منتديات السلطنة الأدبية

منتديات السلطنة الأدبية (http://www.alsultanah.com/vb/index.php)
-   القصة القصيرة (http://www.alsultanah.com/vb/forumdisplay.php?f=13)
-   -   صرخة الرفض (http://www.alsultanah.com/vb/showthread.php?t=15903)

وهج الروح 19-04-2013 03:59 AM

يسلمو. مختار


اسلوب مبهر وجميل يشد القاري


ساكون بالقرب باقات ورد لشخصك الكريم

عامرالناعبي 19-04-2013 02:55 PM

مشكور اخي الكريم
على هذا النص الرائع
الذي يحكي قصة جميلة ورائعة
لك ودي واحترامي وتحياتي العطرة

عائشة السعيدي 19-04-2013 03:11 PM

بصراحة الكلمات عجبتني كثير احببتها كثيرا اتمنى لك المزيد

مختار أحمد سعيدي 19-04-2013 08:49 PM

[quote=وهج الروح;186894]يسلمو. مختار


اسلوب مبهر وجميل يشد القاري


ساكون بالقرب باقات ورد لشخصك الكريم[/quote
.......................................
وهج الروح
لك كل الشكر ..و أنا دائما في انتظارك ..ألست المدد و السند ؟
تحياتي

مختار أحمد سعيدي 19-04-2013 08:52 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عامرالناعبي (المشاركة 186940)
مشكور اخي الكريم
على هذا النص الرائع
الذي يحكي قصة جميلة ورائعة
لك ودي واحترامي وتحياتي العطرة

عامر...أيها القدير .
الأروع هو أنت ،الشكر كله لك ، و حضورك أسعدني كثيرا،
دام وصلك الجميل.
تحياتي

مختار أحمد سعيدي 19-04-2013 08:53 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عائشة السعيدي (المشاركة 186941)
بصراحة الكلمات عجبتني كثير احببتها كثيرا اتمنى لك المزيد

.................................
عائشة السعيدي.
لك كل الشكر ، ابقي معي في أنس الكتابة.
تحياتي

مختار أحمد سعيدي 21-04-2013 09:48 AM

بعده بقليل ودعت فارسها، طلبت طاكسي وعادت إلى البيت، دخلت إلى غرفتها ونامت، حلم بالشامبانيا كان أحلى ما وجدت في تلك الليلة، في الصباح تفقدوه، فلم يجدوه، وقبل أن يخرجوا جاءهم الخبر بأنه في المستشفى، خرج منه مع منتصف النهار، نقلوه إلى البيت، ماحصل له شيء متوقع مادام هو مصاب بالسكري ولا يقاوم الحلويات كما قالت زوجته… ينظر إليها بعين المقت والكره، وماذا عساه أن يفعل أو يقول خوفا من فضيحة تسقط هيبته في العائلة، بل عند جميع من يعرفه، أما هي فما فعلت إلا ما يفعل أغلبية الفرنسيات ...فاليمخره السكوت حتى يقتله أو يعوقه، و بعد..
فلزم الصمت واعتزل الجميع، يدخن بدون انقطاع، أدمن على القهوة وغار صوته في البيت نهائيا، واستراح منه الجميع... من حين إلى حين يعيد صورتها وهي كالفراشة في حضن ذلك الرجل، ليتأكد أنه رآها حقيقة، وتزيد حيرته من تصرفها معه بطريفة عادية، كأنها ليست هي، و أنه قد شبهها فقط، يريد في بعض الأحيان أن يصرخ في وجهها، لكنه يخشى أن تنفي ما فعلته أو تتهمه بالتأخر والسذاجة ،وما فعلته كان مجرد رقصة تقوم بها أي امرأة متحضرة مع أي رجل، بل أكثر من ذلك، له أن يفعلها هو إن شاء ولا تمانع، بالعكس ستسعد بذلك كثيرا... يراها دائما بنفس اللباس لما تأتي عنده لتودعه حين تريد أن تخرج، تقول له:
- لما تستعيد عافيتك نتعشى سويا في أفخر مطعم وعلى حسابي، سأعيد لك شبابك... سترى...
فلا يرد، تضحك هي وتختفي ولا تعود إلا في آخر الليل، يألمه اجترار محرك السيارة التي تأتي بها ويطعنه انصفاق الباب، فيتنهد، من حين إلى حين كان يدخل في غيبوبة واستفحل فيه المرض وأثر على كليتيه، وأصبحت حياته مرهونة بجهاز تصفية الكلى...
في ذلك اليوم قام مبكرا، جلس في الحديقة يشم وهيج أزهاره، وتنفس الصبح المنعش الجميل، فإذا بالفيلسوف يقف عند رأسه
- صباح الخير، إنك اليوم أحسن
لم يرد عليه، نظر إليه وتمنى أن يكون ما وراءه خيرا، فنظر إليه وهز رأسه يسأله..
- جئت لأخبرك أن تركة جدي كلها بيعت في المزاد العلني، باتفاق كل الورثاء، حتى المسكن هذا، وستبدأ عملية الإستلام في هذا الأسبوع على ما أظن، وكان من نصيبك أنت ونحن معك بالطبع، خمسة عشر مليون وسبعمائة ألف دينار، وهذا هو الشيك حرر باسمك بعثه الموثق، تفضل، إمضي هنا.
- -باعوا الأرض كذلك
- باعوا كل شيء، لأنه حصل سوء تفاهم على التقسيم، المبلغ هذا مهم جدا، نستطيع أن نشتري أجمل فيلا في أجمل وأرقى حي، ويبقى الكثير
- باعوا الأرض باتفاق كل أعمامك وعمتك
- نعم باعوا المزرعة كلها وقد سلموها بالأمس إلى صاحبها
- فعلوها أبناء الساحر، فعلها الأوغاد كما قالوا
- وبمباركتك وموافقتك أنت، هل نسيت؟
- أنا؟... متى؟
- الأسبوع الفائت، وأمضيت على العقد، لا تقل لي أنك نسيت !!
وفهم اللعبة، ولكن لا تزال كل الخيوط بيده ولن يفلت من يده أحد.. أخذ الشيك، كان محررا بخط جميل وكأن الأرقام رسمت بريشة فنان، وحدها بهذه الأسفار تسيل لعاب أقنع الناس وأزهدهم. وضعه في محفظته وسكت
- ماذا أنت فاعل الآن؟
- هذا أمر لا يخص أحد، فما دخلك أنت؟ إنتهت مهمتك تفضل
- أنت مريض لا تستطيع أن تتصرف وحدك، وأنا إبنك الوحيد، إذا وضعت هذا الشيك في يد أمي ستكون نهايتك، أنصحك، إنها ورقتك الوحيدة التي تستمد بها سيطرتك على الوضع
- قلت لك تفضل، خلاص
وجد في كلامه كثيرا من الصدق ولكنه صدق وراءه فخ، وفرض عليه الموقف أن يتحفظ أكثر ومع الجميع، إستعاد بهذه الثروة شيئا من قوته وتوازنه، ولكنه في وضع أسوأ من أن يحسد عليه، وأي هفوة ستكلفه الأتعاب التي تصنع نهايته قبل آجالها، الجميع ينتظر سقوطه، ينظر إليهم كأبناء العقرب على عاتقه، أو كغربان تحوم حول صائدة أهلكها الدهر بنوائبه فوقعت تفتك بها الوحوش...
ذهب إلى البنك، حول المبلغ إلى حسابه، إتصل بمحام ليقوم بكل الإجراءات التي أرادها، واتصل بوكالة عقارية تبحث له عن مسكن متواضع في حي هادئ قريب من مركز تجاري.
في غيابه اجتمعت الأسرة برئاسة الأم تنظر في وقوع كل الإحتمالات ، تعد التدابير اللازمة لمواجهة أي موقف يتخذه، أو يحاول من خلاله أن يحرمهم من حقوقهم في الميراث.
رتب أموره، وعاد إلى البيت مطمئن، فوجد إبنته تنتظره، دخلت معه إلى غرفته، تعب كثيرا في هذا اليوم، استلقى على سريره يتنفس بعمق ليستعيد راحته ووتيرة نبضاته العادية، تركته حتى رأته قد استقر حاله ، تأخذه السنة بعد السنة...
فبادرته قائلة:
- في هذا الأسبوع سيأتي الأمر بإخلاء المنزل على حد ما سمعت ، وأعرف أنه من غير الممكن أنك تستطيع أن تشتري بيتا في هذا الظرف الوجيز، ولهذا جئت أطلب منك أن تأتي معي إلى بيتي مع جدتي، سأوفر لك كل الظروف المناسبة للإقامة عندي إلى حين ، فما رأيك؟
بدأ ينظر إليها والشك يمخر براءة العرض، وبدأ الغضب يكتسح ذاته المتعبة.. إستوى جالسا وقال:
- سأفكر في الأمر جيدا وأرد عليك في الوقت المناسب
- فكر في نفسك قبل الجميع، أنت مريض تحتاج إلى رعاية خاصة، وحدي أنا أستطيع أن أخدمك سواء في بيتك أو في بيتي.
- إنها حمى المال يا بنيتي، حتى أنت أصابتك وحولتك إلى ملاك بامتياز، أعرف أنكم كلكم أبناء الدينار، عليه تجتمعون وعليه تتفرقون، نصيحتي لك أن تذهبي ولا تعودي إلى مثل هذا الكلام أبدا، أنا الآن لست بحاجة لأحد، وكلامك هذا سيجر إليك متاعبا كثيرة، تعرضك إلى أشياء لا تحمد عقباها، هيا ابتعدي عني ، لا أريد أن أرى وجهك بعد اليوم..
- تطردني؟
- خير لك، هيا لا تجعليني أصرخ فيسمع الجميع، هيا.. هيا.. هيا...
وأسرع الجميع، فوجدوها واقفة تنظر إليه، لا تعرف ماذا تقول ولا ما ستفعل... أخرجوها.. طردهم جميعا وأغلق الباب.
وهاجمتني في بطنها الأحقاد، والضغينة والكره والبغض حد الإنتقام، وعرفت كيف تكتسب هذه الأشياء ومن أين تأتي . خرجت أمي وهي تتوعد جدي بموقف أشد، والكيل بضعفيه، حفظت الدرس وقلت لها سأرد لك الدين مضاعفا إذا تشابهت المواقف يوما ما ، قرأتها بسرعة ونسيت أن للمستقبل أوراق أحفظها لها أنا ، وأن أحكام القضاء مسجلة الآن في صفيحتي بإمضاء أفعالها وأقوالها في السر والعلانية، والشيء الذي لا تعرفيه يا أمي ، هو أنني أعرف الآن من سأكون يوما، آه لو تسمعيني اليوم وتنصتي ليجنبك القضاء متاعب كثيرة سجلها في صفيحتي، ويمحيها من أم الكتاب، ولكن هي فضلات أنانيتكم تصنع منا وجوها تشوه هذا الوجود الجميل، هي بقايا الظلام الذي يسكنكم ورواسب الشر تتشكل منها الكوابيس التي تغتال أحلامكم النرجسية فينا، هي الخطيئة يا أمي ، تلد الخطيئة، فاسمعيني... كانت صرختي تضيع في فضاء جسدها الذي ما كان فيه مانعا يرد الصدى، ولا سياجا يحمي العاقل من الجنون...
ذهبت أمي إلى غرفتها تجتر غيظها لتغذيني منه...
دفعت أمه الباب ودخلت، وجدته يبتسم، فاستغربت، وظنت أن به مس، جلست على حافة سريره، خيم الصمت بينهما، وضع يده على خده وأسند مرفقه على ساعده، ينظر أمامه إلى لوحة شارع الشان اليزي للفنان الفرنسي جان أنطوان واطو، ينتظر أمه أن تفصح عما في نفسها.. أما هي كانت تعرف الهواجس التي يعيشها إبنها، فاكتفت بالنظر إليه جسدا ينهشه المرض من كل جهة، بين يديه ثروة كبيرة كهذه، وطموحا يمزقه الخوف في كل منعطف، تبحث عن كلمات من عمق الحنو تعبر بها عن تأثرها بحاله بصدق يجعله يتأكد أن مال الدنيا كله عندها في كفة وهو في كفتها الراجحة.. وهو كان ينظر إليها بعين أخرى ويتعجب من هذه العجوز التي تبني على حافة موتها طموحا جردها من كل مشاعر الأمومة، وما أصبح يهمها إلا المال الذي في يده فأتت تساومه...
قامت قبلته، وانصرفت دون أي كلمة... وأصبحت الرقم المجهول في معادلته، يتسائل ماذا تبيت هذه الساحرة؟.. ولماذا ذهبت كما جاءت؟.. فسكنته حيرة أخرى...
وجاء الأمر بالإخلاء بمهلة شهر إبتداءا من تاريخ التبليغ، فكان لا بد من جمع العائلة ومعرفة الرأي الذي استقر عليه الأب، وقامت الأم بالمبادرة، جمعتهم في الصالون وذهب الفيلسوف يدعوه لحضور الجلسة العائلية الوحيدة التي لم يتخلف عنها أحد إلا الجدة. فجاء، جلس على أريكته كالعادة وقال:
- أمهلوني، إني أرتب أموري بهدوء، وإذا كان هناك من يريد أن يرثني وأنا حي، فهذا هو الجنون المفتعل الذي لا يقبله حتى عقل صاحبه.
كان كلامه كالعاصفة الهوجاء، فتناثروا وتفرقوا، ولما دخل إلى غرفته اجتمعوا ثانية في غرفة الأم، وبعد الأخذ والرد تركوا الأمر للأم هي التي ستتصرف، وواعدتهم أنها ستجد حلا يرضي الجميع، وأقسمت على ذلك بأغلظ الإيمان، فليس هذا الأعرابي هو الذي سيتلاعب بها ويضيع عليها فرصة العمر.
كان لهب حمى المال قد تمكن منها روحا وجسدا، يتآكل فيها كل شيء والطمع يأكل في ذاتها بعضه بعضا، وما هذه إلا بداية جنون الحلم بالثروة، والخوف الذي نفثه فيها ما فعلت فيه ليلة الرقص
...يتبع...

وهج الروح 22-04-2013 02:29 PM

احداث غير متوقعة وادهشنتني عن جد خوي مختار


فكرك وحرفك يعيشين بوسط. الاحداث وكاني فرد من


شخضياته ........كم هو جميل اسلوبك وفكرك تمتلك قلم


رائع سوف. اكون بالقرب لاقرى ما تبقى من احداث شكرا

مختار أحمد سعيدي 24-04-2013 01:25 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وهج الروح (المشاركة 187247)
احداث غير متوقعة وادهشنتني عن جد خوي مختار


فكرك وحرفك يعيشين بوسط. الاحداث وكاني فرد من


شخضياته ........كم هو جميل اسلوبك وفكرك تمتلك قلم


رائع سوف. اكون بالقرب لاقرى ما تبقى من احداث شكرا

..............................................

