المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جَواز بنت المركاض


مريم
09-07-2011, 07:02 PM
فتحت رويه بنت المركاض عينيها بكلِ اتساعهما على المستطيلِ الأحمر ، أطالت النظر إليهِ وهو في يدِ الشرطية ، تأرجحت ابتسامةٌ نابعةٌ من القلبِ بين غمازتيها النائمتين بهدوء على وجنتيها الكاهلتين ، تعالت نبضات قلبها حتى كاد يقفز من سجنِ قفصهِ الصدري إلى يدِ الشرطية .
هل تصدقُ ما ترتله أم عينيها ؟!
أخيراً سيصبحُ لديها ما يؤكدُ على أنها مواطنة ، لم تشعر يوماً بأنها تحتاجُ إلى تأكيد ذلك ؛ فهي لا تعرف من الوطنِ سوى هذه القرية الرابضة تحت سفح الجبل الذي تهشُ فيه على ماشيتها ، لكنَّ الفرحة اليوم مدَّت لها من مدادِ السعادة بقدر ما حلُمت وأكثر .

ترنمت في سرها ( كُبره كما الكف ويلف العالم لف ) ، كادت أن تنطلقُ من بين شفتيها الغليظتين ضحكة عندما همس صوت الأنا في أذنيها :
يا الله يا رويه صار عندك جواز وعليه عكسك بعد
فكرت بأن تحملهُ غداً معها أثناء الرعي ؛ ربما تصادف صبيحة أو غيرها من نساءِ القرية ، تراجعت سريعاً عن هذه الفكرة ومطت شفتيها بحسرة عندما تذكرت بأن سالم بن حمود لم يترك امرأة في القرية ولجت إلى الواحد والعشرين من عمرها إلا وضمها مع الجمع الغفير من النساء اللواتي حشرنَّ أجسادهنَّ في الحافلةِ التي ما كلت عن القفز تحت وقع الصخور المشاكسة التي كلما تغافل سائق الحافلة عنها ارتطمت بعجلاتِ الحافلة.
قال سالم بن حمود : بأن راشد الخضراوي لن يكتفي بمنح كل امرأة فرصة الحصول على جوازِ سفر ، بل وسوف يدفعُ لكلِ واحدة منهنَّ تعويضاً مادياً عن الوقتِ الذي ستقضيه في الذهابِ والإياب لتخليصِ معاملة جواز السفر .
شعرت رويه بنت المركاض بالدوار وتذكرت بأنها لم تبدأ صباحها هذا اليوم بخمسة فناجين قهوة كالعادة ؛ فلقد ظلت طوال الليل ساهرة تحلم بالجواز ، كما أنها خرجت تنتظر الحافلة أمام محل الشايب خليفة الأعرج منذُ بواكير الفجر الأولى خوفاً من ذهاب حُلمها بالجواز إلى غير رجعه .
جلست القرفصاء على الأرض بينما عينيها تصور الأحذية ، أحذية رجال شرطة ، أحذية بكعب عالي ، أحذية رجالية ، التفتت إلى حذائها الرجالي وخلعتهُ جانباً ، مرَّ شاب بحذاء يشبهُ حذاء أستاذ ناصر البطران ، تذكرت قوله عندما مرّ عليها مساء أمس وهي ترشُ الماء أمام عقر دارها .
راشد الخضراوي لا يقدم شئ لسواد عيونكن ، يريد يوصل وبس وباكر ما أحد بيشوفه!
هي لا تفهم شئ مما يقوله الأستاذ ناصر البطران ولا تريد أن تفهم ؛ كلماتهُ صعبه وهي لا تجيد فهم لغة المتعلمين ، كما أنهُ بطران لا يُسلم على أحد فلماذا مرَّ بالأمس على معظم نساء القرية وقال ما قال ؟!
قال كلمات كثيرة ... حق الإنتخاب ، الترشيح ومجلس الشورى هي تعرفُ بأن الأخير مكان يجتمعُ فيه البعض تشاهدُ بعض جلساتهم في التلفاز ، لكنها لا تُحبُ متابعة جلساتهم ، وتكره الأيام التي يستبدلُ فيها المسلسل الليلي بعرض تلك الجلسات .
مسحت جبينها بشالها الأخضر فتذكرت الخضراوي ، هي لا تحبُ هذا الرجل ولا تكره ولا تعرفه ، لماذا يقول عنه المتعلمين من أمثال الأستاذ ناصر البطران بأنه لا يستحق الترشيح ، لم يفعل شئ سئ بحقهم ، حقق لها حلم الجواز الذي طارت روح المرحوم قبل أن يحققها ، وسيدفع لها ما سوف تشتري به برسيماً للماشية عوضاً عن الرعي هذا اليوم .
كانت أصابعُها ملطخةُ بالحبر الأزرق الذي بصَمتها الشرطية بواسطته على أوراق كثيرة ، سمعت اسمها ، اتكأت على الحائط واتجهت إلى الشرطية ، شعرت بأن الكون لا يسعُ فرحتها ، راودت روحها صورة البيت الحرام ، نزعت الجواز من بين يد الشرطة وفرت دمعة من عينيها ، قبلتهُ كثيراً ، واشتهت أن لا تبعده عن ناظريها لكنها دستهُ في جيبِ الحقيبة الجلدية التي اشترتها خصيصاً للجواز منذُ سنواتِ طويلة .
أحداث أخرى حدثت لم تهتم بها رويه المركاض ، بَصَمتْ على ورقة أخرى ، رمتها في صندوق ما مثلما فعلت كل نساء القرية ، الأستاذ ناصر البطران توعد القرية بالكثير من المصطلحات التي لم تحاول رُوَيه فهمها .
الليلة نامت رويه المركاض وتحت وسادتها خمسة ريالات ، نامت تحلمُ باكتمال المبلغ الحُلم الذي به ستزور بيت الله الحرام .
هل شاهدت بعد مدة راشد الخضراوي في المجلس يتكلم بمصطلحات لا تفهمها ويقول بأنه فعل وسيفعل أشياء كثيرة في القرية ؟!
كانت تعرفُ شئ واحد ... الخضراوي تسبب في حصولها على جواز سفر ومنحها خمسة ريالات ... هذا فقط لا غير .

السبت
9/7/2011

سالم الوشاحي
09-07-2011, 08:10 PM
الأخت الفاضله مريم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قصة جميله تجسد معاناة وحلم

بارك الله فيكِ أخيّه

واصلي التميز والرقئ معنا

ننتظر جديدك بكل شوق

محمد عباس على
13-07-2011, 09:38 PM
عرض جيد ولغة سلسة واسلوب راقى ..تقبلى مرورى

مريم
14-07-2011, 04:14 PM
للأرواح العابرة من ها هُنا

يآسمين