المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقاربة نقدية في نصّ ( سيدي ) للشاعر ناصر بن سالم الهاشمي


فهد مبارك
29-12-2010, 09:24 PM
تم كتابة هذه المقاربة منذ فترة وليست بالجديدة وهي بين يديكم
سيدي


يا سيدي متقاسمين الشـوق منصوف
من يــــــــوم مــا يمنـاك لمست يميني

الله غــــرسك بمهجتــي بلطفٍ وروف
وخصـــــك من الخفاق وافـي حنينـــي

لا سلهمت عينـــــي ورديت بـالشــوف
رسمك عليــــها جـــدد الشـوق فيـنــي

ومع نبض دمــي والمعاليق والجــوف
فـــــي لهفتي فــــي فرحتي فــــي انيني

مداد حبـــري دمــع وقلــيبي ظـــــروف
يكتب احــــبك والحـفظ وســط عيـنــــي

عشان ان نــاظرت بعــيونــي اتشــوف
ان العـــــيون تـــبوح ما ب الــــدفـيـني

غرست حبك بالحشى غــرس مشغوف
يا طـــيب غــــــرسٍ بالمـــودة ضميــني

اسج لا جـــــا زولك بطيف مرضــــوف
وأشــوق مـــن الـــريان للـصـايمينـــي

لا همت بك عن الفكر وانتشى الخـوف
خوفي عليك بخوف بخوف قـلبٍ نسيني

لا والذي زينـــك في شعري حــــــروف
واغلى حروفي والعـشق الــف سـينــي

لو عاذلوني عن هـــوى ســيد الـــنوف
مــا طــيــــع حــســــادي ولا عـــاذليني

يا رب تحفظلي مــــن الــناس مهــيوف
يــــا اول حــــروفه ورابــعه طينـتـيــني

سيدي ..

قصيدة تقبض بمفاوز الشوق ورؤياه ،تحاوره وتتقد من العدم حيث لا زمان ولا مكان سوى الجسد ، والروح ، وابتكارات التوجّس ، وانكسارات النظر خوفا على جراحات القلب وليس خوفا منها!.

الشاعر ناصر الهاشمي يقبض بالكلمات بلغة التيه للآخر(المتلقي) الذي تطربه موسيقى القصيدة ،فلا يترك للمتلقي مساحة سوى الهذيان اللذيذ . تجاربه الحياتية وترحاله وموسوعته في عالم الطبيعة والبيئة – عالم الحياة التي لم تلوثها أيادي البشر والتي لا زالت بفطرتها وطبيعتها- كان لها دور كبير في خلق ورسم الصورة الشعرية في نصوصه ، يُشعِر المتلقي بأنه يتوحد بالكلمات ، ويقبض بأرسان القصيدة فلا مجال بأن تترهل بين يديه..

قصيدة سيدي إحدى النصوص التي زرع فيها أبجدياته وهذيانه اللذيذ ،وهنا ومن خلال هذه القراءة محاولة للتدخل في تفاصيل تلك الرؤيا البعيدة التي رسمها الشاعر بعمق تجربته ، عاشها في معظم شبابه وتلحّف بلحافها الرهيف مشاعرا ، والقوي شوقا وترابطا ..
وسوف نقوم بقراءة عامة للقصيدة ضمن الرؤيا الكلية للنص وتاريخيته ..
-الملامح الفنيّة للقصيدة:

من الملاحظ أن اللمس كان البداية الحقيقة للمشاعر والشاعرية ، فقد أخذ النصّ بعداً آخر وبدأت تتمفصل كل العناصر الرئيسية حول القصيدة لتتحد مكونة الرؤيا والصورة بمشهدية اخترقت كل المشاعر ، واحتفلت بتجييش وتوظيف كل عناصر الأحاسيس ، ومن هنا أصبح اللمس رمزا ـ بعد حدوثه ـ للتكوّنات الفيزيولوجية التي أحدثت بعد ذلك سيكولوجية عناصر الجسد فبدأت مباشرة بخلق الشوق في موقف التلاقي ، لنجد أن الشاعر قد خلق لنا صورة رائعة بسبب التدفق السريع للمشاعر وذلك بتوفر عنصرين هما:

