المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة في قصيدة متى تكبر بعيني لعبد الناصر السديري


حمود الحجري
08-03-2011, 08:08 AM
عبد الناصر السديري ..
واحد من القلة الهائلة ، الذين ينحازون إلى القصيدة ، إلى القصيدة فحسب ، ويؤسسون لتجربة مختلفة ، ومغايرة ، تجربة تتكئ على مخـزون قرائي ومعرفي واع .
ليس سوى شعراء من هذه الطينة النادرة بمقدورهم الذهاب بعيدا ، وبعيدا جدا ، في تخوم القصيدة ، والتأسيس لاسم جدير بالقراءة والمتابعة ، والبقاء ، بكل بهائه ، في دهاليز الذاكرة .
في قصيدته " متى تكبر بعيني ؟! " المنشورة بصفحة الشعر الشعبي بجريدة عمان الكثير من المغايرة و" الانعتاق من التقليدي ، والباهت ، والبسيط الذي لا يغامر إلا بمقدار ما تتاح له المسافة بين وزن وقافية "(1) .
يأتي صوت الشاعر ، من البعيد ، من الذاكرة ، متعبا ، مرهقا ، مبحوحا ، يخامره اليأس ، فهو لطالما رفع عقيرته مناديا الآخر ، فلا يأتيه سوى رجع الصدى :
صوتي استحى
وأنا أنادي لك تعال
شايب على باب البخيل
أضناه ذل الخبز
وأرعى الكلام لخاطرك
وعي وعتب
وانته ولا تسمع
الشاعر إذا يسترجع وجعه ، معاناته ، مكابدته ، ونداءه المُلـّح الذي تستحوذ عليه الريح ، ولا تصل ذبذباته ، وارتعا شاته إلى الأخر الذي يصر على وضع القطن في أذنيه .
استرجاعـًا ينفض الرماد عن الجمرة الكامنة في الأعماق
استرجاعـًا يمهد للسؤال الحارق :
وش رجعك تنقض من جروحي الصبر
وترش عذرك ملح
سؤال مكتوي بنار التجربة
سؤال لا يتوخى الإجابة من الآخر ، بل يحمل إجابته في ثنايا حرقته .
سؤال يحمل بصيرته وبصره
سؤال يقذف حممه ، وتندلع فوهته :
تاجرت بدموعي هناك
نخاس وأحلامي رقيق
ياااااااه ، ما أقسى حرقة هذه الصورة ، وما أشد وطأتها على القلب ، فعندما تصبح الدموع تجارة ، والأحلام رقيقا تداس كرامتها وتهان في سوق النخاسة ، وتباع بثمن بخس ، دراهم معدودة ، ماذا يمكن أن يقال ؟ ، وأي قلب بمقدوره أن يصفح وأن يتجاوز ؟ :
وش عاد لك يشفع
و
وتتموضع الواو وحيدة ، الا من غنائيتها الحزينة ، وترجيعها الموجع ، مُشرعَة على الصمت والبياض ، وممهدة للنقلة / الحكم القاطع الذي يستمد قسوته من غليان الجرح الذي أججته هذه العودة اللا مرغوبة ، التي نقضت خيوط الصبر وذرّت ( رشت ) الملح على الجرح :
اليوم تيهي شجر
ما هزته ريحك ولا
رفت لك طيور الحنين
ما أجمل هذه الصورة ، وهذه الالتقاطة
ما أجمل هذا التجانس ( شجر ، ريح ، طيور )
اليوم .. ليس بمقدور ريحك أن تحرك شجري وتهزه ، وليس ثمة طيور ترفرف لك حنينا ( لاحظ مدى توفق الشاعر في اختياره للفعل " رفت " ، لم يقل مثلا طارت أو حلقت ، أو ارتفعت )
لكن كذا من شافتك
مرت علي تسجع
تقووووول :
وش لك على باب الكرامة تلده
خيبت ظن الجرح من شر مسعاك
ايدك على يانع عذوقي ( تجده )
من هو دعاك وتدري الماي ما ماك ؟!!
أنصحك جنب عن طريقي وسده
مات الخفوق اللي بالأول تمناك
أجل ، أجل ..
وعلى العكس من ذلك ، بمجرد ما رأتك ، مرت ساجعة ، رامية في وجهك ، استنكارها ، وحنقها ، وامتعاضها الشديد والمر" من هو دعاك وتدري الماي ما ماك ؟!! " .
والشاعر هنا ، وهو يمزج أو يداخل بين التفعيلة والعمودي ، في محاولة شكلية ، ليست بالجديدة ، ولا بالغريبة ، على قصيدتنا الشعبية ، يعطي الرابط العضوي لهذا الانتقال الشكلي ، والمبرر المستساغ ، لدخول العمودي هنا ويقدم له بالفعل ( تقوووول ) ويجرية على لسان " طيور الحنين " التي لم تقل الحنين أبدا ( الماي ما ماك – أنصحك جنب – مات الخفوق اللي بالأول تمناك )
هنا اشتغال على التلوين الصوتي في القصيدة ، رغم أن صوت " طيور الحنين " ليس في النهاية سوى صوت الشاعر ، ولكنه اشتغال يخلص القصيدة من الوقوع في فخ الرتابة ، بـ هكذا تنويعات صوتية ، إذا ما لاحظنا أيضا انتقال الشاعر من حالة التذكر إلى وضعية السؤال المعجون بالمرارة إلى الزمن الحاضر ( اليوم ) .
وتأتي الواو مرة ثانية ، متبوعة ثلاث نقاط متتابعة على السطر ، لتترك المساحة للصمت المعبر والموحي ، " الصمت الدال حيث الشاعر لا يقول كل شيء خطيا " (2) ، ولتمهد للرجوع للتفعيلة ثانية :
و ...
أيقنت جرحك قضى
كلما تذكرتك ضحكت
أذكر سرير ...
ما تكبر أمثالك بعيني
أبد ..
إلا إذا
إلا إذا راحت ولا ترجع ..
القفلة ، قفلة النص ، تحيل إلى البداية ، فنحن بإزاء نص دائري ، نهايته تأخذك من يدك إلى بدايته ، فالكلام انتهى غير أن إلحاح الألم والوجع لما ينتهي بعد ، فهو لما يزل يلح على الشاعر ويؤرقه ويقض مضجعه ، ويعيد إنتاج نفسه باستمرار ، هذا عدا دائرية الزمن في النص والانتقال من الماضي إلى الحاضر وهكذا :
صوتي استحى
وأنا أنادي لك تعال
ثمة خصائص أسلوبية كثيرة نجدها في النص كاستخدام اللغة اليومية ولكن بحمولة شعرية ، والترابط العضوي في النص ، الذي أتى كقطعة فنية واحدة غير قابلة للتجزئة ، والتنويع الصوتي ، والتموضع البصري للنص على الصفحة ، فالنص الجديد نصا مقروءا أكثر منه مسموعا ، وبالتالي الحيز الذي يشغله على الورق يشي بشيئ من الدلالة ، وتدوير النص / الزمن / الوجع .


