منتديات السلطنة الأدبية

منتديات السلطنة الأدبية (http://www.alsultanah.com/vb/index.php)
-   القصة القصيرة (http://www.alsultanah.com/vb/forumdisplay.php?f=13)
-   -   قصّة طـويلة سبعُ الليلٍ والبئرُ المعطّلةُ (http://www.alsultanah.com/vb/showthread.php?t=22555)

ناجى جوهر 19-08-2016 10:26 PM

قصّة طـويلة سبعُ الليلٍ والبئرُ المعطّلةُ
 


قصّة طــــــويلة





سبعُ الليلٍ والبئر المعطّلة



سبْعُ الليلِ اسمٌ تستخدمه القرويات لتخويف أطفالهن الأشقياء
فشبّوا بعد ذلك يخافون ظِّلالهم، إنَّه ساكن بئر القرية الوحيدة، الذي حرّم على
الأهالي الدنو منها يوم السبت من كل أسبوع، وكذلك بعد مغيب كل يوم مهما الحّت حاجتهم إلى الماء
فلا يحصلون على قطرة منه إلا بعد أنْ ترتفع الشمس بمقدار ثلاث أو أربع رماح، إذ تبعث حينئذ كما يزعمون
أشعتها الساطعة المبهرة فلا يستطيع ناشط الظلام استقبالها وإلا فقئت عيناه، فيضطر إلى الاختباء في الأعماق
هربا من النور، وينتفع الناس بالماء وقتئذ مبادرين الخطر الجاثم في مجاهل البئر
هكذا علل القرويون عدم اقترابهم منها ليلا.
ومع إنَّ أحدا منهم لم يقابله وجها لوجه مذ ظهر لهم أوّل مرة إلاّ أنَّ هذه المعلومات الأمنية ظلَّت متوارثة
تتناقلها الأجيال شفهيا مسلّمين بقدسيتها، محرّمين أي نقاش بشأن مصداقيتها فلقد شهد على صِحّتِها الآباء والأجداد
فليس من حق الأبناء أو الأحفاد مراجعة الثوابت، فقبلوها مع الإضافات المستمرة.
وظلّت بعض روايات السلف محل تبجيل وقبول في المجتمع القروي، ومنها على سبيل المثال أن ذلك العفريت النبيه
يستطيع سماع حديث القرويين في أي وقت فتحوا فيه أفواههم، وعلى أيِّ بعدٍ كانوا ومهما خفتت أصواتهم
لذلك لا تلهج السنتهم إلا بالثناء عليه حتى يرضى، فإنه إنْ غضب سد عيون البئر، وابتلع كل ما فيها فتصبح معطّلة
بلا قطرة ماء، ويعدمه الأهالي أياما طويلة ثمّ قام بمطاردة المارة ليلا نافثا نارا موقدة في وجوههم، هادرا هديرا أدوى
من هزيم الرعد القاصف أمّا زلزلة خطواته البطيئة فكفيلة بإرعاب قرية بأكملها، فما بالكم بطوله
السامق الذي يتجاوز منازل القرويين علوا؟ فنظرة إلى ذلك الطود العظيم قد تورث الهلع المؤبد.
وقد عرفوا كيف يرضونه، فبعد أن يحرق حظائر مواشيهم ويسرق منازلهم ويروّع أطفالهم فإنّهم يجمعون له النذر
ولا بد أن يشتمل على عدّة جنيهات ذهبيّة أو حلي أو نقود، فتنعم تلك القرية بعد ذلك بالأمن والأمان مدّة طويلة
ويخرج خدم سيّد البئر يتشدّقون بإنجازاته العظيمة، فهو حامي القرية من شياطين الإنس والجنّ، وهو الذي يمدّهم
بالماء العذب الزلال مجّانا، وقد اباح لهم الاغتسال وتنظيف ملابسهم وريّ محاصيلهم مجّانا
وهو من يقوم بترميم البئر وتعميرها مجّانا.حتّى إذا نسوا أمره خرج على حين غرة في ليلة حالكة الظلام
وظهر بغتة في أحد الأحياء الراقية تحديدا حيث يعيش الأغنياء، فهؤلاء لا يملكون الشجاعة الكافية لمواجهته
بسبب حرصهم على كل شيء، لكنهم يملكون المال الكثير وهو مطلبه الأساسي
وتنتقل عدوى الذعر منهم بآليّة أسرع إلى بقيّة القرويين، وعندما يبدأ هجومه الوحشي يجتمع أفراد الأسر المذعورة
غالبا في غرفة واحدة من غرف المنزل ثم يغلقون كافة منافذها، ويتركون له حرّية التحرّكِ في بقية الحجرات والمرافق
ولكنه لا يدخل دارا قطّ بل ينقل إرهابه وترويعه من حي إلى آخر ومن منزل إلى منزل ناشرا فزعا طاغيا، مشعلا
النيران في العرائش والحظائر الخالية بعد أن يطلق الماشية لتهيم في أزقّة القرية مضيفة بثغائها المتواصل ونهيقها المنكر
المزيد من الهلع فيستسلم القرويون للخوف والذعر ولا يفعلون شيئا، غير أن النساء يتفرّغن لوصلة بكاء تتناغم مع صراخ الأطفال
بينما يبتهل الرجال إلى الله سبحانه وتعالى أنْ يحميهم من الشرّير وقد أمسوا أجزاء لا تتجزأ من الغرف التي حشروا فيها
وبعد رحيله يبادرون إلى إطفاء الحرائق ولملمة شعث ما تبعثر، وصباحا يخرجون لتفقد الممتلكات وحصر الخسائر
فيجدونه قد استولى على ما خفَّ وزنه وغلا ثمنه مع أنّه لم يدخل دارا قط ، فيؤدّي كل فرد واجبه من المواساة إلى الآخرين
في حزن وأسى وخنوع تام ولا يفكرون أبدا في التخلص منه، أو مقاومته أو محاولة عرقلته.
وهكذا عاش أهالي تلك القرية النائية التي لم تصلها الحضارة بسبب ممانعة المتنفّذين وتخويفهم الناس من كل جديد وتعنيف وقهر
كل من يبدي امتعاضا أو تذمّرا أو عبّر عن استياءٍ أو اعتراض، فعاشوا عقودا من الرعب في ذل وخضوع
وسلّموا مهجهم وعقولهم للشائعات والتضليل وكل ما يجيدونه هو محاربة أي فردٍ خرج عن المألوف حتى وإن كان يملك
حجة ودليل وبرهان، فكم من فم كُمِم وكم من لسانٍ أخرس وكم من كريم هان على يدي الجهل والضلال في إصرار عجيب
على حياة الجهل والتخلّف والخنوع والذُل ولا تجد بينهم من يرتاب في طبيعة ما يجري، جميعهم مؤمنون بأنّ
ذلك المخلوق مسلّط عليهم، فلا حول لهم ولا قوة في دفعه، وعليهم القبول بالواقع التعيس
واعتادوا على ارجاع سبب هجوم الوحش العفريت إلى خطاء أرتكبه أحد ما في حقّ سيّد البئر.

دوام الحال من المحال

قال الراوي:
إنَّ دوام الحال من المحال فلقد عاد إلى تلك القرية المنكوبة أحد أبنائها النجباء، الذين اغتربوا طلبا للعلم
وقد تلقّى منه قدرا يشككه في حقيقة الإرهابي الوحش المزعوم، إذ أهداه أشقاؤه الحكاية منقّحة تماما في أول ليلةٍ
يسامرهم فيها. فقال الشاب المتعلّم: أنا لا أصدّق ما تقولون. أي وحش هذا الذي يسرق الأموال؟
ولا يفترس الحيوانات الأليفة بل يطلق سراحها قبل حرق مأواها؟
فوضع أخوه الكبير بدر يده على فمه، وقال هامسا: احذر أنْ يسمعك فإنّه يجوس خلال الديار ويعاقب
من ينتقص من هيبته ويشكّك في قدراته الهائلة. فقال الشاب هازئا: وكم إنسان قد تعرض لعقوبته؟
قال الأخ متحمِّسا: أوهوه كثيرون جدا فأمّن الحاضرون على كلامه: صحيح صحيح
قال: فاذكروا لي اسماء خمسة أفراد عاقبهم سبع الليل أحبُّ أن أعرف التفاصيل منهم.
فعجزوا حتى عن ذكر اسم واحد، وقال بدرٌ غاضبا: الجميع يعرف ذلك ولقد رأيت سبع الليل بعيني
مرّات عديدة. فقال الآخرون: نعم جميعنا قد رآه، إنّه عفريت حقيقي. قال الشاب: ولماذا لا تقاومونه؟
قالوا: لقد تصدّى له رجال من القرية وأطلقوا عليه الرصاص لكنها لا تؤثر فيه.
فاندهش المتعلّم واختلطت أوراقه وتوّتر. فقال أحدهم: لقد واجهه بن فرضة رحى وابوه وجدّه من قبل
لكنه كان يقبض عليهم. قال الشاب المتعلِّم: وماذا يفعل بهم؟
قال: يتضرّعون اليه ويبكون بين يديه فيطلق سراحهم بعد أن يتعهدوا بخدمته، ومن ثم يقفون في وجه
كل من يذكره بسوء، بل أضحوا المتحدّثين باسمه والمتفاوضين معه وحماة مصالحه ورعاة البئر وخُدّامها.
فضحك المتعلّم وزال توّتره، وقال ساخرا: ما هذا العفريت الرحيم الذي يتفاوض مع البشر؟
ثم سأل مجددا: ومتى يأتي هذا المخلوق إلى القرية؟
قالوا: إنّه يحتلّ البئر من عهد بعيد، ولا يعلم أحد متى سيأتي، ولكنه يهاجمنا فجأة
قال: فأنا أرغب في مواجهته عندما يأتي في المرّة المقبلة، بل سأذهب الآن إلى البئر
وأتحداه أن يخرج إليّ إن كان موجودا فعلا، فمن منكم سيرافقني؟
فصمتوا جميعا رعبا وجبنا، وشعروا بقشعريرة تسري في أبدانهم التي أنحلها الجهل
فتدخّل الأخ الكبير قائلا: أمجنون أنت يا مبارك؟ أتريد أن تذهب إلى وحش تستفزّه وتبارزه في عرينه؟
لا. لن ادعك تذهب إلى الموت برجليك. قال: لا بد لي من معرفة سر ذلك المخلوق
وكشف حقيقة ما تخافون وترهبون. فقال بعضهم: وماذا تفيدك معرفة سره وحقيقته؟
قال: لأن أموت مدافعا عن عرضي ومالي وكرامتي وحقي في الحياة، خير لي من أن أعيش مضطهدا
من قبل مخلوق أجهل حقيقته، وقد يكون مجرّد إنسان محتال.
فمن منكم سيرافقني؟ ثم هبّ وقفا، وكان ليل القرية قد بسط عباءته، فتصدّى له بدر والآخرون ومنعوه
من الخروج وقد رأوه مصرا على الذهاب ثم أرسلوا من يستدعي أباه وكبار العائلة.
فلمّا حضروا قال بدر شارحا الموقف: إن مبارك أخي يعتزم الخروج الساعة إلى البئر
واستفزاز سبع الليل وإثارته وتهييجه، ولم يصدّق كلامنا وسخر من مخاوفنا
وأدعى أن ما نعتقده غير صحيح، وأن ما يهاجمنا ليس بوحش بل مجرد إنسان
محتال فمنعناه بالقوّة لكي لا يرتكب حماقة ويلقي بنفسه إلى التهلكة
فاستحسنوا صنيعه واثنوا عليه. فقال مبارك: صدّقني يا أبي إنّ ما تخشون وترهبون ليس إلا وهما
عظّمته وضخّمته الشائعات المتوارثة في أعينكم وقلوبكم فغدا كابوسا مرعبا، فأي وحش هذا الذي يسرق المال
والمجوهرات ويترك الأطعمة والأغذية، ليس هذا والله سوى لص حقير ضحك على عقولكم، وأستغل خوفكم وشجّعه
جهلكم على التمادي في السرقة والفساد. فغضب كل من في المجلس واستقبحوا كلامه، ولم يسعهم قبول الحقيقة
واستنكروا جرأته ومنعوه من الخروج، وتوعّدوه بنقمة سبع الليل ما لم يرضى بما رضوا به
ثمّ جثى الوالد على ركبتيه وسط المجلس وتضرّع معتذرا:
أرجوك اعفو عنه يا سبع الليل، يا أبا الفرس والخيل، فإنّ ولدي هذا سفيه جاهل لا يعرف شيئا.
ثم انصرفوا يلتفتون يمنة ويسرة في رعب وهلع، وتركوا مع مبارك من يحاول إقناعه بقبول سلطة الوهم
متأملين منه الاعتذار إلى سيّد البئر فأبى أشد الإباء.
ونقل ما دار في منزل آل الفقعي إلى سبع الليل إذ للجدران آذان ...

