منتديات السلطنة الأدبية

منتديات السلطنة الأدبية (http://www.alsultanah.com/vb/index.php)
-   القصة القصيرة (http://www.alsultanah.com/vb/forumdisplay.php?f=13)
-   -   غيبوبة. (http://www.alsultanah.com/vb/showthread.php?t=10389)

حمد المخيني 31-12-2011 07:15 PM

غيبوبة.
 
إخْتفَى أَخِي الأكبرْ , عادَتْ أُختي إلينَا بعدَ أَشهُرٍ ثَمانِيةٍ بطفلٍ مَجهولٍ, و حاوَلتْ أُمِّي أنْ تَنتحِرَ. حَدثَ كلُّ هذا صباحَ الأمْسٍ الذِّي رَحلتَ فيه !.هنيئاً لكَ أبي, هل راقتْ لكَ الحُرِّية ؟هل راقتْ لكَ الحُـ ... ؟
أنتَ لمْ تكُنْ مَخنوقاً بأَيادِينَا ! , لمْ نُصَلِّبَكَ عَلى جِذعِ نَخلَةٍ . لمْ نُنُفِضْ جِيوبَكَ المُمتَلئةُ بالِحجارَةِ والرِّمالِ . أنتَ لمْ تكُنْ أَسِيرَ مَنزِلكَ وَعِيالكَ!.

لمْ أرَكَ مُنذُ أنْ حَلَّقْتَ بَعيدًا عَنْ قَفَصَنَا الصَّدِيءُ. آخرُ مرَّةٍ رَأيتُكَ فيهَا ,قبلَ أعوامٍ, في يومِ العيدِ, حينَ اصْطَحبتَني مَعَكَ لنُصلِّي, بِملابسٍ مُمَزَّقةٍ. قَبلَ أنْ نَدخُلَ المَسْجِدَ, عَلمْتَنِي كيفَ أتَباكَى , وَكَيفَ أُنزِلُ الدُّموعَ مِن عَيني , عَلمْتَنِي كيفَ أشحذُ النقودَ منَ الناسِ.لم نُصلي يومَها , ولمْ أَشْتَري لُعْبَةً تُذَكِّرنِي بالعِيدِ.
لماذَا أراكَ عاجِزًا اليومَ؟ لمْ تَعُدْ تُرعِبُنِي؟ مَلامِحكَ المُخِيفة تَغَيّرتْ , عَرّتْها سِنينُ الغيابِ .قَبضةُ يَدكَ التي لَطالَما تَهاوَت عَلى ظُهوِرنا, مُرتَخِيةُ كَسَمَكةٍ مَيتَةٍ. صَوتُكَ المُتَحشرجُ لم يَعُدْ سِوى أَنينًا. جَسَدُكَ العَظيمِ صَار هامِدًا. ماذا حَدَثَ لكَ؟

تَتَوجَّعْ؟ هَل يُعِيدُكَ الوَجعُ إلى مكَانٍ مَا؟ .. النَّخلَة؟.. نَخْلَتُك التِّي تَرتَوِي مِن دِمُوعِ أمي, و تَترَاقَصُ عَلى أنْغَامِ وَجَعِهَا حِينَ كُنتَ تَعقِدُ حِبَالكَ حَولَ جَسَدِهَا النَّحِيلَ.غُفرَانَكَ! هَل تَخَاذَلَتْ المِسكينةُ عَن عبادتِك حَتى تُشقِيها؟. كَانت تفعلُ لأجلك كلَّ شَيءٍ, تَنْفضُ عَنك البَعوضَ حينَ تنامْ, تَلعَقُ أَصَابعَ قدمكَ إن جِرَحَتْها زُجَاجَةٌ , وتُدارٍي عَنكَ أخْطائُك. كَاذِبةُ , تَقولُ لنا أنَّ عَصيرَ التفاحِ الذي كنتَ تَشرَبُه, يُفقِدُكَ عَقلْك! .حِينَ لا يَكفِيكَ غَداءُكَ,تُعطِيكَ حَصَّتَها,وتَدَّعِي أنَّها ليسَت جَائِعَة. كَانَت مَهووسةٌ بالكذبِ , لأنكَ مهوُوسٌ بالذُّنوبِ!

