منتديات السلطنة الأدبية

منتديات السلطنة الأدبية (http://www.alsultanah.com/vb/index.php)
-   النقد والكتابات الأدبية والسينمائية (http://www.alsultanah.com/vb/forumdisplay.php?f=14)
-   -   قراءة في ديوان حديث الشمس للشاعر صالح السنيدي الجزء الثالث (http://www.alsultanah.com/vb/showthread.php?t=16571)

فهد مبارك 23-03-2013 08:47 PM

قراءة في ديوان حديث الشمس للشاعر صالح السنيدي الجزء الثالث
 



- الرمز عند الشاعر :

أخذ الرمز في تجربة صالح السنيدي الشعرية عدة أشكال معبرا من خلالها عن همومه وقضاياه التي تشغله ، وجاءت حاجته للرمز ملحة في ظروف تاريخية وزمنية معينة ، ومن الناحية الفنية فقد أضفى الرمز على القصائد سمة أخرى حيث نجد أحيانا أن بعض القصائد قد انبنت كليا على الرمز مثل قصيدة الجدار وكومة أحزاب ( سوف نتحدث عن ذلك بالتفصيل في موضوع الأسطورة ) ، وبعض الرموز في قصائده أخذت جانبا جزئيا مثل حشد روس الفحول وقصيدة حرمة البيت ...
من الملاحظ على قصائد صالح السنيدي سيطرة الرمز التاريخي على بقية الرموز الأخرى ( تحدثنا عن الرموز التاريخية سابقا تحت عنوان استدعاء الشخصيات التاريخية ) وهذا يعكس مدى اطلاع واهتمام الشاعر بالتاريخ السياسي خاصة وربط ذلك بالقضايا الفكرية واللغوية ، فقد مارس الرمز عند الشاعر عملا نقديا للأوضاع العامة في العالم العربي والإسلامي وللقضايا العربية والإسلامية التي اعتبرها الشاعر الهم الأول والرئيسي في كتاباته ونصوصه كما لاحظنا ذلك من خلال تتبع نصوصه الشعرية ، وبناءً عليه فقد كان الرمز التاريخي حاضرا ليعبر عما يعتري العالم العربي والإسلامي من تعرجات ومن سيطرة استعمارية وفكرية ، وهذه الأخيرة أثّرت بشكل كبير وواضح في الحياة اليومية والممارسات الخاطئة لبعض المعتقدات والسلوكيات المستوردة التي زرعت غصبا في أرض لا تتحملها بحكم اختلاف الظروف التاريخية والفكرية والجغرافية والأنثربولوجية والميثولوجية ..
مثلا قصيدة (الجدار ) ، تعبير عن حال الأمة العربية والإسلامية المعاصرة وسيطرة الدول الاستعمارية على مقدرات وأفكر هذه الشعوب التي لم ترحمها حتى حكوماتها ، فقد جاء الجدار رمزا على العزلة وسيطرة الحكومات على شعوبها ، ونجد أن شخصية سيف بن ذي يزن جاءت لتعبر عن المواطن الذي يبحث عن الحرية وتحرير الأرض والشعب من قبضة المستعمر الداخلي إذا صح التعبير ولكنه جاء بمستعمر خارجي ، لكن الأرض التي كان يرمز إليها الشاعر بالعجوز في النص تحاول قبل ذاهبه إلى رحلة التحريرأن توضح له أن النضال والكفاح والعزيمة كفيلة بأن تحرر الأرض والشعب إذ قال :
صاح عكاز العجوز ::...
التغير فالنفوس ...الذوات ..فالرجال..
أرضع الطفل العزيمة ..الكرامة...الجهاد...
لين ما تلقاه جيل ...يستقيم الإعوجاج ..
عندها أنقل جبال ...أنقل اسهول وصحاري..
واتغير أرضنا ..
أرضنا أرض السلام

استخدم الشاعر رمز الليل للتعبير عن حالات مختلفة ، فقد مثل الليل عند الشاعر أهمية كبيرة إذ ارتبط به ارتباطا وثيقا ،حيث لم تأتِ كلها بصورة رمزية .
من خلال تتبعنا للديوان وجدنا أن مصطلح الليل قد ذكر 33 مرة. ومن هنا فأن الليل قد عبرعن حالةٍ نفسية شعورية (زمنية – مكانية ) يصعب على الشاعر الإفصاح عنها والكشف عنها فجاءت في صورة رمزية معبرة عما أراد الشاعر توصيله من انفعالات وتصورات أخذت تتحرك بالممكن والمتاح من خلال الرمز ، مثلا نجد في قصيدة (الليل أسدل) أن الليل رمز إلى شخصية معينة حيث عبر الشاعر عن حالة نفسية وهي ردة فعل صادرة عن سلوك معين من قبل تلك الشخصية ، وقد اتضح لنا ذلك من خلال تصرف عاقل حيث قال :

