من كل توصيف أو تحديد للهوية إنه المطلق حيث لاتمايز ولا تفاضل ، إنه عالم الاحتمالات قبل أن يستحيلا إلى ذاتين محينتين تنجزان برنامجين متناقضين في عالم الموجودات ، يجسد ذلك التحول من التنكير إلى التعريف " اليدان " ، يخلع عليهما الفكر مفاهيمه ، و تلونهما الثقافات الإنسانية بتصوراتها باعتبارهما عضوين في جسد ، لينتهي التحول بالكشف ، عبر وضعية التحقيق ، عن الهوية المضمرة في العنوان ، يجسدها توصيف اليدين معا باليمين واليسار . وهذا ما حاولت تشخيصه مراحل التحول على مستوى الخطاب أيضا...
ملفوظ حالة 1 ــــــــــــــــــ ملفوظ حالة 2 ـــــــــــــــــــــــــ ملفوظ حالة 3
مفترض..................... مسكوت عنه ........................... " بعد خروجهما من الحمام..... "
ما قبل دخول الحمام ـــــــــــــ أثناء دخول الحمام ــــــــــــــــــــــــ بعد الخروج من الحمام .
فضاء الظاهر ـــــــــــــــــ فضاء الكشف ــــــــــــــــــــــــ فضاء الكينونة
فملفوظ الحالة 3 " بعد خروجهما من الحمام " يقتضي ملفوظ حالة مفترض بقوة المنطق والوجود ، و مفترضة لحظة القراءة هو ـ أثناء دخولهما إلى الحمام 2ـ وهي مرحلة مسكوت عنها ، لأنها معلومة بحكم وظيفة الحمام في عالم الناس بوصفه أداة توسط بين حالتين ، حالة ما قبل الدخول 1 ( عالم الناس )التي تقتضيها حالة الدخول .فالحمام يعتبر مصفاة ستمر عبرها الذات من حالة إلى إخرى، أداة توسط للتطهير ( لإنها إحدى وظائفه الإنسانية خاصة قي الثقافة العربية الإسلامية ، انظر المقامة الحلوانية لبديع الزمان الهمداني ، موضوع بحثي التطبيقي لنيل شهادة الإجازة ) وإجلاء ما يعلق بالجسد جراء احتكاكه بتجارب الحياة والموجودات وهو يمارس فعل المعرفة حيث المواقف المتضاربة والمصالح المتباينة والرؤى المتشعبة ، عالم يعج بالتناقضات والصراعات التي راكمتها المسيرة الإنسانية ، حيث تتحول المفاهيم إلى عقائد ومبادئ أخلاقية وسلوكية ، فيلتبس الثقافي بالطبيعي / الفطري ، ويصبح لليمين أنصاره ومريدوه ولليسار مؤيدوه والمنافحون عنه. مما يدفع المرء إلى التساؤل هل ما ينسب إلى اليمين وإلى اليسار وليد الثقافي أو الفطري ..؟
لكن حالة التحقق ستسفر عن الهوية الحقيقية " لليدين " حيث بعد الخروج تم تبادل الحديث الذي كشف عن هوية اليد اليسرى بعد عملية التطهير ، لينكشف الجوهر بعد زوال العرض ، مسفرا عما غطته التراكمات الثقافية ، حقيقة اليسرى بوصفها حالة إنسانية تداري طبعها الأصيل عبرة أقنعة لونتها الثقافات ، فبعد زوال الظاهر / العرض انكشفت الكينونة ، غرور ونفاق وزهو وخبث نرجسية غضة " انظري إلي إنني أكثر منك نظافة وبريقا " *..لكن رد اليد اليمنى كان رزينا هادئا ، مشفقا ،متأملا ، ومشخصا لهوية كانت اليد اليمنى تعرف جوهرها حتى قبل عملية التطهير الذي طال اليد اليسرى ، فكان الأمل في أن يلطف التنظيف من هذا الغلواء التي سكن روح اليسار الممارس لما يسمى بالتناقض الإقصائي عوض التناقض التكويني الذي يجعل من كل التناقض وسيلة تنافس بناء يستهدف خدمة الذات / الجسد "والإنسان".. ؟؟ وقد عمل السارد على تجسيد ذلك من خلال ملفوظات الحالة لليد اليسرى التي توجهات مباشرة إلى اليمنى مستهدفة إياها موضوعا للحديث ، موضوع كان بالإمكان أن يكون الجسد بوصفهما عضويه الأساسيين للفعل في الأشياء و الاتصال بالعالم ، يتنافسان على خدمته وحمايته .. !؟ إنها مسألة جسد وكيان أكبر من الذات ، إنه كيان أمة ضل بعض ويسارها الهدف والموضوع ، انشغال بالشخصي و المصلحي .. وتناست اليد اليسرى أن وظيفتها الطبيعية ، الوجودية تسخير قدراتها وطاقاتها لخدمة الجسد / الكل لا الجزء .. وهذا ما عبرت عنه تلك الابتسامة الطويلة لليد اليمنى مصحوبة بصمت أفصح من الكلام ... " ابتسمت اليد اليمنى طويلا ولم تجبها أبدا " * لنكون بذلك أمام رؤية عميقة للإنسان والحياة والوجود ، أمام الكينونة والظاهر ، والكائن والممكن ... أمام حقائق جوهرية وقد تعرت من كل الشعارات و ومظاهر التزييف فعملية التطهير كان منتظرا منها وسيلة تحول تزيل العارض والطارئ ليتبدى الجوهر الطيب لدى اليد اليسرى لكن مع الأسف أسفرت عن حقيقة مرة ...
يشخص ذلك البنية التكوينية التالية :
قبل الدخول ـــــــ الظاهر .................... الكينونة ـــــــ بعد الخورج
بعد الحديث ؟؟؟ ــــــ لا كينونة .................. لا ظاهر ــــــ داخل الحمام
فقبل الدخول إلى الحمام تعيش اليد اليسرى في عالم الناس على إيقاع " الظاهر " إثر الثلوين الثقافي الذي غلف هويتها الحقيقية لتخضع بعد ذلك صحبة اليد اليمنى لعملية كشف للهوية أثناء الاستحمام ، حيث " لا الظاهر " ، لإزالة العرض عنهما، فكلا العضوين إذن تعرض لظروف التحول نفسها وفق ظروف وشروط مماثلة ، لتسفر عن الهوية الحقة " الكينونة " لليسرى بعد الخروج من الحمام ، عبرت عن ذلك مرحلة الحديث التي وضعت حدا لأي أمل في التحول ، . خلافا اليد اليمنى التي لم يطلها التحول لأنها جوهر .... إننا أمام رؤية لسارد / القاص يحاول توصيف موقفه و تشخيص انشغالاته اتجاه قضايا إنسانية تهم الكون والحياة والإنسان ، نلمس آثاره في مسار كتابات القاص ...... و عنوان مجموعته القصصية ـ قلعة الأرض ـ له أكثر من دلالة ...