يتبع إن شاء الله




زهرة السوسن 20-08-2016 12:36 AM

قصة مشرقة بالحكمة، واليقين بأهمية العلم في حياة البشر
وعدم الاستسلام لوهم غير مرئي، لا يتواءم وحقيقة الواقع الملموس
وما أكثر من هم كأهل هذه القرية التي تفترسهم الأوهام وتوجههم الشائعات
لك كل الود، أستاذنا الراقي ختيارا، وإعدادا: ناجي جوهر.
ننتظر اللاحق.

ناجى جوهر 22-08-2016 11:29 PM


يا الف أهلا بالشاعرة المبدعة والقاصّة الأديبة
الأستاذة الملهمة عائشة الفزاريّة الفزاريّة
أسعدني هذا التألق التفاعلي
ويشرّفني ثناؤك وانطباعك
وأسأل الودود الرحيم
أن يوفّقني إلى رضاه
ثم رضا القرّاء الكرام
تقديري وإحترامي
وتحيّاتي
يا أم عمر



ناجى جوهر 25-08-2016 08:36 PM




سبع الليل


والبئر المعطّلة




مبارك الملطوم


في الصباح انتشرت شائعة مفادها أن مبارك بن مبخوت قد تعرض له العفريت
ليلة البارحة ولطمه لطمة أفقدته عقله، بعد أن سخر منه وهزئ به، ولم يصدّق
أنّه وحش حقيقي، فأصبح يهذي بكلام المجانين فأقبل القرويون يواسون أسرة الفقعي ابن قريتهم
وفي نفس الوقت يعززون اعتقادهم الساذج، ويؤكدون لأنفسهم أن الخرافة الموروثة حقيقة حينما يرون
ويسمعون مبارك الملطوم وهو يخرّف. وخرج الأطفال والسُفهاء والمجانين يرددون أهازيجا يهجون بها الشاب
الذي شذّ عن قاعدة الاستسلام، وأخذوا يطوفون أزقة القرية وأحياءها يغنون ويزمِّرون في بلاهة وسذاجة.
وسمعت منى بنت لبخيت ما يقال عن بن خالتها فلم تصدّق أنّ مباركا المتعلّم يمكن أن يكون أحمقا وطائشا
فألحّت على والدتها في الذهاب معها للاطمئنان عليه. بينما جعل كبار القرية وقد غلبت عليهم النشوة يتشدّقون
بكلام فاضٍ عديم الحكمة وينعتون ابن الفقعي بالغرور والوقاحة وبذاءة اللسان، وأن التعليم قد أفسده
وأخذوا يتوعّدونه بعقوبة أفظع إذا ما تعرض بالسخرية لسبع الليل مرة أخرى، مع أنّ أغلبهم هم يدركون تماما أنّه محق
ولكنّ يمنعهم سببان من الاعتراف بصدق تكهّن الشاب المتعلّم السبب الأوّل استمراؤهم الخنوع وتعوّدهم عليه
والسبب الثاني الحسد فهم لا يرضون بفضل لأحدٍ سواهم. وأراد الوحش المزعوم أن يثبت للقرويين ولابن الفقعي
على وجه الخصوص أنه موجود حقيقة لا خيال وكان ذلك تصرفا أرعنا منه غبيا، إذ اعتقد أنّ مبارك جاهل جبان
مثله مثل الآخرين الذين أخضعهم واستعبدهم، واستغفلهم وأذاقهم الأمرّين. بينما أصيب الشّاب بالصداع من تفاهات القرويين
وخزعبلاتهم وهم يحاولون تخويفه وإرهابه وتحذيره من الاقتراب من البئر ليلا، فلا ينصرف رجل جاهل حتى يحل محله
رجل اجهل أو امرأة معتوهة وكل يعظه ويرغّبه وأخيرا يرهبه، فأبدى لهم اقتناعا مصطنعا و توبة مزيفة
فتركوه ووكلوا به من يراقبه، وعندما وصلت منى تهافتت عليها القرويات يطلبن منها اقناع ابن خالتها بالتخلّي عن إعمال فكره
والرضا بما رضي به الآباء والأجداد والأبناء، فهو لن يرفض لها طلبا نظرا لما يحمل لها من محبّة ومعزّة فوعدتهن خيرا
وحينما انفردت به سألته: أحقا تعرّض لك سبع الليل؟ قال: أتمنّى أن يتعرّض لي. قالت: الا تخافه؟ قال: كيف أخافه ولم أره؟
قالت: انا قد رأيته بعيني، قال: صفيه لي. قالت: إنّه مخلوق طويل جدا، ينفث النار من فمه فيحرق الأكواخ والزرائب، ويطارد ...
فقاطعها مبارك: اعرف هذا فهل يدخل البيوت؟ قالت: لا. لا يمكنه ذلك بسبب طوله الفارع. قال: فمن يسرق الأموال إذا؟
فسكتت برهة ثم قالت: لا أحد يعلم من يسرق المال. قال: إذا فهناك من يستغّل هجوم الوحش المزعوم فيسرق وينهب
قالت: لا نرى أحدا سواه. قال: ذلك لأن اللصوص يدخلون البيوت عندما تغادرونها، قالت: أظنك محقا.
ولكن كيف ستقنع هؤلاء المرعوبين؟ قال: لا بدّ أن يكون بينهم بعض العقلاء استعين بهم بعد الله على كشف العصابة
قالت: أتظنّ أنها عصابة؟ قال: بل أقسم على ذلك وسترين. وفي المسجد تلقّى مبارك المزيد من التوبيخ والتهديد والنصح
الغير رشيد ولم يتمكّن من فعل شيء ذلك اليوم غير المرور بالبئر مرور الكرام بسبب الرقابة المفروضة عليه
وبعد صلاة العصر اجتمع به بعض شباب القرية على دكّة المسجد وأخذوا يناقشون القضية، فأعرب ثلاثة منهم عن الاستعداد
لمرافقته إلى البئر متى شاء، لكنّه امتنع عن مجاراتهم خوفا من أن يمنع أو يعرقل عن اكتشاف الحقيقة
وهو كذلك يجهل حقيقة نواياهم وأهدافهم، وبعد صلاة المغرب أغلق معظم القرويين منازلهم، ولجأ آخرون إلى البيوت الأكثر
امنا، تحرُّزا من انتقام وحش البئر الشرير الذي استفزّه مبارك الفقعي وأغضبه بتصريحاته الوقحة فهو قادم لا محالة.
وصدقت تنبؤاتهم فما هي سوى ساعة من ليل حتى سمعوا صراخ الأطفال واستغاثات النساء تنطلق من بعض البيوت
التي اشتعلت نيران غضب سبع الليل بالقرب منها، فسرى الرعب في القلوب سريان السم في دم الملدوغ، وتمكّن منهم الهلع
فأخذوا يلعنون الشاب الأرعن الذي أثار عليهم غضب وسخط الوحش، ثم توجّه الشيخ غانم بن محمود شيخ القرية بمعية بعض
الوجهاء إلى بيت مبخوت الفقعي بعد رحيل سبع الليل المفاجئ وهم ساخطون ناقمون، وأخذوا يقرعون الباب في هلع وسخط معا
فلمّا ادخلهم وبّخوه على ليونته في تربية ولده، وتراخيه عن كبح رعونته وطالبوه بدفع مبارك الملطوم إلى سبع الليل لينتقم منه
فهو الذى هزئ به وانتقص من هيبته وأغضبه وسخِر منه ولم يعرف قدره ومقامه، فعليه مقابلته وجها لوجه، ها هو يعيث فسادا
فليخرج إليه مبارك القوي. فأحرج مبخوت الفقعي، وشرع يعتذر إلى القوم ويستعفيهم، ولكنهم كانوا تحت وطأة الذعر، وسطوة
الشائعات وحكم الهلع فلم يقبلوا منه صرفا ولا عدلا، إنَّه رأس مبارك مقابل رضا الوحش هذا ما أجمعوا عليه
فرفض آل الفقعي طلبهم بتحدٍ وعناد، ووثبوا إلى السلاح ليدفعوا به عن ولدهم، وقبل أن يحدث أي احتكاك بين الطرفين
سمعوا هاتفا يهتف من بعيد: مبارك بن مبخوت يطارد الوحش ... والوحش يهرب الوحش يهرب الوحش يهرب
وسمعوا صوت اطلاق نار عدّة مرّات، فاختلطت المشاعر بين الدهشة والخوف، والتكذيب والتصديق والفرحة والحذر
ثم انطلقوا جميعا إلى مصدر الهتاف، فإذا بثلاثة من شباب القرية واقفين يلهثون، فسألوهم عن حقيقة ما يقولون
فأكد لهم رشيد بن الشيخ غانم أنه ورجب بن النعمان ومحمد بن سِعِدْ إِر مغْلِلْ كانوا مع مبارك، وأنهم
طاردوا سبع الليل معا عندما رأوه مقبلا من ناحية القرية الشرقيّة متوجّها إلى غربها، إلا أنهم خافوا وتراجعوا عندما
نفث النار في وجوههم وظل ابن الفقعي يطارده لوحده دون خوف أو تردّد والوحش يفر مرعوبا
ثمّ سمعناه يهدده قائلا وبصوتٍ ناعم: عُدْ وإلاّ أكلتك ولكن مبارك شد عليه فهرب الوحش
فقال الشيخ غانم: وأين هما الآن؟ قال رجب: لقد توجها إلى البئر، ولسنا ندري ماذا يحدث هناك
غير أننا سمعنا إطلاق نار. فقال ابن فرضة رحى تاجر القرية شامتا: هلك الولد ، يا له من أحمق
إن الرصاص لا يضرُّ سبع الليل كما تعلمون، لا إله إلا اللهُ راح المسكين كشربة ماء، مكر به خاطف الأرواح لينفرد به
فأيقن الجميع أن الوحش قد استدرج مباركا إلى البئر ليفتك به هناك فخيم الصمت والحزن
ولم يجرؤ أحد على ذكر كلمة إنقاذ أو كلمة نجدة. وفي منزل مبخوت الفقعي ارتفع نياح النائحات وصراخ الباكيات
وشرع الجميع في لوم الأب الذي لم ينهى ابنه عن الرعونة والطيش، ولم يردعه عن التهوّر، وحمّلوه مسؤولية مقتل ابنه
ثم انصرف الشيوخ مرتبكين وتركوا تلك العائلة المفجوعة بولدها في أتون حزن وأسى وخوف وقلق. ولم تطق منى الانتظار
حتى الصباح عندما سمعت بما حدث، بل خرجت كالمجنونة حاملة فانوسا وهرِعت إلى ناحية البئر تسابق دموعها
فصادفت الشيخ غانم ومن معه وهم عائدين، فانتهرها أحدهم مستنكرا جرأتها على الخروج في هذا الظرف المرعب:
اجننتِ؟ أم لا تعلمين أن الوحش قد أخذ ابن الفقعي؟ فزاد خوفها على حبيب قلبها ولم تردّ عليه وواصلت سيرها
ثمّ لحق بها بدر والشبّان الثلاثة عندما رأوها متّجهة إلى البئر، ولم يبتعد المعاتبون كثيرا حتى عادوا أدراجهم مسرعين
فلقد سمعوا الزغاريد، وهتافات مبخوت وابنائه: الله أكبر الحمد لله سلامات سلامات
وعندما دخلوا الدار وجدوا مباركا بن مبخوت الفقعي بشحمه ولحمه واقفا كالليث العابس لم يمسسه سوء.
فأخذ بن فرضة رحى يجسُّه بأصبعه مدعيا أنه ليس ابن الفقعي بل هو سبع الليل متنكرا. فضحكت منى
وغضب الشاب وقال: أخرجن من دارنا أيتها الدجاجات الهلعة، فنكّس الرجال رؤوسهم ولم يعترضوا على الإهانة
لأنهم فعلا جبناء وأغبياء توجههم الشائعات وتتحكم بهم شرذمة من الخبثاء.
وحقد تاجر القرية على الفتاة التي سخرت منه أمام الجميع، وأضمر في نفسه نيّة سوء لها ولابن خالتها الجريء.
وسأل الشيخ محمود الشاب المتعلّم: احقا طاردت الوحش وهرب من امامك؟ قال: نعم. فقال ابن فرضة رحى
مستهينا: لم يهرب خوفا منك بل خشية من سيل الرصاص الذي أمطرته به، فقال الشاب: لست من أطلق الرصاص
ولا أعلم من الفاعل. قال: وأظنّك رأيت أن الرصاص لا يؤذيه؟ ثم خرج ضاحكا
وبعد رحيل الزوّار روى مبارك لعائلته ما حدث قائلا: إنّ ذلك اللص الذي سيطر على عقولكم وقلوبكم ردحا من الزمن
قد هرب من أوّل مواجهة حقيقية معه، ولو لم يقفز إلى البئر لكنت قبضت عليه وهتكت ستره.
لكّن الجميع كانوا يستمعون إليه مجاملة فقط، أمّا منى فكانت محبّتها تفرض عليها تصديقه بغض النظر عن الاقتناع.
قال الراوي:
في اليوم التالي صباحا نهض الشاب على أصوات كثيرة مختلطة، وعندما خرج من الغرفة فوجئ بوجود العشرات من
القرويين والقرويات كبار وصغار داخل وخارج المنزل، وهم يثرثرون ويتفوهون بكلام لا وزن له ولا قيمة، وحينما
لمحته النساء خارجا أطلقن زغاريدا متتالية، ثم أخذن يمتدحن شجاعته وجرأته ورجولته، وشرعن يهنئنه على السلامة
ويدعين له بطول العمر، ولم يكد الرجال يبصرونه قادما حتى بادروا إلى الترحيب به وهم يقولون بلغتهم الشحرية:
نجف عِدِدْ ..خَب عكْ عِنْهْ .. تب عر غِج حَرَدْ حجب لِه أيي سلُم هَت
وأخذ بعضهم يرقد الرقيد ابتهاجا بالبطل المغوار، الذي قهر الوحش المخيف وردع العدوّ الشرير، وقد عجزوا عنه هم
وآباؤهم وأجدادهم. ثمّ هُرعوا إلى السلام عليه وتهنئته بالنجاة، وأمر الشيخ غانم بذبح الذبائح وإقامة الأفراح
لكنّ مبارك قال: لا ذبائح ولا أفراح قبل أنْ اكشف سر هذا الشيطان الملعون وأقف على حقيقة شخصه
وكل ما أطلبه منكم أن ترصدوا تحركاته، وأن تبلغوني حينما ترونه في أي مكان.
فأعترض ابن فرضة رحى تاجر القرية قائلا: ما أجهلك يا ولد! وما أغباك! وما أسخف عقلك!
لقد نجوت من قبضة سبع الليل مرّة، فلن تنجو من مخالبه مرة أخرى. ثم أخذ يحرِّض القرويين السّذج على مبارك
شرع يحثّهم على منعه من التعرُّض لساكن البئر، وقال محذِرا: لقد رأيتم ما فعله الوحش بنا عندما سمع هذا الأرعن
يشتمه ويهينه، ولست مصدِّقا أنه قد طارد سبع الليل العظيم بمفرده، فإن شئتم أن تعيشوا في سلام فامنعوا الملطوم من
استفزاز ذلك الشيطان، ولا تسمحوا له بالاقتراب من البئر فهتف القرويون: مبارك الملطوم دع سبع الليل وشأنه
ثم انصرفوا خائفين هلعين، فشعر الفتى بالرثاء لأجل أولئك الرعاع.
ومضى تاجر القرية ينشر الدعايات الكاذبة ويخيف الناس ويهيجهم على ابن الفقعي مدّعيا الحرص على سلامتهم
من ثورة الوحش وغضبته الكبرى وفي الليل عاود السبع هجومهم مختبرا جدّية مبارك الفقعي وجرأته
وفي ذات الوقت أراد أن يؤكدا للقرويين الجهلة على صدق كلام التاجر بن فرضة رحى، واختار حيّا يبعد كثيرا
عن منزل آل الفقعي فهرع مبارك ومجموعة الشباب المتحمّسين يطاردونه، وما إن ابتعدوا حتى فوجئ الأهالي بصراخ
عويشة الدبّاغة أم منى بنت لبخيت ..
يتبع إن شاء الله




