المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عدوان،قصة قصيرة/ حمادي بلخشين


حمادي بلخشين
24-02-2011, 12:15 PM
عدوان
ما أجمل الحياة حين تكون ناجحا ووسيما و ثريا و خصوصا محبوبا من الجنس الآخر...هكذا أنا... حسنا... هذا أحدهم يستوقفني... خفضت من سرعة راحلتي الباذخة... حالما استقر الى جانبي شكرني على انسانيتي... كان في الثلاثين كما كان مجردا من أي وسامة، لكن ثيابه لا تخلو من أناقة... على كلّ، كنت في اشد الحاجة الي محادثة أي إنسان ينطق بلساني ... أردت أن أفاجئ جليسي ــ كما قررت من قبل مفاجأة زوجتي و أنا أقدم عليها من بلاد العلوج قبل يومين من موعدي المحدّد ــ سألته و حبّ الحياة يملؤني:
ــ ما رأيك في قراءة الكف ؟
أجابني ضاحكا:
ـــ كذب المنجّمون و لو صدقوا.
قلت بين ضحكتين مدويتين:
ـــ لكنني منذ اليوم سأجعلك تصالحهم .
ـــ حضرتك منجم ؟
ـــ نعم.
قال متحدّيا:
ـــ هات إذا ما عندك!
ـــ أمسكت بيسراه ألقيت نظرة خاطفة على كفه.
أفدته و أنا أتجاوز سيارة أزعجني بطء سائقها.
ــ إسمك يبدأ بحرف الميم.
ـــ هذا صحيح ... قد تكون مجرّد صدفة.
ـــ و تشتغل محاسبا.
هز كتفيه ثم قال:
ـــ على كل حال لا أبدو كعامل مناجم.
ـــ و تكره قراءة الكتب.
ـــ ككل الناس ... وهل ترك التلفزيون و أخواته أي مجال للقراءة؟
قلت معقبا:
ــ هذا صحيح ... لو كان عنترة العبسي بيننا لقال هل غادر البرابول من متصفحّ!

.. من المؤسف " أن مجموع ما يترجمه العرب سنويا يساوي خمس ما تترجمه اليونان. و لم يترجم العرب منذ ألف سنة سوى 11000 كتابا منذ العصر العباسي الي وقتنا الحاضر. بينما في اسبانيا وحدها يتمّ ترجمة اكثر من 11000 كتابا في العام الواحد! أما متوسط القراءة لكل فرد في المنطقة العربية فهو يساوي عشر دقائق في السنة، بمعدل ربع صفحة، مقابل 11 كتاب في السنة للفرد في أمريكا و 7 كتب في بريطانيا" هذا ما نشره تقرير التنمية البشرية
ـــ اعذرني لقد سرحت قليلا ... حسنا ... كما تشكو أيضا من المصران الأعور .
ـــ هذا أمر شائع بسبب التوتر، مرض العصر كما يقال.
ـــ كما انك مصاب بتعرّق شديد يزعجك كثيرا.
زمّ شفتيه ثم قال:
ـــ قد تتكرّر الصدفة.
اردفت قائلا:
ـــ كما حصلت أخيرا على رخصة سياقة.
ـــ هذا صحيح.
فاجأته قائلا:
ـــ منذ شهر تقريبا سرقت بيتك.
ـــ هذا صحيح أيضا.
ـــ كنت ساعتها في إجازة.
ـــ عجيب، هذا ما حصل لي بالضبط!
ـــ منذ يومين فقط تلقيت أحدث ألبوم لنانسي عجرم.
ـــ ...!
ــ ...و كان ذلك بمناسبة عيد ميلادك السّعيد.
صاح من فرط الدهشة:
ـــ يا الهي... انني لا أكاد أصدّق.
لم أشأ أن أضيف وانك تكره النساء الممتلئات، لأجل ذلك قاطعت زوجتك منذ تزايد وزنها. كما انك تفوق مارادونا في سرعة القذف وهذا ــ و على خلاف مارادونا ــ يحزنك كثيرا.
فجأة رنّ هاتفه الجوّال، أخرجه من جيب سترته، إستأذنني:
ــ معذرة... أستاذ.
ثم وهو يجيب متهللا:
ــ أهلا ... كيف حالك يا روحي؟
صعقني الصوت المنبعث من الجوّال... يا الهي... انني بدوري لا أكاد أصدّق ... مش معقول... ان روحه هي سميحة... زوجتي!
بعد كلمات غزل قليلة، قال لها معتذرا:
ـــ آسف حياتي، هاتفي يحتاج الي شحن... سأكون سعيدا حين ألقاك غدا... نعم يا روحي... في الشقة نفسها... مع السّلامة يا حبيّ الكبير.
قلت و أنا أرجو تكذيبا يريحني:
ـــ اسمها سميحة، و رقم هاتفها ينتهي بثلاثة أصفار... أليس كذلك؟
خبط على كتفي برفق، ثم قال معجبا بفراستي:
ـــ عفارم عليك يا أستاذ
ثم وهو يضيف:
ـــ...آمنت منذ الساعة بالتنجيم.
ظللت واجما... إلي أن نبّهي إلي وصوله:
حالما وطئت رجلاه الأرض، صافحني بشدّة، جدّد لي شكره و امتنانه... سألته بقلق:
ـــ أفدني لو سمحت
ـــ ....
ـــ بدافع الفضول ... لا غير.
ـــ...
ــــ متى تعرّفت على حبّك الكبير؟
أجابني ضاحكا:
ـــ منذ اسبوعين...
ـــ ...؟!
فاجأني بما هو أدهى و أمرّ:
ـــ معرفتي بها لا تهم ...الأهمّ عندي أنني أنام معها منذ يومين.
همّ بمغادرتي، ظللت متشبثا بيده، سألته بصوت مرتجف:
ـــ مالذي دفع بسيدة مثلها إلي السّقوط؟
قال لي بلا مبالاة:
ـــ انها تبغض " ذا القرنين"
ـــ...
ـــ أعني زوجها.
ـــ ...
ـــ ظروفها الاجتماعية السيئة هي التي زينت لها الإقتران بذلك المغفّل.
ردّدت بذلّ:
ــــ هذا فقط ما كنت أجهله!
ظل يطالعني طويلا لوى شفتيه تعجبا ... هم بان يقول شيئا لكنه سكت، هز كتفيه ثم انصرف بعد أن جدّد لي شكره .
أوقفت المحرك، بقيت واجما، لمعت في ذهني المقولة شعبية " يا آكل زرع الناس، تذكّر أن زرعك على الطريق!".... حمدت الله كثيرا على انني لم أرزق باطفال... سيكون الفراق يسيرا و غير مكلّف .
و أنا اضغط على مفتاح السيارة رثيت لمحمود، من يا ترى سينبّهه من غفلته.. لو كانت لديّ ما يكفي من الشجاعة لواجهته في الإبّان :" سيد محمود، لست منجّما، و لست أشد الطرفين غفلة، ولا اصغرهما قرنين.. لأنني قد تعرفت على زوجتك قبل شهرين و نمت معها قبل اسبوعين!"... لو طالبني بالدليل" لأجبته من فوري: " من غيرها قد أمدني إذا بكل هذا الفيض الغزير من المعلومات الشخصيّة عنك؟!".

