منتديات السلطنة الأدبية

منتديات السلطنة الأدبية (http://www.alsultanah.com/vb/index.php)
-   النثر والخواطر (http://www.alsultanah.com/vb/forumdisplay.php?f=12)
-   -   كانوا رفاقي في الســـلاح !! (http://www.alsultanah.com/vb/showthread.php?t=18662)

عصفور الدوري 07-11-2013 07:21 PM

كانوا رفاقي في الســـلاح !!
 
كـانـوا رفــاقــي في الســــلاح !!



ــ فقط بعد إذنك وبعد موافقتك وبضوء أخضر منك سمحت لنفسي بنشر ما حدث متجنبا الخوض في التفاصيل تاركا النص ينبض ويبوح بإيحاءات الأحداث الحقيقية .
إلى أجمل نساء العرب .. إلى عروس يافا .. إلى روح الشهيدة العربية المناضلة البطلة دلال المغربي .. ألف رحمة ونور عليك يا شقيقتي الغالية .

http://www.al-arabeya.net/images/pho...004529-1-0.jpg
http://www.safsaf.org/gfx/dalal/dalal.jpg

ــ كنا تسعة : خمسة شبان وأربع فتيات في عمر الزهور .
ــ الزمان : صيف يوم تاريخي من أيام العرب المجيدة الخالدة .
ــ المكان : صحراء عربية قاحلة على الحدود وخيمة صغيرة معزولة عن العالم ..
العطش يلهب حلوقنا وقد تكلحت وجوهنا بفعل لفح الشمس وصفع الريح اللاهبة .. تضحك ( إيمان ) فجأة وقد تذكرت أنها نست مشطها البلاستيكي الأزرق .. شعرها المغبر مربوط بعصابة حمراء زادتها جمالا ومهابة .. يبدو مظهرها كواحدة من ثوار الغوار في سانتاكلارا .. تذكرني بالشهيد أرنستوتشي جيفارا وشعره الثائر كروحه دائما ، ولذلك نحب دائما أن نناديها بـ ( تشي ) تيمنا به .