ناجى جوهر 01-09-2016 10:33 PM



قصّة طــــــويلة




سبعُ الليلٍ والبئرُ المعطّلةُ




الاستيريو



وسمعوا صوت سبع الليل مجلجلا مهدِّدا المرأة وابنتها، فارتاعوا ولم يجرؤ أحد على الخروج إلى أن سكت تماما
وعندما دخل عليهن البعض وجدوهما محتضنتين بعضهما وقد تكوّرتا في زاوية الغرفة شاخصة أبصارهما إلى النافذة
وقام الجميع بواجبهم من المواساة والتعزية، وبعد ساعة عاد الشباب بعد ردع الوحش وإعادته إلى عرينه مدحورا
ولم يقدم أحد على ذكر ما حدث لمنى وأمّها أمام مبارك غير غلام أدركته الرأفة فقال:
مسكينة خالتي عويشة الدبّاغة، فلم يلقى الشاب المتعلّم بالا إلاّ أنّه انكر عدم حضور منى كعادتها
فذهب بعد مضي وقت طويل للاطمئنان، وما إن دخل عليهما حتى انفجرتا باكيتين.
وفي الصباح ذهبت بعض القرويات للاستسقاء فلم يجدن ماء وسمعن أصواتا شيطانيّة ترتفع من أغوار البئر
فرجعن إلى بيوتهن مذعورات. وعلم مبارك بذلك فخرج لا يلوي على شيء، وعندما وصل وسمع الأصوات أصيب بالدهشة
وطلب من رفاقه أن يحضروا له سلّما وحبالا وقد عزم على النزول ومواجهة الوحش المزعوم حالا
غير أنّ اتباع ابن فرضة رحى وثلّة من حمقى القرية تكاتفوا ضده ومنعوه من النزول ولم يسمحوا له
ولا لرفاقه حتى بالمكوث في الجِوار. وتوجّه بعضهم إلى منزل الشيخ غانم بن محمود وبلّغوه بنضوب الماء ومحاولة
ابن الفقعي فأصيب بالحيرة، واختلطت عليه الأفكار هل يصدّق العلم والعقل والمنطق أم الواقع الموروث الملموس؟
بينما ادرك الشباب الأربعة أنّ سبع الليل هذا ما هو إلاَّ لص دنئ من أبناء القرية يصل إليه حديث القرويين
ويعرف مخططاتهم، ويتصرف على ضوء ما يسمع ويرى. فعزم مبارك على نصب فخ محكم يوقعه في شر أعماله
وفي إجتماعهم السري تأكّد الشّاب المتعلّم من صدق نوايا الشبّان الثلاثة ورغبتهم في خدمة قريتهم وتخليصها من الرعب
ومن سيطرة المحتالين، وشرح لهم خطته التي تقتضي منهم شجاعة نادرة، وأعلمهم أنه سيضطر إلى القفز
خلف الوحش في المرّة القادمة إذا لم يتمكنوا من القبض عليه قبل ذلك. وبيّن لهم أن ذلك الوحش العفريت
الموهوم مجرّد عضو في عصابة لصوص يستغلون سذاجة القرويين وجهلهم، وأن الشخص الذي يقوم بدور سبع الليل
إنما يفعل ذلك لإلهاء الناس عن بقيّة اللصوص، فيتمكّنون من اقتحام المنازل المهجورة ويسرقون ما فيها دون رقيب
ثم يرفعون زميلهم من البئر ويقتسمون الغنائم، فإذا نفذ ما لديهم من مال أخرجوا سبع الليل.
وليثبت لهم صدق استنتاجاته سألهم: اسمعتم ما سمعت عند البئر؟ قالوا: نعم. سمعنا صوت الوحش سبع الليل
قال: كلا. ليس ذلك بصوت وحش بل صوت بشري مسجّل على اسطوانة استريو ضخم، قالوا: وما الاستيريو؟
قال: جهاز يصدر الأصوات ويخزّنها وسوف أريكموه متى ذهبنا إلى المدينة إن شاء الله.
ولكن من هذا المحتال الذي يعرف هذه الأجهزة الحديثة؟ قال عبدالله بن النعمان عي جَمْ:
ما دمت قد فسّرت سرّ الصوت فلابد أنّك تعرف سبب طول المحتال الفارع، قال مبارك: نعم يا عبد الله
إنّهم قد صنعوا له ساقين من الخشب ترتفعان قليلا عن الأرض، فإذا أدخل الخبيث رجليه فيهما ظهر كعملاق
وقد لبس جلبابا فضفاضا، فإذا رآه القرويون ضخّمه الرعب في عيونهم وصدورهم فهلعت قلوبهم
وسيطرعليهم الذعر، قال عمر: وماذا عن النار التي تخرج من فمه؟ قال: إن النار لا تخرج من فيه
ألا ترى في يده مشعلا صغيرا؟ قال الفتى: بلى، قال مبارك: فإنه يمتص بعض الزيت في فمه
من إناءٍ يخفيه ثم يدفعه نفثا بقوة إلى الموقد، فيشتعل الوقود الخارج وكأنه ينفث نارا
وخطوتنا الأولى هي القبض على هذا الذي روّع النساء والأطفال، وقذف في قلوب الناس الرعب والهلع
ثم يمكننا إن شاء الله أن نعرف بقية أفراد العصابة، فكونوا على استعداد تام.
وعندما تسمعون أن الوحش قد ظهر فتأكدوا أني سأكون في مواجهته
فإن أردتم أن تشاركوني في خدمة قريتكم فاطردوا الخوف من قلوبكم أولا. وأرسل الشيخ غانم بن محمود رسولا
إلى ابن فرضة رحى وآخر إلى بيت الفقعي يطلب حضور مبخوتٍ وابنه مبارك حالا، وعندما اجتمعوا في
البرزة قال الشيخ غانم: لقد وقعنا في ما كنّا نخشى، فإنّ سبع الليل قد سدّ العيون، ومنع عنّا الماء
وسمع الناس تهديداته، فكيف يمكنك يا ابن الفقعي أن تعيد جريانه؟ قال الفتى: سانزل إلى قعر البئر وابحث عن
العيون المسدودة فأفتحها، فقال ابن فرضة رحى هازئا: إن تلك البئر لا قرار لها، ومن نزل إليها
يستحيل خروجه منها حيّا، قال الفتى: وإن كان الأمر كما تقول فسأنزل وانظر بعيني رأسي
فغضب التاجر وقال وقد انتفخت أوداجه: اتظن أننا سنسمح لك بهذا العبث واستفزاز سبع الليل أكثر مما قد فعلت؟
إنك لا تدري ماذا يمكنه أن يفعل إذا نزلت إليه. قال الفتى: لا أبالي، قال التاجر: فعلا أنت لا تبالي بمصلحة
قومك، وإلا لما هيجت علينا العفريت، ولسنا ندري إلى متى سيحبس الماء بسبب طيشك ورعونتك، واحتدم الجدال.
فتدخّل الشيخ غانم لحسم الخلاف قائلا: يا بني لسنا نأمن عليك إن نزلت إلى قعر البئر، كذلك لا نعلم ما الذي
سيفعله بنا ذلك المخلوق، وإنّي اطلب منك ترك المغامرة والمخاطرة، وأرجو منك يا ابن فرضة رحى أن تفاوض
سبع الليل بشأن فتح العيون بما لديك من دراية في التعامل معه ونحن مستعدّون لدفع ما يرضي سيّد البئر
فردّ غاضبا: لن اطلب منه شيئا قبل أن يتعهّد ابن الفقعي بعدم إغضابه وعدم التعرّض له.
فقال الفتى: نجوم السماء أقرب إليك من هذا التعهّد فقال مبخوت والده: بل ستعتذر إليه وستتعهّد بما أمرت
وإلاّ فلي معك تصرّف آخر، فخرج الشاب المتعلّم غاضبا وتوجّه إلى منزل خالته عويشة الدبّاغة
فوجدها وابنتها تستقبلان جموع القرويات المتعاطفات، وحين أقبل عليهن بدأت اصابع الاتهام تشير إليه
في غضب وقالت إحداهن: كل ما جرى علينا بسبب هذا الفتى المغرور، فردّت عليها منى غاضبة:
كذبتِ بل كنتم تعانون الأمرّين منذ عقودٍ طويلة، فرحلت الزائرات ساخطات.
وما إن دخل مبارك السلام حتّى هشّتا ونهضتا إليه في سرور، وقالت الخالة عويشه الدبّاغة:
لقد كدت أفقد عقلي من دوي صوت سبع الليل. فقال مبارك ضاحكا: ليس ذلك صوت سبع الليل
بل هو صوت رجل جهوري مسجّل على أسطوانة استيريو ضخم. فقالت الخالة مستغربة:
ومن هذا الأسطوانة الاستيريو يا بني؟ فضحك مبارك وقال قاطعا وعدا: اعدكِ يا خالة أن أحضره إلى هنا
وأن أسمعك صوته. فقالت مرعوبة: لا لا. لا أريد رؤيته. فضحك الفتى ثم أخرج من جيبه قناعا ممزقّا
وجده ملقى في الطريق، وما إن شاهدته الخالة حتى فقدت وعيها فأسرع الشابان يسعفانها.
وفي هذه الأثناء دخلت جَمْ عَت ابنة الشيخ غانم بن محمود ونزه ابنة زايد الفقعي وليلى بنت عاشور
قدمن لمواساة منى بنت لبخيت وأمّها، وما إن رأين البرقع حتى تراجعن مذعورات فرمى به بعيدا
وحينما انتبهت الخالة عويشه وهي تتشهّد وتهلل. قال الفتى: معذورة يا خالتي
إنّ سيل الدعاية قد أعمى البصائر وانصرف فأخذت منى والفتيات يقلّبن القناع
فإذا بها قطعة قماش رسم عليها وجه شيطان وكان أحدهم قد وضعه على وجهه أثناء تشغيل الإستيريو
خلف منزل عويشه وابنتها وشرع يدخل رأسه من النافذة مرة بعد مرّة فأصيبتا بالهلع الرهيب.
والحّ الوجهاء على ابن فرضة رحى أن يذهب لمفاوضة وحش البئر فقال بلهجة الواثق: لا أظنّكم ترون ماء
ما لم يعتذر إليه ابن الفقعي ويعد بترك العدوان، ولكنني سأبذل جهدي، وفعلا توجّه وحده إلى البئر، ولمّا وصل
إلى هناك برك على ركبتيه وشرع يتوسّل إلى العفريت، فشاهد الناس دخانا كثيفا يرتفع من الأعماق، فذعروا
وعلموا أن سبع الليل رفض التوسّلات، وزاد سخطهم على ابن الفقعي يؤجّج ناره تحريض اتباع تاجر
القرية المتواصل. واستمرّ انقطاع الماء لمدّة ثلاثة ايّام كان كفيلا بإحداث أزمة مائية في القرية
كذلك تواصلت هجمات سبع الليل وقد منع مبارك من الخروج والتصدّي له بأمر من والده مبخوت الفقعي
ووجهاء القرية جميعا. ولم يجرؤ أحد على الخروج لصدّه غير رجل ملثّم كان يطلق عليه الرصاص
الذي لا يخترق بدن الوحش ولا يعلم أحد من هو فضج القرويون بالشكوى وتوالت استغاثاتهم
بالشيخ غانم بن محمود، فلمّا ضجر أرسل مرّة أخرى إلى ابن فرضة رحى فحضر يترنح بين رجلين يسندانه
تنبعث من فمه رائحة منتنة خبيثة وتدور عيناه وتقدحان شرا وقد احمرّتا احمرارا مخيفا، وفي البرزة ما فتئ يتجشأ
ويفأق ويتحرّك بفجاجة وقبح أسخطت رؤساء القرية الذين استنكروا ثقل لسانه وتفاهة الفاظه
وضحكه المتواصل بلا سبب، إلاّ أن مبخوت الفقعي أرعبهم حينما قال:

