منتديات السلطنة الأدبية

منتديات السلطنة الأدبية (http://www.alsultanah.com/vb/index.php)
-   النقد والكتابات الأدبية والسينمائية (http://www.alsultanah.com/vb/forumdisplay.php?f=14)
-   -   من روائع الجدال الحَسَن في تاريخنا... (http://www.alsultanah.com/vb/showthread.php?t=14639)

يزيد فاضلي 29-11-2012 12:53 PM

من روائع الجدال الحَسَن في تاريخنا...
 
مِنْ رَوَائع الجدَال الحَسَن في تاريخنا...

هناكَ مجهوداتٌ تـُبْذلُ-سِــرًّا وعلانية ً-منذ أمدٍ،يقومُ بها خصومُ الإسلام التقليديين ( من شرق العالم وغربه ) ، ويُروِّجُ لها كثيرٌ من الأعوان-من أبناء جلدتنا للأسف-في الداخل،وتتمثل في تقديم تاريخ الإسلام الفكري والسياسي على أنه صفيحٌ من التحجر والتزمت والانغلاق،ومن أنه دينٌ يقومُ على أساس الحجر الفكري والقمع الإرادي...

وفي غياب العقل الإسلامي الجمعي اليَقِظِ الذي أصيبَ-منذ المائة السابعة إلى الآن-في مقتله،بسبب الانحرافات التي تتالتْ عليه،فأصابتِ العقلَ،وشلـَّتِ انطلاقتـَه-أو تكاد-بحيث صارَ من الشلل أنه غــدَا أعْجَزَ من أن يغربلَ ويُمَحِّصَ،فداخله دخـــنٌ كثيفٌ،حجب عنه الرؤية،وحال بينه وبين أن يرى الحقائق الناصعة في التاريخ الإسلامي بالصورة التي تعطي انطباعاً أن ديننا كانتْ له جوْلاتٌ وصوْلاتٌ شامخة في مجال حرية الفكر والاعتقاد والجدال الحسن والتناظر المثمر..في غياب هذا العقل الجمعي كان لابد من الدوران دورةً سريعة ومكثفة في بطون مدوناتِنا التاريخية المليئة كنوزاً ودُرَراً ولآلئَ علنا نعيدُ في أنفسنا ألـَقَ ذلكَ العقل الغائب الذي رباه الإسلام على هداهُ ووضعَهُ-لقرونٍ طوالٍ-على صدارةِ القيادةِ الفكريةِ والإنسانيةِ والحضاريةِ للدنيا بأسرها...

كنتُ أقرأ في موسوعة ( عيون الأخبار ) للعلاَّمة الكبير المؤرخ ابن قتيْبة رحمه الله ، فإذ بي أجدُ نفسي أمام هذه القصة العجيبة التي تخللها حِـوَارٌ شامخٌ بين خليفةٍ من خلفاء المسلمين زمن بني العباس و رجل كان مسلماً،ولكنه لأمْــرٍ مَّا ارتدَّ عن الإسلام وجاهرَ بكفره،فسِيق به للخليفة لينالَ عقوبته،ولكنَّ خليفة المسلمين رأى أن يُحاوره أولاً على المـــلأ،حتى يقيم عليه الحجة َبعيداً عن أي ضغطٍ أو إكراه...

لقد بَهَـــرَني شخصيًّا المستوى الفكري والحضاري السامق الذي كان يحاورُ به حكامُ المسلمين مخالفيهم في ذلك الوقت،وغاظني أنْ تـُطوَى هذه الصفحاتُ النيِّرَاتُ اليومَ أمام الأجيال المسلمة المعاصرة،ولكأنَّ هناكَ تعتيماً متعمَّداً مِنْ أن لا يُقدَّمَ التاريخُ الفكري للمسلمين إلا بصورة كالحةٍ سوداء..

الخليفة ُكان عبدَ اللهِ المأمون بن هارون الرشيد..الخليفة السابع في ترتيب خلفاء بني العباس،وقد حكمَ المسلمين من سنة 198 هجري إلى سنة 218 للهجرة...