1-التلاقي والمواجهة
2- اللمس بالأيدي

مباشرة وبعد هذا الحدث النصّي خُلِقَ الشوق وكان من طرفين ، وهنا كقاعدة للشوق لابد من غياب طرف من أطراف الحدث حتى يكون الشوق حاضرا، ولكن الشاعر خلق الشوق في موقف اللقاء والتلامس وتواجد الطرفين ، وهذا ما يخلق صدمة للمتلقي بسبب الصورة التي اختزلت كل المعطيات لتقفز إلى الشوق بكل هذه البراعة بعد حدوث اللمس وهذا أدى إلى التناغم بين الطرفين وتعميق المشاعر ، حيث قال في البيت الأول:

يا سيدي متقاسمين الشوق منصوف
من يوم ما يمناك لمست يميني

وقد جاء الشوق في تناصفه بين طرفي الحدث ، ومن هنا نستدل من أن الترابط هذا كان ،زمنيا، سابقا على مرحلة اللمس بفترة لا بأس بها الأمر الذي مهّد وساعد على وجود الشوق وتناصفه ، مما عزّز العلاقة وقاد إلى الحنين الناتج عن الشوق ، والذي بدوره غرس المحبة والوفاء في قلب الشاعر ،حيث يقول :

الله غرسك بمهجتي بلطف وروف
وخصّك من الخفّاق وافي حنيني

البيت الثالث مرّ فيه الشاعر بلحظة رسمت أمامه كل التفاصيل ، وتمحورت أمامه البداية والنهاية ، حيث بمجرد أن تلمض العين أو تلحظ وحبيبته أمامه كأن الزمن يطول ويقسو عليه ، بسبب أن العين عندما لحظت أبعدته عن حبيبته ، وشعر بشوق وتجدد هذا الشوق عندما رسمت عينه صورة من يهوى بكل تفاصيلها ، وهي لحظة نجح الشاعر في توصيلها للمتلقي بأسلوب رائع . ومن هنا فإننا نعتبر البيت الثالث من القصيدة هو المفصل الرئيسي لهيكل القصيدة ، حيث امتصّ كل التفاصيل ، وأرغم لغة النصّ بكل عفوية أن تتّقد منه . بداية من البيت الرابع وحتى البيت الأخير من القصيدة جاءت كلها تفاصيل للبيت الثالث ، تعبّر عمّا اختزله من معانٍ ومشاعر ومخاوف ، وجيّش الشاعر لكل تلك التفاصيل ما استطاع من رموزٍ عاطفية ، جاءت سلسة وبأسلوب أجاد فنّ التسلسل التحاوري مع الداخل (مونولوج) .أما البيتان الأول والثاني فهما مقدمة للبيت الثالث وطريق للوصول إليه ، إضافة إلى ذلك فإن البيت الأول هو صدمة أولى للمتلقي في بداية النصّ .

-خصوصية العين عند الشاعر:

العين في النصّ أخذت بعداً آخر ، ونلاحظ أنها هي التي رسمت الحوار وأدخلته إلى جو مشحون بكل العواطف وكل العناصر المرتبطة بها ، وكما ذكرنا سابقا فإن البيت الثالث هو المحور الذي تتمفصل حوله القصيدة ومنه بدأت العين تأخذ وضوحا رغم ارتباطها بالبيت الأول ، وذلك عند ممارسة فعل التلامس بالأيدي ، حيث يرافق هذا التلامس النظر وبالتالي فإن العين حاضرة هنا إذ أنها سرت في جسد القصيدة ولم تكن ظاهرة ..