يتبع إن شاء الله





زهرة السوسن 01-09-2016 11:55 PM

أحداث متناغمة، تنقلنا متهافتين لمعرفة النهاية، بعد احتدام الأحداث وتشابكها، مما جعلنا نقرأ كلمة كلمة وحرفا حرفا؛ نظرا لما تحمله إلينا من معان سامقة، راقية. ونحن هنا بين أمرين وهما الحقيقة والوهم، الحقيقة التي ظهرت ساطعة ولها ما يؤيدها من الأدلة والبراهين، والوهم القاتم المظلم، الذي يخالف العقل والمنطق.
نحن في الانتظار، وسلمت أناملك الذهبية، وطاب حالك، أستاذنا الفاضل: ناجي جوهر.

ناجى جوهر 07-09-2016 09:37 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عائشة الفزارية (المشاركة 260695)
أحداث متناغمة، تنقلنا متهافتين لمعرفة النهاية، بعد احتدام الأحداث وتشابكها، مما جعلنا نقرأ كلمة كلمة وحرفا حرفا؛ نظرا لما تحمله إلينا من معان سامقة، راقية. ونحن هنا بين أمرين وهما الحقيقة والوهم، الحقيقة التي ظهرت ساطعة ولها ما يؤيدها من الأدلة والبراهين، والوهم القاتم المظلم، الذي يخالف العقل والمنطق.
نحن في الانتظار، وسلمت أناملك الذهبية، وطاب حالك، أستاذنا الفاضل: ناجي جوهر.




السلام عليكم يا أم عمر
أحاول من خلال أحداث هذه القصة البرهنة على قدرة
الدعاية والشائعات النافذة في المجتمعات على طمس
الحقائق وعكس الموازيين وتهميش العقول وفرض
الواقع مهما كان سيئا على الكثيرين
وتبقى معركة الخير والشرّ مستمرّة إلى أن يرث الله الأرض
ومن فيها. ومع أن أنتصار الحقيقية محتوم لكن آثار البغي
تطبع سوادها على الناس إلى درجة إنخراط الكثيرين
في الضلال مع علمهم المسبق بفساد نتائجه.
شكرا يا أم عمر
حفظك الحفيظ
تحيّاتي








ناجى جوهر 16-09-2016 10:36 PM

سبعُ الليلٍ والبئرُ المعطّلةُ الولد المُطيع
 






قصّة طــــــويلة




سبعُ الليلٍ والبئرُ المعطّلةُ



الولد المُطيع


إن سبع الليل قد بدأ يتلبّس جسد الرجل
وأخشى أن تثور ثائرته فيهاجمنا ويهاجم عيالنا عندما يستتمّ تلبُّسه.
فأمر الشيخ غانم بإعادته إلى منزله، وزاد هلع الناس واشتدّت معاناتهم في اليوم
الرابع وفي اليوم الخامس سمع صراخ الأطفال العطشى وأنين العجزة وآهات المرضى.
وشق على الشيخ غانم ما تعاني قريته من محنة، فأستدعى تاجر القرية وطلب منه فعل
شيء يعيد الماء إلى البئر، فقال ابن فرضة رحى: لن يرضى سبع الليل عنكم ما لم يعتذر
إليه ابن الفقعي ويقسم على عدم التعرّض له. فذهب شيوخ القرية إلى منزل مبخوت الفقعي
واجتمعوا به وابنه مبارك، وقال الشيخ غانم: لقد بلغ السيل الزبى يا ابن الفقعي ولم يعد
من الصبر ملء فنجان، وإنّا إنّما اتينا لنحذّرك من مغبة التمادي في الاستخفاف بسبع الليل
ولن نخرج من هنا إلاّ بعد أن تعطينا عهدا وميثاقا أنّك لن تنزل إلى البئر، ولن تعترض طريق
الوحش وإلاّ حبستك فماذا ترى؟ قال الشاب المتعلّم: أما العهد والميثاق فإنّي أتعهّد لكم بكشف
حقيقة سبع الليل والقبض على العصابة التي روّعتكم و..
فقاطعه والده مبخوت غاضبا: لقد عملت ما بوسعي لحمايتك فأبيت إلاّ الخروج علينا
وإثارة المشاكل في قريتنا، فليس لك من علاج غير الحبس فخذه يا شيخ غانم إلى الحبس
وحاول آل الفقعي الاعتراض فأقسم مبخوت أنه سيحبس كل من يخالفه أيضا.
وأخذ مبارك وسط بكاء وعويل نساء العائلة وعندما وصل النبآء إلى ابن فرضة رحى أقبل يسعى
حتى دخل على الشيخ غانم بن محمود، وأخذ يمتدح حزمه وحكمته وحرصه على منفعة أهله
ثم قال: أمّا وقد قبضتم على رأس الفتنة والجمتم حماقته فسوف أتوسّل إلى سبع الليل
أن يعيد إلينا الماء. ولكن يجب أن نقدّم له هديّة فاخرة تزيل أثر غضبه، فلا يبخلّن أحد بمال
أو بمصاغ، وخرج أعوانه يجمعون تبرّعات القرويين حتى ملئوا سلالا بكميات من الأطعمة
والقطع الذهبية والنقود والحلِيّ. ثم خرج إلى البئر فانزل كل ما جمعوه ثم جثى يتوسّل
وما هي سوى لحظات يسيرة حتى سمعوا طبلا وزمرا يرتفعان من الأعماق، فأرسل أحدهم الدلو
ورفعه مملوء، فصاح التاجر مغتبطا: شكرا لك يا سبع الليل يا أبا الفرس والخيل،
وحينما سمعت القرويات ذلك أطلقن الزغاريد ابتهاجا بعودة المياه إلى مجاريها، وخرج
السفهاء والغوغاء يحتفلون بالنصر العظيم الذي حّققه ابن فرضة رحى وهم يغنون وينشدون
أشعارا تمجّده وتفخّمه وتثني على حكمته وبراعته، ويطوفون بين الأحياء
واجمع القرويون على الرضى بما يفعله سبع الليل. وأختفى بعد ذلك ابن فرضة رحى
وبعض اتباعه وقيل أنّهم سافروا إلى المدينة. فهو الوحيد الذي يتاجر بمنتجات القرية
الزراعية والحيوانية، في المدينة وارثا هذه المهنة عن آبائه وأجداده.
وهو الوحيد الذي يقرأ ويكتب قبل وصول مبارك بن مبخوت الفقعي، فلقد أرسله والده
إلى المدينة قبل أن تفعل أم مبارك، ولكثرة خيرات القرية فقد استقرّ فيها
لكنّه كثير ما يختفي عن الأنظار. وكثير ما يشاهد القرويون ضوءا في البئر.
أمّا الشاب المتعلّم فقد حبس في منزل يقع على أطراف القرية يحرسه حارسان، فإذا أقبل الليل
سمحوا لأخوته وأقاربه وأصدقائه بالسهر والنوم عنده وذات صباحٍ وبعد انصراف إخوة مبارك
وأصدقاؤه دخلت عليه منى برفقة فتاة أخرى، وقالت الفتاة هامسة:
لقد كنت أتبعك وأنت تطارد الوحش المزعوم، وأنا من كان يطلق عليه النار، ولا أدري ما علّة
الرصّاص الذي لا يخترق جسده، وانا على يقين تامٍ أنّه احد رجال القرية وله أتباع
هم الذين يدخلون البيوت ويقومون بسرقة المال ولكّن هؤلاء البؤساء قد ملئت قلوبهم رعبا وهلعا.
فلا يمكنك اختراق عقولهم إلآّ بالحيلة ثم غادرتا
فأعجب ابن الفقعي بجرأتها وذكائها، ووجد رأيها منطقيا، فقرّر اللجوء إلى المكر والخداع في حربه
ضد المجرمين. وعندما أحضر أخوه بدر صحن عصيدة ليفطرا عليه معا فوجئ به جاثيا
على ركبتيه وسط الغرفة يناجي سبع الليل: يا سيّد البئر ومالكها، ومجري المياه وحابسها
وحامي القرية وحارسها اعفو عنّي فقد أخطأت، وسامحني فقد تسرّعت
أرجوك يا سبع الليل يا ابا الفرس والخيل.
فوقف بدر غير مصدّق عينيه ولا أذنيه وعندما شعر مبارك بوجوده كفكف دموعه وجلس واجما
فاطلق بدر ساقيه للريح حالا وعدى حتى وصل إلى المنزل وأخبر والده بما سمع ورأى.
فأقبل مبخوت يكاد يطير فرحا، وعندما أكّد له مبارك توبته عن مطاردة سبع الليل عانقه مهنئا
وذهب به إلى منزل الشيخ غانم بن محمود، فسرّ كل من كان في المجلس واثنوا على الولد المطيع.
وأصيب رشيد وعبدالله بن النعمان عِي جَمْ ومحمّد بن سِعِدْ إرْ مَغْلِلْ بالإحباط، وكرهوا ابن الفقعي
كراهية شديدة، وتجنّبوا مخالطته والحديث معه.
وليلا خرج السبع مستعرضا قوّته فلم يعترض سبيله أحد. وعندما أطمئن وجهاء القرية إلى
خضوع مبارك اقترح عليهم زايد الفقعي عمّ الشاب أن يبنوا له دارا يعلّم فيها عيالهم
تلاوة القرآن والكتابة ومبادئ الحساب مقابل أجرٍ زهيد، فتحمّسوا للفكرّة الذكيّة، فسوف
ينشغل ابن الفقعي بالدرس عوضا عن مطاردة الوحش. وأبدى الشاب سعادة بالغة والتحق
بالمدرسة عدد قليل من الفتية والفتيات لكن القليل خير من العدم،
وتوقّفت هجمات سبع الليل بعد أن أمن جانب ابن الفقعي، وبعد عودة ابن فرضة رحى
بأيّامٍ انتشرت شائعات مفادها أن الوحش يكافئ القرويين بحلي من الذهب تعويضا لهم
عما أخذ منهم، واعدا بعدم مهاجمتهم ما لم يستفزّه أحد. فأسرعت القرويات إلى البئر
وما إن ترفع احداهنّ دلوها حتى تجد فيه عقدا من الذهب، وأنطلق اعوان تاجر القرية
يبشّرون الناس بالرخاء والسعة والعيش الرغيد، شاكرين فضل وكرم وجود سبع الليل
منوّهين إلى إنجازاته العظيمة مشيدين بحكمته وعدله ورحمته.
واقتنع القرويون تماما بفضل الوحش عليهم، وأحبّوه حبا جما إلى درجة أن كثير منهم
اسموا عيالهم سبع الليل تيمّنا بالوحش المبارك.
وفوجئ فريق النجباء بالأحداث الأخيرة، وأختلطت عليهم الأمور خاصة بعد أن رأوا بعض عقود
الذهب التي خرجت من البئر، وكان الشاب المتعلّم قد أقنع أصدقاءه بإستراتيجيته الجديدة
المتركّزة على إقناع أكبر عدد ممكن من الناس سرا بحقيقة سبع الليل
فكانوا يتحدّثون إلى من يثقون بعقله في سرِّيّة تامّة. لكن عمر الأسرار قصير، وعلم الوحش
بما يدبّر مبارك الفقعي، فغضب غضبا شديدا وأضمر شرا إلى أن جاء يومٌ سافر فيه الشّاب
إلى المدينة لجلب بعض المواد القرطاسية، واستغرقت رحلته أياما نظرا لوعورة الطريق
وبعد المدينة الشاسع والاعتماد في الرحلة على الحمير. وبعد سفره بليلتين فوجئ القرويون
باستهداف سبع الليل المدرسة ثم حظيرة ماشية عويشه الدبّاغة أم منى مشعلا فيهما النيران
وكان ذلك تصرفا أرعنا منه غبيا
وفي الصباح وجدوه لم يأخذ شيئا غير جلودا مدبوغة لخالة إبن الفقعي فشمت الشامتون
واستأنس الساذجون وأسف المحبّون، ورافق مبارك في رحلته عمّه زايد وعبدالله بن النعمان
ومحمّد بن سِعِدْ إرْ مَغْلِلْ ومنع الشيخ غانم ابنه رشيد من مرافقة الفريق، ثم سمح له بعد تدخلّ
ابنته جم عت ووالدتها فلحق بهم رشيد ورجلان أخران على بعد يسير من القرية.
وعرض مبارك العقد الذي استعاره من خالته عويشه الدبّاغة على أحد الصاغة
فأكّد له أن العقد مصنوع من النحاس المطلي بما الذهب، وأن لا قيمة له،
كما سأل عن الرصاص الذي لا يخترق جسم الوحش فقيل له إنّ ذلك يسمى رصاص صوتي
كما أصطحب عمه زايد والشبّان الثلاثة وأراهم الاستريو وأسمعهم صوته فزال كل ما بقي في
نفوسهم من شكٍّ وحيرة، وحينما عاد الشاب ورفقاؤه من السفر وعلم بما فعل سبع الليل
غضب غضبا عاصفا، وتوجّه من فوره إلى مجلس الشيخ غانم بن محمود وقال:
لقد التزمت بما الزمتموني، ولكن الوحش الذي تزعمون خرق الهدنة وغدر بي وحرق مدرستي
ونهب بضاعة خالتي، ولست بالساكت عن حقها ولا بالمتنازل عن حقّي. ولن يمنعني أحد من
النزول إلى البئر ومواجه سبع الليل هذا كائنا من يكون، وخرج غاضبا فارسل خلفه الشيخ غانم
عددا من العساكر قبضوا عليه وأودعوه الحبس مرّة أخرى.
ثم ارسل إلى مبخوت الفعي يستدعيه، فلمّا حضر انبأه بما حدث وقال:
أخشى أن يرتكب ابنك حماقة ندفع جميعا ثمنها، فحبسته حتى نجتمع وننظر فيما يرضيه
ويسكِت غضبه، فاستحسن مبخوت ذلك وانتظر قدوم بقيّة رؤساء القرية، وعندما حضروا
وتداولوا القضيّة اقترح أحدهم تعويض خالة الشاب عن ممتلكاتها، وبناء المدرسة من جيوبهم
فاتفقوا على هذا الرأي وانفضّ الاجتماع ثم عرضوا مبادرتهم على ابن الفقعي الشاب المتعلّم
فأظهر الرضى وأبطن الإصرار على اكتشاف المجهول فأطلقوا سراحه
ثم عيّن الشيخ حارسين يحرسان البئر وخلال فترة بناء المدرسة كان ابن الفقعي يجتمع
مع الشباب الذين تبنّوا وجهة نظره في منزل عمّه زايد الفقعي، يتدارسون كيفية الوصول
إلى حقيقة سبع الليل وفضح اعوانه، وكانت تشاركهم خمس إناث هن: ليلى بنت خميسان
وزكية بنت عاشور ونزه بنت زايد الفقعي ومنى بنت لبخيت وهي ابنة خالة مبارك وجم عت
ابنة الشيخ غانم بن محمود.