http://t2.gstatic.com/images?q=tbn:A...45KSNQN2ZhvGzk

قلت مازحا وأنا أنظرها بإشفاق :
ــ حسنا يا تشي .. كأنك ناوية على عرض أزياء في هذه الصحراء .. فكرة حلوة ستروق للعدو كثيرا !!
وانفجرت الخيمة بالضحك .. أما هي فبعد ضحكها عقبت تقول :
ــ إسمع يا تشرين ( هكذا يسمونني بهذا الاسم المرتبط مباشرة بيوم ميلادي ) أحيانا يمكن كسب حرب بدون طلقة واحدة أو قطرة دم واحدة !! لعبة ذكاء . أليس كذلك ؟!
هاهي تفتح مخزن عقلها الذكي وتستخرج منه درسا أو حكمة من كتاب نادر ألفه عن فن الحرب محارب صيني قديم منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة ..
تواصل كلامها وكأنها تحاضر جنودا حديثو التدريب :
ــ الحرب خدعة .. يجب شل حركة العدو بتخدير رؤوس قادته بمادة ( الحب ) ..
وعادت موجة الضحك تملأ المكان .. أما أنا فلم أضحك هذه المرة واكتفيت بالابتسام .. فقد إنتبهت جيدا لكلام إيمان / تشي .. إنها جادة فيما تقول وحتما ثمة شيء جديد في رأسها ترمي من ورائه لمرام بعيدة .. نظرت إليها وعلى فمي المطبق إبتسامة خفيفة .. كانت نظرتي نحوها نظرة جادة يخالطها مزيج من شعور عميق وصادق بالاحترام والتقدير وبالحب الأخوي الذي رسخته سنوات النضال والصحبة الطيبة والعيش والملح والدم والدموع والألم والفرح والحزن وكل شيء جميل ربطنا معا كرفاق سلاح .. هاقد إشتعلت في رأسي عشرات الأفكار والرؤى المربوطة بأخيلة جريئة تضرب في عمق الممكن واللا ممكن ، وذاك كان من شعاع تلك الفكرة ( الإيمانية ) .. وربتُّ على شعرها محييا كلامها اللامع .. هنا قال ( أمين الصغير / مينو ) وهو يرفع بندقيته :
ــ وماذا عن بنادقنا هذه ؟! ما مصيرها بعد أن تصبح لا دور لها في المعركة لأن الحب سيتكفل بكل شيء ؟! هل سنسرحها من الخدمة على الطريقة الأمريكية ؟!
كان واضحا أنه لم يقتنع مبدئيا بفكرة ( إيمان ) وبما ترمي إليه خطتها التي ما زالت طور التشكل الآن داخل شرانق العقل ونقاش الرفاق .. ( لاحقا سندرك نحن ومينو كم كانت تشي بطلة عظيمة وكم كان لفكرتها عظيم الفائدة لنا جميعا على المستوى الميداني للعمليات التي قمنا بها كمجموعة نضالية مستقلة) .. ردت تشي بثقة :
ــ دور البنادق يا مينو سيكون في المرحلة التالية من العملية .. فبعد تخدير القادة سيسهل علينا الإجهاز على الجنود واحتلال الموقع أو تدميره بالكامل بأقل خسائر ممكنة ..
بدا على السطح ان تشي ترسم مخططا للإيقاع بقادة العدو في الفخ المميت .. وفكرتها في قلب تفاصيلها الدقيقة هي من الروعة والذكاء والدهاء الأنثوي المعهود .. لكن .. أنّى لنا هذا الشيء ونحن الآن في الطريق لتنفيذ عملية جريئة متحمسون لها كل الحماس وموقنون بنجاحها إن شاء الله ؟! كيف وبأية طريقة ومتى ومن أين نبدأ بخطة تشي ومع من سنبدأها ؟! ثم الأهم هل سيوافق عليها القائد ؟!
كان قائدنا ( حبيب البارق ) خارج الخيمة يستمع إلينا وهويدخن غليونه ذو الأنبوب الخشبي الأملس ، وعيناه السوداوان تنظران بصمت إلى البعيد جهة معسكر العدو الذي لا يبعد عنا إلا مسافة يسيرة .. ولا يفتأ هذا القائد ينفث من صدره دخانا رماديا كثيفا ودوما كل زفرة دخانية يخرجها يوجهها صوب جهة موقع العدو .. لكأنه يبصق على هذا الموقع وعلى من فيه بصقات من غضبه الذي لم ينفجر بعد .. لعله كذلك كان يراجع خطته المحكمة مراجعة أخيرة ، أو ربما سمح لخواطر قلبه ان تنداح على سطح الاحساس ، مع أن هذا الشعور نادر الحدوث عند القادة في المواقف المصيرية الجادة .. لكننا نعرف عنه بحكم التجربة الطويلة والكفاح المشترك والعيش والملح أنه قائد طيب الفؤاد .. سمح النفس .. كريم منتهى الكرم .. مرح وقت المرح وجاد وقت الجد .. فذ وذكي .. شجاع القلب قوي الشكيمة ومن صنف أولئك المغامرين الجريئين الذين لا يهابون الموت ولا يرهبون لعلعة الرصاص و أزيزه ولا صفير القنابل وصوتها الرهيب حين تنفجر .. رجل يدخل قلبك بدون إستئذان ولا تملك إلا أن تحبه .. وهو أكبرنا سنا وفي أواخر الثلاثينيات من عمره .. قتلت عروسته في الحرب قبل يوم واحد على موعد زفافهما ومن يومها عاهد نفسه أن يعيش بقية عمره رفيقا للسلاح والنضال ..
