المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة في القصائد المشاركة بالملتقى الادبي 17 في نزوى للكاتب حمد الخروصي


محمد الراسبي
04-08-2011, 03:49 PM
قراءة في القصائد المشاركة بالملتقى الادبي 17 في نزوى للكاتب حمد الخروصي


السلطنة :

مقدمة:

ما الشعر؟ وكيف نستطيع القبض عليه وهو كالماء؟ طعمه الحب ولونه السماء ورائحته الأرض.. يغيب فيحضر سرابه، ويحضر فتغيب صورته. نبحث عنه فلا نجده إلا في وجداننا. منزويا في أعماقنا، مستسلما لخدر الروح. لا تفضحه سوى العاطفة ولا تتعرف عليه سوى القلوب المبصرة.


هكذا مر الشعرُ في ردهات القصائد المشاركة في الملتقى الأدبي (17) بنزوى، متخفيا في صورة شعرية بإحدى الأبيات أو متبيّنا في عبارة شعرية أخرى. ومن الصعوبة أن نرصد حركته المتسارعة أو المتباطئة بدون متابعة متأنية ودقيقة وقراءة متمهلة للقصائد المشاركة. وهذا ما أحاول أن أقدمه للقارئ الكريم خلال هذه القراءة التي تفسّر الأسباب التي من أجلها تقدمت قصائد على قصائد أخرى في الترتيب النهائي بالمسابقة. كما ألفت انتباه القارئ العزيز بأن القراءة ستستعرض سبعة قصائد من أصل ستة عشر قصيدة. بينما سيتناول الشاعر خالد بن نصيب العريمي القصائد الأخرى والعريمي كان عضوا في لجنة تحكيم الشعر الشعبي حيث اتفقنا على توزيع القصائد ما بيننا وعلى نشرها منفصلة، حتى نضمن شموليتها وتركيزها في بعض المحاور المهمة.


تشتمل هذه القراءة على القصائد الفائزة بالمراكز الأول(مدى) والثاني(توبة) والثالث(تميمة)، والقصائد التي لم يكن لها نصيب في المراكز الخمسة الأولى وهي (صدى من قصر المتوني، ثامنها، رسالة عريس، شلة العربان). وإن كانت المساحة لنشر القصائد كاملة للقارئ غير كافية إلا إن القراءة ستتضمن أكثر عدد ممكن من الأمثلة لنستشهد بها في المكان المناسب، وسنبدأ أولا بالقصائد المتميزة التي تأخرت في الترتيب النهائي، لايستضاح سبب التقهقر، مع ذكر الجماليات التي تضمنتها.



1- (صدى من قصر المتوني) للشاعر عبدالعزيز العميري..