يتبع إن شاء الله




[/ce
nter]

ناجى جوهر 22-09-2016 09:58 PM

سبع الليل والبئر المعطّلة الفتور
 


قصّة طــــــويلة




سبعُ الليلٍ والبئرُ المعطّلةُ




الفتــــور



ليلى بنت خميسان ارملة عشرينيّة، هي التي كانت تطلق النار على الوحش
وهي من اقترح على مبارك اعمال العقل في معركة سبع الليل قُتل زوجها ذبحا
عندما تصدّى لاعوان الوحش ذات ليلة حاول فيها أن يحمي عرضه وماله حينما دخلوا
منزله وقد ظنّوه خاليا، فذبحوه وزوجته وعياله ينظرون. فادركت المرأة حقيقة سبع الليل
ولم تجرؤ على الإفصاح عمّا يختلج في صدرها حتى قدم مبارك الفقعي وصدع بالحقيقة
فبادرت إلى تصديقه وتأييده وطُرِد عاشور بن جمعان بيت لَبْزْ والد زكيّة من القرية
بعدما صرّح بأن وحش البئر مجرّد خرافة اخترعتها مجموعة من المجرمين، قال ذلك
بعدما سمع الأصوات المنبعثة من مجاهل البئروعرف مصدرها، فبادر تاجر القرية
ومبخوت الفقعي وأعوانهما إلى تكذيبه والتشهير به كنذير شؤم على الجميع، مستغلّين
إصابته بالبُهاق وذهاب الشيخ غانم بن محمود لأداء فريضة الحج، واشاعوا بين الناس
أنّ لعنة سبع الليل قد أصابته، فإن لم يطرد حالا فستصيب اللعنة سكّان القرية جميعا
وعندما رفض الرجل مغادرة قريته أحاط الاتباع وغوغاء القرية بحقله وحظائره نهارا
جهارا ووضعوا حولها أكواما هائلة من الحطب والقش وهّددوا بحرقها ما لم يرحل فورا
فخرج عاشور وحيدا، ولم يسمح له حموه بأخذ زوجته وابنه وابنته معه، فارتسم
ذلك المشهد المرعب في ذهن الطفلة زكيّة التي أصبحت الآن شابة فائقة الحسن والجمال
تقيم على وجهها علامات العبوس والاستياء.
ولم تكن جم عت بنت الشيخ غانم بن محمود على صغر سنّها مقتنعة تماما بحقيقة الوحش المزعوم
الذي لا يدخل المنازل ومع ذلك تتمّ سرقتها، إنها في سنِّ المراهقة لكنّها ذكيّة نبيهة سريعة
الملاحظة كثيرة الأسئلة توّاقة إلى المعرفة في خلاف دائم مع أسرتها بسبب سخطها الدائم
وعدم اقتناعها بكثير من الأفكار والسلوكيات المتوارثة، فهي لا تقبل شيئا بديهيا بالنسبة للآخرين
إلاّ بعد فحص شامل. منى بنت لبخيت لم تكن على درجة كبيرة من الذكاء بخلاف الجمال الريفي
الذي يتوهّج في ملامحها الوضيئة ولكنّها تصدّق مباركا بسبب الحبِّ الكبير الذي تكنّ له في أعماقها
ونزه بنت زايد الفقعي أيضا تحبّ ابن عمّها مبارك حبا جما. وتفتخر بعلمه وثقافته وشجاعته
في مجالس القرويات واجتماعاتهن، وكانت امّه قد أرسلته وهو طفل إلى أهلها في الدولة المجاورة
ليتعلّم في مدارسها، وها هو ابن العمّ الذي غادر طفلا يعود شابا متعلِّما مثقفا حاذقا، ولن يصرّح إلا
بما هو حقا وصدقا. فكانت نزه من اشدِّ المتحمّسات لأفكار مبارك الفقعي.
رشيد بن الشيخ غانم لا يقلّ ذكاء ولا فطنة عن أخته جم عت ولكنه ليّن الجانب شديد الحياء
إلى درجة التخاذل، لذلك لا يحسب له القرويون أي حساب، ولا يكترثون لرأيه ولا يأبهون به
فهو في نظرهم شاب بائس ضعيف، والقروي لا بدّ أن يكون صلبا شديد المراس، إذا نطق تهتزّ
الجدران لصخبه. رشيد أكبر من مبارك بسنوات ولكنّ قلبه الذكي الهمه أن رأي ابن الفقعي منطقي
بخلاف الخرافة المتوارثة، ومع أنّ عبد الله بن النعمان عي جَم يعاني من التأتأة إلاّ أنّه يحاول وبكل
عزيمة وإصرار أن يكشف زيف نظرية سبع الليل، نظرا لما قاست عائلته الغنيّة من نهب أموال
وسلب ثروات وهم لا يعلمون من الجاني. ودافع عبد الله بن النعمان عي جَم هو دافع محمّد بن سِعِدْ إرْ مَغْلِلْ
علاوة على أن محمّد كان قد شاهد أشباح رجالٍ يدخلون منزلهم عقب هروبهم وخروجهم منه عدّة مرات
الأمر الذي شكّكه في وجود عصابة تقوم بالسرقة خلال هجوم سبع الليل، لكنّه لم يجرؤ على ذكر خواطره لأي
مخلوق، كذلك لم يجرؤ على التعبير عن الحب الكبير الذي يحمله لمنى بنت لبخيت في قلبه لأسباب اجتماعية
حتى إذا ضاق ذرعا بكتمان مشاعره باح إلى صديقه مبارك الفقعي برغبته في الزواج من ابنة خالته منى
أمّا زايد الفقعي فهو رجل أربعيني، إلاّ أنّه لم يغادر القرية في حياته قط غير إلى المراعي القريبة