جـــيءَ له بالرجل المرتد عن الإسلام إلى النصرانية..فكان بينهما حوارٌ،إليكموهُ-أحبتي-وليسَ لي فيه فضلٌ غيْرَ شرف النقل،على أن تستمتعوا معي بطريقةِ أسلافكم الأوائل في مجادلة الغيْر بالحجةِ والاستقراءِ والاستدلال وبأسس المحاججة العقلية الرصينة...

قال له : (( ...أخبرْنا يا رجل عن الشيء الذي أوْحشكَ عن ديننا بعدَ أنسِكَ واستيحاشكَ مما كنتَ عليه ، فإنْ وجدتَ عندنا دواءَ دائكَ تعالجتَ به ، وإنْ أخطأكَ الشفاءُ ونبَا بكَ عن دائكَ الدواءُ،كنتَ قدْ أعذرتَ،ولمْ ترجعْ على نفسكَ بلائمةٍ..فإنْ قتلناكَ قتلناكَ بحُكم الشريعة،وترجع أنت في نفسكَ إلى الاستبصار والثقة،وتعلم أنك لم تقصِّرْ في اجتهادكَ،ولم تفرِّط ْ في الدخول في باب الحـــزم... ))..

قال الرجلُ المرتد : أوْحَشنِي ما رأيتُ من كثرةِ الاختلاف فيكم..[ يعني كثرة الخلافِ المذهبي ]...

فابتسمَ المأمونُ،ثم أطرق قليلاً،وقال : (( أما الخلافُ فهو واردٌ،ولنا اختلافان ؛ أحدُهُما كالاختلاف في الآذان والإقامة،وتكبير الجنائز والتشهد،وصلاة الأعياد وتكبير التشريق،ووجوه القراءات،ووجوه الفتيا..وهذا ليس باختلاف،إنما هو تخييرٌ وسَعَة ٌوتخفيفٌ من المحنة،فمَن أذنَ مَثنى وأقامَ مَثنى لمْ يُخطئ،ومَنْ أذنَ مثنى وأقامَ فرادى لم يُخطئْ،ولا يتعايرون ولا يتعاتبون بذلك...وأما الاختلاف الآخر،كنحو اختلافنا في تأويل الآيةِ من كتابنا،وتأويل الحديث مع اجتماعنا على أصل التنزيل،واتفاقنا على عيْن الخبر..فإنْ كان الذي أوْحَشكَ هـــذا حتى أنكرتَ له هذا الكتاب،فقد ينبغي أن يكونَ اللفظ لجميع التوراة والإنجيل متفقاً على تأويله،كما يكون متفقاً على تنزيله،ولا يكون بين جميع اليهود والنصارى اختلافٌ في شيءٍ من التأويلات،وينبغي لكَ ألاَّ ترجعَ إلا إلى لغةٍ لا اختلافَ في تأويلها من لفظِها،ولو شاءَ اللهُ أن يُنزِّلَ كتبَهُ ويجعلَ كلامَ أنبيائه ورثة َرسله لا تحتاجُ إلى تفسير لفعَـــلَ،ولكنا لمْ نرَ شيئاً من أمْر الدين والدنيا وقعَ على الكفاية،ولو كان الأمرُ كذلكَ لسقطتِ المحنة ُوالبلوَى،وذهَبَتِ المسابقة ُوالمنافسة ُ،ولمْ يكن تفاضُـلٌ،وليسَ على هـــــذا بنـَـى اللهُ سبحانه وتعالى أمْرَ الدنيا..!!! ))....

فقالَ المرتــدُّ : (( أنا أشهد أن لا إله إلا الله،وأن محمداً رسولُ اللهِ،وأن المسيحَ عبدُ اللهِ..وأنكَ أميرُ المؤمنين حَقـًّا..!!! ))...