موضوع القصيدة يتحدث عن ذكريات قصر المتوني الذي بناه السيد سعيد بن سلطان ومدى ارتباطه بوجدان الانسان العماني. فالشاعر يتحدث بحنين غامر عن هذا القصر المرتبط في وجدانه بالحضارة العمانية منذ مجان.. حيث يخاطب في قصيدته بشكل مباشر قصر المتوني ومجان ، وبشكل غير مباشر يخاطب الإنسان العماني.. القصيدة تظهر موهبة شعرية تتكئ على الخيال المحض وقد نجح الشاعر في بعض الأحيان بخلق صورة شعرية مدهشة كما في هذه الأبيات ( طحت من فم الزمان، أضرب بالسؤال المرَّ بيبان الجراح، للمتوني طوب يصْرخ كلَّ ما هزَّه حنين، فزَّ رمل الارض يتوضأ / الجباه، كم زرعْنا الظلَّ نصْطاد الغمام) إن براعة الشاعر الذهنية وثقته بإمكاناته اللغوية تسببت في الكثير من العيوب الفنية ومنها صياغة الصور الشعرية المبهمة والتي لا تقود لمعنى شعري يخدم القصيدة كما هذه الصورة ( عقدها المجموع من شمس السنين،، انقطع بيد الزمان،، والف عام تناثرت وانا وحيد،، أجمع الأعوام من تحت الخريف) في العبارة السابقة فأن الشاعر يستذكر حضارة مجان التي يتشكل عقدها من شمس السنين ولكن هذا العقد انقطع بيد الزمان وتناثرت منه ألف سنة وهي الفترة التي حكم فيها العمانيون زنجبار.. وفي الجملة الأخيرة فأن الشاعر يحاول أن يجمع الأعوام المتناثرة ليعيدها إلى العقد، وهو يجمعها من تحت الخريف!!. لاشك أن تفسير الشعر بهذه الطريقة يقتل جمالية الغموض الشعري ولكنه يعرفنا على أسلوب الشاعر في تركيب صوره الشعرية، فهو يبالغ في إكمال أجزاء الصورة حتى ينزلق باستخدام مفردات بدون روح مثل (المجموع، أجمع) أو يبتكر صورة لا تؤدي لمعنى نستطيع تأويله مثل ( أجمع الأوراق من تحت الخريف)، فالخريف رمز للموت والأفول والسقوط والانتهاء، والخريف هو من تسبب في سقوط الأوراق التي ترمز إلى الأعوام المتناثرة، إن المتلقي يستطيع تخيل الشاعر وهو يجمع الأوراق الساقطة في فصل الخريف من تحت الشجر هذا المعنى يحتوى على معنى المعنى وهو المعنى النفسي الذي يقصده الشاعر حيث يحاول بقصيدته أن يجمع تاريخ زنجبار بعظمته وشموخه وكبرياءه غير أن عبارة من تحت الخريف لم تكن ناجحة، فلا يحيلنا رمز الخريف كما جاء في العبارة الأخيرة إلى معنى رمزي ولا إلى معنى نفسي بل أن المتلقي تصيبه الحيرة، فكيف له أن يتصور أن الشاعر يجمع الأوراق من تحت السقوط والانتهاء والأفول.. ومن الصور المتكلفة التي يبالغ الشاعر في تركيبها هذه العبارة ( صرنا نبيع الحزن في سوق السنين)، فبرغم براعة الاستعارة في عبارة (صرنا نبيع الحزن) غير أن محاولة الشاعر لإقناع المتلقي بواقيعة الصورة مزعج فحينما يقول (في سوق السنين) لا تستحسنها النفس، فالمتلقي يعلم بأن الحزن لا يباع حقيقة ولكن الشاعر يحاول إقناعه بصورته الشعرية حينما يكمل بأن هذا البيع يتم في السوق.. وكأنه سلعة حقيقة. إن الاشتغال الفكري الذي حرص عليه الشاعر في كتابة قصيدته قاد القصيدة إلى الكثير من المزالق الفنية ووضح في بعض العبارات تعمده استخدام الجناس بدون ضرورة فنية فجاءت العبارة شكلية كما في هذه الفقرة ( يالصواري قبل ما تنبت كفوف من الوداع،، غني اليامال وامجادك شراع ،، البحر سفره سعيده ,,, والهوا ربي يزيده،، وتهتفيني وْتهت/فيني) ويبدوا التكلف واضحا في العبارة الاخيرة (تهتفيني..وتهت/فيني) فقد أدخلها الشاعر بطريقة مربكة وليس لها من مبرر سوى الجناس من أجل الجناس فقط. وإن اُعتبرت العيوب بسيطة وبإمكان لجنة التحكيم التجاوز عنها بفضل فكرة القصيدة إلا أن التكرار الذي وقعت فيه القصيدة كان هوالثقل الذي قسم ظهرها وأبعدها عن المراكز الخمسة الأولى وليس من سبب لهذا التكرار سوى دوران الشاعر حول نفس المعنى، فذهن الشاعر لم ينتقل إلى معان متجددة بل بقى ثابتا حول فكرة واحدة ولو حصرنا العبارات المتكررة في القصيدة سنتأكد من ذلك، فمثلا السنين تكررت في هذه العبارات (أتوكأ السنين، توديع السنين، شمس السنين، سوق السنين)، بينما تكررت مفردة الأعوام في هذه الفقرات(وألف عام تناثرت، أجمع الأعوام، عامٍ بعد عام) ووردت مفردة الزمان التي تؤدي لنفس معنى السنين والأعوام في هذه الفقرات(فم الزمان، إنقطع بيد الزمان، وكم نحتنا في الزمن) بينما تكررت لفظة حزن أو أحزان تسع مرات( أحزان المكان، يا حزن من علم الشطآن، كل شي بعدك حزين، نفضح حزننا، صرنا نبيع الحزن، نشطب الاحزان، وافيٍ للحزن، وما سألت الحزن).لاشك أن العميري من أميز الشعراء الشباب وقد فاز بالكثير من الجوائز الشعرية وله مستقبل كبير في تاريخ الشعر الشعبي العماني، وكلي ثقة بأن عدم فوزه قصيدته بأي مركز متقدم في صالح تجربته الشعرية، التي نتفاءل بها.