http://up.harajgulf.com/do.php?img=1111663

لرعي الماشية أو لجمع الحطب وكان مؤمنا كما يؤمن أهل قريته بحقيقة سبع الليل الوحش المرعب
وذات يوم جرى بينه وبين ابنته نزه حديث طويل، وقد حزّ في نفسها موقف عمّها مبخوت من ابنه
وقيامه بإهانته وتوبيخه إرضاء لتاجر القرية ثارت حميّة وغضب زايد لأجل ابن أخيه
الذي يفخرون بعلمه وعقله وحكمته، ومع مرور الأيّام وظهور الكثير من الدلائل والقرائن
اقتنع الرجل تماما أن سبع الليل مجرّد إنسان عضو في عصابة إجرامية، وبدأ يراقب بعض
الرجال العديمي الذمّة. وبعد حادثة حرق مدرسة ابن الفقعي توقّف سبع الليل عن الظهور.
وفي يوم من الأيّام وعندما عادت زكيّة بنت عاشور إلى المنزل وجدت أخاها عوض قحمُمْ
في انتظارها، وكانت أمّها قد توجّست شرّا من اجتماعاتها المتكررّة مع منى والبنات الأخريات
فشكتها إليه بعد أن فشلت في السيطرة عليها. وما إن وضعت الفتاة قدمها داخل المنزل حتى جذبها
إلى الداخل بكل قسوة وغلظة، وأغلق الباب وأنهال عليها توبيخا وسبا ولعنا، ثمّ قال لها مهدّدا:
إن لم اقتنع بحجة خروجكِ المتكرّر فوالله لاشبعنّك ضربا، وأخرج عصا خيزران كان يخفيها
فصرخت الفتاة هلعا ورعبا، وسمع الجيران صراخها واستغاثتها وأقبلوا يقرعون الباب
فأبى عوض قحمُمْ أن يدخلهم وقد جُنّ جنونه والفتاة وأمها تستغيثان، وهو يكرر سؤاله:
أين كنتِ؟ وهي لا تجيب في اصرارٍ عجيب.
فهرع بعضهم واستدعى الشيخ غانم بن محمود فأتى على عجل وأمر بكسر الباب. فوجدوا الرجل
قد أمسك بيد أخته يحاول ضربها وهي وأمّها تقاومانه، فأمسكوا به وانتزعوا الخيزران من يده
فجلس ثائرا مغتاظا. فطلب الشيخ من الجيران المغادرة ويعد انصراف الناس سأله منتهرا:
أجننت أم أصابك ما أصاب ابن القلعي؟ وماذا فعلت الفتاة لكي تضربها؟
قال عوض قحمُمْ: إنّ هذه المدللة قد أكثرت من الخروج مع منى بنت عويشه الدبّاغة وأخريات
ولا نعلم إلى أين يذهبن ولا ماذا يصنعن؟ وقد غلبتنا عنادا وإصرارا على عدم كشف سرّ
ذلك الخروج المتكرّر. ومع كل ما سمعت من تهديد ووعيد فلم تعترف حتّى الآن بخطئها
فلا شك أنّهن يمارسن فعلا قبيحا. فقال الشيخ غانم: معاذ الله يا بني، فإنّ بناتنا طاهرات عفيفات
وتربطنا جميعا صلة رحم ونسب. فما تظنّه ليس صحيحا بالمرّة.
فقال عوض قحمُمْ: فما السرّ الذي تخفيه عنّا إذا؟ قال الشيخ دعني أسألها فربّما فتحت قلبها لي
ولكن أخرج أنت الآن فإنها لن تنطق بحرف واحدٍ في ظِلِّ وجودك وقد أرعبتها. فخرج يسبّ
ويشتم، فاستدعتها أمّها فخرجت ترتجف من الخوف والهلع. فقال لها الشيخ:
لا بأس عليك يا ابنتي. فإنّ أخاك وأمّك يخافان عليك، وأنتِ لم تذكري لهما سبب خروجك المتكرر
فما السرّ الذي تخفين؟ ولك عليّ عهد الله وميثاقه أن لا أبوح به لمخلوق أبدا
قالت الفتاة:ما من سرّ يا عمّ، نحن فقط نجتمع مع ابنتك جم عت ونناقش قضيّة سبع الليل.
فضحك الشيخ غانم بن محمود حتى استلقى على قفاه، ونادى أخاها فلّما أقبل هربت
فقال لها الشيخ: الم أتعهّد بحمايتكِ؟ تعالي يا ابنتي فلن يؤذيك أحد أبدا.
وعندما جلست قال موجها كلامه إلى عوض قحمُمْ: يجب عليك أوّلا أن تعتذر إليها وتقبّل رأسها
فقال لن أفعل قبل أن أعرف حجتّها، فقال الشيخ: أخبري أخاك يا ابنتي. فقالت له بنبرة التحدّي:
نحن ندرس مشكلة سبع الليل الذي أرعبكم. فضحك عوض قحمُمْ بدوره، ونهض يريد تقبيل رأسها
فقالت له: ابتعد عنّي لا أريد قبلاتك. فقال وهو يضحك: أنتنّ تدرسن قضيّة سبع الليل؟ يا للعجب! نساؤنا أشجع منّا.
وبعد انصراف الشيخ غانم عاد إلى تهديدها قائلا: لا شأن لنا بسبع الليل ولا بسِتّ النهار، وأنا أحذّرك من مرافقة
أولئك البنات، ثم أنصرف.
ووصلت تفاصيل الحادثة إلى أذن سبع الليل، فقرّر أن يعيد الهلع إلى قلوب القرويين.
وعلى مائدة الغداء كان الشيخ غانم بن محمود على غير طبيعته اللطيفة، فهو واجم عابس الوجه
فسألته أم رشيد عمّا به فقال: إنّ ابنتك جم عت تتبنّى أفكار ابن الفقعي الطائشة، وتجتمع مع الفتيات
الساذجات وتحرّضهن على التمرّد والخروج عن طاعة ذويهن. فقال رشيد: ليست جم عت وحدها
من ينكر وجود وحش في البئر بل انا أيضا واثقا كل الثقة من أنّه مجرد لص من ابناء القرية
فهب الشيخ غانم واقفا وقد اغتاظ غيظا شنيعا وقال: ما هذا يا رشيد؟ اتكذّبني وتكذّب آبائي وأجدادي؟
قال رشيد: حاشاك وحاشاهم يا ابي من الكذب، ولم يجرؤ على قول المزيد، فخرج الشيخ لا يلوي على شيء
وفرح مبارك برغبة محمّد بن سعِدْ إِرْ مَغلِلْ في الارتباط بابنة خالته ارتباطا شرعيا، ووعده بمناقشة الأمر معهما
وعندما سمعت منى كلامه غضبت غضبا شنيعا، ورفضت ذلك الخطيب، وقاطعت اجتماعات الفريق
وامتنعت عن زيارة خالتها، وأمعنت في الابتعاد عن مبارك فإذا دخل منزلها خرجت وإذا خرج دخلت
لكي لا تقابله، وعندما أخبر صديقه برفضها حزن وأغتمّ، وانقطع بدوره عن حضور الاجتماعات، فخسر
الفريق عضوين من أعضائه وأصيب الجميع بالإحباط والخذلان ولحق مباركا حزن مرير بسبب تصرّفات منى
وردّة فعلها المبالغ فيها وهو لايدري سبب رفضها ذلك الشّاب الصالح المهذّب المستور ماليا
كما شدّد عوض قَحْمُمْ الرقابة على أخته زكيّة فكان حضورها الاجتماعات نادرا وقصيرا جدا.
وبدأ الفتور واليأس يتسللان إلى نفوس مجموعة النجباء
وشعرت ليلى بنت خميسان بذلك فذهبت إلى ...

يتبع إن شاء الله






زهرة السوسن 28-09-2016 02:00 PM

إلى الأمام أيها الأستاذ الفاضل ونحن معك نقرأ ونعي بكل ما اوتينا من قدرات، مستأنسين بوفرة الأحداث وجمالها وجلال قدرها، مشرئبي الأعناق إلى النهاية، دمت موفقا، أخي: ناجي جوهر.

ناجى جوهر 30-09-2016 09:53 PM




حفظك الله القدير
الشاعرة القديرة عائشة الفزارية
كم يسعدني هذا الثناء الجميل
شكر الله لك يا أمّ عمر
وتقبّلي تحيّاتي



ناجى جوهر 30-09-2016 10:13 PM





قصّة طــــــويلة




سبعُ الليلٍ والبئرُ المعطّلةُ



زيارة منى بنت لبخيت وسألتها عن سبب انقطاعها
فشكت إليها رغبة أمّها وابن خالتها مبارك في تزويجها من محمّد بن سِعِدْ إرْ مَغْلِلْ
فقالت ليلى: لقد أحسنا الاختيار، إنّه شاب مهذّب نجيب وصالح. فأشاحت منى بوجهها كارهة
فسألتها الزائرة عن سبب بغضها محمد فقالت غاضبة: انسيتم من انا ومن هو؟
ارضيتم لي زوجا أقلّ منّي حسبا ونسبا؟ إنّ مكانة قبيلتي وتاريخ أجدادي لا يسمحان لي
بالتنازل والزّواج من رجل ليس بكفوء لي، أمّا محمّد هذا فهو من قبيلة ضعيفة ليس لها شأن
ولا تهابها القبائل الأخرى. فقالت ليلى: ما أسعدها من قبيلة تلك التي يأمن الناس شرّها
إنّ ما تقولينه يا منى مخالفا تماما لما يرضي الله سبحانه وتعالى. قالت: اليس من حقّي
أن أفتخر بماضي أجدادي ومكانتهم بين القبائل؟ قالت ليلى: بلى ذلك من حقّك.
لكن بدون تحقير أو استعلاء على خلق الله. ثمّ بماذا تفتخرين؟
بالسيطرة على الأراضي والمراعي والآبار وقهر الضعفاء وحرمانهم من حقوقهم فيها؟
أهذا هو المجد الذي تتشدّقين به؟ وكان مبارك قد دخل مصادفة لزيارة خالته
وعندما سمعا الحوار بين الفتاتين جلسا يستمعان إلى مبرّرات منى التي قالت:
وما ذنبنا نحن إذا كان أولئك الناس ضعاف ولا يستطيعون أخذ حقوقهم بأيديهم؟
قالت ليلى: ذنبكم أنّكم تحدّيتم ربّكم الذي يأمر بالعدل والإحسان وايتاء ذي القربى
وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي.
قالت منى: مهما يكن فإنّ هذا الرجل ليس من مقامي
فتدخّلت أمّها حينئذ قائلة: وما مقامكِ يا منى؟ الست من بني آدم؟
قالت: بلى ولكن ليس هذا الخطيب كفؤا لي.
قالت الأم: إن كنت مسلمة فجميع المسلمين متكافئون، ووجه الكفاءة هو
قول النبي صل الله عليه وسلّم: (... من ترضون دينه وخلقه ...)
ولم يذكر صلّى الله عليه وسلّم نسبا ولا لونا ولا جاها ولا غيرها
وتدخّل مبارك قائلا: هداك الله يا أخيّة، ما هذا التفكير المتخلّف؟
ثمّ ما دخلك أنتِ بما أنجزه أجدادك؟ هل شاركتهم؟ وما دخل أجدادك بزواجك
على سنّة الله ورسوله؟ الا تعلمين أن نساء من قريش قد تزوّجن من موال
ورجال سود كانوا عبيدا ولم يعب عليهن ولا على ذويهن أحد من الناس ذلك الزواج؟
فقالت منى مستنكرة: لا أظنّهنّ إلاّ من أراذل قريش، فقال مبارك: بل إنّهنّ من أعز
قبائل قريش فمنهن المخزوميّة والزهريّة الأسدية ومنهن الفهرية والخولانية
وغيرهن كثير. فقالت منى: ومن هنّ هؤلاء النسوة إن كنت صادقا؟
قال مبارك: حسنا خذي إليكِ: زينب بنت جحش وهــي قرشيه وأمها هاشمية
تزوجّها زيد بن حارثه وهو عتيق، فاطمة بنت قيس قرشيّة فهرية تزوجّها أسامة
بن زيد، وزوج ‏أبو حذيفة وهو قرشي مولاه سالماً ابنة أخيــه الوليد بن عتبة
وقد تعلمين من هو الوليد بن عُتبة، ولم يبال لكون سالما مولىً عتيقاً.
وزوج عبد الرحمن بن عوف عنه بلال وهو حبشي وعتيق لأبي بكر الصدّيق
زوّجه أخته هالة بنت عوف الزهريّة، رضي الله عنهم جميعا والقائمة طويلة.
فقالت منى: وماذا أقول للناس إن تزوجّت رجلا أقلّ منّي نسبا؟
قال مبارك: لا تقولي شيئا. لأن الله سبحانه وتعالى قد قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم
مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } سورة الحجرات الآية 13
وقال النبي صلى الله عليه وسلّم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه)
رواه الترمذي وحسنه
فلا حجّة لك يا منى، وكلّ ما تحتجّين به بعد هذا هو من الغلوّ والكبر المقيت.
وفي منزل زايد الفقعي اقترحت جم عت أن يذهب الرجال لزيارة محمّد بن سِعِدْ إرْ مَغْلِلْ
للإطمئنان على صحّته، وشعر الشاب بالحرج يغتال حزنه ولم يجد عذرا يمنعه من التعاون
مع أصدقائه النجباء، وقبل خروج المجموعة من دار بيت مغلِلْ سمعوا استغاثة تتردد من بعيد
فخرجوا يهرولون صوب مصدر الصوت، ولمح عبدالله بن النعمان سبع الليل يعدو بخطى ثقيلة
في أحد الأزقّة، فاتّجهوا نحوه، حتى إذا أصبحوا على بعد يسير منه اعترض طريقهم جيش
من الغوغاء وأتباع مبخوت الفقعي وابن فرضة رحى، وحالوا بينهم وبين القبض على الوحش
واشتبكوا معهم بالأيدي حتى سمعوا أطلاق نار فتوقّفوا، ونجى سبع الليل بفعلته فقد حرق عدّة
حظائر وأرعب الناس، وأتّضح أن ابن فرضة رحى هو من أطلق النار لتفريق المتشاجرين

