المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثرثرة


مريم
23-06-2011, 11:44 AM
تستيقظ وتستيقظ الهواجس الساذجة معها ، تدغدغ أمانيها وتنحت في عظام رأسها حروف مختلفة المشارب ، متباينة النهج بألوان الفجر والعتمة .
ترتب جدولها الروتيني بفكرة واحدة ، تمارس طقوسها اليومية كالمعتاد ، تتشاجر مع ذاتها الثرثارة ، تحاول إسكاتها ولكن دون جدوى .
تحشر جسدها داخل سيارتها بتقاعس ، تدير المحرك وتتقافز الهواجس إلى مخيلتها بتدفق أكبر .
( ألف سبب قد يجعلني أغادر هذه الشوارع الغبية وأرزق حضن الأرض إلى أبد الآبدين ).
تعدل من جلستها ، وتسير بديهيا بسيارتها إلى مكان عملها .
وتظل تثرثر ( حينها سأتألم قليلا ثم سأرحل وللأبد ، قد يحزن زوجي قليلا وقد يتظاهر بالبكاء خجلا من عيون المقربين أو فرحا لأنه سيغدو أكثر حرية وسيصبح بإمكانه إطلاق العنان لعينيه في كل اتجاه وبكل تأكيد سيستمر في التهام وجوه الممثلات والمذيعات ).
( ولعله سيفضل البقاء عازباً ، أو سيفكر في الزواج من ربة بيت ، أعلم بأنه أصبح يكره النساء العاملات )
تبتسم ( ولن يتوقف عن لعن المثقفات )
تصل إلى مقر عملها وتباغتها الواجبات اليومية ، تصافح العديد من الأيدي وتهرب من وجوه أخرى تمقت ملامحها .
وتتوقف عن الثرثرة حالما يصل صوتها إلى مسامعها وهي تلقي سلامها البارد على مدرج طلابها في محاضرتها الأولى لهذا اليوم .
ينتهي دوامها ، وتشعر بضيق يباغتها فالفراغ يقلق هدوئها ، تفكر في محاولة طالب أحمق السطو على استرخائها ليسألها سؤال تافه يشبه قصة شعره التافهة ويغادر بملامح اللامقتنع برأيها فقط لأنها امرأة .
تقرر العودة للمنزل ، ويعتريها الضيق مرة أخرى بسبب المشهد السابق الذي صورته من محض خيالها . سلب المشهد السابق جل تفكيرها وعكر صفو بالها وأراح الهواجس التي توقفت لبرهة عن الثرثرة والنعيق على مسامعها .
تصطف سريعا صور النساء اللواتي ينعتهن العالم بالعظمة أمام مرأى عينيها وتشعر بالغضب من مجتمعها الذي لا يؤمن بالمرأة سوى جسدا لا سواه .
تعاودها فكرة الإنجاب ، تحدث نفسها ( الباشا في المنزل الآن ومن المؤكد سينتهز فرصة عودتي مبكرا ليستطرد بدوره في محاضراته الكريه تلك حول رغبته في أن يكون أب ، عامان وأنا أرفض وسأضل فلا قدرة لي لإنجاب ذكر مستبد ولا أنثى مستضعفه).
فجأة ودون سابق إنذار تواجه الموت الذي توددت له من قبل ، الخوف من الموت يدفعها للإسراع لفعل إي شيء لمحرك السيارة .
تحتضن مقدمة سيارتها حافلة قادمة ويرتطم جسدها الخفيف بمقدمة السيارة ، لتختنق هواجسها وتصمت للأبد .
ومن لحضتها وإلى الآن وهي بين طيات الأرض ، متوقفة عن الثرثرة وحدها أذنيها من ظلت تستقبل كل ثرثرة العالمين في كل حين .

سالم الوشاحي
23-06-2011, 12:01 PM
الأخت الفاضله مريم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قصة جميله وسرد يتضح لي بأنه متسارع

بعض الشئ...

بارك الله فيكِ على هذه القصة

فنحن دوماً ننتظر موعد مع روائعكِ الطيبة

واصلي العطاء بلأرتقاء ....

زهرة النوير
23-06-2011, 12:30 PM
سردتي القصة بشرح الحياة اللي نشعر ببطئها والركود فيها

وجات صفعت الواقع اللي ما ينحسب لها حساب في النهاية المباغتة


سلم فكرك == ودمت مبدعة

جريحة الاحساس
24-06-2011, 04:05 PM
قصة جميلة اختي

موفقة بإذن الله

تقبلي مروري

المصور حسين المكتومي
24-06-2011, 06:57 PM
سرد جميل وقصه رائعه اختي الفاضله وفقك الله

عبدالله العمري
24-06-2011, 09:23 PM
مريم

خبرتك في كتابة النص ظاهرة على موهبة الكتابة

خيال فريد ومفردات مميزة

شكرا

فيصل الزوايدي
28-06-2011, 07:38 PM
نص عميق اخت مريم .. نظرة شاملة لعالم المرأة من زاوية نسائية واضحة

أمل فكر
29-06-2011, 12:26 AM
السلام عليكم

أخت مريم دائماً كتاباتك رائعة^^

السرد الجميل أتاح للألم أن يتجسد فعلاً من وضع واقعي قد صورتيه
في قصتك...
من بداية "شغل شاغل تفكير السيدة بالقصة"، وتسلط الرجل -البعض- ونظرتهم للمرأة
وآرائهم المتناقضة -أراها متناقضة- حول المرأة المثقفة، والعاملة... و و ومن ناحية لهم نظرة أخرى,

والموت,, الذي نرغب فيه في لحظة ضعف. وحينما يأتي.. صمت.

تقبلي إعجابي بأسلوبك^^