2- (ثامنها) للشاعر فيصل الفارسي


بشكل جديد كتب الفارسي قصيدته التي أراد لها أن تكون ثامن المعلقات الشعرية، وقد وزعها على سبعة فقرات بحيث تكون قصيدته هي الثامنة، وقد استهل الفقرة الأولى ببيت من معلقة أمرؤ القيس (قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل) وقام بمعارضة البيت ليفتح لخياله نافذة القصيدة فبدأ بعبارة : (ما وقفنا) وقد استهل الفقرة بهذه الجملة : (من زمان الشاعر الضلّيل لين معانق عذوق النخيل ونغمة أجراس الأماني وانسكاب الفين صبح بألف ليل .. وما قفنا) القصيدة تتسم بالروح الوطنية في معظم فقراتها ولكن في الفقرة الأولى والسادسة تكون أكثر حضورا ووضوحا.. وقد ضمن الشاعر بطريقة ذكية (فن العازي في الفقرة السادسة وتوفق في معظم الأبيات التي صاغها في هذه الفقرة تحديدا.. تميزت لغة القصيدة بالتكثيف وبالعمق، ووصلت أحيانا إلى درجة الإيغال في الغموض والتكلف سببه انقياد الشاعر التام لإيقاع القصيدة (فاعلاتن). ومن الفقرات المكثفة التي ترابطت صورها وتوالدت معانيها من رحم الصور الشعرية الفاتنة نقرأ هذه الجملة : ( من بدينا نعلق أجنحة الحمام بصارية عشق الغمام وننصب أعلام الحضارة في المنارات السحيقة لين ما شقت عزايمنا ثياب المجد في جنح السكوت، ولين لين .. ولين لين وما وقفنا)... اولا نلاحظ اعتماد الشاعر على الجملة الشعرية التامة فهو لا يوزع عباراته على الأسطر بل يكتبها متواصلة حتى ينتهي المعنى تماما، كما نلاحظ اعتماد الشاعر كليا على الاستعارات والصور الجزئية البسيطة، ومن الافت في هذه الفقرة تحديدا وجود خيط رفيع يربط الصور ببعضها البعض، علما أن بعض الفقرات افتقرت لمثل هذا الربط. إن القراءة السريعة للفقرة السابقة ستكون مجحفة وظالمة ولن تخرج بمعنى شعري لذا علينا أن نستكشف طبيعة الرموز التي وظفها الشاعر لتورية أفكاره، فلغته الرمزية تحيل إلى معان يشترك معظمنا في استخدامها، فمثلا: الحمام يرمز للسلام، الصارية للعلو والشموخ، المنارات السحقية ترمز للمناطق البعيدة وهكذا،، وكأن الشاعر يقول أن العمانيين ما توقفوا عن نشر السلام والمحبة والسفر لأقاصي الأرض لنشر حضارتهم وثقافتهم، وهذا المعنى يواري معنى آخر وهو استدعاء الامبراطورية العمانية التي توسعت في شرق أفريقيا وكان لها مجدها التاريخي.. إن التناسق والتناغم بين اللغة الرمزية والمعنى العميق الممتع قد اصطدم فجأة بعبارة كسرت الرتم التصاعدي للقصيدة، وهي: (لين ما شقت عزايمنا ثياب المجد في جنح السكوت) عند تحليلنا للعبارة الأخيرة سنكتشف معنى يضعف المعاني السابقة ويشوه الصورة الشعرية : فمفردة لين تفيد لحظة الانتقال (من و إلى) أي الانتقال من مرحلة التوسع ونشر الحضارة إلى مرحلة أخرى ولكنها غير واضحة فالشاعر يتحدث عن مرحلة أن العزيمة تشق ثياب المجد في جنح السكوت.. والطبيعي الذي ننتظره أن العزيمة تشق ثياب الذل أو الخنوع وليس ثياب المجد، فثياب المجد رمز للكبرياء والشموخ والانتصار فكيف لها أن تتمزق بعزائم الرجال التواقون للمجد.. إن ثياب المجد هي الغاية والهدف اللذين يجب أن تصل إليهما خاتمة الجملة الشعرية.. لقد نسف الشاعر أفكاره الجميلة التي عبّر عنها بداية بلغة رمزية عميقة وذلك بسبب الإغواء اللغوي ووقع في فخ اللغة الرمزية المبهمة. فلقد أعتمد كليا على خياله وتركه يأخذه دون هدف أو غاية سوى خلق الصور النادرة، كما جاء في المقطع التالي من الفقرة الرابعة : ( تدري أنك كنت تنحت صورتك بأقصى صرير الروح وتلف العمامة فوق رؤوس انسامها).. في هذه الجملة تحديدا سنرى إلى أين تقود اللغة الرمزية المبهمة، فالشاعر يخاطب ( شخص غير واضح) ربما هو الشاعر نفسه قائلا أن عمان تعلم بأنك كنت تنحت صورتك باقصى صرير الروح، لنحلل هذه الصورة:الصورة ترمز للشكل والهوية، والروح ترمز للانتماء والوطنية، وما يؤكد هذا المعنى الجملة الأخرى(وتلف العمامة) حيث ترمز العمامة