يتبع إن شاء الله




ناجى جوهر 07-10-2016 10:21 PM

سبع الليل والبئر المعطّلة الشريكان المحتالان
 




قصّة طــــــويلة




سبعُ الليلٍ والبئرُ المعطّلةُ




الشريكان




لم تقتنع منى بحرف واحد مما سمعت، وأصرّت على رفض محمّد بن سَعِد فلم يعاود أحد مفاوضتها بعد ذلك
وفي اجتماعٍ لفريق النجباء اقترحت جَمْ عَتْ بنت الشيخ غانم أن يجمعوا معلومات دقيقة عن أشدّ الناس تعصّبا للوحش
وهم مبخوت الفقعي، ابن فرضة رحى وآخرين، فبمعرفة الجوانب الخفيّة من سيرهم وميولهم واهتماماتهم ستنكشف
أسرار تشبّثهم بالخرافة. وبالبحث والتنقيب اكتشفوا أن ابن فرضة رحى رجل ثري ويمتلك في منزله الكثير
من الأجهزة الحديثة، وعرف فريق النجباء أن مبخوت الفقعي يجيد الكتابة والقراءة بل ويتحدّث اللغة الإنجليزية
كما يفعل بن فرضة رحى، وأنّ الرجلين تعلّما في الخارج، وعملا ردحا من الزمن في شركة خاصة هناك
ثم عادا معا واستقرّا في القرية وهما نسيبان، واتّضح أنّهما شريكان في سلسلة من المحلاّت التجاريّة في المدينة
أمّا الشيخ غانم فلا يعرف شيئا عن نشاط الرجلين وهو ممّن صدّق خرافة سبع الليل منذ نعومة أظفاره
ولم يتطرّق الشك إلى قلبه مطلقا حتى ظهر مبارك بن مبخوت القلعي
وعرف النجباء أن بعض الشيوخ مديونون بمبالغ ضخمة لابن فرضة رحى وشريكه، وهما يتحكّمان بالسنتهم
وآراءهم فلا يخرجون عن طوعهما مقدار بنان. أمّا عوض قحمُمْ ومجموعة الغوغاء فكانوا ضحيّة الدعاية الجارفة
التي تعوّدوا على سماعها بخصوص وحش البئر.
وبتشديد الرقابة على الرجلين أكتشف الفريق أن ابن فرضة رحى يعقد جلسات أنس وسمر
في داره يحضرها لفيف من شيوخ القرية وشبابها، ويتناولون ما يسمّى بالقات المخدّرة
بل اتضح أن تاجر القرية يعاقر الخمرة مع بعض أتباعه، وقد أدلى بكل هذه المعلومات أحد أقارب رشيد
بعد أن شعر بدنو أجله، ولم يتمكّن الفريق من الحصول على المزيد من المعلومات لوفاة الرجل.
ولم يقدم على اتّخاذ ايّ موقف قبل التأكد من صدق المعلومات، واقترحت ليلى بنت خميسان
أن يقوموا بخطوة تصعيدية تخرج سبع الليل المحتجب عن طوره فيهاجم القرية كما كان يفعل
على أن يحاصره ويلقوا عليه القبض، ويشكفون شخصيته الحقيقيّة.
وفوجئ عوض قحمُم بزيارة عويشة الدبّاغة وابنتها منى عصرا ولم يجد بدّا من الجلوس والاستماع إليها
فهي عمّته شقيقة والده، ثمّ إنّها عمياء فمن المروّة أن يلبّي طلبها وأن يقضي حاجتها، غير أن المرأة
لم تكن لها مطالب خاصة، وإنّما جاءت لتعظ ابن أخيها وتلفت نظره إلى خطائه في إتباع بن فرضة رحى
دون وعي، وقالت معاتبة: ايرضيك أن يحرق اللصوص داري وأن يسرقوا مالي ولا تحرّك ساكنا وانا عمّتك؟
الا تخجل من ترويع أهلك وأرحامك؟ فشعر الرجل بالمهانة لسكوته على ظلم عمّته وغيرها من أهل قريته
وعندما لاحظت أخته زكيّة بنت عاشور ما اعتراه من خجل وندم قالت له:
لا اعرف كيف انخدعت بكذبة الوحش وأنت أخي الذكي النجيب انسيت ما فعله الغوغاء بأبي؟
الم تصدّقه عندما قال إن الأصوات الصاعدة من البئر صادرة عن جهاز تسجيل؟
فإن احببت أن ترى ذلك الجهاز فاذهب مع ابن الفقعي إلى المدينة وستراه بعينيك وستسمع صوته
إنّهم يسمّونه استيرو، وحينما سمعت عويشة الدباغة كلمة استيريو كادت أن يغمى عليها من فرط الهلع
فنهض عوض قحمُمْ متأثرا وأسندها، وعندما حكت له منى عن فزعها من كلمة استيريو ضحك حتى بكى.
كان مبارك الفقعي في حالة يرثى له من الخجل والأسف على ما عرف عن والده من ظلم ومجون وفجر
إلاّ أنّه لا يملك أن يعاتب اباه أو يفاتحه في سيرة حياته على ضوء معلومات غير مؤكّدة، وبقى متشبثا بأمل
أن تكون المعلومات الخاصة بأبيه خاطئة أمّا زايد الفقعي فقد انتابته سورة غضب على أخيه واقسم على
عدم زيارته أو مخاطبته قبل أن يتوب عن الإجرام، إلاّ أن ابنته نزه طالبته بالتريّث حتى تتضح الحقيقة.
وعندما لاحظ عبد الله بن النعمان عي جَمورشيد ما يعانيه مبارك الفقعي من صراع نفسي
عرضا عليه السفر إلى المدينة وقضاء عدّة أيّام هناك، فلقي ذلك الاقتراح القبول والرضى.
ولم تخفى أنشطة الفريق على الزعامات طويلا ، غير أنّ ثقتهم المطلقة في ولاء الاتباع وجهل الرعاع
حال بينهم وبين الحزم واستباق الأحداث بتغييرات استراتيجية تضمن استمرار تلاعبهم بالقرويين
أو على الأقلّ الخروج بسلامة من القضيّة قبل أن تفضح الاعيبهم وتكشف تدابيرهم،
فظلّوا على ولائهم لسيّد البئر، وواصل الرجلان بن فرضة رحى ومبخوت الفقعي
وشركاءهم النصب والاحتيال والخداع، غير أنّهم منعوا سبع الليل من الظهور آملين
أن يهدأ مبارك الفقعي وفريقه وأن يقبلوا بالواقع التعيس الذ تعيشه القرية
فكان التدبيران متناقضان، الزعماء راكدون والنجباء نشطون.
وفعلا رافق عوض قحمُمْ مباركا ورفاقه في سفرهم إلى المدينة، وكم كانت دهشته عظيمة
حينما سمع هدير الاستيريو! وكاد أن يتلف من الرعب حينما سمع المتحدّث ولم يرى وجهه.
وقرّر مبارك أن يشتري الجهاز ليستخدمه كدليل مرئي مسموع وملموس
وكان قبل أن يسافر قد عهد إلى رشيد ابن الشيخ غانم وعبد الله بن النعمان والفريق الأنثوي
بالاستمرار في جمع المعلومات ومراقبة المشكوك فيهم.
كان حراس البئر لا يستطيعون البقاء هناك بعد المغيب، وهو الآمر الذي منح فريق النجباء فرصا
للتّسلل ليلا ومراقبة المكان وما حوله.
وإنتشر خبر سفر مبارك الفقعي في القرية مثل إنتشار النار في الحطيم وأمسى القرويون في رعب
إذ غاب عنهم قاهر الوحش فأوقدوا مصابيح كثيرة، وتجمعوا في منازل آمنة
وأدخلوا صبيانهم قبل حلول الظلام، ثم جلسوا يترقبّون في خوف ورعب، إلاّ أنّ الوحش لم يظهر
وطال سفر مبارك هذه المرّة الأمر الذي شجّع المجرمين، فأخرجوا سبع الليل ليمارس إرهابه القديم
فبعد مغيب شمس ذلك اليوم شاهد الناس المصابيح التي أوقدوها في الازقّة المظلمة تنطفئ بيد مجهولة
فأيقنوا أن الوحش هو الفاعل، فأرجفوا وزلزلوا زلزالا شديدا، وخافوا إنتقامه الرهيب بعد أن فارقهم الذي يردعه.
وما أن خرج المصلون العشاء الآخرة من المساجد حتى فوجئوا بصيحات الاستغاثة الهلعة، فهرعوا إلى منازلهم
يسبقهم الرعب، وخرج بعض الشبان مع رشيد وعبد الله بن النعمان وانضم إليهم بن فرضة رحى
مظهرا الرغبة في معاونتهم، وطاردوا الوحش وهم حاملين الفوانيس والهراوات الغليظة وقد إكتسبوا بعض الجرأة
فلمّا رآهم القرويون تشجعوا، وتبعوهم من حي إلى حي يبحثون عن سبع الليل ، وفجأة صاح كبير التجار مذعورا:
ها هو الوحش القاتل ها هو خاطف الأرواح إهربوا إنه قادم إلينا سيهاجمنا ويلتهمنا، أنجوا بأنفسكم يا ويلي، ثم هرب.
فلمّا سمع القرويون كلامه وشاهدوه يجري، لم يجري الدم في عروقهم، بل تجمدت قلوبهم، وهلعت أفئدتهم
وأرتعشت أطرافهم وزاغت أبصارهم، ففروا زرافات ووحدانا، ولم يصمد غير الشابّين رشيد وعبد الله
يحدوهما الأمل في ظهور من يساندهما ويدعمهما قبل أن يفزع أحدهما فيُعدي الآخَر، ولم يخب رجاءهم
فما أسرع ما سمعما من يناديهما: تعاليا تعاليا ... انا هنا!
فلمّا التفتا رأيا أحدهم يلاحق سبع الليل ويطارده
فأسرعا إليه وانضمّت إليهم ليلى بن خميسان وبعض البنات فتشجعا أكثر واكثر
وأخذ الفريق يطارد الوحش الذي كانت سرعته تخف تدريجيا