الليل أسدل كل جناحينه أعتاب
وأنا جلست وكل شيءٍ دعاني
يقول جنح الليل قرب لي الباب
وأنا أقول الباب حضن الأماني

نلاحظ في الشطر الأول أن الليل قام بفعل عاقل وهو (العتاب) وبالتالي اتضح لنا أن هذا الفعل هو إنساني من خلال السياق ، وكذلك يتضح من البيت الأول أن هنالك زمنا معينا ومكانا معينا حدث فيه الفعل ، واختيار الشاعر لرمز الليل هنا جاء معبرا عما يلفه من تعرجات وخواء ، وبالتالي محاولة الوصول ، ولكن الوصول صعب عندما يكون الفجر حاضرا يبدأ الليل بالتراجع ، إذ شبه الشاعر نفسه بالفجر الذي يطرد الليل بسبب ما يحدث فيه من مؤامرات وتجنٍّ :

من يومها والليل في كفّ بواب
خايف يشوف الفجر ويردّ فاني

وفي أحيان أخرى نجد أن الشاعر هو من يتقنع وراء الليل فيرمز إلى حالته النفسية المتعبة والمرهقة فمثلا في قصيدة ( يا منادية ) يقول :

الليل عانق مسمعي صاح بالطمس
والليل صاحي بين عالي ونزولي
يا منادية لليل الليل به همس
وهــمس الخــفايا ما تقــيد جفــولي

فنيا نلاحظ أن الشاعر كيّف رمز الليل حسب الموقف المراد معالجته ، فاستفاد من علاقته الضدية تارة وتارة أخرى خلق علاقة حميمة معه ..
الرمز في شعر صالح السنيدي علامة واضحة فتعامله مع شتى القضايا والهـمـــوم العصرية الملحة حتمت عليه استخدام الرمز ، لذلك يتضح أن هموم شاعرنا السياسية والفكرية والثقافية والإحباطات المعاصرة في عالمنا العربي والإسلامي خلق هذه العلاقة الحميمة ما بين الشاعر والرمز ، وجعل منها وثيقة الصلة بما هو حاضر من قضايا ، والمتابع لديوان شاعرنا سوف يجد ذلك حاضرا فمعظم القصائد حملت رمزا مصورا به موقفا أو قضيةً أو حالةً نفسية من الصعوبة بمكان طرحها بشكل سافر ، ومن هنا فقد أضفى الرمز على نصوص شاعرنا أسلوبا رائعا في التعاطي مع القضايا والمسكوت عنه ..

الشاعر والأسطورة :

لا نقصد هنا بالأسطورة الوهم والخرافة بالمعتقد السائد فقط ولكننا قصدناها بمفهومها الأنثربولوجي ، بمعنى أن الأسطورة – تاريخيا – كانت المحرك الرئيسي الذي أخذ بيد الشعوب في عملية التأقلم والتكيف مع البيئة ، أي رغبة الإنسان في الاستمرار والعيش على هذه الأرض ، محاولا تفسير الغامض والمجهول بممارسة شعائر وطقوس تعتبر بمثابة البوابة الرئيسية لممارسة أو القيام بأي فعل يساعد الإنسان على استمرار النعم وخيرات الأرض ، وكذلك درء الأذى والموت وجلب الانتصار ، وذلك بتمثل وقائع ارتبطت بثقافة شعب ما من خلال ممارسة طقوس معينة وشعائر أصبحت بمثابة الملهم والمعزز الذي يمد الإنسان بالقوة لمجابهة سيطرة الطبيعة وغضبها ، وبالراحة والاطمئنان والتفاؤل في وجه الحياة ،مما يؤدي إلى خلق شعور نفسي بالرضا ، وفي فترات لاحقة – تاريخيا – أصبحت الأسطورة تمثل تعبئة الشعوب والجماهير لاستعادة أمجادها من خلال تمثلها ، فأصبحت للأسطورة وظيفة ربط الموروث التاريخي النضالي بالأوضاع السائدة في فترات مختلفة من التاريخ اللاحق . وهذا الأمر ساعدهم على المقاومة والنضال والاستمرار والإيمان بأن النصر لا بدّ وأن يأتي فمنحهم القوة والعزيمة .. وكذلك الأمر ينطبق على عظمة دولة ما في التاريخ تصبح أسطورة بأفعالها تضرب بها الأمثال ، كما يحدث اليوم لدى المسلمين وذلك في رغبتهم أن تعود الدولة الإسلامية في صدر الإسلام وعصر الخلفاء الراشدين والدولة الأموية .. وعظمة هذه الدولة لا زال يبعث الأمل لدى معظم المسلمين في صحوة الأمة .. .والأسطورة بمعنى الخرافة والوهم أيضا يمكن أن يكون محركا للإنسان وذلك في سعيه الدؤوب والمستمر للبقاء والتأقلم فأصبح الوهم مانحا للأمل ..