للرجل العماني.. ولكن كيف نستطيع تركيب هذه الصورة في أذهاننا، فصرير الروح، صورة سمعية وهي صورة عسيرة الفهم، وهي بعيدة المنال لصعوبة تخيل أن تأخذ الروح صفة صوت الباب ، ولو تجاوزنا هذه الصعوبة فلن نستطيع أن نتصور إن النحت يقع في الصرير، فنحت الصورة، هي صورة شعرية محسوسة نستطيع تخيلها ولكن أن يقع هذا النحت على صرير الروح فهي صورة مبهمة معقدة مغلقة المنافذ، ولو قدرنا أن الشاعر لم يعني أن النحت وقع على أو في: صرير الروح بل قصد أن النحت حدث بواسطة صرير الروح والدليل حرف الباء، فهو يقول بأقصى صرير الروح.. لتشوّه حينها المعنى أكثر وأرتبك تركيب الجملة، ولن نستطيع تخيل أقصى صرير الروح كفاعل محسوس.. وكذلك لا نستطيع تخيل الانسام أن لها رؤوسا تلف بها العمائم..أنها صورة مبهمة متكلفة وقد أضرت بالمعنى بسبب تشوش الفكرة في ذهن الشاعر وعدم وضوحها حتى يتمكن نقلها بشكل شعري فني جمالي. وفي الفقرة السابعة نصادف نفس الإبهام حينما نقرأ ( يا دفا القيظ استلم ذيك الايادي النابتة ف الغيم وارسلها تبروز صورة أوراق الخريف)، ولا يمكن للمتلقي أن يشكل هذه الصورة المعقدة حيث يستلم دفا القيظ الايادي النابتة في الغيم ليرسلها كي تبروز صورة أوراق الخريف!!، فبداية عبارة دفا القيظ غير مفهومة، فالدفاء لا يكون إلا في الشتاء، يقول بدر شاكر السياب في قصيدة أنشودة المطر: (دفءُ الشتاء فيه وارتعاشة الخريف). ومن الملاحظات على قصيدة (ثامنها) أن كل فقرة لا ترتبط بالفقرة التي تسبقها ولا بالتي تليها، ويستطيع القارئ أن يحذف أي فقرة بدون تأثير على القصيدة، وكأن القصيدة مركبة من عدة أجزاء بدون ضرورة فنية، ويتضح أسلوب التركيب الجامد في الفقرة الثالثة حيث كثّف الشاعر من لغته الرومانسية الحالمة ووظف مفردات حالمة مثل( الوله،الاحلام، النايات، الغربة، الشوق، الوجنتين، ......) والمدقق لهذه الفقرة سيشعر بالروح الرومانسية الحالمة التي تطبق على اللغة( وارسل العطر لجبينك) أو ( وانفي النايات للغربة وأسراب النوارس) ، بينما ختم الشاعر الفقرة ببيت شهير لزهيربن أبي سلمى يتضمن الحكمة الخالصة، وهو بذلك أنتقل من عالم رومانسي ممتع إلى عالم واقعي عقلي معلوماتي ويكفي أن نقرأ هذا البيت بعد قراءتنا للفقرة : ( ومهما تكن عند أمرئ من خليقة.. وإن خالها تخفى على الناس تعلم)، فلا توجد أية علاقة ما بين بيت زهير والجمل الشعرية التي أستخدمها الشاعر.. كما أضر بالقصيدة الانتقال الموسيقي من إيقاع تفعيلة بحر الرمل (فاعلاتن) الذي أستخدمه الشاعر في كل قصيدته إلى تفاعيل الأبيات التي ضمنها من المعلقات كما في بيت زهير الذي جاء على البحر الطويل (فعولن مفاعيلن..فعولن مفاعيلن) وايضا بيت امرؤ القيس الذي ضمنه الشاعر في الفقرة الأولى. وبرغم لغة الشاعر الرمزية المكثفة غير أن القصيدة انزلقت عباراتها في الحشو كما في هذا البيت : ( في جبين الشعر ينساب الأنين...فاعلاتن فاعلاتن فاعلات) فالشطر الثاني من البيت لا يقدم شيئا سوى معلومة عن البحر الذي استخدمه الشاعر في كتابة (قصيدة العازى) في الفقرة السادسة برغم أن الفقرة بدأت ببيت من معلقة عنترة وهي من بحرالكامل وتفعيلته متفاعلن متفاعلن متفاعلن... وكذلك من العبارات التي تعد حشوا العبارة التي وردت في الفقرة الأولى ( وأنسكاب الفين صبح بألف ليل) .. وبرغم هذه الملاحظات غير أن السبب الرئيس في تراجع ثامنها عن المراكز الأولى كان عدم ترابط أجزاءها معا، حيث وضح أن كل جزء هو قصيدة مختلفة عن الجزء الآخر، ولم يتضح أن هناك ثيمة واحدة تربط بين الأجزاء جميعا، وحتى الأبيات التي يضمنها الشاعر من المعلقات فهي لا ترتبط بالغرض الوطني الذي وسم الشاعر به الجزء الاول والسادس من قصيدته، لقد كانت القصيدة متمزقة الأفكار ومتفاوتة الإيقاع ومتشتتة في أغراضها الشعرية.. وبانت عليها علامات الصنعة التي أفقدتها نضارة الشعر وانسيابيته وجموحه ..