ريم الحربي 29-11-2012 10:40 PM


ما أروعك يا أخي وأنت تغوص في روائع التاريخ وتأتينا بدرره التي اهُملت وبُخست قيمتها

في هذا الزمن .... اجل يا أخي هناك جهود لتشوية تاريخنا الإسلامي بل ديننا كله ومع الأسف أن يتم الأمر

بأيدي أبنائه أنفسهم فلو اقتصر الأذى على من هم من خارجة لهان الأمر لأن أبنائه ستكون كلمتهم

واحدة ويستطيعون وقتها التصدي لما يجري لكن كيف هذا وهم تمزقهم الفرقة والسلطة

اجل كان الجدل في الماضي يقوم على قوة الحجة مع حسن الخطاب وسلاسة الإسلوب واحترام الطرف

الأخر وعدم مصادرة حقه في الرأي عندما فقدت هذه العناصر في خطابنا الحالي فقدنا القدرة على

الإقناع كما فقدنا القدرة على التواصل مع الأخر

حدث كل هذا عندما تجاهلنا التوجية الرباني في قولة تعالى ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)

نعم تاريخنا زاخر بكل الروائع والنفائس التي تجاهلناها والتي لو تعلمنا منها وسرنا على نهجها
لتغير الكثير

شكرا لك أخي لى كل ما تقدمه من خير ووعي وفكر

سالم الوشاحي 30-11-2012 07:19 AM

الأستاذ الفاضل يزيد فاضلي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أشكر حضورك الرائع وتواجدك المتميز بمثل هذه المقالات التي تثري القسم وهي دليل واضح

بما لديك من مخزون ثقافي وفكري ولغوي .

أحييك واشد على يديك بإن تتحفنا دوماً هنا بمثل هذه المقالات الرائعه .

من روائع الجدال الحسن في تاريخنا .....

إن ماقام به المأمون من حكمة في الجدال وتروي في البيان واستحضار الدلائل والبراهين كان

من القوة الظاهرة التي جعلت من ذاك المرتد أن ينخذل أمام هذه الحكمة والموعظة الحسنة والتي دل

عليها القرآن الكريم في محكم كتابة ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي

هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)

والحكمة هي ثمرة ناضجه من الفهم والمعرفه والموعظة بيان حقائق الإيمان ومايترتب عليها من

ثواب وبيان مساوئ الكفر والجحود ومايترتب عليه من عقاب فهذه من ضروريات التبليغ ولوازمة

الأساسية.

بو ميحد 30-11-2012 01:13 PM

أشكرك أخي يزيد على طرحك لمثل هذه المواضيع التى توضح سماحة ديننا الاسلامي وحكمت خلفائه وعلمائه ونامل أن تستمر هذه السماحه الى أن يرث الله الارض ومن عليها بعيدين عن التعصب و التشدد .
تقبل مروري بين صفحاتك

يزيد فاضلي 30-11-2012 10:20 PM

.../...
 
...أشكرُكِ دائماً-أختي الكريمة المبدعة قوافي-شكراً جزيلاً على حضوركِ الطيبِ المِعطاء في رشحةِ كتاباتي المتواضعة،تزيدينـَها إثراءً ونفعاً وفائدةً وإبداعاً...

هو ذاكَ أختي الكريمة وكما أشرتِ..فإنَّ التحليقَ الفكري والمَعرفي والإنساني الذي كان أسلافـنا الكبارُ يعيشون في قممه وذراهُ لم يكنْ أبداً زعْماً فارغاً أو ادِّعَاءً ممجوجاً أو دعاية ًندَّعيها لهم،ولكنها-واللهِ-عيْنُ الحقيقة التي لا تنكرها إلا عيْنٌ رمداءُ تعامتْ بصيرتـُها...!!!

لقد كانوا حُداةَ فهمٍ ألمَعِيٍّ راشدٍ،وكانوا أصحابَ بصَرٍ ثاقبٍ،وما كانتْ قضايا الاستشكال الجَدَلي-في العقائد والمنطق-تـُعْوِزُ بصائرَهُمْ النيرة حينَ يشتبكوا مع خصومهم في الفكر والمُعتقد من أن تستحضِرَ على البديهةِ الإجاباتِ الحاسمة والحُججَ الداحضة،بعيداً عن سُعار العصبيةِ ومضائق الانغلاق..وما أبو عبد الله المأمون رحمه الله إلا نموذجٌ-من نماذجَ كثيرةٍ وحاشدة-نعتز بها ونباهي،ونراها أجمَلَ وأنصعَ مرآةٍ تعكِسُ لنا وضاءة تاريخ هذه الأمة العظيمة التي شرُفنا بالانتماء إليها...

