المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أشتاقني !


مريم
15-06-2011, 04:44 PM
اخترقت كلماتهُ الأخيرة طبلة أُذني ، تردد صدى حروفه كنشازِ عالي مُخلفاً صداعاً شديداً أرخى بستائرهِ السوداء على عالمي ، فاستحال الكون أمام ناظري مُشوهاً بغيضاً وثمةُ غصة تخنق أنفاسي .

كيف تجرأ هذا الغبي على طلبِ أمر قذر كهذا مني ؟!

أيُّ فتاة ألبسنيها ؟

اتجهتُ إلى المرآة ، لم أبصُرني ، أبصرتُ أخرى !

اتسعت حدقتا عينيّ اقتربتُ أكثر ، أمعنتُ النظر ، لكنني لم أرني ، كانت على المرآة فتاة أخرى ، لستُ أنا ، فتاة تشبه ندى !

بحثتُ عن ملامحي والفتاة التي كنتُها لكنني لم أحضا سوى بالكلمات المتقاطعة تحيطُ بها الأوهامُ والتساؤلات .

اضطرب فؤادي وتسارعت نبضات قلبي ، شعرت بأن الغرفة تخلو من أدنى ما أحتاجُ إليه من الهواء فهرولتُ إلى النافذةِ أطلقتُ صدرها وحاولتُ جاهدة أن أعبَّ من النسيمِ قدر استطاعتي .

ألفُ فكرة كبلتني بالقيود والهواجس ، جعلتني عاجزة حتى عن استعادة الحدث .

سبرتُ أغواري أنشدُ الأمان وأتسول الإجابات محاولة جسَّ قلبي المتشظي ، أصبتُ بالدوار ، و وجدتني قشة تائه في عرضِ البحر.

فتاة يطوقها الحياء ، ترسمُ البراءة ملامحُها ، بعينين حالمتين بالغدِ الجميل ترتلُ الصلوات وعلى صفحة وجهها تشرقُ سماء القرية ، ابتسامة أم وأحلام تلونها السذاجة والطاهرة على حدِ سواء، تلك الفتاة التي كُنتها .

ندى ... هذه الصورة التي تقفزُ الآن أمامي ، تكبر الصورة ، تكبر ، أتقزم ، تكبر وتلتهمني .

أبهرتني ندى منذ لقاءي الأول بها ، أقحمتُ نفسي إلى عالمها – وكم كان ذلك بسيطاً – وأصبح اسمها واحداً من قائمةِ أحبها من الصديقات ، سطع اسم ندى مع الأيام ، بهُتت أسماء الصديقات ، تلاشت ، ثم غابت وبقى اسم ندى نجماً ساطعاً في سمائي المتصدعة .

ندى خازن الجنة الذي سيقودني إلى جادّة الصواب ؛ لأصبحُ الفتاة التي أريد – الفتاة التي تشبه ندى – الفتاة الجميلة ، الجذابة التي تستولي على الاهتمام وتلفتُ الأنظار .

أتقنتُ مع ندى فن المحاكاة كبغبغاءِ أرددُ كلماتها وكالأعمى أسيرُ خلف ترهاتها ، ألبسُ ما تلبس ، أفكر بما تفكر ، مجهضة معتقداتي السابقة ، ضاربة بمبادئي وأفكاري الأثيرة إلى روحي عرض الحائط ، كل شئ يهون لأصبح كأيقونتي المقدسة – ندى – هذه الفتاة الحلم .

في بعض صباحاتي كنتُ ألمح على عجل وجهُ ندى ينعكسُ على مرآتي ، ظلال عينيها و أحمر الشفاه اللامع الذي تتأكدُ من لمعانه بين الفينة والأخرى.

إلى أي مدى كانت أعماقي خاوية لتمتلئ بتلك السرعة بصورة ندى ؟

أخرستني الأسئلة وأسكنتني الحيرة ، قبائل من الخفافيش بعثرت سكينتي وأسقطتني في جُب من الوجع .

يوم ، يومان ، ثلاثة أيام وأنا والألم لا ثالث لنا ، تأسرني حيطان الغرفة الباردة ، أبحثُ عني بين كتبي ، دفاتري ، وأشيائي القديمة التي لم تعد تروق لي ، خارج تغطية العالم بأسره ، تراودني رسائل ندى واتصالاتها أعيد ترتيب صورتها ، أتقزز عندما أجدُ صورتي متطابقة مع صورتها أجدني ظل ندى ، شيئا منها ، كائنُ ملتصقُ بنزقِ ليضئ دربه المعتم بنجمِ مرّ آفلاً وتوهمهُ قمراً .

عندما جاءت ندى لزيارتي بعد أسبوع تحمل سلعها الرخيصة ، بقيتُ صامتة ، ثم ابتسمتُ شاكرة لها سعيها لتركيب صورتي التي تريدها ، وكنتُ أسعى لها و صوتا من أعماقي كان يسترسل بألحانه العذبة عوداً أحمداً يا سارة .

سالم الوشاحي
15-06-2011, 05:35 PM
الأخت الفاضله مريم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قصة جميلة وتصوير راقئ في الأحداث

الف الف شكر لهذا الطرح الرائع

أتمنى أن أرى جديدك عن قريب

زهرة النوير
15-06-2011, 09:14 PM
يا سلام === عجبني ماقرأت لك

دمتي معطاءة

عادل الغافري
20-06-2011, 09:47 PM
مريم
قصة جميله جدآ
أتمنى لك المزيد من الابداع

عبدالله العمري
21-06-2011, 12:51 AM
سعيد جدا بهذه الأقلام التي تشد القارىء للمتعة

والكاتب للأستفادة..

القصة بلا شك أحتوت على الجمل المترابطة وزد على ذلك المفردات المناسبة

صياغة محكمة


شكرا أختي

أمل فكر
21-06-2011, 06:55 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اخت مريم جميل ما كتبتي
قصة اجد فيها كلمات دافئة لعلها تعيد امثال سارة
وتسترسل الحان من دواخلهم عودا احمدا

رائعة اختي>> تقديري^^

الدكتور طاهر سماق
09-07-2011, 01:34 PM
ليس سهلاً أن نواجه أنفُسنا بهذه الصراحة ..
وعلى الملأ ..
وليس صعباً أن نحافظ على كينونتنا واستقلال شخصيتنا وتميُّزِنا ..
فقط .. قليلٌ من الدعم المعنوي يأتينا من الأهل ..
ونصبح بعدها .. أنفُسنا وليس غيرها

دائماً يجتاحُنا الندم عندما نتقوقع خلف أمثولة ما .. وننسى أن جمالَنا في تميُّزِنا