يتبع....

محمد الراسبي
04-08-2011, 03:52 PM
3- شلة العربان للشاعر سليمان الجهوري

قصيدة (شلة العربان)، تتحدث عن القرية وتحديدا عن أهلها الذين لم يعودوا مخلصين لها وأوفياء بل هجروها وباعوها من أجل المادة ويستخدم الشاعر جده كرمز للوفاء والأصالة وحب الحارة..( يا جدي ماتهون سنينك العوده...تعودنا عليك وإيدك البيضاء ..يا جدي ليش راحت شلة العربان ..؟وفيديهم سواد ../و وجوههم حمراء؟؟) نلاحظ اعتماد الشاعر على الصفات (السنين العوده)،( الأيد البيضاء)،(ووجوهم حمراء)، وهي صفات تثقل كاهل القصيدة وتضعفها كما أن عبارة(سنينك العودة) لا يستقيم معناها وهي صورة خاطئة لا يستسيغها الذوق،فكيف نستطيع تخيل السنين العوده؟.. إن لفظة (العوده) تستخدم في معظم اللهجات العمانية ويقصد بها الكبيرة ولكنها جاءت في الجملة السابقة بمعنى الكثيرة.. وكأنه يقول يا جدي ما تهون سنينك الكبيرة!!.. حتى أن البعض يطلق على الجد أسم العود، أي الكبير في العمر والقدر والمكانة.. ولو افترضنا أن الشاعر يقصد بالعودة الرجعة، فإن المعنى سيختلف كليا ولن يتوافق مع حب الشاعر لجده وارتباطه به كما تظهر القصيدة. ومن الملاحظات السلبية على القصيدة استخدام الشاعر لحرف الواو بصورة مبالغ فيها لا تخدم القصيدة حيث كرره (تسع مرات) في القصيدة العمودية. وفي بعض الأشطر قد أضر إيقاع الحرف(الواو) ببحر القصيدة بل أن الوزن قد أختل في هذا الشطر :(ويعسوا من يديهم قافر الوديان).. وحتى يستقيم الوزن لابد من حذف الواو وقد تدارك الشاعر هذه النقطة عند الإلقاء بعد أن ناقشته لجنة التحكيم عنها في ورشة العمل . لقد أستخدم الشاعر حرف الواو كرابط بين الجمل لا اكثر، لنقراء : ( وحطب لك من ضلوعه موقد البردان) ،(ويموت إللي زرع وردك وريحانك )، (ويبقى لك ظليل نخيلك العوان)، وحتى نبيّن الخلل الموسيقي الذي تسبب به حرف (الواو) فيجب أن نضع الأشطر على ميزان بحر الهزَج (مفاعيلن .. مفاعيلن ..مفاعيلن) ومن الأبيات الصحيحة(غفى طرفي وأنا من داخلي شرهان ..على عينٍ ترابيهم بأحضانك)، وتكتب عروضيا هكذا(غفى طرفي.. ونا من دا.. خلي شرها+ حرف النون)، (//o/o/o) (//o/o/o) (//o/o/o) بينما جاء الشطر الثاني تاما بدون زيادة ( على عي نن.. ترابي هم.. بأح ض انك) (//o/o/o)، (//o/o/o)، (//o/o/o).. بينما لو حاولنا تقطيع هذا الشطر سنكتشف الخلل مباشرة، (ويموت إللي زرع وردك وريحانك) فالتفعيلة الأولى تغيرت من مفاعيلن إلى (متفاعلن+حرف)،( ويموتللي) (///o/o/o).. ونفس الحديث ينطبق على هذا الشطر(ويعسوا من يديهم قافر الوديان). وبرغم الملاحظات السابقة غير أن السبب الأول لتراجع القصيدة عن المراكز الأولى تركّز في تكرار الأفكار ودورانها حول معنى واحد، فالقصيدة كلها تختصر في بيتين أثنين وهما (يا حارتنا وإذا خوفك ع ولدانك... ف شيابك بنوا من أصلك العمدان)، (ياجدي لجلهم بيعّت طويانك..وخذلونا وفاحت ريحة العربان)، بينما أتت بقية الأبيات بسيطة لا تنضوي إلا على نفس المعنى كهذا البيت مثلا(يا جدي .. لك يبيعوا ناس حضرانك..ويعسوا من يديهم قافر الوديان) فشطر (ياجدي لجلهم بيعت طويانك) يتضمن نفس المعنى للشطر الآخر(يا جدي لك يبيعوا ناس حضرانك) فالحضران هي الطويان والعكس صحيح، كما تسبب في استبعاد القصيدة المبالغة في استخدام أسلوب النداء حيث جاء في القصيدة عشر مرات توزعت بين (يا جدي ويا حارتنا ويا ربعي) ، وكان على الشاعر أن يقلل منها ويكثف من لغته ويختصر في بعض الجمل حيث أضعف أسلوب النداء كثيرا قوة الأبيات الشعرية حتى هبطت إلى مستوى الحديث العادي، كهذه الأمثلة( يا حارتنا يعزك صاحبٍ صانك) أو(يا حارتنا وإذا خوفك ع ولدانك).


4-رسالة عريس : للأمل أمل للشاعرحمود المخيني


من القصائد التي تميزت بعاطفتها المدهشة ولغتها السلسة وكان لها فرصة الحصول على مركز متقدم وبجدارة، لولا الفروقات البسيطة جدا ما بينها وبين الاخريات من القصائد. القصيدة تتحدث عن معاناة شاب يريد االزواج من حبيبته ولكن الظروف المادية بالإضافة إلى تزمت أهل العروسة هي الأسباب التي أفشلت الأحلام، والقصيدة كتبت كأنها رسالة إلى الحبيبة فيها الكثير من الحب والوفاء والحزن، ((مرحبا ...هذي " رسالة " . . معا حب وْ شكر.. جرجري فيها عيونكوَ لا تستعجلي !!يا عرووسة..أعتذر ..لوخذلتك .. أعتذر . !ما قدرتْ أهْديكَ " خاتم " !وَ لبْسْكْ " الحُلي)، للأمانة قد أعجبتني القصيدة كثيرا وهمت في تفاصيلها وشد انتباهي أسلوب الشاعر السلس وأحزنني كثيرا عدم فوزها بمركز متقدم غير أنني مقتنع بالعيوب التي فرضت علينا تأخيرها ومن العيوب تضمين الشاعر للعبارات المستهلكة والدارجة برغم توظيفها بشكل جيد غير أنها كانت كثيرة جدا وأثقلت كاهل القصيدة ومن العبارات (كـــان حلمــــي..أسكْــــنْــكْ الْـــقـــمر)،( دامَها يبْســـت " غُصون الأمـل)،( " راتـِبـي " ينتـَهـي ( نـصْـف الشّـهر)،( احْــــفِـــري قبْـــــري اِذا كـــــان ودّك تـــــرْحَـــــلي !)،( طـاحـت " أوراق الأمـانــي ")( حـــاولي تفــــهــــمي " بوح الحبر ")، لن يختلف اثنان على أن المخيني شاعر قادم للساحة بقوة وسوف يتبوأ مكانا مرموقا وعلى أمثاله من الشعراء الشباب تعوّل ساحتنا الشعبية. فموهبته لافتة وعفويته مدهشة وتنسيقه لأفكاره ولقصيدته رائع جدا. ولو حافظ على براعته في بعض الأبيات لحصد مركزا متقدما جدا في المسابقة، فمن الأبيات التي نادرا ما نقراها : (مـن كثـر مــا ضــاق صــدري .. تنفّـسـت الشـعـر !يـمـكَــنْ اْنْــفــث لـك قـصـيـدة ! .. لــجــل تـتـأمـلي) أو هذا البيت(
ليـت لـو فيـنـي بــدل " ظـهـرِيْ الأعــوج " صــدر ..ع الأقل .. يمكـن يخفّـف علـى " الصـدر المِلـي).