دخل الخيمة بعد ربع ساعة .. كان نقاشنا مع ( إيمان ) لا يزال قائما .. وقف بقامته الطويلة ووجهه الجميل الملتحي أمام مدخل الخيمة كأنه رمح رديني مغروس بثبات .. وابتسم قائلا في طلاقة :
ــ خطة ( إيمان ) رائعة من حيث المبدأ .. لكن الوقت لا يسعفنا الآن لإعدادها وتنفيذها .. إنها تحتاج إلى وقت طويل ودراسة ولجولات إستخباراتية عميقة قد تمتد لعام كامل وإلى مال وجهد كبير أيضا .. لذلك دعونا ننطلق الآن بـ ( الصاعقة ) وفيما بعد سنتفرغ وبهدوء لـ ( جوليت ) ..
هكذا فيما بعد صار اسم خطة تشي ( جوليت ) ..
وابتسمت إيمان / تشي قائلة بحماس وهي تهنىء نفسها بهذه الموافقة :
ــ شكرا لك سيدي القائد حبيب .. سيكون من دواعي سروري وسعادتي وفخري أن أقوم بهذه المهمة .. كونوا على ثقة ..
& & &
الفجر يقترب وظلام حالك السواد يعم الأرجاء ونحن فوق تلة إمتدادية ومعسكر العدو في الأسفل على مبعدة جد قريبة منا .. نسمع ضحكات المجندات والجنود ولغط حديثهم .. إنهم يتسامرون ويلعبون الورق .. ولأن المعسكر مضاء بالمصابيح القوية في بعض جهاته فقد ساعدتني هذه الميزة على رؤية واستطلاع ما يحدث هناك .. عبر منظاري اليدوي المقرب رأيت ضمن ما رأيت أحدهم غارقا مع مجندة في عناق حميمي مثير وقبلات حارة .. آخر رأيته مع كأسه وشرابه وبجواره زجاجة شراب وجهاز راديو يستمع منه للإذاعة .. جندي لعين آخر منبطح على ظهره بمفرده على الأرض ورأسه متوسدا حجرا أملسا ويتلهى بهاتفه النقال .. كان الأقرب تقديريا إلينا وعلى مرمى بنادقنا .. مرت لحظات طافت فيها أمام عيني صور المذبحة الرهيبة التي وقعت بضيعة صديقتي المناضلة ( إيمان ) .. مآس مختلطة بصراخ الأطفال المرعوبين وبنواح النساء الثكالى المسكينات وبالعجائز الشيوخ وقد أخرست الفجيعة ألسنتهم وجمّدت حركتهم وكل حس فيهم حتى لم يقووا على بكاء أو دمع أو حراك ولسان حالهم يغبط القتلى وقد رقدوا رقدتهم الأخيرة واستراحوا من الدنيا وآلامها ومصائبها .. والدماء والقتلى والحرائق والدمار في كل مكان ..
إجتاحتني رغبة عارمة في تلك اللحظة بأن أسحب قسّام البندقية وأمطر هذا اليهودي اللعين بوابل من الرصاص المنتقم .. غير أني لم أفعل .. فليس من عادتي أن أخرج عن تعاليم الجندية وروحها السامية .. لا أدري لحظتئذ لماذا ضحكت في قلبي ضحكة قوية كتومة راودني إحساس وما يشبه الهمس الخفي بأن ساعة هذا اللعين قد دنت فصبرا جميلا ..كما أن هناك خطة ونحن الآن ننفذها على أرض الميدان وهناك قائد رائع نثق بعد الله فيه وفي خطته وتعليماته وروحه الأخوية المخلصة .. تريث يا تشرين .. ففكرة قتل هذا الجندي المنبطح لو حصلت حتما ستؤدي إلى فشل كل الخطة وجهد نصف عام من التدريب الشاق والجهد والعرق .. كظمت غيظي مؤقتا ..
كنا جميعا ملتزمين بصمت تام لدرجة أن من يمر في قلب هذه الظلمة الموحشة وهذا المكان المقفر لا يكاد يجزم أن هنا مجموعة من الفدائيين المسلحين منبطحين كالثعابين على بطونهم وهم على وشك الهجوم على موقع عسكري ..
بهمس خفيف جدا قلت لقائدي ( حبيب البارق ) وكان قريبا مني ولا يفصلني عنه إلا شبر أو شبران تقريبا :
ــ سيدي .. ينبغي أن لا نقتحم الآن .. الموقع لا يزال مستيقظا .. أنظر بمنظارك ذاك الجندي الذي بالبرج يراقب لا يزال ساهرا ومعه إثنان أو ثلاثة يتسامرون معه .. أقترح ــ بعد إذنك سيدي القائد ــ أن ننتظر ريثما ينام جنود العدو .. إنه موقع عسكري صغير وتافه يسهل إختراقه وتدميره .. فقط لنتريث لساعة أو ساعتين أخريين ..

