قراءة في قصيدة وادي بلا زرع للشاعر خميس الوشاحي
مدخل :
" قنديل وحيد مهجور بعتمة ، لا يبصر من العالم إلا ظلامه . عيونه تحدق في يتم مرير إلى جدران متداعية من الطين ، تسكنها عناكب وعقارب وبرودة عظام ميتة (1) مبتدأ : في قصيدته ( وادي بلا زرع ) الفائزة بالمركز الثاني في الملتقى الأدبي الرابع عشر للشاعر خميس الوشاحي معالجة لتأزمات ومطبات كثيرا ما يتعرض لها الشاعر الحقيقي ، الباحث عن الشعر الصامد في وجه الرياح العاتية ، في خضم هذا السيل الجارف من المتشابه ، والنمطي المستسهل للعبة الإبداع والكتابة . والحصول على الآني الصاخب ، المتبخر سراعا ، ليس مطلبا ذا شأن لدى الشاعر الموسوم بسيماء الشعر . هو يعلم أن " الشعراء الذين يتشابهون كأوراق البنكنوط .. ويختلطون ببعضهم كحبات الرز .. فلن يذهبوا بعيدا .. "(2). أتخيل : يمشي متثاقل الخطى في صحراء بعيدة الأمداء ، " خطى صامته ، موجعة ، وحزينة " (3) ، تحمل غروبا خاصا أو ما تعتبره غروبا ، بينما تجترح الشمس غروبها المعتاد ، والنهار يتهاوى في قعر سحيق ، ويتداعى هو بوحا وشفافية وضراعة " ياربي : هـ الدروب استوحشت ، وانهارت عزومي " ، " مشيت وعنّـت أقدامي " . وتتتالى الضراعة المبللة بالدموع " يا ربي " ، التي تتكرر أربع مرات ، ما يؤجج الحالة الحميمية مع الذات العليا المُخاطبة ويصعد حرارة التدفق الشعري الحارق ، مع تدفق السواد ، وهطول الليل بخشوع مهيب ، ليتحول هذا الليل بدوره إلى مسجد ، ، أشبه ما يكون بمسجد زاهد عماني ، بعمامة بيضاء ، ولحية مسترسلة ، يعلق مسحاته القديمة ، على شجرة غاف تتوسط منزله ، ويخرج ينقش الأرض بعصاه ، كدأبه دائما ، إلى متنفسه ، " كمن خرج إلى عالم أكثر إشعاعا " (4) ، مسجده ذي المعمار البدائي المتقشف ، معراج روحه إلى السماوات . تتتابع الأنفاس والزفرات ، وتصعد الدمعات ، دمعة تلو دمعة ، " يا ربي .. يا ربي .. يا ربي " . يأتي التناص القرآني واستحضار القص والسرد في القرآن الكريم متوائما وهذه الحالة الصوفية والنفسية النادرة : يا ربي ما فـ ذا الوادي ونيس ، ولا خيال أصحاب ولا به زرع أو حتى سراب ٍِ للحياة يومي وينسكب الضعف الإنساني ، ويرتفع النداء ، من قلب تتموج فيه أمواج التسليم والرضا " يا ربي طالبك قطرة أمل " ، رغم عدم جفاف السعن إنما هو الاستصغار اللا متناهي أمام عظمة الذات العليا . وتبدأ رحلة البحث عن قطرة الأمل ، في سعي متوكل بين صفا ومروة الثقة من الاستجابة : أخبّ وشوك هـ الوادي أصم ٍ ينتعل حطاب دمى رجلي ورسّم أحمره في كسفة هدومي أوقـّف ؟! ... أوقـّف ؟! بهذا الاستفهام الاستنكاري تأتي النقلة ، وبما يتواءم مع ما سبق ، في لحمة واحدة ونسيج واحد : أوقـّف ؟! والأماني تستحث خطاي ويهطل نشيد الأماني ، النشيد الصاخب ، المرتفع الإيقاع : يا مرتاب تعزّم يا كبير ٍ ما يردّه عالي حزومي هذا النشيد الذي يتكئ على تكرار" يا هذا " أربع مرات ، يشحذ الهمة ، ويبث الروح ، فخلف هذا الوادي : نبع ، وأعشاب وبه غاف ونخيل وبه نهار ٍ يرقب عزومي فلم التوقف ؟! ويقين ثابت بأن ثمة شمعة آخر النفق المظلم فلم التوقف ؟! ولا يوجد هناك سوى باب واحد فقط للتفرد ، على كثرة أبواب هذا السيل من التشابه السهل : للتشابه ألف باب وللتفرد باب فلم التوقف ؟! طالما رضيت بالتحدي ديدنا وقبلت الرهان طريقا فلم التوقف ؟! وذا الشعر فـ يدينك برقعه وحباره تحومي اذا ما جاع قبّضه الفضا وإن دسّم المخلاب ظفر وتسامقت كل الربوع وثوّر الرومي فلم التوقف ؟! والشعر نعم الخليل وقف وقفة كريم ٍ وأمطرت من وبله غيومي فلم التوقف ؟! وللشعر روح تحفز العزم ، رغم التعب ، والعراقيل ، والحواجز ، والأشواك المرمية على طول الدرب . فلتكن هذه القصيدة نداءً يذكي نار العزيمة " يا هذا سر " فهناك خلف هذه المنعطفات الكثيرة نهار ينتظر قدومك . والشعر من وراء القصد : * حضور المفردة الدارجة في النص : عنت ، شوم ، يومي ، كسفة . * في " يا ربي طالبك قطـرة أمـل أنقض بهـا صومي " كان من المستحسن استبدال " أنقض " بكلمة أكثر دقة * في " أخب وشوك هـ الوادي أصم ٍ ينتعل حطاب " أسأل عن مدى مبررات قلب الصورة هنا . * في " ليل حالك جلباب " لو يقول الشاعر " ليل حالك الجلباب " فقد يكون الجلباب مضيئا ، لامعا ، مشجرا ، لا يمت للحلكة بصلة . هوامش : (1) درب التبانة ، سماء عيسى (2) والكلمات تعرف الغضب، نزار قباني (3) درب التبانة ، سماء عيسى (3) نفس المصدر |
حمود
قراءة من نوع مختلف أسلوب جميل تحياتي |
اقتباس:
فهد مجرد سد ثغرة لردم هذا الفراغ الكبير ليس الا شكرا لك تقديري |
فعلا قراءة مدهشة ومختلفة
ألف شكر لك أيها الحمود الجميل |
قراءة جميلة تستحق المتابعه ..