5- تميمة للشاعر حمد البدواوي(المركز الثالث)


إن قراءة الشعر العميق تجلب الكثير من المتعة، ويكفي المتلقي متعة التأويل وصياغة النص من جديد.. ولا شك أن اللغة الشعرية الرمزية غنية بالمعاني العميقة وفي قصيدة تميمة للشاعر حمد البداوي سنستمتع بلغة تتفجر بينابيع العاطفة ، وتجري كأنها نهر الكوثر. فالقصيدة تتحدث عن الوحدة والحزن والعجز، وتعتمد على الصور السمعية والحركية، ولقد أعطت الأفعال الكثيرة في القصيدة حيوية هائلة لتدفق الصور ذات المعاني المرتبطة مع جو القصيدة الحزين..(ترتل عيني أسفار الرجوع لأخرس البيبان..طلع شوك السهر في محجري وأصفرت أجفاني)(وسط ليل ذبل.. عبرة تغافل قبضة السجان) (وتنزل كنها صوت الحبيبة داخل آذاني)..لغة غير معقدة، وفي المقابل فهي ليست بلغة بسيطة وسطحية. إن المتلقي بإمكانه تشكيل الصورة النفسية التي يهمس بها البيتان السابقان. والرائع في الأمر أن تذوقنا لجمال الصور وتأثرنا بعاطفتها لا يعني أننا نستطيع تفسير اللغة بسهولة.. وحتى نثبت ذلك فلنحاول تحليل البيتين السابقين:

أولا المعنى الأول للشطر الأول : العين ترتل أسفار الرجوع لأخرس البيبان، إن الوحدة التي يعيشها الشاعر مقترنة بالظلام .. حيث لا يرى سوى الأبواب الصامتة، وهذا الصمت يقابله ترتيل العين وهذه العبارة تستعدي في ذاكرتنا عبارة القراءة بالنظر، أي أن العين ترقب الأبواب حتى تنفتح برجوع الغائب، ولكن الأبواب تبقى صامتة.. ويتابع الشاعر في الشطر الثاني: بأن سهر الانتظار والترقب أنبت الشوك في محجر العين وهي صورة بلاغية جميلة تظهر التعب والأرق الذي بان على الجفون المصفرة.. نلاحظ أن الشاعر في البيت بأكمله لم يخرج عن محيط العين. ثم أنتقل بسلاسة إلى فكرة مبهرة أخرى بواسطة جملة شعرية مكثفة(وسط ليلٍ ذبل) إن الليل هو موعد العشاق وموعد سكون النفس والهدوء ولكنه للشاعر ليل للمعاناة والسهر لذا فأنه ليل ذابل ليس به حياة ولا بهجة، في وسط هذا الليل تغافل السجان دمعة ساقطة في الأذن كأنها صوت الحبيبة.. نلاحظ تحول نفس الصورة من حركية إلى سمعية، فالدمعة تسقط ثم تتحول إلى صوت كأنه صوت حبيبته.. لقد تهاوت الصور متتالية ومتتابعة، والمتلقي يستطيع أن يتخيلها وربما يكون قد عاش نفس اللحظات التي يعيشها الشاعر، وفي محاولة لتقريب الصورة فإننا نستطيع تخيل الشاعر وهو في غرفته مستلقيا يصارع ذاكرته وخياله. أن الذي يؤكد هيئته هو صورة الدمعة التي تسقط في الأذن، فمن المحال أن تسقط الدمعة في الأذن إلا في وضعية الاستلقاء فقط.. وسيقول أحدكم وماذا يقصد الشاعر بالسجان؟إن سياق المعنى يدل على أن السجان هو عزة الرجل وكبرياءه، والدليل أنه لم يكن بكاء بل عبرة واحدة، سقطت بعد سهر أنهك الروح.. لذا فإنني قد ذكرت سابقا بأن القصيدة صعبة الأسلوب وفاتنة المضمون.. ولكن للأسف فأن القصيدة بعد ذلك ضعفت وفقدت طاقتها تدريجيا حتى أنطفأ نورها وبدأ الشاعر بتكرار أفكاره، فبعد صورة العين التي كابدت السهر وتحايلت على كبرياء الشاعر بدمعة، فإننا سنجد صورة مكررة ولكنها ضعيفة: وسال الحزن غصبٍ عن عيوني !!، وسنتفاجا أيضا بجملة شعرية مبهمة سببها التركيب اللغوي الخاطئ وهي: (عجنت بطينتك ماي الضواحي وأزهر الرمان)، فالمعنى يقول أن الشاعر عجن الماء بالطين ومن الاستحالة أن نتصور ذلك فالحقيقة الدامغة هي عجن الطين بالماء.. لذا فلا يمكننا تحليل رموز هذه الجملة حسب الطريقة السابقة، فالمعنى خاطئ .. وهذا البيت يذكرني ببيت للشاعر أحمد مسلط من قصيدة رسالة إلى والدي، فلنلاحظ كيف يشتغل الشاعر على الرموز بطريقة رائعة، يقول مسلط (أوصّيك بعناقيد الفؤاد وزهرة الرمان،،) ويقصد بعناقيد الفؤاد أبناءه، ويقصد بزهرة الرمان زوجته.. هكذا بكل سهوله أخفى مسلط عائلته في أجمل أشكال الطبيعة، عناقيد العنب وزهرة الرمان.. كما أن الشطر الثاني من البيت الأول بدأ أنه ناقصا والمتلقي سيشعر بهذا النقص حينما يقرأ (وحيد إلامن الضلما ووجهي وأثمد النسيان.. معي طعم السوالف في غيابك/ فارع أحزاني)، فعبارة (معي طعم السوالف في غيابك) لم تكتمل في ذهن الشاعر وهو يربطها بطعم المرارة في الغياب ولكن هذا الطعم لا يستطيع المتلقي الحصول عليه من البيت بأكمله، فالشاعر أنتقل مباشرة إلى (فارع أحزاني). إن جملة ( وحيد إلا من الضلما ووجهي وأثمد النسيان)جملة مكتملة ونستطيع تشكيلها في أذهاننا بعد التفكر فيها ولكن جملة (معي طعم الثواني) ستصيبنا بربكة وتشويش يؤثر في تذوقنا الجمالي لها.