http://www.menara.ma/sites/default/f...378202-1-0.jpg
إستصوب القائد ( حبيب ) فكرتي .. الواقع أنها ــ أي الفكرة ــ كانت تجول أيضا في رأس هذا القائد وربما قبل حتى أن أعرضها عليه بفترة من الزمن ولم أتعمد أن أستقرأها منه .. كل ما في الأمر أن الفكرتان تلاقتا في الومض العقلي وعلى نحو إتفاقي عجيب .. هذا رائع !!

http://mawtani.al-shorfa.com/shared/...to-650_416.jpg
مضت ساعتان ونصف الساعة ونحن ما زلنا على بقائنا في مكاننا فوق التل الجبلي صامتين قرب موقع العدو ، منتظرين لحظة الصفر للتسلل عبر الأسلاك الشائكة إلى داخل الموقع .. من حسن الحظ كان إستطلاعنا السري السابق لهذه الأسلاك مفيدا جدا لخطتنا ، فقد عرفنا أين بالضبط نقاط الضعف التي فيها .. إن بها من العيوب ومن الإهمال الفادح الشيء الكثير ، بحيث عثر كشّافنا على أماكن طبيعية تحت هذه الأسلاك بها ثقوب أو مداخل مفتوحة لبيوتات تحت أرضية تسكنها أرانب وفئران برية وربما ثعالب أيضا ، كما أن الأسلاك نفسها يعلوها الصدأ الذي أحالها إلى اللون الأحمر المائل للصفرة ، مما يعني سهولة تقطيعها حتى باليد .. كما أن الموقع ليس محصنا بشكل جيد وليس به جنود كثرة ، بالكثير خمسة عشر إلى عشرين جنديا ومجندة يقودهم ضابط صغير عبثي مستهتر في العشرينيات من عمره .. ضابط غير مؤهل أو جدير بأن يكون قائدا ، فهو مهمل لكل شيء في معسكره حتى لنفسه ، ويمضي أغلب وقته مستمتعا مع المجندات الشقراوات ذات الأصل الروسي أو أمام التلفزيون ولا يديم البقاء في مكتبه المتواضع ، فهو كثير الملل .. يكره الروتين والأشياء الرسمية المتكررة .. إن قائدا بهذه الصفات من الممكن جدا أن تهزمه هو وجنوده مجموعة كوماندوز صغيرة من بضعة أشخاص عالية الاحتراف !
كانت الخطة تقضي بأن نتسلل نحن التسعة عبر الأسلاك الشائكة إلى داخل الموقع ومن ثم تدميره .. وفور دخولنا تتحول الخطة مباشرة إلى ثلاثة محاور أو أدوار :
قتل جندي المراقبة الذي بالبرج .. قطع السلك الكهربائي الموصل بجرس الانذار بالموقع .. تلغيم الحجرة الخاصة بمأوى ضابط الموقع وكذلك مساكن الجند وغرفة مكتب الضابط بقنابل موقوتة ..
فور دخولنا للموقع زحفا على بطوننا تكفل قائدنا ( حبيب البارق ) بقتل الجندي المناوب ببرج المراقبة بواسطة بندقيته المنظارية الرائعة التصويب وذات الكاتم الصوتي ، وقد نجح في مهمته ( من حسن الحظ كان الجنديان اللذان كانا يتسامران مع هذا الجندي التعس قد ودعاه وغادرا البرج وذهبا إلى النوم ولو بقيا معه لاضطررنا إلى قتل الثلاثة معا ، وهذا يعني ضرورة مساندة القائد في هذه المهمة بعنصرين من عناصرنا بارعين جدا في الرماية والقنص ) .. يبدو أن الحظ يسير معنا ولصالحنا من بداية العملية وعلى نحو مريح وطيب .. هاهي ( إيمان ) ومعها ( مينو ) يقومان بقص السلك الكهربي الموصل لجرس الإنذار الخاص بالموقع وكذلك سلك هاتف مكتب الضابط مع أنه لم يكن ضمن الخطة .. واجهتنا في المقابل مشكلة لعينة لم تكن في الحسبان ، فهناك في الركن الغربي من المعسكر كلب حراسة ينبح على الدوام .. هذا الكلب المزعج بالذات يجب إسكاته فورا حتى لا يكشف عن وجودنا أو يثير إنتباه الجنود إلى أن شيئا ما غامضا وغير طبيعي يحصل الآن في معسكرهم ..