تحياتي |
حمود الحجري
لك التحية والتقدير اينما كنت مملكة |
اقتباس:
شكرا كونية عزيزي ابراهيم |
اقتباس:
مرورك الأجمل فاطمة ألف شكر |
اقتباس:
مملكة لك كل تحايا القلب طابت أوقاتك |
أخي حمود
انت دائما مختلف الجمال في الشعر مبهر وفي النقد راقي لك الجمال الدائم تحية / اخوك صالح |
اقتباس:
صالح أخي العزيز تحية بلون الجنة لقلبك الأخضر |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
اخي القدير واستاذي الكريم حمود الحجري،بك اهلا سيدي الذائقه بحاجه لهكذا تواصل مثري ونستفيد منه في كل جديد لك وقفه مهمه ونحتاجك وقفات... لموعد آخر برفقة قلمك الرائع دمت بخير ٍ سيدي بارك الله اوقاتك واسعدك بأذنه، احترامي وتقديري |
اقتباس:
أخي أنور باقات من شكر لقلبك |
دمت شاعرا وقارئا نافذا في أعماق الابداعات الأدبية.
مودتي لك أيها البهي |
اقتباس:
ما أنا إلا تلميذ من تلامذتك أيها الفااااااارع كم أنا ممتن لكرم وجودك يا أبا أيوب هنا كل الأمكنة تسأل عنك وتقرؤك السلام |
المتألق أبدا سعيد بمشاركاتك وهذا ان دل فانه يدل على تواضعك وطيب خلقك.. مشاركة وقراءة فتحت افقا واسعا للتأني وفتل القصيدة شكرا لقلبك |
اقتباس:
الاسم الصعب في ساحة الشعر الشعبي شكرا كبيرة دكتور |
ولد العم مبدع دائما ما شاء الله عليك لك التحية هيثم |
اقتباس:
العزيز هيثم شكرا جزيلا لقلبك يحفظكم الله |
الأستاذ حمود الحجري السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تحليل نقدي رائع في نص وادي بلا زرع للشاعر خميس الوشاحي ,,,,,,,,,,,, لقد أمتعتنا بجوانبه المخفيه وفتحت أغوار النص بتحليل دقيق ومفيد ................. يعطيك الف عافيه أيها الفذ |
اقتباس:
أخي الوشاحي شكرا لك تقديري |
الحجري
والله أنك تقدم الجمال دائما بوجهة نظرك المتلائمه فيما تقدمه ( في قصيدته ( وادي بلا زرع ) الفائزة بالمركز الثاني في الملتقى الأدبي الرابع عشر للشاعر خميس الوشاحي معالجة لتأزمات ومطبات كثيرا ما يتعرض لها الشاعر الحقيقي ، الباحث عن الشعر الصامد في وجه الرياح العاتية ، في خضم هذا السيل الجارف من المتشابه ، والنمطي المستسهل للعبة الإبداع والكتابة . والحصول على الآني الصاخب ، المتبخر سراعا ، ليس مطلبا ذا شأن لدى الشاعر الموسوم بسيماء الشعر . هو يعلم أن " الشعراء الذين يتشابهون كأوراق البنكنوط .. ويختلطون ببعضهم كحبات الرز .. فلن يذهبوا بعيدا ) ملاحظاتك صحيحه من وجهة نظرى ومتفق معك وفعلا وادى بلازع نص مميز لشاعر نكن له الود والتقدير حقيقة عزيزي دائما النقد يفتح افاق اكثر جرأه وربما النقد من رأي اقرب من الشاعر للنص من خلال المعايشة للنص مثلا الشاعر في مراحل احتضار النص أحترامي |
اقتباس:
صباحك قرنفلة متفتحة عزيزي أشكر لك نقاء قلبك وصفاءك لك كل الحب |
الساعة الآن 06:07 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir