المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ملعب المــــوت


حنان
01-05-2011, 01:18 AM
في ساعة متأخرة من الليل، الجو ساكن هادئ، والكل قد غطَّ في نوم عميق إلا أبا علي فقد كدر نومه صوت رنين الهاتف، الذي بدا مزعجا جدا، فمد يده نحو سماعة الهاتف بجانب سريره دون أن يفتح عينيه قائلا : " نعم.. من ؟ "!
إنه صديقه منصور وقد بدا متوترا وجلا وبصوت متقطع أجاب : " أبا علي، لقد مات ولدي.. مات في حادث أليم " !
نهض أبو علي مفزوعا من فراشه وقد أحزنه أمر صديقه منصور، إلا أنه سرعان ما تمالك نفسه وهدأ من روعه، ثم بدأ يستعد للخروج لمؤازرة صديقه في مصيبته، وكان قد تملكه الغضب وهو يفكر في هؤلاء الأولاد الذين يلقون بأيديهم إلى التهلكة، فلطالما حدثه صديقه منصور عن ابنه المتهور الذي دائما ما يلتقي مع أصدقائه في ملعب الموت - أو ما يسمونه ملعب الموت - وهو ذلك المكان الذي يتسابقون فيه بسياراتهم والفائز في جولاتهم هذه دائما - والذي يسمونه البطل- هو أسبقهم للموت وأجرأهم عليه، وبينما كان يحدث نفسه عن هؤلاء الفتية لفت انتباهه اختفاء مفتاح سيارته، وقد كان متأكدا من أنه وضعه بجانب سريره كالعادة.
بدا أبو علي مرتبكا جدا وهو يبحث عن مفتاح سيارته، وقد قاده تفكيره إلى أن ابنه الوحيد علي هو من أخذ المفتاح في مثل هذه الساعة، ولكنه ظل محافظا على توازنه وهدوئه وهو يتقدم نحو غرفة ابنه علي ليتبين الأمر، فلما كاد أن يفتح الباب سمع ضجة في المنزل، فعاد أدراجه لينظر في أمر هذا الصوت.

" علي! أين كنت في مثل هذه الساعة يا بني ؟ كيف خرجت دون علمي ؟ هل أخذت مفتاح سيارتي ؟ "
لم ينطق علي بكلمة، وقد كب بركبتيه ووجهه إلى الأرض، وعيناه مخضلتان بالدموع.
الوالد في غضب : " ارفع رأسك يا علي وأجبني أين كنت! "
إلا أن عليا ظل صامتا، حتى ألم في نفس والده أن ابنه قد تسبب في وفاة ابن صديقه منصور في ملعب الموت الذي طالما حذره منه، فمشى بخطوات ثقيلة نحو علي ليستفهمه، وكأن هذه الفكرة اللعينة قد قصمت ظهره.
وهنا رفع علي رأسه ثم قال: " والدي، هل صحيح أن صديقي يحيى ابن العم منصور قد مات ؟ "
ظل الوالد شاخصا هنيهة، ثم اقترب أكثر وقال : " ولدي، هل تسببت في موته ؟ "
فرد علي وقد بدا ذاهلا ومستغربا: " لا .. لم أكن معهم ! مات في ملعب الموت يا أبي ! هناك مات صديقي الوحيد ! لكني لم أكن معهم "، ثم اشتد صوت بكائه وهو يقول : " ألا تصدقني يا أبي ؟ "
فرفع الوالد يده ببطء، وأخذ يربت بها على كتف ابنه الوحيد وقال : " بلى .. أصدقك .. ولكن أخبرني أين كنت؟ ولمذا أخذت سيارتي؟ مازلت صغيرا على امتلاك سيارة فأنت لم تتجاوز السادسة عشر من عمرك .. لقد تكلمنا في هذا كثيرا .. اليس كذلك ؟؟ "
فرد علي : " هو كذلك "... ثم نهض واقفا وقد شعر بدوار، وكاد ان يفقد توازنه وهو يردد : " مات صديقي الوحيد.. مات يحيى.. دعني أنم يا أبي وغدا اخبرك "
توجه علي الى فراشه وقد قضى ما تبقى من ليلته ذاهلا ، حتى انبثق نور الفجر وكان قد غلبه النوم، فنام نومة طويلة وكأنه لم ينم منذ عام كامل.
وبعد ذلك..