http://l.yimg.com/lo/api/res/1.2/x8t...3563530682.jpg

واحد من مغاويرنا أسكته إلى الأبد وبعد مقتله وانخماد صوته عم الصمت والسكون كل أرجاء المعسكر ..
ــ نائمون عليهم لعائن الله !!
قال ( زكي السميري ) وعلى وجهه فرحة واستبشار .. بينما أنا ورفيقتي المهندسة ( مريم حسام ) كنا منهمكان في إعداد وتجهيز القنابل الموقوتة بدقة وحرص وعناية فائقة .. أنهينا مهمتنا في ظرف زمني قصير .. عشر قنابل موقوتة مستطيلة الشكل وفي حجم كف اليد تقريبا ، كل قنبلة مزودة بلاصق مغناطيسي جيد .. قمنا بزرعها مغناطيسيا أسفل الكرفانات الخشبية لمساكن الجنود الغاطون الآن في سبات عميق .. ولم ننس الضابط فقد أهديناه هو الآخر وعلى نحو خاص قنبلتان أيضا واحدة تحت غرفته التي هو الآن نائم فيها مع عشيقته والثانية تحت حجرة مكتبه الاداري .. أصبت بجرح نازف في ساعدي الأيمن أثناء الزحف تحت الغرف الخشبية التي بالكاد كان يسعني الزحف تحتها مع بندقيتي التي حملتها على ظهري وزحفت بها على بطني وفي يدي القنبلة الموقوتة جاهزة للإنفجار وقد رأيت بصورة مطمئنة أن عقرب عداد التوقيت فيها يدور بشكل سليم .. وكل قنابلنا العشر تلك كان لها نابض ضوئي أحمر حال تشغيلها وتضبيط موقت التفجير فيها وقد قمنا بطلي هذا النابض بصبغ أسود كثيف عن عمد حتى لا يلمحها أحد جنود العدو بالصدفة .. هم لن يلمحوا شيئا أصلا لأننا وضعناها أسفل غرفهم وجعلناها ملتصقة مباشرة بأحد العوارض الحديدية الماسكة لأرضية الغرفة الخشبية .. كان ذلك الصبغ الأسود الذي طلينا وأخفينا به النوابض الضوئية للقنابل هو فقط لمجرد زيادة الحرص لا أكثر .. وهو حرص تكتيكي مفيد وفي محله !
بعد عشرين دقيقة بالضبط كنا قد تسللنا خارجين من معسكر العدو الملغم الآن بالقنابل الموقوتة .. إبتعدنا ووآصلنا طريق عودتنا مبتعدين عن هذا الموقع المشؤوم بأبعد مسافة ممكنة .. كل ذلك تم زحفا على بطوننا ولمسافة مائة متر تقريبا ..
كانت تنتظرنا هناك عند الحدود سيارتان ذاتا لون صحراوي مائل إلى البيج ومن نوع بيكاب .. توزعنا منحشرين داخلهما .. وكانت مصابيحهما مطفأة تماما ( تم هذا وفق تعليمات مشددة مسبقة من القائد حبيب إلى السائقين بعدم إضاءة المصابيح تحت أي ظرف من الظروف ) .


http://halanews.net/upload/4996a844d...8993663d2.jpeg

فجأة !! وفي غمرة الصمت والليل الموحش بظلامه الثقيل دوى من جهة معسكر العدو صوت إنفجار شديد وباعث للرهبة كاد أن يصم آذاننا حتى أننا شعرنا لقوته وشدته بما يشبه الرجة الأرضية تحت أقدامنا وذلك قبل أن نركب سيارتا البيكاب بدقيقة واحدة أو أقل .. خيل إليّ وأنا أشاهد عمود الضوء الساطع المتجه بشكل كروي نحو السماء أنها قنبلة ذرية سقطت وانفجرت في هذا الموقع ومسحته من الوجود بكل ما فيه ومن فيه .. وبسرعة رفعت منظاري اليدوي المقرب ووجهته صوب الموقع المشتعل ..