ما بكَ؟. حَزِينٌ ؟ هَه ! أنتَ لا تَعرفُ عَنِ الحُزنِ شيئًا , تَحَسبْهُ لعنةً لإسْتِحضَارِ السَّعادةَ , تَراهُ دموعًا مزيفةً , أَنِينًا بينَ الجِدرَانْ .
هلْ أصَابَكَ الحُزْنً حينَ إجتاحَ السرَطانُ أختي الصغرى؟. لا, فقدْ أنْسَتكَ الحياةُ مرَضَها. تمنتْ لو أنكَ تَصحُو ذاتَ يومٍ , تَمسحُ عَلى جَبهتَها , تَبتسِمُ , تُساعِدُها على الشفاءِ , لكنكَ لمْ تفعلْ , حتَّى يَأَسَتْ , و رَحَلَتْ . أنتَ لا تَعرِفُ شَيئًا .نَحنُ نَعرِفُ عَن الحزنِ كل شيءٍ.

خَدَّكَ مُحمَرٌ؟ لاَ تَقُلْ لِي أنَّكَ خَجِلٌ.أينَ كانَ "هذّا" حينَ كنتَ تَسْتوقِفُ المَّارةَ في الشارعِ , تَعرُضُ عَليهُم ابنَتكَ الكُبرَى بثمنٍ بَخسٍ! .هَا قَد عَادَتْ و لَديْها طِفلُ لا تَعرِفُ أبَاه , رَماهَا زُوجها ليتَلقَّفها الرِّجالُ كَيفمَا شَاءوا. هي تَكرَهكْ , وَجهَكَ يُذكِّرهَا بِالعَارٍ. بِالأمْسِ تَسَائَلَتْ : أيُّ روحٍ طائشةٌ أنتَ؟ وَ أيُّ فَحمَةٍ تَنبُضُ بينَ ضُلوعِك ؟ .لكنَّها لمْ تَجدْ جَوابًا مُقنعًا فانزَوت تُرضِعُ صَغِيرَها.

نَحنُ لمْ نُخلقْ عَبثًا , بَل خُلقْنا لِنَعيشْ. عاشَ أَخِي في جلبابِكَ سَيِّدَ البُؤساءِ. كنتَ تُحرِجُهُ أَمامَ أقْرانِه حِينَ يَلعَبُونَ في الحيِّ , و تَظهَرُ أنتَ سَكرَاناً بملابسِك الرَّثةِ وهيئتُكَ القذِرَة , تُمسِكُ زجاجَتكَ اللَّعِينةْ.
أدْخَلتَهُ السُّجونَ, عَلَّمْتَهُ عَلى السَّرقَةِ !. زَرَعتَ فيهِ العُقَدْ.هَا قَد هَرَب , وتَرَكَنا هُوَ الآخرْ.أَرَادَ أنْ يَعِيشَ. حَلِمَ بوظيفةٍ مَرْموقةٍ , وَزَوجَةٍ صَالِحةٍ وَمَنزلٍ دَافِيءٍ. أَرادَ أنْ يَبنِي عَائِلةً وأنتَ لا تَعرِفُ عَن العائلةِ شَيئًا.

صَباحُ اليَومَ , وَبَّخَنِي مُعلِّمُ الثَّقاَفةِ الإسْلاَمِيةْ . لأننَي لمْ اَسْتَطِع تَسميعَ الآيةُ , رُغْمَ أنَّني أَحْفَظُهَا عَن ظهرِ قَلبٍ؛ لكنْ شيئًا مَا أثْقَلَ لِسانِي!.هَل لأنها ..., لكنَّني أَحفَظُهَا, ألا تُصدَّقنْي؟ حسنًا , سَأُسَمِّعْهَا لكَ:قال تعالي "وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا". هل تَأكدتَ الآن أننِي أَحْفظُهَا جَيدًا؟ .أَنا مُتَفوِّقْ وغدًا سَيتِّمُ تَكرِيمِي, لِأننِي حَصَلتُ على المركزِ الاولِ على مُستوَى الصِّفِ السَّادِسْ . يُمكِنك أنْ تتفاخرَ بي إنْ شِئْت.