" أين أنتم يا رفاق الموت؟ من يسابقني اليوم ؟" وبدأ صوت الضحكات يتعالى في ملعب الموت، وتقدم أيمن - أحد الأولاد الذين ألفوا الذهاب الى ذلك المكان - ثم قال : "أما زلت تبحث عن من يسابقك يا طارق !! الى متى ؟!" فأجاب طارق وقد ضحك ضحكا شديدا:"كأنك خائف يا أيمن .. هل أخافك موت يحيى يا بطل؟".
وارتفع صوت الأولاد بالضحك، حتى كاد بعضهم يرتمي على الأرض من شدة ضحكه، فغادرهم أيمن وهو يقول: " لن أكون فريسة لتهوركم! ولن اسمح لصديقي علي بالمجيء إلى هنا مرة أخرى".
ومن بعيد.. ترائى لهم شخص واقف قد أحنى رأسه..
أيمن : " علي! لماذا جئت إلى هنا؟ "، فتوقف الأولاد عن الضحك والتفت جميعهم نحو علي الذي ما إن رفع رأسه حتى بانت في عينيه نظرات استهزاء، وعلى شفتيه ابتسامة سخرية، وقال : " أنا أسابقك يا طارق !"
ضحك طارق مجددا وكان من شدة ضحكه يثير البقية، فلا يتمالكون أنفسهم حتى يبدؤون بالضحك دون توقف، وهنا قطع طارق صوت ضحكهم قائلا: " أنت أيها الصغير المدلل تريد أن تسابقني؟ ألن تنتظر إلى أن تصبح رجلا يا وحيد والديك ؟ "
غضب علي من كلمات طارق الساخرة، ثم انتزع مفتاح السيارة من يد أيمن، وعمد إليها ساخطا ناقما حتى إذا ما صار في بطنها، انطلق بها كسهم طائش يسابق الريح، ولحق به طارق محاولا اعتراضه وهو يميل بالسيارة يمنة ويسرة، وكان كلما اقترب من علي انفجر ضاحكا ساخرا وهو يلوح له من نافذة سيارته ويقول: " الحق بي يا صغير! يا مدلل"
وما هي إلا لحظات قليلة حتى فقد علي السيطرة على سيارته، فرآها تسير به عنوة نحو هاوية لا يعرف معالمها، وكأنها حيوان هائج قد فر من أقفاصه، فما كان له هم إلا الفرار من سجانه دون توقف، هنا علم علي أنه قد شارف على الخطر وأن الموت يلاحقه ويتوعده، ثم ما لبثت سيارته أن ارتطمت ارتطاما خلط وجهها بظهرها، فلا يعرف الرائي لها ملامحا ولا صورة.

وقد ازدحم الناس حولها من هول المنظر، أما طارق فقد فــر هاربا بسيارته خشية أن يراه أحد.
احتشد الناس وضجت أصواتهم وتعالت، وكأنهم في يوم محشر قد اجتمعوا للقضاء والفصل، وقد تلهفت نفوسهم لانتشال الجثة التي علموا يقينا أنها تفصدت، فلم يبقى على عظمها قطعة لحم ولا قطرة دم.
فلما أن تم انتشال جسد علي كان قد تلحف بدمه، فاستبشع البعض منظره، وهرعوا به إلى أقرب مشفى لعل بقية حياة تنازع صدره، فتسكن فيه، وتأبى الخروج مع زفراته الفارة من جسده.

فلما علم أبوعلي بأمر ولده انتفض انتفاضة أسقطته أرضا؛ فليس أقسى على نفسه من أن يفارقه فلذة كبده الوحيد، وقد احتمله البعض إلى المشفى ليلقي نظرة على ولده، قد تكون نظرة الوداع، ثم أُدخِل على ولده، وقد التف حوله بعض الأطباء؛ ليسعفون ما بقي من نبضات قلبه ويتداركونها قبل فوات الأوان، إلا أن الموت كان هو الأسبق إليه، فساق الطبيب خبر وفاته لوالده، فظل الأب جامدا ساعة من الزمن، لا حراك فيه ولا حياة، فلما أن أفاق من صدمته تقدم نحو جثة ولده، وهو يختـلس خطواته اختلاسا، حتى إذا أصبح على مقربة منه، سقط فوقه يضمه ويلثمه، وقد تضعضعت قواه فهوى بجانبه يائسا، راغبا في مرافقة ولده إلى قبره.
وبينما هو كذلك إذا به يسمع صوت زفير وأنين يقطع قلب ولده، فهب من جهده ووجعه، وانحنى على ولده يستحثه للنهوض، وقد علم أنه حي، فتوسل طبيبه أن يعيد فحصه فأعاده، إلا أن شيئا لم يتغير، ولا شيء يوحي بالحياة في جسد ولده.
الطبيب: " ولدك ميت يا أبا علي، فالقلب متوقف تماما"، لكن أبا علي لم يكن ليصدق أن ولده قد مات فظل يتوسله ويسحبه إلى صدره وكأنه يحاول انتزاعه من يد الموت.