http://www.france24.com/ar/files/ele...losion-o_1.jpg

كان مرأى ألسنة اللهب المتصاعدة في الجو مع الدخان يسمح بمشاهدة بعض ما يجري هناك لدرجة أنني رأيت عبر المنظار جنديا منهم يطير في الجو بفعل ضغط الانفجار الهائل ونصفه مشتعل بالنار .. سمعنا صراخهم وطلبات النجدة .. مؤكد أن الموت والهلع والألم والدمار والفوضى تعم الآن كل المعسكر .. الله أكبر .. أخيرا .. هاهم أولاء يذوقوا طعم الألم والموت والفزع .. درس صغير لكنه قاس ومؤلم ومؤثر لقناهم إياه علهم يفيقون من غطرستهم وغرورهم وصلفهم ..
كانت رفيقتي ( إيمان ) تبكي وتنشج من الفرح وقد ضمها أخي القائد ( حبيب ) إلى حضنه في حنان أبوي قل نظيره في مثل هذه المواقف المؤثرة .. سمعتها تهتف بسعادة كبيرة :
ــ الله أكبر .. الله أكبر .. حق العذاب على من بغى وتكبر .. أحمدك وأشكرك يا رب .. لقد أجبت دعوتي ..
وخرت بكل جسمها تسجد شاكرة الله على النصر .. ولم يستطع القائد ( حبيب ) منع دموعه من الانبجاس وهو الرجل الصلب الشجاع القلب .. فقال وعيناه الدامعتان من الفرح تنظران إلى ألسنة اللهب المتصاعدة في موقع العدو المدمر :
ــ هذا لأجلك يا أختاه ولأجل كل شهداء الضيعة .. هذا جزء من ثأر وحساب عسير لم يكتمل ولم يصفّ بعد مع العدو .. هذه معركة مصير ونحن عاهدنا الله وأقسمنا جميعا باسمه أن نواصلها .. فإما نصر وإما شهادة ..
لم تنس ( إيمان ) أسرتها الكاملة التي قتلت دفعة واحدة في مذبحة ضيعتها : أمها المقعدة .. أباها الأعمى .. أخوتها الثلاثة وأختها التي تصغرها بعامين .. كلهم قتلهم سفلة اليهود ضمن من قتلوا من الأهالي في تلك المذبحة المرعبة التي عم حولها صمت العالم وتجاهله وتخاذله أيضا .. لم يبق لـ ( إيمان ) لا أهل ولا أقارب فالكل راح ما بين شهيد ومشرد وسجين بالمؤبد .. لم يبق لها من أحد في هذه الدنيا الظالمة والقاسية إلا نحن أخوتها ورفاقها في السلاح والنضال والدم والدموع والأمل المكافح ( لاحقا تزوجها بكل فخر واعتزاز أحد أخوتنا في الكفاح ) ..
برغم جو الانتصار الذي عمنا إلا أنه ومن أعماق ذاكرة كل منا نحن التسعة كان شريطا طويلا من ذكريات مؤلمة ومحزنة ومبكية يمر عارضا كل صوره المفجعة أمام مرأى أعيننا ومشاعرنا التي لم ولن تنسى ما مر من جراح ومآس .. حمدا كثيرا للرب .. تحول حزننا بعد نصر هذه الليلة إلى فرح وعيد ودبكة شامية ما أحلاها !!
لم نيأس .. لم نقنط من عون وتأييد الله .. لم ننتظر مددا ولا نجدة من خطب عرجاء جبانة فقدت روح الفعل ونبض الفداء .. لم نعول على أحد كثير أمل ليرد لنا أرضنا وكرامتنا وحقوقنا .. شبكنا أيادينا الحرة .. تعاهدنا إخوة و أخوات عهد صدق .. قلنا جميعا وبصوت إيماني جهادي واحد :
ــ نعم .. لن يرد الحق إلا البندقية ..
ومضينا على هذا العهد .. إخوة و أخوات .. معا في السلاح والكفاح .. فقد آن للبندقية أن تتكلم بعد صمت وآن للرصاص أن يغني ويكتب ملحمته بعد صبر ما بعده صبر ، وبعد إنتظار طال وطالت معه أشواق الجهاد .
بقلمي ونبضي / ســـعـيد مصـــبـح الغـــافــري

تنويه هام :
ـــ نشر النص لأول مرة باسمي في منتدى ( السبلة العمانية ) بتاريخ 27 / 12 / 2012م .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ

سالم الوشاحي 08-11-2013 02:08 PM

نص سردي جداً رائع يحوي

بطولات النظال وأنتصار الحق

عصفور الدوري أجدت النثر والإثراء

دمت مبدعاً ودام قلمك يناضل لاجل الحرية

جمعه المخمري 09-11-2013 01:05 PM

ماذا أكتب هنا الآن؟!!!
وأي حرف سيسعفني بعد حرقة الجمل.. ولذة الانتصار أخيرا!!

نص حمل في طياته رسالة واضحة...
رسالة أكثر مما هو سرد لتفاصيل تسعة شبان...