كَمْ نوَدُّ-أختي-بل نأمَلُ ونتمنى ونترجَّى أن نستردَّ مرة أخرى هذا الألـَقَ الفكري من أقبيَةِ تاريخنا التي ضربْنا عنها الصفحَ ذِكْراً فذهلنا وتِهنا..!!!

شكراً سيدتي الكريمة على المرور العَطر...

يزيد فاضلي 06-12-2012 05:38 PM

.../...
 
حياكَ اللهُ تعالى أخي الكريم الأستاذ سالم الوشاحي على جميل وفادتِكَ الدَّمِثة بمتصفحي،فقد هنِئنا بكَ وبوجدكَ قيِّماً على هذه المنتدياتِ النضِرَةِ الخيّْرَة..كما أدينُ لكَ بجزيل الشكر والامتنان على حُسْنِ ظنكَ بشخصي وقلمي وبضاعتي،واللهَ أسألُ دائماً أن يُسبِغَ علينا وارفَ سِترهِ وقـَـبُولِه فنكونَ عند حسن الظن إن شاءَ الله...

...وما يزالُ الجدالُ الحسَنُ-سيدي الكريم-مفخرَةَ التاريخ الإسلامي الذي يسعى المتشككونَ دائماً إلى تفنيدِهِ من تراثنا الحافل به..وإلاَّ فكيفَ يُعقلُ أن ينتشرَ الإسلامُ ويَعُمُّ نورُهُ الوضاءُ ثلاثة أرباع المعمورةِ إن لم يكنْ أسلافنا الأوائل قد أدرَكوا-عن علمٍ وفقهٍ راسخٍ-أنَّ الغيْرَ أو الطرفَ الآخرَ لا يمكنُ أن ينقادَ لمبادئ ديننا إلا إذا قدَّمنا أنفسَنا وفكرَنا في قالبٍ مُغري من المعاملةِ الطيبةِ والمجادلةِ الهادئة الحليمة والمحاججة العقلية والعلمية النافذة الفعّالة وبترويض اللسان والجَنان على أخلاق الحِلم والأناة..وقد ورثنا كلمةً جميلةً عن الإمام عبد الله بن المبارَكِ رحمه الله،قال فيها : (( إنما الدينُ الرخصة عنْ ثقةٍ،أما التشددُ فيُحسِنـُهُ كلُّ أحدٍ..!! ))...

ازدانَ مُتصفحي بوجودِ أثرٍ منكَ أخي الكريم..ودمتَ لنا ذخراً وعِزوَة...

كمال عميره 08-12-2012 04:50 PM

لله درك اخي يزيد.........
لا تأتي إلا بكل سحر العقل............والتميز الذي كان سيد اخلاق المسلمين...........
فلولا هكذا مواقف............لما آمنا بقدرة هذا الدين على إطلاق سحر الإنسان في هذا العالم........
الفرق...........أن حكام ذلك الزمن...........كانوا يؤمنون حقا بقدرة العقل على غجتراح المعجزات............فكان ردهم العقلي...........وتفكيرهم الناضج هو من يسيرهم..........
أما هؤلاء................الآن.............فقد طغوا وتجبروا.............وأستعملوا المسدس بدلا من العقل...........فكيف نعتقد انهم سيرون أويؤمنون سوى بطلقات مسدساتهم.........
شكرا على الحكمة المبهرة................لك كل الشكر

yasmeen 09-12-2012 07:44 AM

الأخ الاستاذ الفاضل يزيد


جزاك الله خيرا وجعلها الله في ميزان حسناتك

يزيد فاضلي 09-12-2012 09:20 PM

.../...
 
...أيْ نَعَمْ-أخي الكريم العزيز بوميحد-فإن آمانِيَّ فينا تلِحُّ بالرجاءِ والدعاءِ أن يَقي اللهَ عزوجلَّ فكرَنا ومشاعرَنا وآراءَنا من لوثةِ التعصب وفتنةِ الرعونةِ في الجِدال...

ألاَ ما كانَ السلفُ أبْعَدَ عن تلكَ اللوثةِ وهاتيكَ الرعونة..