ــ محمد مهيم

رابط قصة " يدان "
http://www.alsultanah.com/vb/showthread.php?p=62525#post62525

فهد مبارك
16-11-2010, 08:42 AM
فيصل ..

تستاهل عزيزي
وشكرا للباحث محمد مهيم على هذه القراءة الجميلة

تحياتي

فيصل الزوايدي
16-11-2010, 10:02 PM
فيصل ..

تستاهل عزيزي
وشكرا للباحث محمد مهيم على هذه القراءة الجميلة

تحياتي

يسرني تفاعلك و دعمك العفوي أخي فهد
كل عام و انت بخير

نبيلة مهدي
22-11-2010, 10:23 AM
جميل جدا... قراءة للقصة جميلة.. شكرا لك أستاذي
فيصل الزويدي على هذا الجهد الجميل..
ودعواتي لك بالتوفيق..

كل الأحترام و التقدير

فيصل الزوايدي
23-11-2010, 05:22 PM
جميل جدا... قراءة للقصة جميلة.. شكرا لك أستاذي
فيصل الزويدي على هذا الجهد الجميل..
ودعواتي لك بالتوفيق..

كل الأحترام و التقدير

أعتز باطلالتك كثيرا اخت نبيلة و انا ممتن لدعمك الراقي
دمت في الخير