وهج الروح...أيتها الفاضلة.
لك كل الشكر على المتابعة و الثناء الحسن.
حضورك بالقرب ضروري و أكيد .
تحياتي و تقديري

مختار أحمد سعيدي 24-04-2013 01:26 AM

هي تعرف بقدر ما كان يحبها، بقدر ما يروي ظمأه الإنتقام منها اليوم، في اليوم الموالي، حمل حقيبته ومحفظته وخرج باكرا، قلبوا الدنيا عليه، وبدأت تساورهم الشكوك، وظن الجميع أنه أخذ أمواله وهرب، أكالوا له كل الشتائم واللعنات، ولما عرف أن الليل قد جمعهم ، هتف لهم ليخبرهم أنه في مصحة لبعض الأيام، فتنفس الجميع الصعداء، وهدأت روعة أمه عليه وتوقفت عن البكاء، ولما ذهبوا لزيارته رفض أن يستقبلهم، فعادوا مدحورين، وبدأ أخطر الخيارات يفرض نفسه، وكانت الأم قد جمعت كل خيوط المؤامرة ، ورتبت للتمويه بطريقة شيطانية لا يستطيع أن يدركها إلا مارد، الأرملة هي الوحيدة التي كانت على علم بكل شيء، وبدأ العد التنازلي لوضع نهاية لهذه المسرحية التي حرقت أعصاب الجميع، لقد بنت مصيدة موته، وهي الآن تنتظر، أعدت له صدمة جهنمية وجمعتهم لتضع الجميع في الصورة، واقتنع الجميع أن هذا رجل مريض ومجنون، وهو بلا شك يبيت ما لا يبيته الشيطان، ويمكن أن يحرمهم من الميراث، ولهذا يجب أن يتداركوا الأمر قبل فوات الأوان، وقبل أن يتفرقوا رن جرس الباب وظن الجميع أنه هو، فتفرقوا وفتح الفيلسوف فوجد رجلا يحمل رسالة، يطلب أمه فجاءت، أمضت على السجل وسلمها الرسالة، فتحت فإذا به حكم طلاقها، فسقطت مغشى عليها، كان الإنهيار العصبي أحد وأسرع من خطتها، فأدخلت إلى مصحة الأمراض العصبية في حالة خطيرة جدا، ولما أخبروه قال لهم: هذه أولى الخطوات في ترتيب أموري والبقية ستأتي، فلا تستعجلوا الأحداث، وقطع المكالمة، وذهبت أمه لتزوه فأذن لها، لما دخلت عليه وجدته في صحة جيدة، المصحة مختصة في رعاية مرضى السكري المتطور، حسب برنامج طبي متطور جدا، يشرف عليه أساتذة مختصون وكفاءات تمريض عالية، فسرت لما رأته كذلك، رغم ذلك كان يبدو عليه بعض التحفظ، فقالت له:
- كنت أسرع منها وأذكى، أفتخر بك، وصيتي إليك، كن حذرا.
إبتسم وقال:
- لا تخشي علي، الشيطان الذي يأخذون منه، تعلم في مدرستي، كنت أجاريه فقط، وصدق من قال اللهم احفظني من أحبابي ، أما أعدائي فإني أعرفهم.. هذا مثل فرنسي جميل أحفظه وأعمل به دائما.
كتمتها في نفسها وقامت كالمطعون الذي لا يريد أن يقع فريسة أمام عدوه، أوقفتها حرارة النصل تقاوم بكل ما أوتيت من قوة حتى لا تنهار بالبكاء أمامه، اختفت وراء ابتسامة، قبلته على الجبين وخرجت، وكأنها كانت تنتظر هذه الطعنة بهذا العمق، فأعدت لها غضبها وسخطها، فاجتمعت كل ملامح البؤس على وجهها، إلا أن أعذار رحمة الأم وشفقتها بددت كل شيء، وفسحت الجو للدمع أن ينسكب أنهارا... حينها كان الجميع في مصحة الأمراض العصبية لزيارة الأم، إلا أن الطبيب رفض أي زيارة لسوء حالتها وقال:
- السيدة كأنها تحت صعقة كهربائية دمرت أماكن حساسة في الجهاز، يجب أن نبعدها عن كل ما يذكرها بالمحيط الذي كانت تعيش فيه أولا، حتى يتوقف الدمار ، ونعيدها إليه بعد مرور العاصفة، إنها أصعب مرحلة تمر بها، ولما نتأكد من اجتياز مرحلة الخطر سنأذن لكم بالزيارة، نظن أن الصدمة كانت أقوى مما كانت تنتظر.
خرج الجميع وبقيت الأرملة، تريد معرفة النتائج المتوقعة، ولما أصرت قال لها الطبيب:
-للحظ هنا يا سيدتي دور كبير، وبقدراتها واستعدادها، يمكن أن تمر بسلام وتستعيد عافيتها ببعض التوابع الخفيفة، ولكن يبقى الشلل وارد في أغلب هذه الحالات، وخاصة إذا تدخل اليأس والإحباط، سنعتمد على قوة إرادتها ومقاومتها واستعداداتها لمواجهة حالتها.. نتمنى خيرا...
فعادت إلى البيت تنتظر عودته بفارغ الصبر وتتوعده، كانت الضربة قاضية وأصابت في الصميم، تنظر أمي إلى أمها بشماتة وتضحك، وسرها وهي ترى برج طموح أمها الذي صنعه الكبرياء والغرور والطمع يتفجر ويتطاير شذرات...
وانتهت الكوميديا التي كانت تمثل فيها حبها لأبيها ضد أمها، وزال التكلف الذي كان جاثما على صدرها وعادت للمثل القائل، سأل أحدهم، هل صعود الجبل أفضل أم نزوله؟ فقال أحدهم اللعنة عليهما أينما التقيا وأين تفرقا...
واختلطت حسابات الجميع، ينتظرون على من يأتي الدور في هذه المرة، وما هي الخطوة القادمة، وحذروا الأرملة من أن تقوم بأي عمل من دون علمهم، وتكهرب الجو وتسممت الثقة وساد الحذر، وبدأ كل واحد يعمل لشاكلته، الشيء الذي يتفق عليه الجميع هو أن الأب مهما عمل وضعيته الصحية لن ترحمه، ونهايته لا تحتاج إلى أكثر من كلمة جارحة لكرامته الكاذبة، أو وعكة في منتصف الليل ولا يجد من يأخذ بيده إلى المصحة، المهم أنه ليس بعيدا من الموت الذي يقنصه... وبدأت عقول الشياطين تشتغل ليلا ونهارا، العيون شاخصة والآذان صاغية، والقلوب لدى الحناجر...في تلك الليلة شعرت أمي باضطراب في بطنها وكأن الدنيا التي بداخلها بدأتها القيامة، وشعرت بشيء يدفعني إلى الأسفل، وعرفت أن سجني في هذا القبو قد انتهى ،وحان وقت خروجي إلى عالم أضيق، فعزمت أن أخرج واقفا، فانقلبت وقدمت رجلي، وكم كان خروجي مؤلما، كلما أرادوا وضع رأسي إلى الأسفل، إنقلت واقفا، صرخت أمي وصرخت أنا، كانت صرخة أمي كأنها جلدت، وكانت صرختي أول صرخة رفض، فضحك الآخرون وبكيت أنا كثيرا في تلك الليلة وتمنيت أن لا أتوقف، وحرمتني أمي من صدرها حفاظا على جماله، ولم تحضني لأشم رائحتها، وضعتني في مهد من حديد بجانبها، لقد تخلصت مني، سمعتها تتنفس الصعداء، وشعرت بالغربة ووحشة كوحشة القبر، أبحث بأنفي عن جرعة حنان في ذلك القماش الذي لفوني فيه، وأنا أتقيأ من حين لآخر سائل نتن، وفي آخر الليل جاءت امرأة أخرى، حملتني ووضعت في فمي قطعة من مطاط، أمصها فيتدفق في فمي حليب أشم فيه رائحة غريبة، وذوق لا يحمل تركيبة أي عنصر بشري، رفضته في بادئ الأمر، وازدادت غربتي، وأرغمت عليه شيئا فشيئا فرمته.ونسيت أمي، وتعلقت بقطعة المطاط، وفي الصباح جاء أبي، حملني، قبلني على الجبين وقال لأمي:
- إنه صورة طبق الأصل لك
فضحك وضحكت أمي وقالت:
- كاد يقتلني، وضعته بصعوبة كبيرة، ونال مني المقص ما نال
- لقد أمر الطبيب ببقائك تحت المراقبة أسبوعا كاملا
- هل أخبروا أبي؟، أبي مجنون يمكن أن يفعل أي شيء
- لا أعرف، لا زلت بعيدا عنهم، الوضع في بيتكم مكهرب، أكره المكوث في مكان لا يأمن الإنسان فيه على أذنه ولسانه.
- لا شك أنه سيفرح، كان ينتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر، ممكن تغير..
- ممكن... الظروف غير ما كانت عليه، والأمور في بيتكم تعقدت أكثر فأكثر، الكل يعيش على الأعصاب، أنصحك بالعودة إلى بيتنا عندما تخرجي من هنا.
- أعود إلى البيت؟ ! أبدا، حضوري يضمن حقوقي في الميراث، أبي على حافة الموت وكلهم ينتظرون، صدقني إنهم قادرون على فعل أي شيء لاستعجال موته، وأنا في أشد الحاجة إلى هذه الأموال، لست آمنة على منصبي من ذلك القاضي الخبيث، وأخشى مكرهم.
- ودخلت الجدة وجاءت معها بتمر، حملتني، ضمتني إلى صدرها، وشعرت لأول مرة بالدفء، كانت أول رائحة حنو أشمها، كان التمر لذيذا جدا، وكأني منه خلقت، شعرت لأول مرة بالراحة وخلدت إلى عالم آخر أعرفه لأول مرة، صور أبتسم لها، وصور تحاول أن تبكيني، وفي اليوم الموالي شعرت بألم المصل في ساعدي، وبدأت علاقتي حميمية مع قطعة المطاط... أي امرأة تحملني، فتلك هي أمي، وقبل نهاية الأسبوع أخذوا عينة من دمي بحضور طبيبة وممرضة وضابطة شرطة بالزي المدني، أفزع هذا التصرف أمي، فطمأنوها أنه بأمر من النيابة التي طلبت بتحاليل خاصة، وهذا شيء طبيعي يحصل من حين إلى حين، هالها الأمر ودخلت في دوامة جعلتها تكرهني أكثر فأكثر...
- ولما جاء أبي أخبرته فطلب توضيحات فقالوا له أن هناك وباء وأرادوا أن يتأكدوا من سلامتي، وقد كانت التحاليل سليمة، باركوا له وخرجنا من مصلحة الأمومة إلى بيت جدي، وجدته قد بعث لي بأجمل الهدايا، ومبلغا من المال إلى أمي، فزاد تصرفه في خلط أوراق الجميع، و وضع أمي محل شبهة، فاعتزلها الجميع، وزاد كرهها ومقتها لي، ومنذ ذلك اليوم تكفلت بي الجدة وهجرتني أمي وذهبت إلى بيت زوجها، لا تأتي إلي إلا مرة واحدة في الأسبوع رغم معارضة أبي...
- الجميع كانوا ينتظرون تنفيذ الأمر بالإخلاء، ومرت المدة ولم يتقدم أحد، وزادت حيرتهم، وعاد الأب إلى البيت تصحبه ممرضة، أعطاها تعليمات صارمة، فكانت تقوم بمهمتها في حدود النطاق الذي كلفت به، مبرمجة، لا تكلم أحدا، إمرأة شابة، سوداء، أنيقة، ممشوقة القد، ببنية قوية، لطيفة معه ولينة، تتكلم الفرنسية بطلاقة ونطق سليم، أسالت لعاب الفيلسوف.
وحتى يبدد حيرتهم أخبرهم بأنه استأجر المسكن من شاريه لمدة ثلاثة أشهر، فلزم كل واحد حده، يتابعون من بعيد تحركاته، تحسنت صحته شيئا ما، وكأنه يمتثل إلى الشفاء، فاستعاد هيبته وفرض وجوده، يمرون عليه كل صباح وكل مساء يشترون محبته ورضاه، فيبتسم...
تعبت كثيرا في هذا اليوم، خرجت متأخرة من العمل، نظرت يمينا ثم شمالا، لعله يمازحها، وقفت وهي تبتسم تنتظره أن يظهر لها فجأة كعادته، بقيت أكثر من ربع ساعة، لا أحد، فعادت إلى البيت من نفس الطريق، وصلت، دخلت، نادته، لم يجبها أحد، ذهبت إلى غرفة النوم فوجدت الدولاب مفتوحا، وقد أخذ ملابسه وحاجياته، لم تصدق وظنت أنه مجرد مقلب، فتشت البيت كله، لم يترك أي شيء يخصه، عادت إلى غرفة النوم، وعلى الطاولة كانت ورقة مكتوب عليها " أنت طالق، وداعا "، فجلست تقلب الورقة، حاولت الإتصال به، نقاله خارج مجال التغطية... فقالت:
- طريق السد تأخذ ولا ترد... كفى.. كفى !... كفى.. لماذا أنا فقط؟؟ لماذا؟.. يا حظ ماذا فعلت للقضاء والقدر؟ !! نقرت الهاتف فإذا بالجدة ترد بكل حنو:
- طاب مساؤك يا حبيبتي، كيف حالك !.. مابك؟.. تكلمي ! .. مابك؟ قطعتي قلبي تكلمي..
- لقد ذهب يا جدتي، ذهب، أخذ كل حاجياته ورحل..
- مجنون، والله مجنون، انتظريني أنا قادمة، لا تخرجي ولا تخبري أحدا
وما هي إلا نصف ساعة حتى رن جرس الباب، فتحت ودخلت الجدة تحمل الطفل، وضعته على الأريكة، عانقتها، تحضنها بكل قوة، وبلل الدمع صدر العجوز من جديد، وهي تداعب خصلات حفيدتها وتنظر إلى السماء... أجلستها في الصالون، مسحت دموعها بكفها، ورسمت بسمة حنان وتجلد على ثغرها، تهون عليها لأن الحدث في نظرها لا يستحق كل هذا التهويل، دون أن تمنعها من البكاء، وهي التي تقول أن دموع المرأة أرحم من الغيث، لأنها تغسل قلبها من الشر، بعكس المرأة التي لا تبكي، إنها شر الخلق، قاسية القلب مثل أمها، لا تظن أنها بكت مرة واحدة في حياتها...
كانت تلك أتعس ليلة في حياتها، وأدركت أن ذلك الرجل كان يعيش معها شبح صورة لإمرأة ماتت ولا تزال في ذاته حية تسعى، ولعله استيقظ واستيقن وعرف الحقيقة فرحل، رجل كانت هي مجرد كذبة تصورها وصدقها إلى حين، رجل مسكون بحب طيف لا يؤمن بالنهايات، وحز في نفسها أنها كانت مجرد أيقونة على خشبة مسرح راويه امرأة من صنع الخيال، حز في نفسها أنها كانت مجرد كلمات تأبين، مجرد رثاء، مجرد أغنية عزف الجنون لحنها على شواهد القبور لرجل متيم بحب امرأة من رميم... كانت أمامه امرأة عائدة من ما وراء العقل والظنون، من وراء الموت واليقين.. ألهذا كان يجن جنونه عندما يراها تلبس البياض، لا زالت تذكر كيف كان يداعبها، كأنه الساحر عندما ينفخ من خياله في طيف امرأة الأساطير وحكايا الرواحين، كان يحملها دائما إلى عالم تحطم فيه الأجساد قيود العقل والنقل، وتتنصل من رشدها وترتدي هواها وتتبع غواية المجانين.. هكذا كانت، استيقظت ووجدت نفسها عاشت حلما من هواجس اللاعقل الكاذبة، صدقت أنها كانت من وحي ما وراء السعادة في عالم الحالمين... ألهذا الحد كانت ساذجة؟؟... وهاجمتها الشكوك، هناك حلقة مفقودة في تخمينها، مرسوم في مكانها علامة استفهام يختفي وراءها سؤال الحيرة...
تتساءل هل هي الحقيقة التي تنتقم ممن يريد اغتيالها؟ ومن يدري !؟
...يتبع...