ومنحة السماحة والحِلم والأناة التي حبَاها اللهُ سبحانه وتعالى الرعيلَ الأولَ من أسلافنا ممكِنٌ جدًّا أن تـُمنـَحَ لنا أيضاً-نحن الأخلافَ-بشرطٍ واحدٍ هو أن نرتفعَ بفِكْرنا ومشاعرنا وأخلاقنا ووَرعِنا ووعينا إلى القِمَّةِ الشماءِ التي اعتلوها علماءَ وأمراءَ..عامة ًوخاصة ً...

وطبعاً لن يتأتـَّى لنا ذلكَ إلا إذا صنعَ كلُّ واحدٍ منا من نفسه نموذجاً حيًّا-يراه الناسُ ويتحسسونه ويمشي بينهم-من القدوةِ الحسنةِ والعمل الصالح...

بوركتَ-أخي-على كَرم المرور وجمال الإدْلاَءِ...

يزيد فاضلي 10-12-2012 08:16 PM

.../...
 
...أثلَجَ صدري مرورُكَ الأخوي الرحِمِي الكريم-مبدعَنا البهيَّ كمال-وأثلجَ صدري وعيُكَ المكتمل بقضايانا الشائكة المختلفة التي تكتنفُ الأمة وتعيقُ حَرَاكَها وانطلاقتـَها...

نعَمْ أخي كمال...كانَ لنا في يوم من الأيام اتساقٌ رائعٌ في شخوص حكامنا الأوائل الذينَ اجتمعتْ فيهم تلكَ الثنائية البديعة بين ( السلطان والعرفان )..بين ( السياسة والفكر )..بين ( السيف والقلم )،فليسَ عجيباً أو غريباً أبداً أن نقرأ عن مجد حضارتنا الزاهرة وكيفَ تألقتْ وأتنقتْ فتمكنتْ وسادتْ،لأن نوعية القيادة التي كانتْ تقودُ الأمة الإسلامية وقتـَها لم تكنْ-في تخمينها ووعيها ورشدها وفطانتها وحنكتِها وثقافتها وعلمها-كالطراز اللاحق الذي أفرزتـْهُ علينا عصورُ الضعفِ والهوان والهزائم الحضارية المتلاحقة...

ولنا أن نقرأ-مثلاً-عن الخليفة هارون الرشيد في بغداد..وعن الأمير سيف الدولة الحمداني في حلب..وعن السلطان سيف الدين قطز في القاهرة..وعن السلطان الناصر أو الملك المعتمد بن عباد في إشبيلِيَّة بالأندلس...لنا أن نقرأ في سيرة هؤلاء الحكام الأعلام لنرى أيَّ سموقٍ فكري وثقافي وإيماني كانوا يقودونَ به الرعية ويَسوسونَ به البلادَ والعباد...

ثم لنا أن نقرأ عن أخلافهم-بدءً بالقرن السابع الذي هَوَتْ فيه الخلافة العباسية-لنرى حُكاماً كانوا-في مستوى تفكيرهم الهابط وضحالةِ سياستهم تجاه رعيتهم وفي معالجة قضايا الأمة المصيرية-كانوا إلا مَنِ رحِمَ ربي أقربَ في الشبَهِ إلى المترديةِ والنطيحةِ وما أكلَ السَّبُعُ..!!

إن البَوْنَ-واللهِ-شاسِعٌ شاسعٌ أخي كمال بين أولئكَ وهؤلاء...

ومع إقرارنا بهذه الحقائق الثابتة التي لا ينكرُها كلُّ ذي بصيرةٍ فإن آمالنا دوماً لا تخبو في بزوغ جيلٍ قادمٍ في هذه الأمة المسكينة،يُعيدُ لها ألقـَها الآفل ويُبيِّضُ في وجهِهَا ما سوَّدَتـْـهُ الأيام..وإن غداً لناظره قريبٌ إن شاء الله...

أشكرُ لكَ جمالَ مروركَ كمَالـَنا الجميل...


الساعة الآن 03:02 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

جميع الحقوق محفوظة لدى الكاتب ومنتديات السلطنة الادبية