منتديات السلطنة الأدبية

منتديات السلطنة الأدبية (http://www.alsultanah.com/vb/index.php)
-   القصة القصيرة (http://www.alsultanah.com/vb/forumdisplay.php?f=13)
-   -   خلط قصة قصيرة حمادي بلخشين (http://www.alsultanah.com/vb/showthread.php?t=11210)

حمادي بلخشين 20-02-2012 07:22 PM

خلط قصة قصيرة حمادي بلخشين
 
خلط!


حالما دخلت بيت عمي محرز وجدت نجله محمد يبكي بحرقة،حين سالته عن السبب، استمر يبكي وهو يقدم لي استدعاء وزارة الدفاع الوطني تدعوه فيه للإسراع بالقيام بواجبه العسكري.
قلت مهونا عليه الأمر:
ــ و ما وجه جزعك يا بطل؟!
ردّ عليّ بين شهقتين:
ــ منذ أشهر فقط بلغت السادسة عشر!
كان بنيان ابن عمي يكذب قوله، رغم ذلك قلت له مواسيا:
ــ لا بد أن في الأمر خطأ
استمرّ محمد يبكي ثم قال:
ـــ بل في الأمر جريمة متعمّدة !

حين اضطر محمد الي مغادرة البيت بعد مكالمة هاتفية اخبرني إثرها ان والدته تستحق مساعدته في حمل بضائع اشترتها من المركب التجاري القريب، بقيت انتظر في الصالون، غير انني سمعت شهيقا يصلني من غرفة آسية بنت عمي.. حين طرقت عليها الباب، وجدتها ملقاة على فراشها و هي تجهش بالبكاء.
هتفت بها متأثرا:
ــ ما خطبك يا ابنة العم؟!
ردّت عليّ آسية بين شهقتين:
ــ خسرت الرجل الذي بنيت عليه آمالي!
ـــ هل تزوج غيرك؟
ـــ لا.. بل تم رفض مطلب الترخيص لي بالزواج نظرا لصغر سنّي!
كان بنيان ابنة عمي الشاهق يكذّب قولها رغم ذلك قلت لها مواسيا:
ــ لا بد أن في الأمر خطأ.
استمرت آسية تبكي ثم قالت:
ــ بل في الأمر جريمة متعمّدة... لأنني سابلغ العشرين بعد يومين فقط!

حين اضطرت آسية الى مغادرة البيت بعد مجيء جارة شابة قالت انها تحتاج الى معونتها لإنزال حماتها البدينة المقعدة من فراشها من أجل تغيير اللحاف، ظللت لوحدي( أو هكذا كنت أعتقد) قبل ان أفاجأ بنشيج مرير يصلني من غرفة عمي محرز!
حين دخلت غرفة عمي محرز وجدته ينوح كإمرأة!
هتفت به متأثرا:
ـــ ما خطبك يا عماه؟!
ردّ عليّ بين شهقتين:
ــ عمك خيّر السّاعة بين جدع وخصاء!
ــ كيف ذلك؟
ـــ أما أن أظلم ولدي و أحرم ابنتي، أو ادخل السجن لحولين كاملين على أقل تقدير، كما أخبرني المحامي منذ قليل.
كان سلوك عمي يكذّب كلامه، رغم ذلك قلت له مواسيا:
ـــ لعل في الأمر خطأ فلم اعرفك غير أب عطوف و مواطن صالح.
مسح عمي محرز دمعة ثم قال:
ــ بل في الأمر جريمة متعمّدة!

حين اضطر عمي الى الخروج بعد وصول شاحنة الأشغال العمومية كي تقله الى مقر عمله، و فيما كنت اتساءل عن سرّ ما يحدث أمامي، رنّ الهاتف.. رفعت السماعة.. كانت والدتي على الخط:
ـــ أنا هنا في بيت عمي، اخبريني عما يحدث أمامي..
ــــ ....
ــــ أعني حكاية محمد و آسية و عمي محرز
ـــ ....
ــــ مش معقول !
ـــ .....
ــــ أمر لا يصدق!
ـــ ...
ـــ هل يمكن ان يحدث هذا!
ــــ ....
ـــ ... مع السلامة... هل سيحضر رفيق بن خالتي ؟.. اذن نلتقي بعد ساعة


ما حدثني به والدتي كان يفوق التصوّر... القضية ببساطة شديدة، تتلخص في كون عمي محرز بسبب كرهه جنس البنات.. قد طار صوابه و اسودت الحياة في ناظريه يوم " بشر " بابنته البكر آسية، فسجلها تحت اسم محمد! في انتظار قدوم محمد الذي سجله تحت اسم آسية و لكن بعد أربع سنوات كاملة من مولد شقيقته!