مختار أحمد سعيدي 30-04-2013 04:10 PM

و عادت بها الجدة إلى بيت أبيها، في تلك اليلة أشتد عليه المرض، و سمعه الفيلسوف يئن و يسعل ، فدخل عليه ، وجده قد سقط من فوق سريره، يحاول عبثا أن أن يعود إليه، فأعاده و ناوله دواءه، و جلس عند رأسه ينتظر، و لما رآه استقرقليلا، سأله على ما ينوي، و قد اقترب أجل الإخلاء، و بلغه أنهم جميعا في حيرة كبيرة، فثارت ثائرته، و قبح فعلته هذه، لأنها كما قال إستعجال لموته.
_ لا تستعجلوا موتي، واتركوني أموت هونا، و سأجمعكم في آخر الأسبوع لأطلعكم على أنوي فعله، حتى ينشغل كل بنفسه ، و تتركوني أموت بهدوء.
و فهم الجميع أن الأب سيجمعهم من أجل الوصية،فتنفسوا الصعداء، و حل الحلم و الأمل مكان الخوف و اليأس و القنوط، تفاءل الجميع خيرا، و بدأت رحلة التفكيرفي مستقبل كله طموح،كل يعزف على الوثر الذي يطربه، و كثرت الدندنات، واتفق القيلسوف مع عمه على العيش عنده، و إنشاء شريكة يديرها و يترك التعليم، فعجلت زوجته باقتراح مشروع جريدة تنطق باسمه، واستقدمته للإقامة معهم، فحمل أمتعته واستقر عند عمه نهائيا، في غرفة جميلة،مجهزة بأحدث الآثاث، بجانب غرفتها في مسكنهم الجديد. و طابت نفسه لما وجده من أنس في قربها، و عوضته عن ما بدر منها تلك الليلة من سوء تصرفها معه، وأقنعت زوجها بضرورة وجوده معهم بمشروع أو بدونه لأسباب تراها كثيرة و متعددة، منها سفره الكثير في مهمات مختلفة ، و للنساء كما يول المثل كيد العارفين بالشيطان ، كما للصالحين فراسة العارفين بالله. لم تكن تتوقع أن نهاية هذا المسلسل يجمع لها فيها القدرخمسة عشر مليون دينار و أرنبين في كيس واحد،لنها فرصة العمر الذي ضاع منها، تنظر إلى الحياة تبتسم لحظ لا يزال كل يوم يتزين من جديد، الحلقة الوحيدة التي لا تزال مفقودة لإستكمال المشهد هي الأشرطة، و تبقى اللعبة، لعبة شطرنج مفتوحة كل الوقت، و الأدهى هو الذي يكسب الرهان في الأخير...
خرجت الأم من غيبوبتها، وأتوا بها إلى البيت، مشلولة كما قال الطبيب، على كرسي متحرك،مهزومة عشش فيها اليأس و القنوط، تدفعه الأرملة في صمت المختنق من الغيظ، ساعدتها على الصعود فوق السرير، مدت رجليها، و فاض دمع المذلة لأول مرة على خدها غزيرا، و ماذا يفعل مثلها لما تخونه كل الحيل ، و يدبر زمن العز الغموس تاركا للهوان سلطانه و صولجانه.
أخبرتها بكل ما جرى في غيابها، و أنها اتفقت مع أختها الصغرى لفتح مرقص أو نلهى ليلي، و أن الصغرى قد اكتسبت مهارات في الرقص رهيبة جدا، وخاصة رقصة الأمازونيات ، رقصة جديدة لا يعرفها سواها / مع ما لها من جسد مغر و ساحر، ستخلب عقول الجميع، و سيذري عليهم هذا العمل أموالا باهضة، لتحقيق كل الأحلام...فباركت الأم المشروع ، و بدأ ترسم على جدارية هذا الحلم أزهار الأمل من جديد...
تتدهور صحة الأب حتى يشرف على الموت ، ثم يستعيد عافيته، و مر الأسبوع و هو غير مبال بهم، وبيومين قبل الإخلاء، اجتمعوا و ذهبوا إليه، وحده كان يعاني ، في حالة يرثى لها، وظهر على وجه الممرضة اليأس، تنظر إليهم كأنهم وحوش مجردة من الرحمة،هي وحدها التي تعرف كما يعرف هو أنه يعيش آخر اللحظات، تأثرت، فاسأذنت و خرجت. و عرف مقاصدهم، عرف أنهم بنوا قصور الطمع بالأحلام الواهية، فهز كتفه و قال لهم بأضعف نبرة و أوهن جرأة:
_ لقد حولت كل أموالي و ممتلكاتي إلى جمعية خيرية، واستودعتهم مصاريف جنازتي ، ليس لكم عندي شيء، هيا تفرقوا كل واحد إلى شأنه، أما أنا فقد استأجرت حجرة في نزل أنتظر فيها نهايتي .
نزلت هذه الكلمات كالصاعقة على الجميع ، و فقدوا التحكم في أعصابهم، سبوه..عيره..و هو يبتسم ، فتقدمت إبنته و هي تحمل إبنها على ساعدها ، فمد يده ليقبله، فأبعدته ، و بزقت في وجهه، فبكى ...و فاضت روحه

.....يتبع...

مختار أحمد سعيدي 30-04-2013 04:11 PM

ولما أرادوا أن يغسلوه وجدوا في جيبه مبلغا من المال ورسالة يأمرهم بإبلاغ المحامي الذي كلفه بتنفيذ الوصية فور موته، واستعمال المال الذي في الظرف لمصاريف جنازته، وبدأ ينظر بعضهم إلى بعض، وسلبت الحيرة عقولهم، وتمزقت قلوبهم حسرة وندما على إساءتهم لأبيهم في آخر لحظة من عمره، مات وهو يتجرع دموع الذل والهوان، مات تحت وابل الإهانات والشتم وأبشع أنواع العقوق، مات وبزاق ابنته على وجهه، وعظمت في نفوسهم بشاعة ما فعلوا، وصعد نداء الفطرة الذي أيقظ الضمائر الميتة، استصغروا أنفسهم واستعظموه، ثلاثة أيام أيام مضت ولا يزال الجميع تحت الصدمة، وأخيرا جاء المحامي، جمعهم في الصالون، إنه ابن القاضي الذي كانت تعمل تحت إشرافه أختهم، غريب ! يا للصدف ! وفتح الغلاف المختوم فيه ورقة رسمية مكتوب عليها " أوصي بجميع أموالي وممتلكاتي لحفيدي فلان من إبنتي فلانة"
هكذا جاءت الفاجعة، ضربة قاضية أخرى أكثر من أختها، فحملته أمه وهربت به خوفا من انتقامهم، وانصرف المحامي ليقوم بالإجراءات اللازمة لتحويل الأموال والممتلكات إلى وارثها الشرعي... كان العقاب أفظع وأشد بأسا وإهانة، ووجد الجميع أنفسهم في العراء، أخبرتهم الممرضة بأنه كان على علم بقرب أجله، بل عاش أكثر مما توقعه طبيبه، فزاد حقدهم و كرههم له، أما إبنته ضاق عليه الفضاء، و حتى الدمع شنقته الحسرة و لم ترحمها، يتمزق داخلها بمخالب و أنياب الندم، تستعيد صورة الخزي و العار التي مات عليها أبوها، و بزاقها على وجهه و هو يحتضر، و من يغفر لها ذلك، تبحث عن أي شيء تكفر به عن ذنبها، حتى تمنت لو أن لعنته تطاردها حتى الهلاك. الجدةغاضبة من فعلتها، جالسة و في حجرها الطفل، و يدها على فمها في صمت موكب جنائزي...
يجب أن تفعل في أي شيء إنتقاما لأبيها من نفسها ، و بدأ الجنون يحل محل التعقل، ستختنق إن لم تفعل شيئا، كانت أشدهم مقتا لأبيها ، و بغضا و كرها، كم آلمها لما عرفت لماذا كان يضحك، و لما بزقت في وجهه بكى و مات ، عرفت لمن كان يبتسم و هو ينظر إليها وهي تحمل ولدها في دراعها ..و أصرت صورة مهانتها لأبيها الوقوف أمام عينيها ، تتحدى تهربها خلف أي سبب، تحاكم جرأتها، عجزت أن تواجه أسف و أسى تهورها، وانهارت أمام فظاعة قساوتها ، و جشاعة المال التي سكنت نفسها المريضة، تريد أن تترسج فيها هذه الصورة إلى الأبد، وتتحول إلى كابوس يطاردها على امتداد العمر كله، حتى تعترف أنها كانت هي سبب موت أبيها ، أما إخوتها فحملوا كل ما جرى على أنه مجرد مسرحية رتبت فصولها بليل، يبحث الجميع عبثا عن إجراء يستعيدون به أموال أبيهم التي كتبها كما قالوا باسم لقيط، شيء لا يصدق ، شيء لم يكن أن يتوقعه أي أحد، من أغرب الغرائب، تلك هي الكلمات التي تتداول على الألسنة كلما أثاروا الحديث عن بسمة و بكاء أبيهم في الإحتضار ، يقول الفيلسوف دائما ...ما أهونك يا أبي بقساوتك و أنت تموت تحت لعنة أولادك و على وجهك بزاق إبنتك ...

...يتبع...

وهج الروح 14-05-2013 03:39 AM

احداث مبكية ومشهد مؤلم وصفته بكل براعة واتقان خوي مختار

اقرى الاحداث واتخيل الامكنة والشخصيات وكاني ارى القصة في

الواقع ....... دايما المفاجات لا تأتي الا لشخاص لم يكونون بالحسبان

وما شدني. هي نطرة الاب لبنته وهي تبصق في وجه ومن ثم يموت .مبدع

قليلة في حقك اكمل وسوف اكون بالقرب

مختار أحمد سعيدي 16-05-2013 01:58 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وهج الروح (المشاركة 189359)
احداث مبكية ومشهد مؤلم وصفته بكل براعة واتقان خوي مختار

اقرى الاحداث واتخيل الامكنة والشخصيات وكاني ارى القصة في

الواقع ....... دايما المفاجات لا تأتي الا لشخاص لم يكونون بالحسبان

وما شدني. هي نطرة الاب لبنته وهي تبصق في وجه ومن ثم يموت .مبدع

قليلة في حقك اكمل وسوف اكون بالقرب

..................................
وهج الروح ...أيتها الغالية.
أيتها الرفيقة ، لا ملل و لا كلل ؟..نادرا مثلك من الرفاق و ثمين.
لك محبتي و مودتي واحترامي و تقديري