أوسلو 14/2/2010

سالم الوشاحي
26-02-2011, 12:36 PM
أخي العزيز حمادي بلخشين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إن ماوجد في هذا النص من إطلاق نقدي على ظواهر الطلاق والخيانه الزوجيه

وعزوف العرب عن قراءة الكتب هي ظواهر إجتماعيه تجتاح الأمه الإسلاميه

وقد سلطة الضوء عليها بإسلوبك الراقئ والتشويقي بإستخدامك المنجم

كم نتمنى أن يعيها الناس لما لها من خطوره ..

ننتظر جديد قصصك الجميله أيها الفذ

حمادي بلخشين
26-02-2011, 06:18 PM
اخي الفاضل سالم
شرفني مرورك الكريم
حياك الله و رعاك
لك كل الود

صلاح عبيد
03-03-2011, 02:06 AM
مرحبا ..
شدني العنوان منذ البداية .. فقفزت لمخيلتي مباشرة اسم شخص ( عدوان ) ستكن القصة بطولته ، ومن جانب الواقع العربي توقعت هناك ( عدوان ) على الشعوب العربية ومؤامرة ما

اذن هما شخصان بطريق درب واحد .. جمعتهما الانسانية منذ بدايتها ، وأنتهت بعداوة بينهما لم نلحظ نتائج لها بينهما ولكن كانت مؤثرة على الاسرة بأقل الخسائر ، وأسفنا على من تكثر خسائره ، والقهر لمن تاه في الطريق ولم يجد سائقا أو ( منجما ) ينقذه

تملكني الكاتب وحاصرني منذ البداية لكي ابقى معه في السرد وتكملة القصة بكل حرفنة ، رغم انه جعلني أشمئز من غروره بجماله وماله وصولا لتمثيله وتقمصه شخصية المنجم انتهاء بجعله المسكين والمظلوم

رغم ادخال مسئلة تجاوز السيارة البطيئة وانشغاله بشئ اخر اثناء السياقة .. كان موفقا جدا للتاكيد على طول خط السفر من بلاد العلوج ( الكلمة التي بها تناسيناها وتناسينا ذلكم الشعب العربي وما يذوق للان من تقلبات الشقاق والنفاق الديموقراطي الحر )

تسائلت كيف استطاع التوفيق بقراءة الكف ( رغم ايماننا وحفظنا .. كذب المنجمون ولو صدقوا ) ورد طبيعي جدا .. فكيف هنا تصدق حرفيا .. توقعت ان السائق المنجم ( الوسيم ) عرفها عن طريق اهل بيت الرفيق ( زوجة ، اخت ، اقارب ) الى ان جائت العقدة باكتشاف الاتصال من زوجة الوسيم وكيف ذلك وهي تملك ( غني ووسيم ) فما الذي ينقصها ، ورغم ذلك استمر بالتنجيم والكذب على رفيق دربه وحبيب زوجته ( عدوه )

النهاية الغريبة والمفتوحة باوسع ابوابها وطريق طويل لا نهاية له من التساؤلات والاحداث والمواقف العربية الكثيرة ، فلا الحبيب العدو الغير وسيم سأل عن تلكم الاسرار والتفاصيل .. لأنها لاتهمه من قريب ولا بعيد فمجرد علاقة ستنتهي يوما يغتنم منها قدر مايستطيع
واصرار الكاتب على اصطدامنا بان جاوب افتراضا للسؤال ( بانها هي من اخبرته بتفاصيل التنجيم ) فكيف ولماذا ؟ وهل هناك سابق معرفة ؟
ومالعلاقة بين الغرب والعرب والفرق بينهما .. بالقراءة والثقافة والاطلاع .. بالامانة وعدم الخيانة .. باشياء تتعلق بالاسلام ونحن بعيدون عن تطبقه .. مجرد حفظ لا اكثر !!

كما قلت اسئلة مفتوحة مشروعة باعتقادي جعلت للقصة قوة أكثر ونجاحا اجمل

حمادي بلخشين
05-03-2011, 12:21 PM
حياك الله اخي صلاح
لك جزيل الشكر على كل هذا الإهتمام
تقبل فائق تقديري و عرفاني