كان من المتوقع ان تكتشف مسألة التزييف هذه حين يتبين ان محمد الذي دعي الى دخول المدرسة (على أساس انه قد بلغ السادسة) لم يفطم بعد! لانه لم يتجاوز في حقيقة الأمر العامين! كما كان من المتوقع أن تكتشف مسألة التزييف هذه ، حين تدخل آسية المدرسة ( خصوصا و أن نضجها كان سابقا لأوانه) " بقدّ يقد و نهد يهدّ"لكن لا أمر محمد اكتشف، و لا أمر آسية تفطن إليه، لسبب بسيط وهو كون تونس الخضراء كانت وقت دخول محمد ( و ان شئنا التدقيق آسية) المدرسة واقعة تحت الاستعمار الفرنسي، لأجل ذلك فقد اعفي عمي محرز من التتبع القضائي، اعفاء الصغير محمد من دخول المدرسة لأن التعليم لم يكن اجباريا وقتئذ!

و لئن لم يثر تمدرس محمد و آسية أي إشكال نظرا للأسباب السالف ذكرها، فان دعوة محمد لدخول الجيش، و عزم آسية دخول القفص الذهبيّ، شكّل مأساة حقيقية لمحمد و آسية و عمي محرز أيضا!


بعد نصف ساعة من رجوعي الى البيت، و حين دخل عليّ رفيق، ابن خالتي كي يحيطني علما بان الأكل قد أصبح جاهزا، وجدني ابكي بحرارة:
حين سالني عن السبب.
قلت له بين زفيرين:
ـــ ابكي أمة ما زال معظمها في جهلهم يعمهون.
ـــ ...
ــ أمة تقيم الآدمي لا على أساس ما اظهره من علم وأدب وفنون بل
على أساس ما وارى الفستان و أخفى البنطلون!
أوسلو 17 جوان 2010

زهرة النوير 22-02-2012 10:00 AM

أخي الأستاذ حمادي بلخشين يسعدني دوما قرآءة كل ماتشاركنا به

دمت بخير دائما

حمادي بلخشين 22-02-2012 05:23 PM

الأخت الكريمة زهرة النوير اسعدني مرورك و متابعك تقبلي فائق تقديري و خالص تحياتي

أم أفنان الرطيبيه 25-02-2012 08:20 AM

قصه مشوقه جدا
ورائعه

انت مبدع

دم في تميز اخي الكريم

تحياتي لك

سالم الوشاحي 01-03-2012 10:05 AM

أخي العزيز حمادي بلخشين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قصة رائعه وسرد راقئ

واصل التالق إيها الأصيل

فأنا متابع لك ولكل مشاركاتك

حمادي بلخشين 03-03-2012 10:16 PM

الأخت الكريمة ام افنان الرطيبية حياك الله على هذا المرور الشذي
لك كل المودة و خالص التقدير

حمادي بلخشين 03-03-2012 10:19 PM

أخي الكريم سالم محمد أسعدني مرروك و متابعتك
لك كل الشكر و العرفان
تحياتي

خليل عفيفي 03-03-2012 11:09 PM

نص مميز
وسرد في قمة الروعة
وحبكة أجدت تصويرها بالفعل
سعدنا بك وبهذا النص الذي جاء هادفا معبرا

صمت الهنائي 04-03-2012 07:07 PM

قصة مشوقة جدا
احداثها تدفعني لقرأتها
بدون ملل يذكر
أحييك على هكذا ابداع
همس الهنائي كانت هنا

حمادي بلخشين 18-03-2012 10:20 AM

أخي الكريم خليل حيّاك الله ورعاك و صبّحك بالخير و مسّاك
اسعدني مرورك و توقيعك.
لك خالص المودة و كل التقدير
تحياتي


الساعة الآن 03:26 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

جميع الحقوق محفوظة لدى الكاتب ومنتديات السلطنة الادبية