مختار أحمد سعيدي 16-05-2013 02:02 AM

كانت الساعة تشير إلى العاشرة و النصف لما رن جرس التليفون، رفعت السماعة.
- نعم، مرحبا سيدي الرئيس ...حاضر.
غريب، منذ مدة طويلة لم يطلبها القاضي، منذ حولت إلى هذ القسم ، حملت المرآة ، نظرة استطلاعية على هيئتها ،كحل العينين، أحمر الشفاه، تسريحة الشعر، بسرعة خللته بأناملها ، هزت رأسها يمينا و شمالا، استوى، و ذهبت، كانت فاتنة... دقت على الباب ، استأذنت و دخلت.
- أجلسي...أنت مستغربة ؟..، شيء طبيعي .
كانت ابتسامته متكلفة ، وراءها نوع من التشفي الممزوج بالتحذير. هزت رأسها و كتفيها، وابتسمت بتحفظ، تحاول إخفاء حيرتها ...
- استمعي إلي جيدا، الموضوع شائك جدا، و مسؤوليتك كبيرة، وأنت متورطة في قضية خطيرة جدا، يستحيل أن تفعليها اعتباطا أو عن جهل أو بغير قصد، أنت أعرف بخبايا النساء و أعرف بخبايا القانون، أعرف ماذا تدبر امرأة مثلك عندما تقدم على فعلة كهذه... سيصلك استدعاء من طرف الشرطة القضائية للإمتثال أمام وكيل الجمهورية، و الأدلة كلها ضدك، و الحقيقة في ملفك لا غبار عليها، أخف الحكم عليها السجن النافذ، هذا إذا لم تظهر نوايا خلفية أخرى، وكان دفاعك خبيرا و عارفا بخبايا القانون... ،القاضي يعرفه الجميع، من أقسى القضاة، و تعرفي الصرامة في أحكامه، لا يرحم في القضايا التي تثبت إدانة أصحابها بقصد...طلبتك لأخبرك حتى أجنبك المفاجأة..
كان هو يتكلم و هي تستمع و تنتظر ماذا لفق لها، ولماذا وهي التي جنبته الكثير من المتاعب، و لم تذكر إسمه رغم شكها في أن الولد منه، ولا يمكن لها الآن أن تتهمه و قد سجل الطفل باسم زوجها و انتهى الأمر، و لماذا هذا القاضي يطاردها وهو لا يريدها، بعد كل هذا ماذا يريد منها ؟.. أعطته كل شيء ، ذاتها ، شبابها ، جسدها، الزمن الجميل من عمرها، دنس شرفها و خذلها ... كل هذا مقابل منصب عمل..و ضاعت منها كيفية صياغة سؤال يروي ضمأها و يفرغه من محتواه ، تنتظره أن يفصح، كان هو قد أدرك أنه بهتها،فأطال الحديث عن خطورة القضية و عواقبها، و عقوبتها و آثارها، و أنها جريمة شنيعة في حق الإنسانية ، الجميع متفق على بشاعتها، و دناءة مرتكبيها، و أن القانون لا يتسامح في مثل هذا النوع من الجرائم، و أنه دائما يضرب بيد من حديد، و أن الجلسة ستكون مغلقة حفاظا على سمعة و كرامة الضحية و.. و..و
- أفصح ..أفصح ..يكفي ..يكفي..اقطع رأسي وارحمني ..
- احترمي نفسك .. و بدون تهور، أنت أمام القاضي، فلا ترغميني أن أعطي أوامر بالقبض عليك الآن، وإيداعك السجن على ذمة التحقيق..أنت قمت بجريمة تحرمها كل القوانين والشرائع السماوية و الأرضية ..
و زاد اسنغرابها أكثر فأكثر ، واختلطت عليها الإفتراضات، و بقدر ما اقترب من صلب الموضوع، بقدر ما ابتعدت عن صميمه، و ضاعت في متاهات لا حد لها، و هي التي تعرف مقالب ظلم المحاكم التي يمكن أن تتعرض لها، تتساءل كيف عرف أني بزقت في وجه أبي، و ربما كنت أنا السبب في موته حسرة، هل يمكن لإخوتي أن يبلغوا عني لتجريدي من حقي في إبني من الوصية؟..، هم قادرون على ذلك، و بدأ هذا الشك يتحول بمبرراته يقينا ، ورأت أنه إذا كانت هذه الحقيقة التي يقصدها، فهي حقيقة تستحق أكثر من هذه العقوبة، ربما أخذت السماء حقها، و هو تخفيف من عذاب الضمير ...و أعطى القاضي للصمت حقه، وتركها تجتر تفاعلات الشكوك، ولما رآها بدأت تستقر بالرضى على القضاء قال :
-الموضوع يخص إبني الذي سجلتيه باسم خليلك الذي كنت تخونيني معه، و بعد التحاليل تبين أنه من لحمي و دمي، الوثائق كلها في ملف العدالة، لن أغفرها لك، سأجعلك تتجرعين مرارة التزوير بغصة الندم القاتل ، دنيئة أنت إلى هذا الحد؟.. أعمتك جشاعة الطمع في الميراث إلى حد التلاعب بهوية براءة الأطفال، ماذا كنت تنوي فعله أنت و عشيقك بأموال إبني التي ورثها من جده ؟.. ستدفعين الثمن غاليا، لقد تم إثبات زواجي بك بحضور الشهود، نسخة من العقد في الملف... هيا تفضلي وسنلتقي في الجلسة... هيا.. تفضلي، وأنت موقوفة عن العمل، في انتظار الحكم.
قامت، وقد شلت ذاكرتها، وضاع صوابها، تجر ذيل الفاجعة، أغلقت باب مكتبها ووقفت دونه، إنها تختنق، تحاول أن تتنفس الصعداء بصعوبة، إمتلأ صدرها، وتكدس الضغط، اشتدت نبضات رأسها وتراخت وتيرتها، كأنها تصعد في السماء، حملت سفطها وخرجت تجري، أوقفت أول طاكسي، في بيتها كانت الجدة لا تزال بغيضها تجتر بصعوبة تصرف حفيدتها وتنتظر انتقام السماء وتتمنى أن لا تأتي الضربة موجعة، ولما رأتها أسرعت إليها وقالت:
- ما وراءك؟ أخشى عليك من لعنة أبيك
- موجعة يا جدتي، موجعة، لقد خسرت كل شيء، أبي، إبني والميراث، وخسرت حتى نفسي.. سأموت يا جدتي، سأموت..
ودخلت الجدة معها في دوامة لا تعرف بدايتها ولا نهايتها، لا تريد أن تسأل خوفا من بشاعة الجواب، كانت تعرف أن ضربة السماء ستكون القاضية... لأول مرة لم تحضنها ولم تعرف لماذا، أمسكتها من يدها وأجلستها..
- تجلدي يا بنيتي، ليس لك إلا الصبر، ماذا حصل؟
- غريبة يا جدتي، بل أغرب من الخيال.. أشياء لا أكاد أصدقها ولا نراها إلا في الأفلام، تحاليل تلك الليلة في مصلحة الأمومة كانت بأمر من النيابة بعد شكوى قدمها القاضي ضدي، وقد اتهم زوجي بالتزوير وخيره بين توريطه في القضية أو يطلقني، وقد فعل بعد أن أخبره بكل التفاصيل وأثبت له ذلك بالتحاليل، أشياء كثيرة ركبها هذا الشيطان بإحكام واستغل نفوذه وتعسف سلطته، أنا الآن تحت رحمته وطائلة القانون، قبضني قبضة شديدة ، لقد خسرت كل شيء حتى وظيفتي، نعم يا جدتي إنه القاضي الذي أحبني عندما أراد، وتنصل مني لما أراد، واغتالني لما أراد، كل هذا بنفس القانون الذي يحمله ضميره الميت، سيجردني من كل شيء، يدخلني السجن، ويأخذ إبني، ويستحوذ على الميراث، ولا أدري ماذا بعد... ربما يتهمني بقتل أبي.
وجاء أجل الإخلاء، فدخل الفيلسوف على أمه، قبلها على جبينها ثم قال:
- أمي العزيزة، أنا أعرف أنه مهما كنت، لن تكوني أرحم ولا أحسن من زوجك، هكذا أنت مثله ممكن أفظع وأشر، ما كان يهمك إلا نفسك، ولهذا ما أخذنا منك شيئا بالأمس نرده إليك اليوم...
وداعا...
وكانت كلمة فرضت عليها ظروفها أن تستمع إليها لأول مرة في حياتها وتنصت ولا تقول شيئا... قالها بكل جرأة، ترك الباب مفتوحا وخرج، ذهب عند عمه فارغ اليدين لا يعرف كيف تكون ردة فعله، رغم حرص زوجته على بقائه معهم، يبقى الجشع فيهم مفسدة الكثير من الأشياء، وهو الذي تعلق بزوجة عمه وبادلته المشاعر الملتهبة، لا يريد أن يخسر صفقة غرام مجانية وثمينة كهذه، يفكر كيف يتصرف لفرض وجوده في هذه الأسرة، فاعتمد عليها واستطاعت بمكرها ودهائها أن تؤثر في زوجها حتى جعلته يتخذه ولدا، فاستقر عنده يظهر له الولاء ويدس له الوباء، وكأن عمه في غيبوبة، يتساءل أحيانا، أيمكن لهذه المرأة اللعوب أن تخدع رجلا جانبه ذئب والجانب الآخر ثعلب؟ سؤال لا تجيب عنه إلا الأيام... بمقارنة أمه مع أبيه ينظر إليها تلميذة رغم تفوقها ظاهريا...
واستأجرت الأم شقة في حي شعبي ولزمت السرير، مع تقدمها في السن أصاب منها المرض غرضه بسرعة، وظهرت آثار الزمن التي كانت تختفي وراء المساحيق، ارتخت الحيوية التي كانت تزين حركات الإغراء في جسد غرر بصاحبته، وظهرت الترهلات تتحدى ما كان يتبجح به اللسان، أصاب الوهن كل شيء، وحدها بقيت العين بصيرة...
كانت الغرفة ضيقة جدا، بنافذة صغيرة، تطل على ساحة جرداء، فيها بعض الشجيرات اليابسة، وكشك فيه شيخ هرم، يبيع الحلويات للأطفال، والأعشاب والتوابل للعجائز...في غياب الأطفال إلى المدارس تشعر بسكون الموت، وعند خروجهم كأنها سوق الشياطين، دولاب جميل لم يتسع لفساتينها وبذلاتها وملابسها وأحذيتها التي كانت تقتنها بتميز ورقة نادرة، لا تزال تحمل ذكريات مغامراتها الأنثوية الجريئة، لكل فستان حكاية لقاء، تستعيدها على وشوشة المكيف الأنيس الوحيد الذي لا يزال وفيا لها، لا تجد أحيانا حتى من يناولها الدواء، ويعتقها بشربة ماء، وتناساها الأحباب والأصحاب والأهل والأولاد، والحياة بدونها لم تتوقف كما كانت تظن، لا زالت مستمرة بنفس الوتيرة أو أفضل، هي وحدها التي سقطت... وبدأت تفكر بالذهاب إلى مركز ما، لعلها تجد رفقة تبدد معها غشاء الصمت الذي يحيط بها، وحدها الأرملة تدخل في آخر الليل تتفقدها وهي في حالة يرثى لها، فكرت في الإنتحار عدة مرات، وخانتها الشجاعة، ما كانت تظن أنها جبانة إلى هذا الحد، واجهت الجميع وعجزت عن مواجهة الموت، لأنه كما تقول، النهاية التي لا تعترف بالأمل ...
أشياء كثيرة كانت تحلم بها لتخلد بها جمال ما وراء العقل، وحال دونها القضاء لما هدم جسر الوصل الذي شيدته الأمنيات، لم تندم، وهي مصرة على ذلك، ينبعث دائما من عمقها صوت المغنية الفرنسية الهالكة " إديت بياف"، لا أندم على شيء....بصوتها ونبرتها المارسيلية، يتحدى يقظة ضميرها كلما هزه منطق سليم، تنظر إلى الأرملة كيف تبتذل الأنوثة وتباع في سوق النخاسة بأبخس ثمن، ترى فيها عزها المهدور، وترى فيها كيف تداس الكرامة بأرجل الإهانة، عندما تفقد المرأة الطموح وتكتفي بفتات الرجال وتلبس رداء الإستكانة، وتنسى حقيقة مبررات الوجود، لا تؤمن بالتكامل، ولا تزال مصرة على أن شموخ المرأة لا يكتسب ولا يلقن، بل هو جريحة في الذات الأنثوية، يولد معها، يشتد ساقه كلما اشتد ساقها، وهو مرهون بعنادها وتحديها لكل القيم والأعراف التي تريد أن تبتذلها، وعلى المرأة أن تكون سلطة متسلطة، لأن بدونها لا وجود للوجود، لا يجب أن ترضى بأقل من هذا، تنظر إلى نفسها كذلك الغصن الذي تأكله النار يتحول شيئا فشيئا إلى رماد تذروه الرياح ولن يذكرها أحد، فقط لأنها كانت في نظرهم مجرد امرأة عاشت لنفسها...
...يتبع...


وهج الروح 16-05-2013 10:35 PM

احداث لم اتوقعها عميقة وسبحان الله بالفعل كل ما اصابها

لانها لم تحترم اباها ...... وكانت دايما لا تهتم الا بنفسها

احداث هذا الجزء زاد عندي الفضول لأعرف ما نهايتها واليوم


جمال اسلوبك اذهلني بطريقة وصفك للمواقف بدقة جميلة ومذهلة


قلمك رائع رائع ومميز وابداع اكمل وسوف اكون بالقرب لن يصيبني


كلل ولا ملل. اسلوبك واحداث رواياتك جميلة تجذبني ........ سوف اكون


بالقرب

مختار أحمد سعيدي 17-05-2013 11:18 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وهج الروح (المشاركة 189707)
احداث لم اتوقعها عميقة وسبحان الله بالفعل كل ما اصابها

لانها لم تحترم اباها ...... وكانت دايما لا تهتم الا بنفسها

احداث هذا الجزء زاد عندي الفضول لأعرف ما نهايتها واليوم


جمال اسلوبك اذهلني بطريقة وصفك للمواقف بدقة جميلة ومذهلة


قلمك رائع رائع ومميز وابداع اكمل وسوف اكون بالقرب لن يصيبني


كلل ولا ملل. اسلوبك واحداث رواياتك جميلة تجذبني ........ سوف اكون


بالقرب

................................

وهج الروح ...أيتها الغالية.
أنت السند و المدد أشكرك ، أعدك بالأجمل إن شاء الرحمن .
تحياتي

مختار أحمد سعيدي 17-05-2013 11:19 AM

وبعد ، فاليأتي الطوفان ...
الفرق كبير بينها و بين الأرملة التي تعيش لغيرها، هي التي بلغت ما بلغت بجموحها و أنانيتها و عزة عفرت أنوف الرجال من أجل ابتسامة ، و ما الأرملة إلا تلك الشابة اليافعة كذبا،لا تشبه أحدا بمراسها المتقلب، لا تستقر على شيء، و لا تتميز بشيء، تكذب كما تتنفس، مهلهلة الشخصية، لا تقف عند حد و لأي وجهة تساق، لا تهمها العواقب، وجدت فارغة فبرمجت على جميع المقاسات ، ما كانت تظهر لها مسكينة و تافهة إلى هذا الحد، رغم أنها كانت أقرب الناس إليها ...تسألها بفضول دائما عن أختها الصغرى التي اختفت في الأسبوع الأول الذي تنقلوا فيه إلى هذه الشقة،هتفت لأمها مرة واحدة تطلب منها أن لا تسأل عنها، و أنها وجدت ما كنت تطمح إليه لبناء مستقبلها و لا تحتاج لأي مساعدة، كانت تلك مكالمة الوداع ، و في هذه الليلة عادت الأرملة باكرا،قبل منتصف الليل، وجدتها لا تزال مستيقظة تتابع شريط يروي حياة ممثلها الفرنسي المفضل ألآن ديلون.. قبلتها على الخد و جلست بجانبها، على وجهها ملامح خبر جديد بغيرة قاتلة و حسد يتقاطر...
-عندي لك خبر
-بعد الشريط
- عن ابنتك العزيزة الصغرى
- بعد الشريط ، أرجوك ، هذا الممثل لا يزال إمضاؤه على منديلي،أحتفظ به حتى أموت ، التقيت به في ليلة جميلة من ليالي الأوبرات في باريس .
- لهذا أهملك الجميع، لا تهمك إلا نفسك.
لم تبالي بها ، و كأنها لم تسمعها، كانت في اتصال مباشر مع الماضي، وانطبق عليها المثال القائل ..عندما يبلغ بنا الجوع حده نتذكر ليلة زفافنا ..
انتهى الشريط و بدأت تحكي عن أفلام هذا الممثل ، و بعض الأحداث في حياته التي أسقطها الشريط ...
-وجدت أختك ؟
- تصوري كيف وجدتها
- بائسة و شريدة بالطبع
- لقد أصحت من نجوم الملاهي و المراقص، و الكبريهات، إنها تلعب بالأموال لعب ،لما رأيتها ما صدقت أنها هي .
- أين
- في مرقص الأمازونية، باسمها سماه صاحبه، إنها أفضل من الوزير عنده.
- راقصة؟؟؟..
- نعم راقصة، كما كانت تحلم، إنها الراقصة الأمازونية، ذهبت أبحث عن عمل، استقبلني صاحب المرقص و تنكرت لي هي ، فقط لأنه قال لها مازحا، إذا كانت هذه أختك فهي أجمل منك..
- حقيقة في الوجه أنت أجمل منها، و هي أروع ما صنعت أنامل الخلق في الجسد،كانت ساحرة ، بنتي و أكنت أحسدها .
- حقيقة عندما ترقص يتخذر الجميع، ما آمنت أن هناك من يعبد أجساد النساء، حتى رأيتهم في أختي ..
- هل سألتك عني ؟
- أنا أقول لك تنكرت لي، و أنت تسألي إن سألت عنك، قالت له ..أعرفها و لكن ليست أختي، وظفها إن شئت على حسابك...وانصرفت ، فوظفني على شروطه ، و أوزع المشروبات قبل العرض و بعده في زي أمازونية، حركاتي تتطلب بعض التمارين لمدة أسبوع فقط،و أباشر العمل في القاعة بما يعادل ألف دينار في الليلة..إيييييه رأيك ؟
- ما عاد يهمني شيئا الآن،لك أن تعيشي حياتك كما تريدين،فقط لا تلومي على أحد، افعلي مثلي ، مثل الفرنسيات ، بعد سن معين ينتزعن حريتهن، و ينفصلن ، لا سلطة لأحد عليهن، أنا سأنتقل إلى مركز اجتماعي حيث أقضي ما بقي من عمري ، ربما أجد هناك رجلا بائسا، يحتاج إلى من يؤنسه، فيؤنسني، وإذا شفيت سيكون لي شأنا آخر،سأعيد مجدي بيدي و لن أحتاج رحمة أحد، سأحرق قبره ولو بإعدامي ..
- أنت في المركز ؟..غريب أمرك..
- لا أريد أن أبقى عالة على أحد، لي في منحة تقاعدي ما يغطي جميع مصاريف التكفل بي و يبقى، و لا يأ س من الشفاء أبدا، سأقاوم هذه الصدمة إلى آخر نفسي ما دمت لا أستطيع أن أضع حدا لحياتي ، لن أضعف، و لن أموت الموتة التي أرادها لي هو،سأقاومه و هو في القبر، و أبرهن له بأني أجدر منه بالحياة...سترين.
كانت تستمع إليها بكل ما تملك من قوة الإدراك ، و هي تعرف أن أمها بدأت تنهار، و بدأ العد التنازلي لوصول نهايتها، هي تعرفها جيدا،سخطها على حالها في عينيها،و على زوجها أشد، و ما هذا الكلم إلا ستار الإمهزام و فظاعة طويتها ...و ساءتها نهاية أمها البائسة، لقد فقدت كل الأشياء التي كانت تصنع عزتها، و لم يشفع لها لسانها الفرنساوي الفصيح عند أي أحد عندما جردتها سنن الحياة من كل ما كان يميزها في هذه الذات التي أتعبتها الأنانية و شوهها الإنبطاح، و من يصدقها أن الفرنسيات خلقن بدون كبد رطب...بدأت جذور شعرها تظهر بيضاء لما نمت، وانكشفت تجاعيد الوجه التي كانت تخفيها المساحيق الباريسية ، و غارت العيون،و ظهرت عظام الترقوة مثل القوس،وازدادت أطرافها طولا لما فقدت لحمها و شحمها ، و بدت أظافرها كمخالب دجاجة عقور، وتدلى ضرعها، وهجر الجمال أوكار جسدها ، فقط بعض آثاره كالأطلال لا زالت تشهد أن الحصوبة مرت من هنا ..غطتها باللحاف، قبلت جبينها ،أطفأت المصباح، و ذهبت إلى غرفتها و بكت، بكت بكاء مرا...و في الصباح كانت تلك الكلمات قد تحولت إلي رماد، وخمدت نار الشجون، و بدأ اليوم الجديد يصنع بطموحاته في البعض و خيباته في البعض الآخر عجائب الزمن الذي أنجبه...
و هكذا ، كما أنجبت هي ذلك الفيلسوف ، الإبن الذي لا يؤمن بالنسب، مثله مثل إبن الغرب الذي يؤسس دائما لقتل الأب و الأصل في طموحاته ، و لا يربطه بالماضي إلا الملموس ، يشتري اللذة بأغلى ما بيده من مثل...لما استيقظت هذا الصباح تذكرت ما قال لها يوما فضحكت..قال لها..لست أنا المسؤول عن وجودي و لا وجودك، و ما كنت إلا قشور متعتك بالطريقة الفرنسية و عفو رغبتك...فابتسمت من جديد و هزت رأسها ، و صعد صوت المغنية الفرنسية إيديت بياف من عمقها يتحدى بمقطعها ...rien de rien ..je ne regrette rien.في حين كان هو ينسج شباك العنكبوت لإمرأة مثلها أو تكاد تكون، تحت رجل رجل...
...يتبع...