محمد الراسبي
04-08-2011, 03:53 PM
6- توبة للشاعر خميس الوشاحي (المركز الثاني)


قصيدة ذاتية تتحدث عن تناقضات الإنسان، عن تردده وغربته وشتاته، عن البحث الدائم للذات.. قصيدة تغوص في أعماق النفس لتكتشف جوهر الإنسان الذي يعيش في عالم من النقائض.. ( كلتني وجوه الناس واحساسي المهزوم.. اولي لوين وزحمة وجوه تتبعني) هكذا بكل عفوية وسلاسة يكتب الوشاحي قصائده، بعيدا عن التكلف والاشتغال الفكري الجامد، فتأتي قصائده مليئة بالعاطفة والشعر وقصيدة توبة هي واحدة من لآلي الشاعر المرصعة بالشعر الحقيقي،( تلبست دور الزاهد العابد المهموم.. هزمني حكي بنتٍ.. أنا أرجوك تسمعني). يحاول الشاعر اكتشاف نفسه بل تعرية أفكاره، أنه يقرأ ضميره بصوت جهوري عميق، فهو يتلبس دور الزاهد وينهزم مع تجربة أنثى وياخذنا بهذا البيت إلى البيت الشهير للشاعر الأموي (الدارمي)، (قل للمليحة ذي الخمار الأسود.. ماذا فعلت بناسك متعبد) غير أن الشاعر يقلب الصورة ويجلد ذاته حينما يعترف بأنه كان يمثل دور الناسك المتعبد، (سكت ونطق لي صدرها المرهق المزحوم...بآهات حزن ومن تناثرت جمعني)، لم يعد للشاعر سوى الصمت والرؤية لم يعد الحديث مجديا مع أنثى يزدحم صدرها بالتعب والحزن ورغم ذلك فهو القادر على تجميع شتات الشاعر.. (جرف بادية عمري لبحره وذقت العوم....على وين يا موج المقادير تدفعني)، نلاحظ الاستسلام التام والخدر الذي يشل الإرادة، فالشاعر ينتقل من تمثيل دور الزاهد إلى حياة دوره الحقيقي، دور الشاعر الباحث عن عاطفة حقيقية، مجازفة في بحرٍ عميق، سفر نحو المجهول، لينتقل بعدها إلى الارتقاء والسمو بأفكاره ( تسلقت ع أكتافٍ وطاحت علي نجوم.. وانا ما استرقت إلا علومٍ تروعني).. ما أجمل هذه الإحالة الرمزية وما أروع المعنى الذي تنضوي عليه الصورة الشعرية التي تحيلنا مباشرة إلى الآيات الكريمة من سورة الحجر(وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيّنّاهَا لِلنّاظِرِينَ(16)( وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلّ شَيْطَانٍ رّجِيمٍ (17) إِلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مّبِينٌ ).. دون شك فالشاعر له معنى نفسي وعاطفي آخر فهو يقصد أن توحده مع الآخرين وقربه منهم ومساعدتهم له لم تكن بدون مصلحة، فسقوط النجوم عليه تدل على كلام الآخرين عنه ونميمتهم فيه، ويؤكد المعنى هذا البيت الذي يحدد فيه المكان الذي يحدث فيه الشتات والكذب والخداع( هنا في المدن ما يصعب إلا الصدق والنوم.. احس انه ما به مرقدٍ عاد ياسعني)... إن البيت السابق عميق جدا حيث يفضح المدينة ويكشف وجهها الآخر، كما يظهر شعور عدم الامان في المدينة، الذي يعانيه الشاعر وهو يذكرنا بقصيدة الشاعر العربي أحمد عبدالمعطي حجازى والتي عنوانها(رسالة إلى مدينة مجهولة) : ( رسوت في مدينة من الزجاج والحجر... الصيف فيها خالد ما بعده فصول.. بحثت فيها عن حديقة فلم أجد لها أثر، وأهلها تحت اللهيب والغبار صامتون.. ودائما على سفر.. لو كلموك يسألون.. كم تكون ساعتك؟)... يعتبر موضوع الوشاحي من المواضيع الجديدة في الشعر الشعبي أي ( غربة الإنسان الريفي في المدينة) وقد برع في تقديمه بطريقة شعرية رائعة أستحق عليها المركز الثاني .