شاعرنا استفاد من الأساطير التي حدد لها وظيفة المحرك للشعوب العربية والإسلامية من خلال النضال والتهيئة النفسية وتغيير القلوب وتطهيرها من الحسد والبغض والماديات وكل المغريات التي تفسد العلاقة بين المناضل والنصر ، وقد ركز شاعرنا على الرمز التاريخي فكانت الأساطير القديمة حاضرة في نصوصه :
على سبيل المثال نجد في قصيدة (الجدار)أنه استفاد من السيرة الشعبية لسيف بن ذي يزن في وصف الأوضاع المتردية التي تمر بها الأمة الإسلامية والعربية محاولا خلق صورة تتسم بملامح أسطورية لتكون المفصل الرئيس الذي يتكئ عليه هيكل القصيدة:

يضرب بظهري عصى
والتفتّ...
جبت عقدة بن يزن !!؟...جبت عقدة بن يزن..؟!!
جبت جيش الاحتلال ...؟؟!!
جبت طاعون ووباء..؟؟!!
واتهاوى هالعجوز...
قلت جيشٍ للسلام...
فيه تحقيق المحال...
وانتي شعلي خيمتك... وانظري طلع الشموس....
إيــــــــــــــــــــه .. ذا حلــــــــمٍ بعيـــــــــد ... تهمس وتنفض
يديها...
وهنا الشاعر يوضح مناطق الضعف لدى المسلمين واضعا أمامهم الحلول لمجابهة المستعمر من الدول الغربية التي تسيطر على مقدرات الشعوب العربية .. فكانت ملحمة اسطورية رائعة نجح الشاعر من خلالها في توصيل رسالته ..

من الملاحظ فنيّا على شعر صالح السنيدي أن الرمز التاريخي والأسطورة القديمة ارتبطا معا في نسيج واحد لأن الغرض واحد ، حيث جاء معظمها جزئيا على سبيل المثال قصائد ( سيد الباب) و(شمس إيّله) و(عبارات الفضيلة) .
بالنسب لقصيدة ( كومة احزاب ) من الناحية الفنية لا يمكن القول أن الحدث الأسطوري في بنائه للقصيدة جزئي ولا يمكن القول أنه محور القصيدة كاملة - ظاهريا- ؛ لكننا يمكن أن نطلق على بنائها أنه (بناء تموجيّ) ؛ وقد أطلقت عليه هذه التسمية لأن الجانب الحدثي للأسطورة لا يكون ظاهرا في كل أجزاء القصيدة بوضوح ، فتاره يظهر وتارة يختفي ولكنه يسري في جسد القصيدة ..


سوف نجد الرمز التاريخي يظهر في بداية النص :

دسرٍ وألواح مع شــراع وأخــشــاب
وبـــلغـتـهــم بالـــحــق ما قال ربّي
واحييت وجه النور في صفحة كتاب
واسقيت عطشى الدين منهاج دربي

بعد ذلك نلاحظ أن الحدث المرتبط بالرمز التاريخي يسري في جسد القصيدة ولا نلاحظه ولكننا نجد أن هناك بناء مكملا للحدث يعالج ويفسر الأوضاع المحيطة بالحدث :
حتى إذا هـبت بوارح والأســبــــاب
شـــيء جــلى مــــني وشـــيءً ذهـــبّي
كن الدراري حـولـت فــوق لهــداب
من ثــقــلهـــا ما شــفــت منحات سربي
وجاك النصيح وساقلك كومة أحزاب
جزت الصراط وصافي الحوض شربي