مختار أحمد سعيدي 24-05-2013 10:52 AM

صفقتين بحجر واحد ، جميل جدا،لا يكاد يصدق أنه بلغ هذه الدرجة من نضج الدهاء و المكر، بهذه المسكنة المفتعلة تأكد أنه يستطيع الآن أن يدخل أي مغامرة، و يراوغ مثل عمه أو أكثر أي ثعلب في الوجود، يقال أن الثعبان لا يلد إلا من هو أطول منه، واثق من نفسه و مطمئن على النتائج التي سيحققها، هي لعبة يجاري فيها عمه خلف ستار، طواعية من عمه و براعة منه، و بدأت المرحلة الحاسمة يصاراع الدهاء خلف الظنون، و في كواليس المقاصد الخبيثة، إنه السباق لضبط الأرقام و الحسابات قبل فوات الأوان،و بدت أطراف الخيوط كلها بيده، هكذا يظن، بل متأكد، لا يزال يوجه و يتحكم في ترتيب أدوار المسرحية و تحريك الشخوص نحو الإتجاه الذي يريده لنهاية العرض، و هو يعرف أن بدونه يتوقف كل شيء ...فقرع الطبول. – ألو...أين أنت ؟...انتظريني ...خلاص ، أنا قادم ...
خرجت من الندوة واتجهت إلي مباشرة إلى مقهى الحديقة، تنتظره على أحر من الجمر ، فها هو ذا قادم من بعيد يبتسم، يد في جيبه و الأخرى تحمل بين أناملها لفافة ، يمشي مطمئن كأنه في نزهة، أعجبت به و قامت تستقبله، جلس و جلست أمامه، الكل ما فيها يسأله ...
-خلاص يا سيدتي، إنهم بحوزتي و في مكان آمن لن يصل إليهم أحد.
-أنت متأكد، لآ أصدق، كيف فعلت؟..لا أكاد أصدق..
-ها هي ذي صورتهم في النقال
- كم عددهم؟
-ثلاثة و عشرون شريطا.
- أنت متأكد أنه لا يملك نسخ أخرى ؟.
-أكثر من متأكد، ستصيبه سكتة قلبية، أرجوك بلغيه بهدوء.
ضحكت حتى بانت نواجدها ، و ضحك هو بشفتيه، و دارت في عينيها الفكرة الشيطانية من جديد، حتى الآن هي وحدها التي بيدها خيوط اللعبة كلها...
-هيا، أهتفي له، أخبريه، أريده أن يعيش الفاجعة الآن، و يبدأ عد سقوطه تنازليا.
-لآ...لا..لا..اتركني أتصرف الآن، عندي معه حساب طويل، يجب أن أشويه على نار هادئة، سأجعله يتجرع الويل، سأحسسه بالخوف و القلق و الرعب، و يعيش على أعصاب تشتد حتى تكاد تتقطع، لن تذوق جفونه النوم، سأعذبه، سأنتقم منه شر انتقام، لن أتركه يستريح بعد اليوم أبدا حتى ترتاح منه الحسرات .
تستعيد في وجم شريط أيام مرت من عمرها في عبودية نخاس اغتال فيها تنفساتها، حركاتها، سكناتها، سجن ضميرها في بؤر أوامره ونواهيه، جردها من كل كرامة إنسانية...كانت تحت وطأة الحسرة في هذه اللحظات أشد عليها من جلد السياط...حولها إلى سادية في أوكار الرذيلة و الحيوانية التي تحكمها الغريزة، و فقدت كل شيء ..و صعدت من عمقها نداءات الغيث التي كانت مقيدة بسطونه و تسلطه و جبرونه، بدأت تستعيد أنفاسها و تطلب الثأر،تحاول أن تبرر لنسها أنها كانت أضحية فقدت روح التضحية من أجل بقائها على الأقل بملامح إنسان،كم كان الزمن طويلاو ثقيلا في اضطهادها، و كم كان سريعا في إنقضاء العمر، رغم كل هذا تنظر إلى نفسها أنها صارعت كثيرا للحفاظ على الشغف بالشباب لبناء أمل كان ضالتها كل هذه المدة..
و عرف هو الشيء الذي جعلها تلتزم هذا الصمت الموبوء بماضيها، يرد ابتسمته الساخرة بيقينه أنها تعيش مجرد حلم سيؤول إلى ما لا تتوقعه عندما تستيقظ، و لكن أراد أن يترك لها حق الحلم لأنه البلسم الوحيد الذي يضمد به كل مخلوق في نظره جروح الماضي و إخفاقاته...و ماذا عساه أن يفعل لها، تلك هي سنن الحياة في مسارحها لما توزع الصدف الأدوار، و شاءت الأقدار أن تكون هي كذلك في هذه اللعبة القذرة...
كانت هي ترسم مسارا جديدا على أنقاض ماض كله خراب، تمهد للرحيل بعيدا عن بشاعات هذا الكابوس الذي حاصرها طويلا، وتعطي لهذا الجسد حق الرفض من جديد، بعيدا عن المساومات الدنيئة، لقد حان الوقت الذي تقول فيه ..لااااااا و لا تحتاج إلى حرف آخر تدافع به عن لائها ،و تدفع بهذبن الأرنبين إلى الجحيم ، العم وابن أخيه...تبتسم ، و تنظر إليه بعين الثعلب، فيظهر لها سذاجة المغفلين حتى تطمئن و نضع رجليها بكل وقاحة في وسط الفخ.
-من أجلك سأخسر عمي، لأنك عندي أغلى، على أن تبقى الصفقة بشروطها ، لا تسليم إلا بعد الدفع...هكذا اتفقنا؟..
-خمسمائة ألف دينار هو كل ما جمعته في حياتي، قليل مقابل ما تقدمه لي من خدمة جليلة، بعد ترتيب الأمور سأعطيك كل ما بقي من عمري ، تستاهل...
- أشكرك ،أنت أجمل هدية من السماء ، لأنك حلمي الأكبر، أنا و ما أملك لك.
-لن يكون إلآ ما تريد، فقط لا تستعجل، بعد أن أتخلص منه نتكلم..
في مساء ذلك اليوم جاءت بالمبلغ كما واعدته،و قارورة شمبانبا، سلم لها ألأشرطة، سكبت فوقهم البنزين، و أحرقتهم أمامه كما تعهدت، و قالت له
-أحتفظ بهذه القارورة، سنحتفل عليها الليلة بعد أن ينام 0عمك، إنها ليلة التحرر، و غدا لك أن تسافر حتى لا تشهد سقوطه، بعد أسبوع سأفجر اللغم تحته و هو نائم،سأخبرك، ويوم تعود ستكون مجرد فضولي متفرج، أنصحك، لا تقترب حتى لا تحترق، و ألزم الحياد، أفضل لك...
تذكرت قصة الثور الأبيض و الثور الأسود فضحكت في قرارتها زهوا، واسأذن عمه في الغد أمامها وانصرف.
و بدأت تتحول في ذلك الأسبوع الى شيء آخر، و زوجها يجاريها برفق، كلما صعدت كلما استكان هو و يظهر أضعف. انشغل في تلك الأيام باستثمار أمواله، و أكد لها أنه سيساعدها لإنشاء جريدتها التي يجب أن تخدم مصالحه أولا، و تحتفظ هي بالأرباح،هكذا كان وعد الفخ الذي مهد لها الدخول في مواجهة عنيفة ظنا منها أن الرجل خسر كل أوراقه واستسلم، ولهذا فهو يطاوعها، و في آخر الأسبوع كتبت مقالا تشير فيه أن هناك شخصية نافذة تبتز بعض الإطارات لقضاء مصالحها، باستعمالها أدوات وإشاعات تثبت تورطهم في قضايا أخلاقية وهمية لآ وجود لها إطلاقا، و تناولت الموضوع بشيء من التحفظ...قرأ الخبر و لم يحرك ساكنا، عاد مساء ذلك اليوم و كأن شيئا لم يكن، و بدأ يساورها الشك ، استغربت كيف أن الخبر هز كل المتورطين حتى لا يكاد هاتفه يتوقف ، و كان يرد ببرودة أعصاب ...
بعد العشاء ، أعد كوبا من الشاي الأخضر، و ليس من عادته، و جلس في الصالون يدخن سجارته و يتلذذ مذاق مزيج الشاي بنكهة التبغ...ناداهل ، فأقبلت، و جلست في الأريكة المقابلة كالمتفاوض القوي و هي تبتسم، تريد أن تملي عليه شروطها من موقع الآمر الناهي ...فابتسم و قال لها.
-استمعي إلي جيدا، ليس لدي الوقت لأعيد...أنا لست ذلك الغبي الذي تظنين،و لست خريج جامعة تؤسس للنظريات المثالية و أخلاقيات المباديء التافهة التي تحملونها بسذاجة، أبدا يا سيدتي ، لست ذلك الغبي الورقة التي تحسم بها المرأة التافهة متلك قواعد لعبة كهذه...
أنا يا سيدتي خريج مدرسة الدناءة و الخسة التي تبتذل الفضائل و القيم ،و تغتال القدرات، و تدجن الهمم، حقيقة أنا أعيش في الظلام، لكن لأراقب المغفلين مثلك ماذا يفعلون في الضوء، لأتابع التحركات التي أمليها عليهم، لأراقب ما يجري على خشبة مسرح فرضياتي و أنا راويها ..لا تتنكري ، أعرف كل شيء، أنت الآن في المحطة الأخيرة التي أخترتها لك، هل تعرفي لماذا أنت ساذجة؟..لأنك تؤمني بكل ما يكتبه الأغبياء في الكتب، نشوهه نحن ونلزمكم به و لا نلتزم ، أيتها التلميذة الغبية في مدرستنا، كل هذه المدة معي و لم تتعلمي كيف تحركي دوالب الأمور، و لهذا احتفظت بك كل هذه المدة...اسمعيني جيدا، أريد أن أخرج من هذه الدائرة السوداء إلى ظل آخر، و قد حققت كل طموحاتي، سأتزوج و أعيش حياة طبيعية هلدئة، بعيدا عن الهرج، فقط عليك أن تطلبي الخلع، و تأخذي أولادك، و تختفي من حياتي نهائيا، لا أريد أن أسمع عنك و لا أريد أن أراك...أعرف أنك استعملت الفيلسوف، أعطاك الأشرطة مقابل خمسمائة ألف دينار، و أنا أعطيته مليون دينار مقابل هذا الشريط الذي يثبت تورطك وحدك ، و يتبت إدانتك و لا مبرر لك بعيدا عن ضغوطاتي، و اعترافك بأنك كنت طعمة غاوية لشخصيات نافذة ذكرتيها بالأسم هنا من فرط غبائك يكفي ليكون دليلا قويا لشنقك أمام الملأ أو تصفيتك...و يثبت أن الأولاد ليسوا أولادي ، و ما أنت زوجتي إلا على الورق، ولهذا أراك في وضعية لا حسد عليها و ليس لك خيار...أتمنى أنك سمعت و وعيت، أعطيك كل الليل لإجترار الموقف، وغدا أستدعي القاضي هنا في البيت، و نقوم بكل الإجراءات اللازمة و لك حريتك، افعلي في نفسك ما تريدين، و لا تحاولي اللعب بالنار معي مرة ثانية، لأنني لن أرحمك مثل هذه المرة...بالمناسبة حاولي طمس الموضوع الذي طالعتنا به الجريدة يإمضائك، حتى يطمئن الجميع وتهدأ النفوس و تعود المياه إلى مجاريها ، و إلا...أنا الآن لست بحاجة إلى أي أحد ..أليست هذه أمنيتك ، أردت قتلي فقتلتك و أنت ترزقين...
ابتسم و قام يحمل كوبه، و سجارته بين أسنانه...أشار إليها..بااااااي، و ذهب يتبختر بكبرياء إلى غرفته ، و قبل أن يدخل إلتفت إليها و قال
-كنت أعرف أنك على علاقة بالفيلسوف ، ها أنا اليوم أوظفها لصالحي..لعلمك إنها آخر الدناءات في حياتي ...ضحك واختفى كالشبح.
جالسة في مكانها تجتر كلامه، تبحث عن فجوة، أو ثغرة، أو هفوة تدخل منها كلمة و لو في غيابه، فوجدته قد أغلق عليها كل المنافذ تنظر إلى نفسها أمة من العصر الجاهلي و حررها سيدها في القرن الواحد والعشرين...تناثرت ردود فعلها كأوراق في عمق عاصفة هوجاء،و تهاوى وعيدها وانهار كل شيء ، خرجت من اللعبة كمقامرة خسرت كل شيء...سرق الفيلسوف شريطه و به قايض و ربح...
حزمت أمتعتها و أمتعة أولادها ، وقفت أمام الباب و قالت له.
-مهما كنت بارعا في اغتيال الحقائق، لا تستطيع أن تغتال الجريمة لأنها هي وحدها التي لا تموت، أنظر إليهم جيدا ، إنهم خطأك، إنهم المكان الذي نحرتني فيه و ستعود إليه يوما لتلقى حتفك، لأن مثلك لا يقهره إلا الزمن، أنت تعرف أكثر مني أنهم أولادك من لحمك و دمك...
...يتبع...