لا املك لك سوى الدعاء ولهم أيضا..
ولكل مناضلينا..ورحم الله شهدائنا....


خليل عفيفي 09-11-2013 06:02 PM

عصفور الدوري
نص حملنا إلى حيث التضحيات لكل ذرة من ذرات العروبة
ويبقى ذلك الانتماء من مكونات دمائنا وإشراقات عروبتنا
لك التقدير

ضي 09-11-2013 06:59 PM

أخوي عصفور الدوري نص جعلنا نشعر بكل لحظة ..
نص ما بين ألم الحرب ..
وصوت المدافع ..
وصراخ الاطفال
ونواح النساء ..
وفالنهاية تختم النص بالانتصار والذي جعلتنا نشعر بجماله..
رائع ما قرأته هنا ..
كن متألق اخي ..
لك التحية ...

ريم الحربي 09-11-2013 11:27 PM

لا أملك أن أقول شيئاً امام هذا النص الشامخ

وأنا لا أقول هذا بسبب موضوع النص فقط والذي هو حقاً رائع

لكنني أتحدث لأن النص رائعاً بكل ما فيه فهو نص متكامل

يستحق كاتبه كل الأحترام

تحياتي لك اخي الكريم

حقيقة قرأت النص أكثر من مرة


وتحية إجلال لكل المناضلين

عصفور الدوري 10-11-2013 09:30 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سالم الوشاحي (المشاركة 213257)
نص سردي جداً رائع يحوي

بطولات النظال وأنتصار الحق

عصفور الدوري أجدت النثر والإثراء

دمت مبدعاً ودام قلمك يناضل لاجل الحرية

أخي وأستاذي الغالي الأديب / سالم الوشاحي
تحية صباحية عطرة
لا تتصور أخي مدى فرحتي واعتزازي حين تمر هنا بكل بهاء قلمك الراقي مانحا جوانب نصي المتواضع فيضا من الجمال والسحر فلك مني ألف شكر وتقدير ويا هلا فيك أخي
يهمني تكون بخير

عصفور الدوري 10-11-2013 09:34 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جمعه المخمري (المشاركة 213357)
ماذا أكتب هنا الآن؟!!!
وأي حرف سيسعفني بعد حرقة الجمل.. ولذة الانتصار أخيرا!!

نص حمل في طياته رسالة واضحة...
رسالة أكثر مما هو سرد لتفاصيل تسعة شبان...

لا املك لك سوى الدعاء ولهم أيضا..
ولكل مناضلينا..ورحم الله شهدائنا....


أخي الغالي المبدع / جمعة المخمري
صباح الورد
شرفني أخي غاية التشريف مرورك البهي على نصي بارك الله فيك .. لك من نبضي كل الشكر والثناء مع دعاء صادق لك بظهر الغيب
دمت بخير
خالص ودي واحترامي

عصفور الدوري 10-11-2013 09:37 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خليل عفيفي (المشاركة 213379)
عصفور الدوري
نص حملنا إلى حيث التضحيات لكل ذرة من ذرات العروبة
ويبقى ذلك الانتماء من مكونات دمائنا وإشراقات عروبتنا
لك التقدير

يا هلا يا هلا أستاذي الجميل خليل عفيفي
عمت صباحا أخي بكل خير
مرورك الراقي جدا أسعد قلبي فلك الشكر والامتنان وألف هلا وسهلا بيك
دمت بوافر خير

عصفور الدوري 10-11-2013 09:41 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ضي البدر (المشاركة 213391)
أخوي عصفور الدوري نص جعلنا نشعر بكل لحظة ..
نص ما بين ألم الحرب ..
وصوت المدافع ..
وصراخ الاطفال
ونواح النساء ..
وفالنهاية تختم النص بالانتصار والذي جعلتنا نشعر بجماله..
رائع ما قرأته هنا ..
كن متألق اخي ..
لك التحية ...

ضــي البدر
أهلا وسهلا بك أستاذتي الغالي ضي .. شرفني مرورك الجميل والراقي الذي منح نصي ألقا وجمالا من لدن قلمك المتألق .. اشكرك من كل قلبي على حضورك وألف ألف هلا بك أختي
كوني بخير



الساعة الآن 12:38 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

جميع الحقوق محفوظة لدى الكاتب ومنتديات السلطنة الادبية