ثم يظهر الحدث مرة أخرى بعد هذه الأبيات :

كن الملا عابوا على نوح ما جاب
صوت اليقين ودعوة الرب تنبي
كلّ ما نمرّ أبشيخ يحلف لكذاب
يضحك ويستهزئ ألا الريح هبّي
تبني سفينة في حصى سيح وتراب
وتسكن جبابٍ ما لها بحر يغــبي

ويختفي مرة أخرى الحدث الأسطوري في نسيج النص ولكنّ البناء الخارجي مرتبط بأحداث أخرى لها علاقة بالحدث بحيث تضفي عليه نوع من التفصيل وتشابك الأحدث ، ثم يظهر مرة أخرى في البيت السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر ، ويختفي مرة أخرى ليظهر في نهاية النص في البيت الأخير .


يتبع ...


خليل عفيفي 23-03-2013 09:41 PM

أخي الغالي والمبدع فهد مبارك
كاتب وناقد تمتلك أدوات الناقد المثقف والمثقف الناقد
يسعدني أن أقرأ لك
كما يسعدني أن يكون بين يدي ديوان شاعرنا القدير صالح السنيدي
مجرد أمنية
لك ولأخي صالح ودي وتقديري ووافر احترامي


فهد مبارك 23-03-2013 10:34 PM

أستاذ خليل ..
أنت المبدع دائما
أشكرك سيدي الفاضل
كل التحايا

سالم الوشاحي 24-03-2013 05:17 AM

أديبنا القدير فهد مبارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جميلة هذه القراءة ..متميزة ببساطتها وعمقها

مؤثرة بغوصها في أغوار الشعر والكلمه..

شكراً من القلب ....

تحياتي مع وافر الشكر والتقدير.

أبو رآكان الكلباني 24-03-2013 08:05 AM

صباح الخير

رائع بت أرقب كل جديد

تمتلك باع طويل بكل أمانه ليس مجامله ولكن كل ما خطته يمينك هو الشاهد على ما أقول

عندي بعض الاسئله ولكن سأتركها الآن عل جديدك يكون جوابها سأنتظر

سلمت يمينك

سعيد محمد البلوشي 24-03-2013 08:37 AM

أخي العزيز فهد مبارك

جميل منك ذلك التعمّق و الغوص في خفايا نصوص الأخ صالح السنيدي

دراسة شاملة و تحليلات نكاد نعيش تفاصيلها بين الحروف على مختلف أجزائها

أمتعتنا بحق أيها المبدع و فالك التوفيق دوماً

تقديري لك أيها الكريم كروحك

فهد مبارك 25-03-2013 05:29 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خليل عفيفي (المشاركة 183424)
أخي الغالي والمبدع فهد مبارك
كاتب وناقد تمتلك أدوات الناقد المثقف والمثقف الناقد
يسعدني أن أقرأ لك
كما يسعدني أن يكون بين يدي ديوان شاعرنا القدير صالح السنيدي
مجرد أمنية
لك ولأخي صالح ودي وتقديري ووافر احترامي


أستاذ خليل يكفيني شرفا مرورك العامر هنا
وألف شكر على التكريم هذا

صالح السنيدي 27-03-2013 12:09 PM

الفهد أجزلت العطاء لك التقدير أخي الغالي

فهد مبارك 29-03-2013 04:19 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سالم الوشاحي (المشاركة 183458)
أديبنا القدير فهد مبارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جميلة هذه القراءة ..متميزة ببساطتها وعمقها

مؤثرة بغوصها في أغوار الشعر والكلمه..

شكراً من القلب ....

تحياتي مع وافر الشكر والتقدير.

سالم الوشاحي..
تحية تقدير وعرفان
شكرا دائما وأبدا

فهد مبارك 11-04-2013 07:53 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو رآكـــان الكلبــاني (المشاركة 183484)
صباح الخير

رائع بت أرقب كل جديد

تمتلك باع طويل بكل أمانه ليس مجامله ولكن كل ما خطته يمينك هو الشاهد على ما أقول

عندي بعض الاسئله ولكن سأتركها الآن عل جديدك يكون جوابها سأنتظر

سلمت يمينك

مرحبا أبو راكان

يسعدني كلامك ، وبانتظار أسئلتك ايها الرائع


الساعة الآن 10:37 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

جميع الحقوق محفوظة لدى الكاتب ومنتديات السلطنة الادبية