وهج الروح 27-05-2013 05:04 AM

احداث لا تتوقف وقلم مميز في عالم القصص



خوي مختار ابدعت
احداث متنوعة اكمل فانا في الجوار

مختار أحمد سعيدي 27-05-2013 03:57 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وهج الروح (المشاركة 191010)
احداث لا تتوقف وقلم مميز في عالم القصص



خوي مختار ابدعت
احداث متنوعة اكمل فانا في الجوار

............................
وهج الروح ...
نعم الرفيق على طريق الحكا .
دام وصلك الجميل
تحياتي

مختار أحمد سعيدي 27-05-2013 03:57 PM

كان الأولاد ينظرون إليه حيرة ، سجلوا الموقف استفهاما بمشرط الوشم المؤلم على الذاكرة ليوم الجواب، أرادوا أن يقبلوه كعادتهم، فدفعهم و صرخ في وجوههم..
-اذهبوا مع أمكم لست أب أحد.
كانت الصغيرة تشد على سرواله و تعانق ساقه و تبكي ليحملها كعادته و يقبلها و يمسح دمعها، إلا أنه في هذه المرة كان جافا، غليظ القلب، قاسيا، فدفعها برجله الى أمها، دخل و أغلق الباب، كان صوت بكائها يبحث في ذاته عن تلك المشاعر التي ادعت يوما الحب و التضحية و الحنو، يطاردها من القلب إلى الكبد إلى الظمير، إلا أن كل هذه الأبواب كانت موصدة بأمر من الأنانية الجشعة التي حولته إلى وحش تريد أنسنته بما يخالف فطرة كل الكائنات .
في طريقها إلى بيت صديقتها رأت الفيلسوف يحمل محفظته أمام باب المدرسة يتحدث إلى تلميذاته ، فرسمت على ثغرها آخر ابتسامات هذا لفصل من عمرها، واختفت هي كذلك في وسط الصخب البشري الذي تلتهمه فوضى شوارع المدينة ...تنثرت عقد الوصل و ذهب كل واحد إلى شأنه يقكر بما شاء و القضاء يدبر في الخفاء ما يشاء ..
كانت في ذلك اليوم قاعة الجلسات مسرحا لقصة حب بدأ أفلاطونيا و تحول مع مر الزمن إلى مأساة، خلفت الكثير من الدمار و البؤس، و حطمت الطموحات و الأمنيات، و أسست للشقاء مجرة يدور في فلكها الكثير، و كأن على رؤوس الحضور الطير لما بدأت تروي تفاصيل الحكا، يتابع الجميع ما يعرضه الواقع على لسان الأسطورة،و رغم صرامة القاضي و جديته التي ترفض الخوض في الحيثيات الصغيرة،وجدته يتابع الأحدات باهتمام كبير ، كأنه يقرأ رواية لكاتب داهية ، و من أدهى من الزمن لصنع العجائب، واستطاعت أن تكون صادقة بالقدر الذي يشد انتباه الجميع و يتأثر بها ، وأحدثت اعترافاتها تفككا كبيرا وشرخا بين قلوب الرحمة و سيف القانون ، و خاصة لما ختمت مرافعتها بقولها ..
-سدي القاضي ، أنا لا أطلب الرحمة بجرأتي هذه، و لكن أريد أن أعترف لكم في الأخير، أنها و لا شك لعنة أبي الذي بزقت في وجهه و هو يموت ، و جاءت بي إلى هنا لتقتص مني و أخسر الجميع، فدونكم سيدي هذا العمر والتفعل الإجراءات الجزائية به ما تشاء، لأكون عبرة، و رحمة بي ليشعر ظميري بشيء من الإرتياح، و لهذا ألتمس من سيادتكم قصاص الحياة...
سكتت و خيم الصمت، وأعطى القاضي الكلمة إلى المدعي العام، فأنزل سيفه دون رحمة و لا شفقة، و رفعت الجلسة للمداولة، جلست على كرسي الإتهام،كان الإعتراف أشد عليها من مخاض الوضع، و أحست بالراحة االتي تسبق الموت،فابتسمت لدمع حار كان يسقي وجنتيها، تنظر إلى الزوج المدعي بعيون الفريسة المستسلمة بين مخالبه، تغير لونه و ظهر الإرتباك عليه ممزوجا بشيء من الخجل، في عجالة من أمره يستعد للخروج.
و حكمت المحكمة عليها بخمس سنوات سجن نافذة، و حجبتها من التصرف في أموال الوصية بقوة القانون، و حكمت على زوجها الفار غيابيا بسبع سنوات سجن و غرامة مالية تقدر بمائة ألف دينار،وإعادة تسجيل الطفل بإسم أبيه الحقيقي و إلغاء العقد الأول، و نقل كل أموال و ممتلكات الطفل تحت وصاية الأب و الولي الشرعي ، يتصرف فيها بموجب ما تسمح به الوصية و القانوانين السارية المفعول...و رفعت الجلسة وانصرف أعضاء المحكمة .
وضع لها الشرطي القيود، يقودها إلى سيارة السجن، وقبل أن تركب توقفت، فطاوعها الشرطي ،كأنها تنظر النظرة الأخيرة إلى المجتمع، تجول بنظرها محيط المحكمة، الجدة تحمل الطفل على الرصيف أمام الباب، بعض القضوليين ينظرون إليها ، المكان الذي كان ينتظرها فيه يقف فيه رجل آخر، لعله ينتظر هو كذلك امرأة ، و ربما يعيد الحدث نفسه مرة أخرى ...فصرخت بكل ما أوتيت من قوة..لاااااااااا...دفعها الشرطي داخل السيارة ، وأقلعت في اتجاه السجن...

...يتبع...

مختار أحمد سعيدي 30-05-2013 10:54 AM

لا تزال الجدة تنتظر الأب الجديد على الرصيف ، لتسلمه إبنه على مضض، لقد تعلقت به كثيرا و لا تستطيع فراقه، تنتظر أن يحضنه و يقبله بحرارة الوالد الحنو، و يصنع بذلك لقاء من فيض العاطفة، يمزق قلوب الفضول، لقاءا مأثرا و مليئا بالحنان، أب يستعيد فلذة كبده بأعجوبة، حدث لا شك يهز القلوب، و يفتت المشاعر ، تقشعر له الأبدان، و تظرف له العيون الدمع الحار...
مرت ساعة أو أكثر و هي تتهيأ لتلك اللحظة التي ستتمزق فيها، و لما جاء تنتظره أن يطردها شر طردة، و ينتزعه منها انتزاعا، و يأخذه غصبا، فإذا به يقول لها
-الآن خذي إبنك واذهبي به إلى البيت، سأتصل بك لاحقا .
أدخل يده في جيبه، أعطاها ما أخرجته يده من أوراق نقذية و انصرف في عجالة من أمره، ركب سيارته و ذهب...
لقد فصلوه من العمل بقرار إداري ، و منعوه نهائيا من مزاولة أي عمل له علاقة بالقضاء.
عادت به فرحة، و لما دخلت إلى البيت وجدته موحشا، يرد الفراغ صدى الحركات كلها، جلست، وضعته في حجرها تنظر إليه، تنهدت و قالت
-بئس الحظ حظك، لا أظن أني أصل معك حيث تريد، إني أقرأ في عينيك يا ولدي عز الشقاء و هول النهايات، الهم ينصب عند الجميع و عندك يبني ..
كانت كلماتها تصلني منهزمة منكسرة، أما أنا فكنت بارد المشاعر، غنيا عن حضور الجميع بتواجد هذه الجدة الحنون، أراها تبكي شفقة علي و رحمة بي ، و أنا حزين رحمة بها و لا حيلة لي ، لأنها وحدها مؤنستي وحضن الدفء الذي كان يحتويني ، عندما تقول لي أمك ،أبحث عنها في كل قواميس لغات الألسنة و الأجساد فلا أجد إلا أما كالسلحفاة تلدهم بيضا و تهجرهم، تسلحفوا أو موتوا، أتجول ببصري أينما كنت، أكتشف أشياء كثيرة تصنع في ذاتي السؤال المحير و أحيانا جوابها يكون أغرب، لا أميز بين الثابت و المتغير، أبكي أضحك عندي سواسية، لأنهما مجرد وسيلة، أنام و أستيقظ، أصبح شيئا عاديا أن أبكي لما تتأخر عني الجدة بالحليب، و لا يهمها بكائي، أعرف هذا، فقط لما أكون مريضا تنشغل و يظهر عليها القلق، أسمعه لما يكلمها، يسألها عن كل شيء إلا عني، و بدأ يبعد بين المكالمة و المكالمة، و الزيارة و الزيارة، و لا يراني إلا نادرا، و لا حملني يوما في حضنه أبدا، و لا قبلني، كنت أبكي لما أراه و أندس في حضن الجدة، هكذا حتى اختفى نهائيا، بحثت عنه الجدة في كل مكان، و أخيرا بلغت النيابة و عادت إلى البيت، استنجدت في الأول ببعض الجيران، و كلما حاولت إستعطاف حفيذها الفيلسوف أو إبنها، رهنا احتضانها بالتخلص مني فترفض، احترفت المسألة في الخفاء، ثم عادت إلى قراءة الكف و الفنجان، وتقول بحول الله ستكون كذلك، تضحك على أذقان المغفلات، و أصبحت قبلة الكثير من النساء الثريات، تكذب عليهن فيتعافين و يصدقونها، واستطاعت أن توفر لنا الأكل و الشرب و اللباس، عندما تتضايق تجلسني أمامها و تحكي لي جميع همومها، و معاناتها، تعاتبني برفق أحيانا تقول، لم أتيت إلى هذه الدنيا المليئة بالشر؟.. لم...لم.. ؟..
كنت أراها كشمعة في آخر لحظاتها، تقاوم الذوبان لتضيء أطول مسافة من عمري، تضيء عتمة وجودي بذلك البصيص من الأمل الذي كانت تنظر به إلي، أطعمتني كل أعشاب الدنيا لأكبر كما قالت بسرعة ....و في آخر السنة الثالثة من عمري شعرت بشيء غريب يريد أن يسلبني شيئا من ذاتي، ودخلت في صراع مع هذا الشيء الخفي الذي أراد أن يمسح كل هذه الأشياء التي جمعتها ذاكرتي ، و عزمت أن أكون الإستثناء، و أحتفظ بكل هذه التفاصيل، أحتج بها أمام كل تحول في حياتي يسوقني إلى غير وجهتي، واستطعت أن أتحدى و أحتفظ بذاكرتي، و تجاوزت تلك المرحلة بعناء كبير، و في الرابعة من عمري جاءت الفاجعة، لا زلت أذكر تلك الليلة، رأيتها تصلي فهرولت لأركب فوق ظهرها كالعادة، و أتخذها فرسا، و تبقى هي ساجدة ما بقيت أنا فوقها، ولما أنزل ترفع و أجدها تبتسم، لكن في هذه المرة لم ترفع، و بقيت على حالها، دفعتها بيدي فمالت على يمينها، كانت تنظر إلي و هي تبتسم، وضعت يدي الصغيرتين على رأسها أهزها..دادة..دادة..دادة.. ركبت فوقها أضربها لتقوم ،لم تتحرك، ولا تزال تبتسم إلي، ناديتها مرة أخرى..دادة..دادة..و بدأت أبكي و هي تبتسم لي، لم تستجيب، فخرجت أمام الباب لتتبعني كعادتها، رأتني الجارة و قد طال بكائي فأسرعت إلي، حملتني و دخلت و هي تناديها ، فوجدتها على سجادتها نائمة و تبتسم، هزتها فلم تجب، نظرت إلي بعيون همعة،حضنتني بكل قوة، حملتني و أسرعت بي إلى بيتها، ما رأيت أطيب من تلك المرأة أبدا، و جاء زوجها و هو يحولل و يقولل، طلب الشرطة و الإسعاف ، و أدخلني ثانية إلى بيته، أذكر قد بكاها الجميع رغم أنهم كانوا كلهم يكرهونها، و شعرت بشيء في تلك العائلة، شيء كالدفء و الأمان، كانت تلك المرأة الشابة لا تشيه أمي،و ضعتني بين أولادها، و بقيت عند رأسي حتى نمت، و في الصباح قام الجميع، تناولنا الفطور، و بدأنا نلعب، حضرت لنا الغذاء، ثم وضعت الصغيرة في حجرها تطعمها كالعصفورة، مثل ما كانت تفعل معي الجدة، و هي تراقبنا و نحن نأكل، فتذكرت العجوز و بكيت، وضعت إبنتها جانبا و حملتني في حضتها، أقسمت لي أنها سافرت، و سنلتحق بها في يوم من الأيام، و أنها تنتظرنا هناك في أجمل حديقة في العالم، فيها كل الأشياء الجميلة التي نتمناها هذه الحديقة لا يدخلها إلا الطيب، و لهذا إذا أردت أن أذهب عندها يجب أن لا أبكي، و أبتسم، و أكون طفلا مؤدبا و طيبا، كنت أنظر إلى تلك المرأة الطيبة وكأنها ملاك رحمة جاء في وقته، فصدقتها، و هي تتحدث معي عانقتها، و نمت في حجرها، وذهبت عند الجدة، وجدتها في الحديقة كما قالت تلك المرأة الطيبة، و سررت كثيرا.... لما استيقظت وجدت نفسي في حضن امرأة أخرى في سيارة، صرخت و حاولت أن أهرب، فمسكتني بقوة، ضربتني و سكنني الخوف، فانطويت و سكت، توقفت السيارة و دخلنا إلى ساحة فسيحة و حديقة ليست كحديقة الجدة، أدخلوني إلى قاعة كبيرة فيها أطفال كثر، أحسبهم كلهم مثلي، سافرت داداهم...و نساء بمآزر بيضاء كأنهن دجاجات، بكيت في أول الأمر، ثم سكت، رأيت طفلة صغيرة كبنت تللك المرأة الطيبة، تجلس وحدها ، فذهبت إليها كأني أعرفها، جلست بجانبها وهي تنظر إلي بغرابة، أردت أن ألمسها ضربتني فضربتها، وعاقبتني تلك المرأة التي ترتدي المئزر الأبيض و فرقت بيننا، و هكذا بدأت أندمج شيئا فشيئا، حتى أصبحت مثل جميع الأطفال أكره المئزر الأبيض، وأنتظر أن أكبر بسرعة لأنتقم لنفسي، سمعت المديرة تقول أنهم يبحثون عن أبي الذي هرب، فقلت لعلى كل هؤلاء الأطفال هرب أباؤهم، ما رأيت أجمل منهم، ولكن لماذا يهرب الأباء من الأبناء، سألت المعلمة يوما فقالت ، لأنكم مشاغبون...
مقابل مركز الأطفال ، هناك مركز آخر للمسنين يحتضن الكثير من أمثالها الذين فقدوا أو إفتقدوا الصدور الحانية و الأهل و الأقارب، جاءوا من جميع أحياء المدينة، و من بعض القرى المجاورة، بقدر ما تقاربوا في السن و الثقافة، بقدر ما اختلفوا في المزاج و الشخصية، الساخطون على أولادهم و ذويهم و المجتمع الذي لفظهم ،يحاولون عبثا استرجاع الزمن الفائت لينتقموا هم كذلك... وجدت نفسها في وسط لا يحسن الإستماع، و لا يقبل من يخالفه، و لا يرضى بالتفاوت مهما كان، كلهم يعيشون على الماضي، و يصارعون بوادر الموت البطيء، يحاربون اليأس بردود فعل واهية وانطبق عليها المثل القائل، يا داخل مصر منك الألوف، واشتد عليها الخناق، تقضي يومها كله في صمت، واعتزلها الجميع و أصبحت تعيش في زنزانة نفسية تتحين لحظة الهروب من هذا السجن الذي وضعت نفسها فيه، و أصرت أن تخرج من هنا تمشي على قدميها .
...يتبع...