ومن خلال تتبعنا للقصيدة وجدنا أن العين هي المفردة الأساسية التي انطلقت منها بقية المفردات والأفعال وردود الفعل من الشاعر ، ولو تم حذف هذه المفردة سوف تفقد القصيدة توازنها وتنهدم . لذلك نعتبر العين القاعدة الرئيسية لبقية المعاني التي أفرزتها تفاعلية العين وما نتج عنها من سلوك واحتدام عاطفي ، و يمكن أن نشبّه العين بالمصنع الذي ينتج التفاعلات العاطفية وذلك عن طريق النظر والذي يمكن أن نعتبره قناة التواصل بين طرفي الحدث ، فكلما نقل النظر الصورة إلى العين من زوايا رئيسية ومختلفة كلما كانت المهمّة واضحة وبالتالي استثارة العواطف بصورة أكبر وأكثر تناغما..

وبالفعل هذا ما حدث في النصّ ، ولذلك استطاع الشاعر أن يوكل العين من خلال قناة النظر عدة مهام كانت جساما فمثلا في البيت الثالث كانت المهمة تجديد الشوق ،حيث قال :

لا سلهمت عيني ورديت بالشوف
رسمك عليها جدد الشوق فيني

وفي البيت الخامس كانت المهمة حفظ الحبيبة :
مداد حبري دمع وقليبي ظروف
يكتب أحبك والحفظ وسط عيني

وفي البيت السادس كانت المهمة البوح بما في القلب :

عشان إن ناظرت بعيوني اتشوف
ان العيون تبوح ما ب الدفيني

استخدم الشاعر فعل العين بشكل ظاهري ومحدب في الأبيات (3- 4- 5) ، أما استخدامها الداخلي المقعر وسريانها في جسد القصيدة كان في البيت الأول (ذكرناه سابقا) . في البيت الرابع اختزلت – قناة النظر- في مفهوم (اللهفة) إذ أن اللهفة تشترك معها الأحاسيس المرتبطة بالعين ،ودائما ما يكون النظر في حالة تأهب وتركيز ونقاء في هذه الحالة وبعد لقاء الحبيب مباشرة ننتقل من اللهفة وتتدخل الفرحة حيث أنها ترجمة لما رأته العين ورسمته وصورته بتفاصيله ، حيث يقول:

ومع نبض دمي والمعاليق والجوف
في لهفتي في فرحتي في أنيني

وفي البيت الثامن كان الطيف حاضرا أمام العين الداخلية أي عين المشاعر :

اسج لا جا زولك بطيف مرضوف
وأشوق من الريان للصايميني

خلاصة القول أن العين أخذت بعداً آخر عند الشاعر تملّكه النظر وزاد من شوقه وحميميته وتفاعله الداخلي ، أشعره بلذّة الهذيان وصدق المشاعر ، ونقاء القلب وتماسّه القوي مع الطرف الآخر، ومما أكّد ذلك تواجد ستة أبيات من اثني عشر بيتا ذكرت فيهما العين وقناة النظر.

إن المفردات العاطفية والمفردات الأخرى التي ترجمت وأعطت المعنى العاطفي التي ترجمتها العين أخذت مساحة ما يقرب أكثر من 52% من وزن القصيدة فكان من الأهمية أن نتطرق لها ..



-كيفية التعاطي مع المفردات العاطفية :

الشاعر ناصر الهاشمي وظّف هذه العناصر العاطفية وبعض المفردات التي تعطي معنى ضمنيا للعاطفة بطريقة جيدة أعطت النص عذوبة وسلاسة حيث أخذت تتحرك بالممكن والمتاح ، وهذه العناصر هي :
( نبض دمي – الجوف – لهفتي – فرحتي – انيني – دمع – قليبي – احبك – وسط عيني – تبوح – الدفيني – الحشى – مشغوف – المودة – طيف – أشوق – همت بك – عنّ الفكر – الخوف – عاذلوني – هوى ) .