الهوامش :

(1) مسعود الحمداني
(2) فتحية كحلوش ، بلاغة المكان ، الانتشار العربي ، الطبعة الأولى ، 2008

فهد مبارك
08-03-2011, 12:13 PM
جميل يا حمود

وقراءة سهلة وسلسة تتحاور مع المتلقي بكل اريحية

دمت مبدعا

فاطمه القمشوعيه
10-03-2011, 02:44 PM
حمود ..

قرائة جميلة .. تجعلك تعيش النص..

كل الشكر والتحية

حمود الحجري
12-03-2011, 08:04 AM
جميل يا حمود

وقراءة سهلة وسلسة تتحاور مع المتلقي بكل اريحية

دمت مبدعا


فهد

شكر وتقدير

حمود الحجري
12-03-2011, 08:05 AM
حمود ..

قرائة جميلة .. تجعلك تعيش النص..

كل الشكر والتحية


فاطمة


شكر وتقدير

carpenter
12-03-2011, 08:38 PM
حمود الحجري

حلو وكفى.........................

لك تقديري ايها الجميل

حمود الحجري
13-03-2011, 09:39 AM
حمود الحجري

حلو وكفى.........................

لك تقديري ايها الجميل


carpenter

شكرا "عوووووووودة "

محبتي

سالم الوشاحي
13-03-2011, 02:16 PM
الأستاذ حمود الحجري

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قراءة نقديه جميله وهذا مايحتاجه النقد الحديث

أي إعادة قراءة النص وسبر أغواره وكشف كل

الجماليات التي يحتويها ..

شكراً لك على هذه القراءة ونرجوا أن تكون هناك

لك قراءة أخرى .

حمود الحجري
15-03-2011, 09:45 AM
الأستاذ حمود الحجري

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قراءة نقديه جميله وهذا مايحتاجه النقد الحديث

أي إعادة قراءة النص وسبر أغواره وكشف كل

الجماليات التي يحتويها ..

شكراً لك على هذه القراءة ونرجوا أن تكون هناك

لك قراءة أخرى .


سالم عزيزي
شكرا لأنك هنــــــا

تقديري

محمد الطويل
25-03-2011, 02:26 PM
أخي / حمود الحجري ...........................

هي كذلك بعض النصوص تدعوك أن تتوقف عندها ... أن تعيد السير بين ردهاتها مرات ومرات ... أن تتأمل وجه الصور وأن تسافر من خلالها إلى المدى الفسيح .

هكذا أنت أخذتك القصيدة فقرأتها بعيون المتأمل حتى اكتمل الجمال .


قراءة انحدرت من غيم القصيدة .


لك التحية .

حمود الحجري
26-03-2011, 10:19 AM
أخي / حمود الحجري ...........................

هي كذلك بعض النصوص تدعوك أن تتوقف عندها ... أن تعيد السير بين ردهاتها مرات ومرات ... أن تتأمل وجه الصور وأن تسافر من خلالها إلى المدى الفسيح .

هكذا أنت أخذتك القصيدة فقرأتها بعيون المتأمل حتى اكتمل الجمال .


قراءة انحدرت من غيم القصيدة .


لك التحية .


عزيزي محمد الطويل :
تحية القلب لك

الشاعرعبد الرزاق الربيعي يقول :

( في الابداع كل منا يحمل ( مسطرتة ) التي يقيس بها المسافات الجمالية التي قطعها الكاتب في نصة الابداعي )

من هنا لكل متلقي زاوية نظره التي ينظر من خلالها إلى النص الإبداعي

ممتن كثيرا لمرور عطرك هنــا


محبة لا تنضب