مختار أحمد سعيدي 31-05-2013 02:48 AM

تقوم بتمرينات و حركات عضوية، ترويضات نفسية، تمارس اليوقا، تحاول من حين إلى حين مخادعة حالتها لتقوم من سريرها فجأة ، فلا يتحرك فيها شيء، تقوي عزيمتها بتشديد الإرادة وقتل اليأس، يجب أن تقف لتنتقم وتستعيد هيبتها ومنزلتها، وقعت عدة مرات على الأرض، ونصحها الطبيب بالإبتعاد عن هذه الممارسات التي لن تفيدها في شيء، بالعكس ستأزم حالتها أكثر ، وأن حالتها تستدعي استعدادات نفسية تحت ضغط ظروف استثنائية تحدث صدمة مضادة حادة وقوية غير منتظرة... رغم هذا واصلت على نفس التمارين التي تختمها دائما بالبكاء و سب وشتم قدرها ، وهجرها الصبر وسكنها القلق والسخط...
في ذلك المساء أحست بشيء من الإسترخاء، أتعبها التفكير فاستسلمت لحلم اليقظة تأخذها السنة بعد السنة والغفوة بعد الغفوة حتى رأته يدخل غرفتها كالشبح، أغلق الباب، وانقض عليها يحاول خنقها، يشد عنقها بأصابعه الرهيبة ويضغط بكل قوة، وهي تدفعه بيديها وتحاول أن تصرخ، لما رفعته قليلا عن جسدها، إستعانت برجليها ودفعته مرة واحدة، فسقط وقامت، فتحت الباب وهربت، تبعها وهي تجري وتصرح... الغيث.. الغيث.. إني أمشي، إني أجري... جرى ورائها الأعوان ، إلا أنها كانت للموت أسرع، كالسهم تشق الريح لتصطدم أمام باب المركز بسيارة فألقتها على جذع شجرة فشخج رأسها وسال الدم من أنفها وفمها، عندما وصل الأعوان وجدوا الدمع قد اختلط بالدم ، فقالت في غصة:
- أراد أن يخنقني فهربت
- قال العون: من ؟
- قالت: الأعرابي النذل، زوجي، انظروا إنني أمشي
هلكت، ولم يبكها أحد.
حضر جنازتها الفيلسوف والأرملة وشيعها إلى القبر بعض الفضوليين من قاطني المركز، وقبل أن ينصرفوا قال الفيلسوف:
- هي طبيعة الحياة، دخلت كما خرجت أول مرة، مسكينة أمي، رحلت وتركت رمادا..
نظرت إليه الأرملة، همت بـ... أشاحت بوجهها وذهبت، ينظر إليها حتى التهمها امتداد الشارع، ولما وصلت كانت الأمازونية فوق الخشبة كالساحرة المخدرة تأخذ بالألباب، في جسدها شيء من أمها، وقفت أمامها وقالت:
- ماتت أمك.
إبتسمت وتحجر الدمع في عينيها، وواصلت تتلوى كالأفعى في طواعية النغم إلى آخر دقة، توقفت واختفت.
في نفس اليوم وفي نفس الوقت كانت امرأة واقفة أمام باب السجن، ترى الشارع لأول مرة بعد خمس سنوات، يا للعجب ومن كان يقول!!.. لم يتغير شيء، دخلت وكان السجن علبة صغيرة، فأصبح معتقلا كبيرا بأجنحة أضيق، خرجت ولا تزال المدينة على حالها، نفس الشوارع، نفس المحلات، نفس المقاهي، ونفس الوجوه، نفس الحركات، ونفس السكنات، ونفس الممارسات، رجال كثر ينتظرون على الأرصفة، ونساء كثيرات قادمات وأطفال تشردوا يتسولون ويتصعلكون، في طريقها إلى البيت كأنها نامت دهرا،لما وصلت كان الشارع خاليا والباب مغلقا كأنه لم يفتح منذ عشرات السنين، الجيران ينظرون إليها من فجوات النوافذ كأنها عائدة من وراء الزمن، يستعيدون الحدث بتأويلاتهم، ينظرون إليها بنفس العين التي كانت تنظر إليها منذ خمس سنوات، كأنها كانت بالأمس فقط، فتحت، دخلت وتركت الباب ورائها مفتوحا، نشر الغبار غطاءه على كل شيء، لا يزال شال الجدة على المسند، وعلى المائدة قارورة ماء وكوب، الساعة توقفت وهي تشير إلى زمن يعيد نفسه حتى وهي متوقفة، رائحة الرطوبة العكرة تملأ المكان والعنكبوت بدأ ينسج خيوطه في كل مكان، لا تزال السجادة والنعل والعصا في محطة الموت... شعرت بقشعريرة تغزو جسدها، فأسرعت تفتح النوافذ وتزيح الستائر ليتجدد الهواء ويدخل الضوء، ويخرج الظلام ويتنفس البيت، فاستظهرت خبايا من الزمن الماضي ونفخت في شجونه قبس الحياة، هنا الكل يرد الصدى والوقع لا يرحم، حضر الزوج، وجاءت الجدة، واستيقظ الطفل، وبدأ العرض، أدارت وجهها إلى الحائط، انحنت، وأغلقت براحتيها أذنيها، وأغمظت عينيها، وخنقتها العبرات، في هذه المرة كان الصمت يتكلم، مرت إلى المطبخ، لا ماء ولا كهرباء ولا غاز، خبز يابس في الخزانة، بعض التوابل لا تزال في حافظاتها، أواني فوق المغسل، والمزهرية خاوية فوق الطاولة، تذكرت أن في الوجود ورود، تذكرت المزرعة والقرية وأشياء كثيرة كاد أن يلتهمها النسيان، جلست على الكرسي تنظر من النافذة إلى ما مر من زمن العمر، وضجيج الأيام التي خلت في هذا البيت، يملأ الفضاء، كأنها تحررت واستيقظت هي كذلك من جديد، زارت كل الغرف وتوقفت في غرفة الجدة، كأنها كانت هنا وخرجت، عجيب ! وحدها هذه الغرفة لا غبار فيها ولا عنكبوت، لعل بابها ونوافذها كانت محكمة الغلق، رائحة القرنفل والخزامى، والبخور، لا يزال عقدها معلق هناك، في درج طاولتها علبة كحل، وقشور شجرة الجوز كانت تمضغها فتظهر شفتيها غليظة وبنية اللون قاتمة كالكبد، مسبحتها الأخرى، وحزامها المطرز بالأصفر والأحمر، وبعض المناديل، من طبيعتها هذه الأشياء تضعها في متناولها بجانب المرآة الكبيرة، احتضنتها الغرفة، وحدها كانت تراها وفية... في غرفة النوم هاجمها العتاب والندم، السرير عش سعادة ووكر شقاء، ما أفظعه ! في الدولاب سر الأقنعة، الطاولة، الكرسي، الأريكة، المصباح، اللوحة، صورتها، التلفاز، المدفئة، الستائر، كل شيء على حاله، فتحت الدولاب، ملابسها كما تركتها، صندوق الزينة، قارورة عطرها، منذ دخلت لم تلمس شيئا، لكل شيء هنا حكاية، أسطورة، أو دراما، كأنها في متحف لا تريد أن تبعثر لمسات الزمن، وقفت أمام المرآة، نعم إنها هي، لكن بوجه آخر، كأنها غابت عن نفسها عشر سنوات، تقرأ على وجهها آثارا خلدتها أحداث مرت من هنا، ابتسمت، لم تجد الإبتسامة المكان المناسب، لبسط روعتها، مكفهرا كان الثغر يرفض كل دخيل... بدأت تسمع نبضات قلبها تحترف كلام الصمت الذي تغلغل في نفسها، واكتسح تلك الذات التي صنعت له في عمقها ذات يوم مأوى يجتر فيه أجمل الأحلام، كان في هذه المرة موحشا تسكنه الأشباح...
قضت ليلتها في غرفة الجدة، في ذلك الظلام الجميل الذي افتقدته كل مدة السجن، واستغربت لجمال الظلام، لأول مرة تكتشف روعة تعاقب الليل والنهار، وأن لباس الليل هو أحلى لباس يرتديه الكون بكل تناقضاته ليعيش كل واحد نفسه.
في الصباح، قامت باكرا تنفض الغبار، تنظف وترتب البيت من جديد، وقبل أن تخرج طرق الباب طارق، فتحت، إنه شرطي، ارتعدت، كادت تسقط، طمأنها، تأكد من هويتها، وسلمها استدعاء عاجل إلى محافظة الشرطة المركزية، لم يحدد السبب، يحمل عبارة "لأمر يهمك"، ذهبت تجر جسدها جرا، دخلت إلى المحافظة كرها، طرقت ودخلت، سلمت له الإستدعاء، نظر إليها، باديا على وجهها القلق والإرهاق
- تفضلي، إجلسي
أخرج من الدرج ملفا، وبعد إطلالة قصيرة قال لها:
- ولدك في الحضانة، أهمله أبوه وهو حتى الآن محل بحث، أمرتنا النيابة بإرجاعه لك فور خروجك من السجن، هذا الإجراء يراعي فيه القانون مصلحة الطفل.. هل عندك مانع؟
هزت رأسها وقالت:
- وأين الذي ادعى أنه أبوه؟
- باع كل ممتلكات إبنه واختفى، عندما نلقي عليه القبض نستدعيك، والآن هيا بنا إلى دار الحضانة، نسلمه لك وتمضي على محضر الإستلام، الملف الصحي والتربوي جاهز
- لم تشعر بأي شيء عندها، ولما دخلت دار الحضانة ورأت أولائك الأطفال الضحايا، أحست بغربة ووحشة أكثر من تلك التي كانت تحس بها في السجن، تنتظر أن ترى إبنها بشيء من الفضول، وهو أمامها في مكتب المديرة برفقة المربية، كان وسيما جدا وفي عينيه تقرأ مكر البراءة بحيله، يظهر ذكيا هذا الطفل ومشاغبا، تنفر منه النفس من فرط جرأته، إنتظر الجميع أن تحضنه بمجرد أن تراه، ولكن لم يحصل شيء من هذا، وأولها الجميع بتأثيرات السجن، فبادرتها المديرة قائلة:
- - إنه إبنك
اعتمدت على ركبتيها أمامه، تشده من منكبيه، وتنظر إليه بعمق في عينيه وهو يصرف نظره يمينا وشمالا، يخشى أن تكتشف فيه شيء لا يعجبها، يتساءل من تكون هذه المرأة وماذا تريد منه، تنكر لها وتمنى أن لا تكون تلك المرأة التي يرسمها من حين إلى حين لما يفتقد أما.
فقالت المديرة:
- إنه يشبهك كثيرا
ضحكت، وابتسم الجميع، وبدأ ينظر إليها، لم ير ذلك الشبه... ولا يريد أن يكون إبن هذه المرأة ولا يعرف السبب...
ابتسمت له وقالت:
- لقد أصبحت رجلا، أستطيع أن أعتمد عليك لتكون رب البيت
- لماذا؟ أنت ما عندك بابا؟ أم ذهب وتركك كما تركني أبي؟
- أنا ماما يا حبيبي
- أنا لا أعرفك، ستبقي هنا معنا، نحن كلنا هنا ليس لنا مامات، كلهن سافرن ولن يعدن، هكذا قالت طاطا المعلمة
- ها أنا عدت من السفر وجئت لآخذك معي إلى البيت
- وأين ماماة جوهرة وفؤاد، وحنان؟
- لم يكن معي لقد سافرن بعيدا
- لماذا سافرت أنت وتركتني؟ ماذا فعلت لك؟
- أنا تركتك عند بابا يا حبيبي
تنظر إلى المربية وإلى المديرة، تتنهد، تهز رأسها
- في البيت عندك بابا، وأختي الصغيرة والدادة والدبدوبة؟
- من قال لك هذا؟
- في الرسوم المتحركة كلهم كذلك
- في البيت أنا وأنت فقط، وسنكون أحلى الأصدقاء، سترى، والدبدوب البطل...
- يعني يغلبهم جميعا، هو عنيف ومشاغب مثلي
تنظر إلى المعلمة... تهز رأسها إيجابا وتبتسم
- كل الأطفال هنا مثله؟
- تقريبا وبتفاوت، أول شيء نعلمه لهم هو الجرأة حتى نكسر الحاجز الذي بينهم وبيننا، أولا لنعيش معا في نفس العالم والذي بينهم وبين المجتمع حتى لا يعيشوا العزلة والإنطواء والكبت، لا تهمنا طبيعتهم بقدر ما يهمنا ما ينطوون عليه، عندما نحدد مجال تفكيرهم نعرف أين يتحرك الطفل فندخل في المكان والوقت المناسب، إننا نرعاهم من بعيد ونتفاعل مع ظاهرهم أكثر من باطنهم الذي يتكفل به مختصون في علم النفس، لأن مهمتنا تربوية أكثر
- أشكركم، سأحاول أن أتواصل معه بنفس الطريقة
- هيا بنا يا رجل
أخذته من يده وخرجت
- لماذا أنت وحدك في البيت؟ هل عاقبك أبوك؟ عندنا عندما نفعل شيئا يعزلونا ولا يكلمنا أحد..
كالظل يطاردها بأسئلة تحرجها أحيانا وأحيانا أخرى تضحكها، وفي اليوم الموالي حملت شهاداتها وذهبت لتسجل إسمها في مكتب التوجيه والتوظيف، وهي على يقين أن مؤهلاتها وخبرتها تعطيها الأسبقية والحق في العمل كمستشارة قانونية مثلا، في أي شركة سواء عمومية أو خاصة...
في الإستقبال كانت شابة جميلة وأنيقة، عارفة بإدارة الحوار في مجال التوظيف، وحقيقة أعجبت بمستواها ومسارها العلمي والمهني، ورشد سنها وخبرتها فوجهتها إلى شركة خاصة تتميز بسمعة مرموقة، فاستقبلوها أحسن إستقبال ووظفت كمستشارة قانونية، كلفت بمتابعة كل الملفات ذات الطابع القانوني، كان المكتب جميلا جدا ومجهزا بكل ما تحتاج إليه لمزاولة مهامها على أحسن وجه، بأجرة مميزة، جلست، إسترخت في عمق الكرسي وبدأ الحلم من جديد.. جاءتها الكاتبة بكل الملفات، حينها، وضعتهم فوق مكتبها وانصرفت، رتبتهم حسب الأولويات، قدمت عملا متقنا أظهرت فيه حنكتها ومهارتها وكفاءتها، فأعجب بها رب العمل كثيرا، قدم لها تشكراته، وأكد لها حرصه على الإحتفاظ بها وترقيتها في الوقت المناسب، أدخلت إبنها إلى مدرسة تحضيرية يقضي فيها يومه كله، وفي المساء تمر عليه تأخذه وتذهب إلى البيت، لا يجمعها به إلا الليل والعطلة الأسبوعية، واستعادت ثقتها بنفسها، وتميزت المؤسسة في تسييرها لشؤونها القانونية بفضل تفانيها وسهرها على القيام بكل الإجراءات المطلوبة في كل علاقاتها وصفقاتها، وجنبتها متاعب كثيرة كانت تقع فيها من حين إلا حين وخاصة مع مصلحة الضرائب... وبعد ثلاثة أشهر، قرر صاحب العمل ترقيتها ومنحها أجرة تحفيزية وتشجيعية جزاءا بما قدمته من خدمة راقية ومميزة للمؤسسة، ولكن هي الرياح لا تهب دائما بما تشتهيه السفن، فاستدعاها إلى مكتبه إلى جلسة خاصة، فتعطرت، إبتسمت للمرآة، وذهبت وفي يدها بعض الملفات التي تحتاج إلى استفسارات منه، ولما جلست، قرأت على وجهه لونا من الأسى والأسف، ابتسمت، تنتظر أن يتكلم أو يأذن لها بالكلام، إلا أن في هذه المرة وكأن الصمت هذا العدو الذي اختفى وظهر من جديد ولكن بطريقة أشد، وخالطه الحرج، وحتى تكسره بادرته قائلة:
- هل من جديد؟ أننا الآن نتحكم في جميع أمورنا، لقد تداركنا كل الملفات التي كانت معلقة، وما علينا الآن إلا المتابعة... وبدأت تشرح له بإسهاب تفاصيل ما قامت به خلال كل هذه الفترة، ولاحظت أن اهتمامه كان أقل مما كان عليه سابقا، وأنه منشغل بأمر لا يزال يخفيه عنها، وشكت أن الأمور بدأت تأخذ منعرجا آخر، فسكتت وأخذت تنظر إليه، فأجبرته على الكلام فقال:
- - أشكرك على هذا الجهد الكبير والخدمات القيمة التي قدمتيها إلى الشركة بإخلاص وتفان ومهارة، وقد كنت في مستوى تطلعاتنا، وكم تمنيت أن أحتفظ بك مددا وسندا ولكن هي الظروف في بعض الأحيان تحول بيننا وبين ما نشتهي وما نريد... ولا شك أن مثلك أدرى بالآليات والفلك الذي تدور فيه المؤسسات وحرصها على غلق كل الثغرات التي يمكن أن تمس بالسمعة التي أريد لها أن تكون عليها، وليس لنا الخيار لأننا ملزمون، بل محكوم علينا أن نتشكل وفق تقاليد القطاع الذي ننتمي إليه، ونظرا لحساسية مشاريعنا والعلاقات التي تربطنا بهذا المحيط فإننا مجبرون على التحفظ في بعض الأمور، والإبتعاد عن كل الشبهات...
...يتبع...