7- (مدى) للشاعر مختار السلامي .. المركز الأول



ما يحسب لقصيدة (مدى) أنها جمعت كل الأساليب الشعرية في عمل مكتمل واحد، وتلافت العيوب التي وقعت فيها بقية القصائد. فمدى تتحدث عن (طلق النوايب) وهو بئر يقع في قرية الشاعر وقد جف ماء البئر منذ فترة طويلة، والشاعر أستحدث أسلوب شعري جميل حيث جعل البئر يتحدث للسماء عن القحط والجفاف، كما أنه تقاطع مع البئر في مقاطع كثيرة وتداخل معه بصورة سلسة، وقد اسقط مشاعره وأحاسيسه على البئر. القصيدة بدأت بالتفعيلة : ( بيني وبين الزحام .. باب منقوش بالورد.. مفاتيحه كلام.. وقفله كفوف ونرد) فالشاعر هنا يصور انعزاله عن الناس وابتعاده عنهم وانه بحاجه للحظ وكذلك الحديث معهم، وأشار للناس بالزحام وللعزلة بالباب ومفاتيح هذا الباب هو الكلام معهم .. وقد كثف الشاعر لغته في مقطع التفعيلة وفتح لنا أبوابا كثيرة للتأويل الممتع( يكفيني من الزحمة وردة.. إذا العمر ذابل)، أن الشاعر لا يريد سوى الحب والبهجة من الناس لا يريد سوى الصدق منهم.. أنه يتمنى أن تسقط الفواصل البسيطة وتظهر الحقيقة التي يبحث عنها معهم.. وفي القصيدة العمودية يبدأ موضوع القصيدة بالتكشف أكثر :

(حصدت ما جاد العطا وأنت ثايب.. يجهر بنا ما جاد فوق الثوايب) الشاعر يكلم البئر، والثوايب هي الأداة الجلدية التي يُرفع بها الماء من البئر( يقحك فلاك وعين غيزك تودي.. سوق المطر لأنسام طلق النوايب) نلاحظ صورة الجفاف والقحط ، فالغيز هو المكان الذي يتجمع فيه الماء البسيط، وعين هذا المكان تناظر الغيوم علها تتجه إلى (طلق النوايب) أي البئر، (شديت رجلي صوب نبض الرواجع.. وارتد جسمي وأنت يالشوق عايب) نبض الرواجع أسم المكان الذي يقع فيه البئر، فالشاعر يصور تردده للذهاب إلى هذا البئر، لشعوره المؤلم لمنظر جفاف البئر، لينتقل بعدها ليتوحد مع البئر كليا ( اضما وتشربني فلاج الضواحي... أزعل ويرضيني جفاف الحبايب) أن الشطر الأول يذكرني ببيت يحمل نفس المعنى من قصيدة الشاعر علي الغنبوصي الغيم والحرمان الفائزة بالمركز الخامس ولكن بأسلوب شعري أخر، حيث يقول الغنبوصي( أنا اللي عصرت الغيم سّيلت لك وديان...لجل يرتوي جدبك نشف كل ما فيني).... نلاحظ اختلاف الأساليب وتوحد المعنى غير أن قصيدة(مدى) كانت أكثر إيحاء، فالبئر يسقي الضواحي وهو يعاني من الضمأ، والشاعر لا يقصد البئر مباشرة إنما يقصد ذاته ولكنه وظف البئر للتعبير عن معاناته.. نلاحظ أسلوب الطباق الذي يفيد المعنى ويزيده تجددا وقوة لننظر العلاقة ما بين ( أظما .. يشربني) وكذلك( أزعل ويرضيني) (الفلج والجفاف) أن هذه التراكيب أفادت المعنى كثيرا وقوة من مستوى القصيدة، (مديت شوفي للسما في غروبي.. ما ضاق وجهي غير قحط السحايب)، لا زال الانصهار بين الشاعر والبئر والتداخل بينهما، فالشاعر الذي يترقب السعادة والأمل يقابله البئر الذي يناظر السماء في لحظة الغروب وهي اللحظة الفارقة بين النور والظلام بين الأمل واليأس بين الحياة والموت، ولكنهما لا يحظيان سوى بالضيق والقحط.. يواصل الشاعر حديثه الوجداني مع البئر ومع السماء ليجمع الأبعاد في نقطة واحدة هي الضما : ( محتاجها ترمي التعب عن عيوني... وتردني بين الخصب والروايب)، هنا يستذكر الشاعر الماضي الجميل متمنيا أن تأتي السحب ويمتلئ البئر بالحياة لتخضر القلوب وتبتهج الأرواح.. (منعم ويا ليت السحايب تودي.. صوت المطر لأنسام طلق النوايب) هكذا تكتمل القصيدة ويكتمل الحلم ويرتمي الشاعر على وسادة ذكرياته.. منتظرا صبحا يعيد الحياة (لطلق النوايب) منتظرا صوت المطر وأنشودته.. إن أكثر الأسباب التي جعلت من قصيدة مدى صاحبة المركز الأول هي اللغة الموحية العميقة التي تشي ولا تخبر وتشير ولا تصرّح، كما أن الفكرة كانت جديدة ومبتكرة ونادرة في الشعر الشعبي، كما يحسب للقصيدة ترابطها العظيم ووحدتها العضوية، فالقصيدة حملت ثيمة واحدة مترابطة.

امبراطورية زمــــانـــي
04-08-2011, 08:52 PM
مشكور أخــــوي ،،

محمد الراسبي
14-08-2011, 05:53 PM
العفو يا امبراطورية زمانه