وهنا شهق علي شهقة استفاق بها من نومه، ووجد نفسه مرتميا بين يدي والده الذي بادره قائلا: " حمدا لله أنك استيقظت يا ولدي، لقد عدت للتو من عزاء يحيى ابن عمك منصور فوجدتك في حال يرثى لها، لقد كنت تئن وتتوجع، وأنا أحاول أيقاظك ولكن بلا جدوى"
نظر علي لوالده وهو يحاول تدارك أنفاسه المتواليه التي بدأت تهبط وتصعد كلهيب نار في جوفه، ثم التفت إلى ساعة يده وقال: "لا أصدق أني نمت أكثر من سبع ساعات! وكأنها دقائق معدودة"، ثم اكمل بصوت مخنوق قائلا: " لقد رأيت مناما مخيفا يا أبي "
الوالد: " ما الذي رأيته في منامك يا بني فأيقظك شاهقا مفزوعا؟ "، تنفس علي الصعداء والتفت إلى والده ثم قال: " رأيت كيف يتعذب الآباء ويتألمون، عندما يذهب أولادهم ضحية تهور، ورغبة شيطانية في التنافس مع الموت!.. والدي.. لا أظن أني بحاجة لسيارة وأنا في هذا العمر، ولن أعود لملعب الموت مجددا.. ثق بي"
فرمق أبوعلي ولده بنظرات عطف وشفقة وقد علت شفتيه ابتسامة رضا قائلا: " أثق بك يا بني.. حمدا لله أنك عدت إلى رشدك وصوابك".
وبعد قليل هم علي بالذهاب مع والده لتعزية العم منصور، وقد عقد عهدا مع نفسه على عدم العودة لهذه الممارسات الخاطئة، التي قد تودي به وبأهله إلى الهلاك.

حنان
01-05-2011, 03:37 AM
القصة شيفة

أدخل واقرأ ولن تندم

رحيق الكلمات
01-05-2011, 09:10 AM
قرأتها فعلا قصة جميلة ومحزنة بنفس الوقت ليت شبابنا يقرأوا مثل هذه القصص لعلها تكن طريق لهدايتهم

سالم الوشاحي
01-05-2011, 11:39 AM
الأخت الفاضله حنان

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قصه مؤثرة بالفعل وبدرجة كبيرة

ورساله جميله نهديها إلى الشباب

وليت الشباب يعي خطورة التهور

والسرعة الجنونيه في الشوارع

ومايأول به الحال على الأهل

من أحزان طيلة الدهر ....

بارك الله فيكِ اخيّه على هذه القصة

حنان
01-05-2011, 01:23 PM
قرأتها فعلا قصة جميلة ومحزنة بنفس الوقت ليت شبابنا يقرأوا مثل هذه القصص لعلها تكن طريق لهدايتهم


أتمنى أن تصل الرسالة بالفعل
سرني مرورك

حنان
01-05-2011, 01:24 PM
الأخت الفاضله حنان

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قصه مؤثرة بالفعل وبدرجة كبيرة

ورساله جميله نهديها إلى الشباب

وليت الشباب يعي خطورة التهور

والسرعة الجنونيه في الشوارع

ومايأول به الحال على الأهل

من أحزان طيلة الدهر ....

بارك الله فيكِ اخيّه على هذه القصة



بوركت أخي

شاكرة مرورك اللطيف

نبيلة مهدي
01-05-2011, 06:04 PM
عزيزتي حنان..
قصة فعلا مؤاثرة جدا..
قرأتها و شعرت بالألم ...يااااااااااه

سلمت يمناكِ أيتها الرائعة..
سأنتظر منكِ الجديد...

مودتي

حنان
01-05-2011, 06:42 PM
عزيزتي حنان..
قصة فعلا مؤاثرة جدا..
قرأتها و شعرت بالألم ...يااااااااااه

سلمت يمناكِ أيتها الرائعة..
سأنتظر منكِ الجديد...

مودتي

تسلميـــــــــــن عزيزتي
شكرا لمرورك اللطيف

عادل الغافري
01-05-2011, 10:58 PM
قصة جميلة ومؤثرة جدآ
عنوان مناسب والسرد رائع
الله يهدي شبابنا الطايش

حنان
03-05-2011, 02:11 AM
قصة جميلة ومؤثرة جدآ
عنوان مناسب والسرد رائع
الله يهدي شبابنا الطايش



اللهم آآآميـــــن

شكرا لك أخي

مع التحيــــة

حنان
03-05-2011, 02:11 AM
http://www6.0zz0.com/2011/05/02/22/666827802.gif (http://www.0zz0.com)

ضي
10-05-2011, 10:37 PM
قصة جميلة ومؤثرة جدا ...
الله يهدي شبابنا الطايشين ..
سرد مميز ورسالة اتمنى ان تصل للجميع ..
راق لك ما كتبتي حنان ..
واصلي ابداعك ...