وهج الروح 31-05-2013 03:30 AM

خوي مختار



احداث. محزنة. واخذ كل شخص جزاءه ماجعلني اتالم الطفل والجدة


وما حدث لهم ......... اسلوبك مبهر وما زالت اردد بانه يشيبه اسلوب


الكاتبة المبدعة اجاسي ..... ما اروع تلك الاقلام المميزة التي تشعرني بتعطش


لقادمها وبفارغ الصبر. .......شكرا لك ولتواجدك في عالم القصص مبدع مبدع



ما زالت اترقب الاحداث وسوف اكون بالقرب .......

مختار أحمد سعيدي 31-05-2013 06:24 PM

..........................................................................................................................................................................................................................................
في حقيقة الأمر القوانين السارية المفعول تتحفظ كثيرا في توظيف من كانت له سوابق عدلية ،وخاصة الذين تعرضوا إلى العقوبة بالسجن، وأنا لا أجرمك بالعكس، ما رأيت أشرف ولا أصدق منك، ولكن هي قوانين البلد وحكم المجتمع والمحيط الذي لا يرحم، و لا يعرف التوبة، ويبقى في نظرهم المجرم طول حياته مجرمأ، وهذا يا سيدتي يمس كثيرا بعلاقتنا وسمعة المؤسسة... أعتذر لك باسمي وباسم جميع زملائك، إننا مجبورون على توقيفك، لتعويض هذا الضرر قررت المؤسسة منحك مبلغا محترما من المال، وشهادة حسن السيرة والسلوك عرفانا منا وإكراما لك، المبلغ حول صباح اليوم إلى حسابك الخاص.
- أشكرك...هي لعنة يا سيدي لا تزال تطاردني ولا أظنها ستكتفي حتى تهلكني... أشكركم على ثقتكم وإحسانكم ودمتم بخير...
خرجت وقد ضاقت عليها الدنيا بأكملها، وتيقنت أنه لن يكون لها في الوظائف نصيب ما دامت ذات سوابق و دخلت السجن... شعرت بشيء من الضغط لا يخففه إلا المشي، تأبطت سفطها وراحت تجوب شوارع المدينة، في واجهة نهاية ذلك الشارع لافتة كبيرة مكتوب عليها الأمازونية، تحتها، المتعة في العودة إلى الأصل... دفعها الفضول فدخلت، جلست، فتحت سفطها، فإذا بامرأة تكاد تكون عارية تقف أمامها، تحمل وردة بيد وقدحا من كوكتال الفواكه الإستوائية باليد الأخرى، ابتسمت لها وأخذت الوردة، فوضعت المرأة القدح على الطاولة وهي تنظر إليها دون أن تكلمها، فجأة كأنها أرادت أن تتدارك شيئا فاتها، رفعت رأسها بسرعة، كانت المرأة قد أدبرت في اتجاه الباب الذي خرجت منه، واختفت، ساورها ظن أنها الأرملة، هكذا ظهر لها ولم تتبين ، كانت القاعة عبارة عن معرض للنباتات الإستوائية، وصور أشجار تزين منصة العرض، شربت، كان لذيذا جدا، شعرت بلذته وهي تخرج، أخذت إبنها من المدرسة وذهبت إلى بيتها، أحست بدوران في رأسها، شكت في المزيج الذي تناولته عند الأمازونية، وعادت تلك الصورة فنفتها من ذاكرتها.
كان لها ما يشغلها في تلك الليلة عن التفكير في الأرملة أو في غيرها، يجب أن تجد مخرجا لوضعها الحرج في العاجل، لأن سباقها مع الزمن لا يرحم، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تعود ثانية إلى المسكنة.... وصامت عن الكلام، وأحس الطفل بغربة قاتلة لم رآه من عصبية أمه، لا يزال يكتشف فيها غلظة وقساوة مربية ومديرة الملجأ، وبدأ يشعر أنه من الأسباب التي حولت أمه إلى هذا الوحش الذي لايرحم، لما تنبهت له وجدته قد نام قبل العشاء، أحست بشيء من الذنب، فذهبت تستسمحه إلا أنه كان قد تركب عنيدا، ولم يغفرها ، لها وأصر على المبيت طاويا، هي كذلك كانت تشعر أنه يناديها أمي بمشقة، وأحيانا يقول لها معلمة، ولم تستقر الصلة الحقيقية بينها وبينه، طفل ينام وحده، ويستيقظ وحده، ويخدم نفسه بنفسه كما علموه في دار الحضانة الإعتماد على النفس في كل شيء ، فأصبحت العاطفة آخر مطلب، وإذا جفت النوق فمن يحنو على أولادها... كما يقول المثل، وتعود على الذهاب إلى المدرسة وحده ويعود وحده ويتدبر أموره من أكل وشرب وحده، وساعدها هذا السلوك فانشغلت أكثر فأكثر بنفسها، وتخلص شيئا فشيئا من وصايتها، ومع مر الزمن كان يعمل بالليل وفي أيام العطل ويدرس في النهار، واتخذ أصدقاء من كل أصناف المجتمع بسرعة اندماجه، وتعدت طموحاته سنه، وما عاد يهمه إلا الإعتناء بنفسه، لا تهمه رائحة الكسب ولا لونه، نضج بسرعة و تميز، كان يظهر أكبر من سنه، ذكي حتى أبهر، داهية حتى أدهش، وماكر حتى أفجع، كالريح يدخل من جميع الفجوات ويخرج من جميع الفجوات، وأصبح لا يلتقي مع أمه إلا نادرا، متى تدخل إلى البيت تجد ما تشتهيه النفس وما لذ من مأكولات، ومشروبات، تذهب إلى غرفته تجد أفخر الملابس وأجملها، أشرطة، أجهزة، نقود... تأكل، وتشرب وتأخذ ما تحتاج إليه من نقود... كانت هي تعمل في فرن يصنع حلويات الأعراس والمناسبات، أغلب دوامها في الليل وتعود إلى البيت مرهقة يغالبها النعاس والتعب، فتنام ولا تستيقظ حتى منتصف النهار، تتغذى على الجاهز الذي تركه إبنها، وقبل العصر تلتحق بعملها، تعيش في دائرة مغلقة لا يعرف أحد ما يدور حولها و لا ما بداخلها... فقدت الثقة في الجميع، أغلقت كل منافذ المشاعر، وأصبحت آلية في كل شيء، لا تريد أن تفكر، ومسحت الذاكرة، وتقوقعت، تعيش بجسدها الصقيع مغلقة، عبوسة كانت لا تستبشر ولا تبتسم كالقلعة المهجورة موصدة الأبواب...
انتظرها أمام الباب حتى خرجت، لم تنتبه إليه، ووقفت على الرصيف تنتظر قدوم طاكسي، فتقدم ووقف بجانبها، إدعى الفضول وسألها:
- إلى أين يا سيدتي؟
- إلتفتت، لم تصدق، لعله الشبح، ابتعدت فتبعها
- أنت؟ ماذا تريد؟.. هيا انصرف لحالك، لو يراك إبني لن يرحمك
- كنت في السجن وخرجت اليوم فقط
- ما عاد يهمني أمرك
- لقد ألقوا عليه القبض و هو الآن يدفع ثمن جرائمه
- من؟
- القاضي، واعترف بكل شيء، سيستدعوك في الجلسة القادمة... تعالي معي وأحكي لك تفاصيل قضية هذا الشيطان.
- لا أصدق، كيف حصل هذا؟
- تعالي معي نذهب إلى مكان هادئ ونتحدث
كأنها تلقت حقنة هدوء وسكون، فطاوعته وذهبت معه رغم التعب والنعاس، تحاول أن تصلح ذلك الخلل الذي أحدثته مايسميه الناس بلعبة الأيام، تقذفها وتقذف لها وتقذف بها، عطاء بيد وأخذ باليد الأخرى، تتساءل لماذا تأتيها الأشياء دائما بهذا الوجه المقنع، وتختفي لتعود بقناع آخر، حقيقة يمكن للإنسان أن يتسبب بسذاجته، وبكل ما يحمل من سوء الطوية في كثير من المصائب التي تحطم كيانه، ولكن لم تصدق أنها قضاء كله شر... هنا في واجهة البحر، جو جميل، نسمة منعشة، حيث نختلي الأرواح الرومانسية التي تلاطف المشاعر، وتحول الأحاديث إلى شجون حالمة، ويصدق الإنسان أن جمال الدنيا كله في دمعة شوق فوق بسمة حنو، وأن الأمل هو البلسم الوحيد الذي يصنع السعادة بعد الألم، لهذا نجد دائما راحتنا بعد البكاء رغم أن الأشياء لا تزال جاثمة على صدورنا... هل كان عبقريا إلى حد التحكم في مواقع الحديث، التي تدفع بالرفق أشرعته في عمقها إلى ما يشتهي الوصول إليه؟ ! أم هي الأقدار لما تريد أن تحدث تتموقع وتسوق الإنسان إلى حيث تريد لتفعل به ما تشاء.. وقفت تنظر إلى البحر، وشعرت بانتعاش غريب واستعداد لسماعه من أول كلمة إلى آخر حرف.
وبدأ يروي لها كيف أفلس القاضي، و كيف تورط في قضايا فساد...رشاوي وتحويلات ومخادعات، وكيف ألقي عليه القبض، واعترف أن الطفل ليس إبنه، وأنه زور التحاليل، واستعمل نفوذه ليجعله يختفي... وأن القضية بدأت منذ أن أخبره إبنه المحامي أن الطفل إبن أمينة الضبط ، يعني بها هي، قد كتب باسمه جده ثروة هائلة، فتذكر أنها أخبرته بحملها وأنه ردعها وأبعدها... فوجد أن الصدف قد أعدت له فرصة العمر، ولو بقي قاضيا مائة سنة لن يستطيع أن يجمع مبلغا كهذا، ففضل التضحية بمنصبه وسمعته والظفر بهذا المال الذي كان يظهر له مهدورالأنه إرث لقيط...لم يكن يعلم أننا تزوجنا زواج عرف، وأتممتا أركانه بالولي لما تهيأت الظروف بموافقة أبيك رغم أنه كان مكرها، سترا للعار، عملا المثل الشعبي القائل"الهم دواه الغم، والسترة ليه مليحة رد الجلفة على العظم تبرأ وتولي صحيحة" وبارك زواجنا.... كان حينها يضع ذراعه فوق كتفيها، أحست بالدفء فالتسقت به أكثر، وكان ولدها ينظر إليها من نافذة المقهى التي تطل على البحر، فقال له صاحبه:
- كأنها أمك، يا لروعة العشق عندما يستولي على العجائز، وضحك حتى بانت نواجده،
فأدخله بهذه الكلمات إلى زنزانة مظلمة باردة، وقهره الموقف، وشعر بغربة عزلته عنها أكثر فأكثر، يفكر كيف يهجر المدينة أو يطرد هذه المدينة من ذاكرته إلى الأبد، تلك المدينة التي لا تهتز لأحد.
ولما انصرفا، ذهب إلى مكانهما، وقف أمام البحر، نظر إلى الأسفل كان سحيقا، وعميقا، فوق أعالي الجرف استوت هذه الشرفة وتزينت لمن يريد الإنتحار، هكذا قال في نفسه، حرمه هذا الرجل من حقه في أمه، تلك الأم التي لم تحضنه مرة واحدة في عمرها، كانت تختزن كل هذا الحب والحنان لرجل لا يعرف من أين أتى، تعمق الجرح وازداد النزيف، لما رأى أنه كبر كتلك النبتة الطفيلية ، واجتث لأتفه الأسباب، بعد ثمانية عشر سنة يستيقظ من نوم على كابوس يطارده وربما إلى الأبد، فحز في نفسه ذلك حد الإحباط و تلبسته لحظة غياب...رجع إلى البيت وليس من عادته، لما دخل سمع قهقهة أمه وصوت رجل ، عرف بأنهما هنا، فعاد أدراجه، خرج مسرعا، إشترى خنجرا وعاد، دخل بكل هدوء إلى غرفته، ينتظر اللحظة المناسبة، كان الرجل يداعبها وهما كطفلين صغيرين، أكلا وشربا، وجاء وقت القيلولة فسكنا إلى الراحة، فدفع الباب ودخل عليهما في سريرهما فجأة، وتعطلت مداركه كلها، طعن الرجل طعنة واحدة، وطعن أمه ، فقالت وهي تشهق آخر الشهقات:
- أقسم أنه أبوك، إنه أبوك، أسامحك فهل تسامحني؟ حاولت أن تعانقه ولكن يأبي القدر ذلك ،ويسقط ذراعها وينهار هو عليها بالبكاء، تذكر فعاد إلى أبيه فوجده قد لفظ أنفاسه... فطعن نفسه وأراد أن يهرب، فخرج من البيت يجري، لا يعرف إلى أين، ، حتى وصل إلى المكان الذي حجز فيه لحظة غياب ، نظر إلى المدينة، إبتسم، ورمى بنفسه... لم تهتز المدينة كما توقع ، وكأن شيئا لم يكن..
تمت


وهج الروح 01-06-2013 04:37 AM

نهاية لم اتوقعها بصراحة قبل نهايتها ذكرت باحدى الفصول بان النهاية

باتت معروفة ولكني انذهلت من نهايتها ......... تفاصيل وحبكة رائعة. في

سرد القصة ...... وشخصيات البعض احببتها وعشت تفاصيل القصة لحظة


بلحظة ........ استمتعت بقراءة لمبدع ولا اقولها مدح او ثناء ولكني اكتب راي


في رائعة من روائعك باسلوب شيق وجميل شكرا خوي مختار ابدعت بكل جدارة

مختار أحمد سعيدي 02-06-2013 02:27 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وهج الروح (المشاركة 191784)
نهاية لم اتوقعها بصراحة قبل نهايتها ذكرت باحدى الفصول بان النهاية

باتت معروفة ولكني انذهلت من نهايتها ......... تفاصيل وحبكة رائعة. في

سرد القصة ...... وشخصيات البعض احببتها وعشت تفاصيل القصة لحظة


بلحظة ........ استمتعت بقراءة لمبدع ولا اقولها مدح او ثناء ولكني اكتب راي


في رائعة من روائعك باسلوب شيق وجميل شكرا خوي مختار ابدعت بكل جدارة

.....................................

وهج الروح...أيتها الفاضلة.
كنت أجمل رفيق في هذا السفر الأدبي ، والسند و المدد.
أشكرك ..أشكرك..أشكرك.
أبقي بالجنب يا صديقتي أحتاجك .
تحياتي و تقديري


الساعة الآن 02:17 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

جميع الحقوق محفوظة لدى الكاتب ومنتديات السلطنة الادبية