إنْتَهَى مَوْعِدْ الزِّيَارَة , سَأعُودُ إلى المَنزلِ قَبلَ أنْ تَقلَق أُمي عَلَيَّ. ثُم وَ بِصَراحَةْ , لَم يُعْجِبني المَكَان هُنا. كَئِيبٌ وَ مُوحٍش, يعيدني إلى ليالٍ مُخيفةٍ, وشبحٌ أينَما يَممَّتُ وَجْهِي كُنتُ أَرَاه . يَدَاهُ ظَلامٌ سَبقَ و أنْ غَلبَ الشمسَ مَراتٍ عَديدةٍ ,جَناحَاهُ اللاَّ نِهايَة. كَانتْ ملامحُه تَشبِهكَ , كَان أنتَ.
أبِي؟ ,, لِماذَا لاَ تَتَكَلمْ؟ . قُل شَيئًا أَغْفِرُ لكَ بِه.
ألمْ تَشبعْ مِن غَيبوبَتِك بَعد؟ ألاَ تُتُعِبكَ هذه الأجهزة حول جسدك! ألا يزعجك صوتها الذي يَبْعَثُ القَلقَ كَجرسِ الإنذارْ.
تُزْعِجكَ أَليسَ كَذلِك؟.
حسناً . سَأُغْلِقُهَا , و نَم بِهدوووءٍ !.


زهرة النوير 31-12-2011 07:49 PM

نص جميل يثري الفكر

شكرا على مشاركتنا إياه

عبدالله الراسبي 31-12-2011 10:43 PM


الاخ العزيز حمد المخيني تسلم يمينك على هذا الكلام الجميل والطيب

نبيلة مهدي 31-12-2011 10:47 PM

أستاذي العزيز
حمد المخيني
قصة جميلة جدا و تحمل الكثير الكثير من العبرة
جعلت بدني يقشعر من ملامحها

أنت رائع أيها الراقي

تقبل مروري من هنا

كل الاحترام و التقدير

سالم الوشاحي 01-01-2012 07:41 AM

أخي العزيز حمد المخيني

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مرحباً بعودتك إلينا إيها الأصيل

فقد غاب عنا هذا الإبداع فترةٍ ليست بقصيره

أخي ثق عندما تدمع العين وتأن الجوارح ويتألم القلب

فقد نجحت في توصيل هذه السطور والحكايه المؤلمه

حمد .. بارك الله فيك على هذه القصه والسرد الرائع

واصل التألق بالتواصل فنحن في شوق لجديدك إيها النبيل

أم أفنان الرطيبيه 13-01-2012 11:16 PM

قصه مؤثرة ــ اسلوب راق في طرح القصه
تسلم ايدك
تحيتي

رحيق الكلمات 14-01-2012 09:38 AM

قصة رائعة واسلوب مؤثر جعلنا نعيش مع الحدث تقبل مروي

عاشقة الصمت 14-01-2012 10:48 PM

مساءك عطر أخي

حمد المخيني

أبدعت بحق فقد اقشعر جسمي

دوام التوفيق أخي

ضي 15-01-2012 08:40 AM

اخي حمد المخيني رغم الالم الذي تقشعر له الابدان ..
رغم الحزن الذي خيم ع القصة ..
الا انك مبدع اخوي حمد..
رااقي بفكرك وقلمك ..
لك التحية ..

رحمة الحراصي 17-01-2012 10:33 AM

أخي حمد

قلمك جميل .. قرأت لك عدة نصوص قصصية من قبل
أتوقع لك مستقبلا مشرقا

لك التحية


الساعة الآن 09:48 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

جميع الحقوق محفوظة لدى الكاتب ومنتديات السلطنة الادبية