نلاحظ أن هذه المفردات تماهت مع النصّ وأخذت تشكّل القصيدة من بدايتها وحتى النهاية ، فمن الصعوبة أن يستغني الشاعر عنها ، فكانت منسجمة مع أسلوبه وتجربته التي اختار لها المفردات القريبة جدا منه ، والتي أوصلت المعنى واقتربت من المتلقي بصورة أكبر ، حيث باح بما أراد له أن يباح ، واحتدم وتحاور مع الكلمة بكل تفاصيلها ، فكان النصّ قريبا إلى القلب .

-رؤية في البيت الأخير من القصيدة :

اتفق مع الشاعر بخصوص البيت الأخير في جانب ولا اتفق معه في جانب آخر؛ اتفق معه من حيث أن أحداث النصّ تجربة الشاعر الشخصية ، والتي يريد من خلالها أن يوضح للمتلقي عمق وأهمية هذه التجربة ، فجاء البيت الأخير تأكيدا لذلك ، ولا اتفق معه في وجود العجز على شكل لغز :

يا رب تحفظلي من الناس مهيوف
يا أول حروفه ورابعه طينتيني

وذلك حتى لا تتحول القصيدة إلى لغز يشارك المتلقي في البحث عن الإجابة وهذا ما سوف يؤدي إلى فقد جزء من حيوية الجوانب العاطفية الأخرى ، مما يؤدي إلى انصراف المتلقي إلى البحث والتنقيب عن الحل وهذا ما لا نرغب فيه بطبيعة الحال ولن تحتل مكانتها كقصيدة عاطفية جميلة معبرة عن تجربة الشاعر في مقامها الأول . ولكن إذا كان الشاعر يقصد منها اللغز وتعمد ذلك فذاك أمر مغاير ويمكن أن نتراجع عمّا تم طرحه في البيت الأخير ..

إبراهيم الرواحي
31-12-2010, 06:58 PM
فهد


شكرا لك سيدي

على هذا الطرح



لك التحية


ولي عودة لاحقا بإذن الله

فهد مبارك
31-12-2010, 09:58 PM
فهد


شكرا لك سيدي

على هذا الطرح



لك التحية


ولي عودة لاحقا بإذن الله

شكرا عزيزي

وانتظر عودتك الجميلة ابراهيم

لك المحبة

نبيلة مهدي
01-01-2011, 02:04 AM
وجدت هنا قراءة جميلة ... و دور البطولة التي أستحوذة عليه العين في رسم كل تفاصيل الشوق و اللهفة....
مما يعني أن العين لها دور رئيسي و فعال في ترسيخ كل مشاعر مندفعة.. فالعين هي المترجمة و الفاعلة و المؤثرة..

أستمتعت كثيرا بهذه القراءة الجميلة فشكرا لك أستاذي و أخي العزيز فهد مبارك.. و الله يعطيك ألف عافية فهذا جهد منك رائع.. دمت رائعا..تقبل هذا المرور..

كل الاحترام و التقدير

فهد مبارك
05-01-2011, 07:07 PM
وجدت هنا قراءة جميلة ... و دور البطولة التي أستحوذة عليه العين في رسم كل تفاصيل الشوق و اللهفة....
مما يعني أن العين لها دور رئيسي و فعال في ترسيخ كل مشاعر مندفعة.. فالعين هي المترجمة و الفاعلة و المؤثرة..

أستمتعت كثيرا بهذه القراءة الجميلة فشكرا لك أستاذي و أخي العزيز فهد مبارك.. و الله يعطيك ألف عافية فهذا جهد منك رائع.. دمت رائعا..تقبل هذا المرور..

كل الاحترام و التقدير

نبيلة ايتها الرائعة ..

أشكرك لصبرك وقراءتك لهذه المقاربة سيدتي

وملاحظاتك رائعة

تحياتي ايتها الراقية