يتبع إن شاء الله






ناجى جوهر 15-10-2016 09:17 PM




قصّة طــــــويلة




سبعُ الليلٍ والبئرُ المعطّلةُ




الرحــــــيل





إنّه مبارك الفقعي، لقد وصل إلى الديار منذ ساعة فقط
وحينما وصل سبع الليل أخيرا إلى ملاذه الآمن قفز غير متوقع أن يقفز
أحد بعده، ولكن الشّاب المتعلّم لم يتوقف بل قفز خلفه في شجاعة نادرة وإصرار وعزيمة
بينما تردد رفاقه وأخذوا يتشاورون فيما بينهم، وقبل أن يصلوا إلى قرار حاسم سمعوه يناديهم
من البئر: اقفزوا لا تخافوا، إنه ليس وحشا، إنه ليس جنيا، إنَّه إنسان مثلنا فقفز إثنان منهم
وأمتنع الثالث، لكنه أسرع مع البنات إلى القرويين وبلّغوهم بما يجري، وطلبوا منهم فوانيسا
وحبالا وسلالم، أمّا مبارك فإنّه حينما قفز فقد كان متوقعا وجود دعامة او حاجز يمنع اللص
من السقوط إلى القاع، وفعلا كان الخبيث قد ثبّت شبكة متينة جدا على عمق يسير من الفوهة
وغطّاها بفراش اسفنجي، وكان عندما يقفز تستقبله وتحميه تلك الشبكة المتينة
وبعد أن يطمئن ينزع الساقين الخشبيتين، ثم يصعد متسلقا بمعاونة أعوانه ثمّ يخفون ادواتهم
ويقتسمون الغنائم بعد ذلك في طمأنينة وسلام، وفي هذه المرّة لم يقترب بقيّة اللصوص من البئر
إذ أقبل القرويون بالفوانيس والحبال والسلالم، ففروا كالأرانب، وتركوا زميلهم يواجه مصيره
وعندما قفز مبارك خلفه وجده يعالج ساقيه الخشبيتين، فتصارعا حتى تمكّن من إخضاعه
وأثناء احتكاكه به أصيب الشاب المتعلم بالذهول، فنادى رفاقه ليعاونوه في رفع سبع الليل
وعندما قفزا ووقعا على الشبكة اهتزت ومادت، ثم سمعوا صوت تمزّق من بعض أطرافها بسبب
الثقل، وما لبثوا أن هووا جميعا إلى القاع ولأنَّ الظلام كان دامسا فلم يتمكن الشبان الثلاثة
من العثور على الدرج وأخذوا يلتمسونه بأيديهم ويبحثون عنه، وفجأة سمعوا رشيد ابن الشيخ
يغرغر وقد شرب كمية هائلة من الماء وأوشك على الغرق، فاسرع زميلاه اليه ورفعا رأسه
وأخذا يسعفانه ونسيا أمر الأسير فأستغلّ سبع الليل انشغالهم وأختفى.
وفيما هم كذلك أنزل إليهم القرويون سلّما طويلا مربوط به فانوس منير فاصعدا رشيدا ابن الشيخ
ثم ارادا أن يرفعا الوحش فوجداه قد اختفى، فاندهشا وندما على الغفلة والتفريط
وفور خروجهما من البئر استقبلهما الأهالي المرعوبون غير مصدّقين أنهما نجيا من قبضة سبع الليل
وقبل أن يلتقط الفتيان أنفاسهما هاجمها ابن فرضة رحى متسائلا في خبث وتهكُّم:
وأين هو الوحش الذي قبضتم عليه؟ ثمّ ضحك هازئا ساخرا، فنكّس الشبّان رؤوسهم
لكن الشاب المتعلم قال:ربّما يكون قد صعد الدرج أثناء انشغالنا بإنقاذ رفيقنا
فقال بعض القرويين: إنّ هذه البئر لا درج لها فأصيب مبارك بالدهشة والحيرة. فقال التاجر:
أريتم؟ إنّه عفريت شرير، اختفى من بين أيديهم في غمضة عين وهم ينظرون إليه، يا لك من ولد
أحمق يا ابن الفقعي يا لك من مشاكس ومشاغب كنا نعيش في أمان قبل مجيئك التعيس
فلسوف يصب علينا الوحش سوط عذابه، ويهلك الحرث والنسل، ولا نجاة لنا إلاّ بطردك من قريتنا
أيها المنحوس.
فصاح القرويون السُّذّج: أطردوا هذا المشئوم من قريتنا، إنّه نذير شؤم، ثم افترقوا.
فتصدّى لهم زايد الفقعي وعوض قحمُمْ وبعض المتعاطفين مع مبارك وحدث بينهم احتكاك وتلاسن.
وفي صبيحة اليوم التالي اجتمع الشيخ غانم بن محمود شيخ القرية مع مبخوت الفقعي وولده مبارك وقال:
إنّك يا بني قد أثرت حفيظة سبع الليل، وهيّجته علينا وأصبحنا نخاف أن يهاجمنا نهارا جهارا
فاتكا بمن يجد أمامه، ونخشى أن يحرمنا الماء إلى الأبد وقد أجمع قومك على طردك من قريتهم
ولا حيلة لي في دفعهم، وقال مبخوت الفقعي: لا يمكنني أن أعصي قومي وأطيعك أيّها الولد
ولكنني سأطلب منهم أن يعفو عنك إذا وعدت بعدم التعرض لسبع الليل أو الانتقاص من قدره أو ..
فقال الشاب المتعلم: فإنّ نجوم السماء أقرب إليكم مما تدعوني إليه، ولست بمكذِّب عيني اللتين
رأتاه، ولا يدي اللتين لمستاه، ولست بجاهل يتلاعب به اللصوص الماكرون،
وأؤكد لكما أنني سأقبض على تلك العصابة الدنيئة وأضع أفرادها بين أيديكم.
فغضب والده مبخوت وأراد أن يوبخه، ولكن الشيخ غانم قال: انا أميل إلى تصديق كلامك يا مبارك،
فلقد أكد لي ابني رشيد أنه كان يمسك بناصية ذلك الوحش، وأنها مجرّد امرأة إنسية فهل هي كذلك؟
فضحك مبخوت الفقعي مستهجنا كلام الشيخ، وقال ساخرا: امرأة قال يا لها من امرأة!
فقال مبارك الفقعي: نعم إنها امرأة قوية البنية فارعة الطول، وقد كان الظلام حالكا فلم نتمكّن
من رؤية وجهها ومعرفتها، فقال مبخوت: بل هي جنية أو وحشا يتنكّر في جسد امرأة
وإلا فكيف اختفت من بين أيديكم فجأة؟
قال الشاب: ربما يوجد في البئر منفذا تخرج منه تلك المرأة ولا نعرفه نحن
ثم إن كانت جنيّة حقا فلماذا تستخدم ساقين خشبيتين يا أبي؟
ولماذا لم تنفث النار وتحرقني أثناء صراعي معها؟
وما الذي منعها من أكلي وقد هددتني سابقا؟
فقال الشيخ غانم: صرت أثق بأنك ستنقذنا من هذه المحنة العصيبة.
وعندما أشرقت شمس ذلك اليوم على القرية لم يجرؤ أحد على الدنو من البئر خوفا من انتقام
سبع الليل وخشية عقابه، بعد أن أهانه وهاجمه ابن الفقعي، وقد علم الجميع باختفاءه المريب
وفشل مبارك في القبض عليه، وكان ابن فرضة رحى ومعاونوه قد نشروا الرعب في القرية
بتخويف الناس من انتقام سبع الليل القادم الرهيب، ولا يعلم أحد كيف أو متى سينتقم منهم؟
فأنتشر الهلع، تغذّيه عصابة كبير التجّار بالدعايات الكاذبة، وألقى الجميع باللائمة على مبارك الفقعي
وأضمروا في نفوسهم طرده من القرية عندما تنجلي هذه الكربة ويسكن الوحش
وعندما صار الوقت ضحى ولم يحدث شيء شعروا ببعض الأمان، وخرج نفر منهم
وانضموا إلى شيخ القرية ومبخوت الفقعي، فوجدوهما يصرخان على الشاب ويعنِّفانه
فقال النعمان بن خميس عي جَم وكان عاقلا أريبا: دعونا يا جماعة الخير نلقي نظرة على البئر
لعلنا نرى ما يثبت صحة ادّعاء هؤلاء الفتية، فإنّ ولدي عبدالله يقول أن ذلك المخلوق ليس بوحش
وليس بجني، وتعرفون رجاحة عقله وأدبه. فخرج الشيخ غانم والرجال مصطحبين الشبان الأربعة
فلمّا صاروا في بعض الطرقات تعرّض لهم كبير التجّار ومعه جموع غفيرة من القرويين الغاضبين
يحملون السواطير والهراوات والفؤوس، وانضمّ إليهم مبخوتا الفقعي دون حياء
وعندما شاهدوا مباركا هاجوا وماجوا وبلغ سيل غبائهم الزُبى، يتقدّمهم التاجر قائلا:
أخرج من قريتنا أيها المفسد، أما كفاك عبثا وإفسادا؟
فصاح القرويون: أطردوا المشئوم، أطردوا الكذاب الأفّاك
فأستوقفهم شيخ القرية ثم قال: إنَّ البيّنة على من أدعى، واليمين على من أنكر
وسوف نمنح هذا الشاب فرصة يثبت فيها أنّ سبع الليل ليس بوحشٍ ولا جني ولا عفريتا
فإن فشل في ذلك طردناه شر طردة، فماذا تقولون؟ فسكتوا جميعا وكأنّ على رؤوسهم الطير
لأنّهم رعاع لا يملكون قرارا، بل هم تابعو أيِّ كذاب أفاك، وانتظروا سماع إشاعة يرددونها
أوتلفيقا يتشدّقون به.فقال مبخوت الفقعي: لقد سئمنا من سفاهة هذا الأفّاك الأشر، ولن
نمنحه مزيدا من الوقت ليختلق الأكاذيب، ويفتعل المشاكل فليفارقنا حالا ...
فصاح الغوغاء: فليفارقنا حالا، حالا ... حالا ... أخرج .. أخرج
فغضب مبارك، وتقدّم إلى والده واتباعه الغوغاء وقال غاضبا:
فإنّي تارك قريتكم المرعوبة إلى الأبد، وليهنأكم الجهل والجُبن، ثمّ أقبل
على الشباب وسألهم: من منكم سيرحل معي يا شباب؟
فخرج الشبان الثلاثة وقالوا: نحن معك وانصرفوا إلى منازلهم
وأخذ كل واحد منهم ما يحتاج إليه ثم رحلوا ...




ناجى جوهر 17-11-2016 09:06 PM





حكاية شعبية




سبع الليل والبئر المعطلّة



في الكهف


قال الراوي:

شيّع العساكر الجبناء الشباب، وسايروهم قليلا وهم خائفين
وعندما غابت القرية عن انظارهم اقنع عوض قحمّمْ بالعودة إلى القرية وترك المطرودين
فسيتكفّل سبع الليل بالقضاء عليهم. كانت منى بنت لبخيت على علمٍ بخطّة مبارك ورفاقه
فقد كانوا يتوقّعون الطرد في أية لحظة، لذلك فإنّها وفور خروجهم أسرعت إلى نزه بنت زايد الفقعي
ثمّ خرجتا معا ومرّتا على ليلى بنت خميسان وزكيّة بنت عاشور وتوجّهن إلى منزل الشيخ غانم بن محمود
فوجدن ابنته جم عت في حالة حزن شديدٍ، وما إن اجتمع شملهن حتّى كشفت لهن منى الخطّة
فشعرن بكثير من الارتياح وبدأن في عمل المطلوب منهن.
أمّا الشبان الأربعة فما إن غاب عنهم المشيعون حتى عادوا إلى كهف قريب
لا يبعد سوى مسافة قصيرة جدا عن القرية، إذ كانوا يسمعون الأذان والاصوات العالية
فهيئوه ليكون مقرا ينطلقون منه. وعندما ذهب بعض القرويين يستقون سمعوا أصواتا مرعبة
تصدر من أعماق البئر، فهربوا لا يلوون على شيء، وانتشر الخبر وأيقن الجميع أنّ الوحش
سيهاجمهم لا محالة، فتحصنوا في المنازل، وأمست الطرقات خالية من المارة.
وعندما علم الشيخ غانم بن محمود بالأمر خرج مع بعض الشيوخ والعساكر يتفقدون البئر
فوجودها قليلة الماء مشرفة على الجفاف، فشعر بحزن عميق، وندم ثقيل على تصديق الشاب المتعلِّم
وحين همّ بالانصراف سمع صوتا غليظا يناديه باسمه من مجاهل البئر، فوقف شعر رأسه
وخذلته قدماه وخرّ على ركبتيه مذعورا، فقال الهاتف ساخطا:
الويل لكم أيها الأشقياء، أهكذا تعاندونني وتسطلّون علي سفهاءكم؟
لقد كنت بكم وبهم رحيما، وقد كان بإمكاني التهامهم في البئر كلقمة صائغة
فقال الشيخ الهلع: سامحنا أرجوك يا سبع الليل يا ابا الفرس والخيل، لقد غرّنا ابن الفقعي
بمعسول الكلام، واغرامنا بالأحلام، وباع علينا فائض الأوهام، وصدّقه أؤلئك البغام
وقد طردنا المارقين من قريتنا، فالحق بهم وخلّص نفسك وخلّصنا من سفاهتهم إن شئت
فسمع قهقهة عالية، فوقف مرتجفا، والتفتَ إلى رفاقه فلم يرى غير آثار أقدامهم، وبنادقهم وسيوفهم
وعصيِّهم وأحذيتهم ملقاة على الأرض، فازداد ذعرا، وخاف خوفا شديدا حتّى كادت روحه تتلف
وسمع الهاتف يقول متلطِّفا: حسنا يا شيخ غانم بن محمود قد عفوت عنكم إكراما للعشرة الطويلة
ولكن لي شرطان. فقال الشيخ غانم: بل أنت تأمر أيها الوحش اللطيف، قال: أولا، لا يخرجّن أحد من
بعد صلاة العشاء، قال الشيخ: أمرك سيدي سبع الليل قال: ثانيا: تذبح كل يوم خروفا سمينا
وتطبخه مع الرز ثم ترسل القدور بما فيها إلى جوف البئر برفق، عقب الغروب مباشرة
فقال الشيخ: حسنا حسنا، أمرك أيها السبع الكريم، فصرخ به الهاتف: اذهب الآن ونفّذ ما أمرتك به
فأخذ يعدو، وتلقّاه الشيوخ والعساكر الخائنون فوبّخهم على فرارهم وتركهم إيّاه وحيدا.
قال الراوي: ما إن انتهى الشبّان من اعداد الكهف حتّى عقدوا اجتماعا طارئا
فسأل رشيد متعجّبا: كيف أفلتت الخبيثة من أيدينا ونحن جميعا نحيط بها؟
قال عبدالله: ربما القى إليه أعوانها حبلا فتسلّقته دون أن نشعر
قال مبارك: لكنّا رأيناها صاعدة، أو لمس أحدنا الحبل
قال محمد: ربما توارت تحت الماء، وعندما انصرفنا صعدت
قال مبارك: أحسنت يا محمد، نعم لقد غطست تحت الماء واتّجهت إلى منفذ تعرفه موجود في البئر
قال رشيد بن الشيخ: وكيف سنعثر على ذلك المنفذ؟
قال عبدالله: يجب أن يغوص بعضنا ويبحث عنه ولكنني لست بغواص ماهر
وأنت أيضا يا محمد لا تجيد الغوص، فماذا عنك يا مبارك؟
قال مبارك: أنا أيضا لا أغوص جيدا، فأصيبوا باليأس والإحباط
غير إنَّ رشيد بن الشيخ غانم فاجأهم بقوله: دعوا الغوص لي
فسأله عبدالله مندهشا: أبعد أن كدت تغرق في البئر؟
قال رشيد: إنِّي غواص ماهر، وفي تلك الليلة وعندما وقعنا في البئر كنت قابضا على ناصية تلك المرأة الشريرة
وفجأة سقطت الشبكة على رأسي والتف جزء منها حول رقبتي، فتركت المرأة وحاولت التخلّص
من الشبكة، لكن الملعونة جذبتني إلى الأسفل معها فلولا رحمة الله وعنايته لكنت من المغرقين.
ومن قبل الغروب كان القرويون قد أحكموا إغلاق ابواب ونوافذ بيوتهم وتجمّع بعضهم في منازل
أكثر أمنا بناء على توجيهات الشيخ غانم بن محمود، فامست الطرقات خالية، وكان الحرّاس
وغيرهم من العساكر أكثر الناس هلعا، فلم تغرب الشمس إلا وقد آووا إلى منازلهم
حينئذ خرج زايد الفقعي وعوض قحمُمْ متخفّين ومن خلفهم البنات الخمس إلى أن وصلوا الكهف
فسرّ الشبّان سرورا عظيما. وعندما التقت عينا منى بنت لبخيت بعيني محمّد بن سِعِدْ إرْ مَغْلِلْ
شعرت بخفقات قلبها تتراقص فرحا، وأحسّت بلطائف الحب تطفئ لهيب الكبر والغرور
وأدركت مدى تفاهة أفكارِها العنصريّة، وخواطرها الجاهليّة وشرعت انسانيتها بالاستيقاظ
وأخذتها أحلام الصبا والجمال في نُزهة رومانسيّة إلى عشّ الزوجيّة البهيج، فسرحت ومرحت
وغرّدت على رياض الحب والجمال، ولم يقطع حبل حلمها الوردي غير صوت عوض قحمُم الأجشّ
وهو يقول: غدا يأتي دوري في حراسة البئر، وسوف أفعل ما يمكن لتسهيل مهمّتكم.
وعندما دخلوا القرية وقبل أن يفترقوا قرر زايد الفقعي وعوض قحمُم والبنات أن يمرّوا بالبئر
فشاهدوا إضاءة متوهّجة، وسمعوا كؤوسا تقرع وموسيقى تعزف، وشمّوا رائحة قبولي طازج
تنبعث منها، فتملّكهم العجب، وقبل أن تصل ليلى بنت خميسان إلى منزلها شاهدت النار تشتعل
في الحي، وشعرت بانقباض في قلبها، وفي احد الأزقّة تقابلت وجها لوجه مع ثلاثة
من فتيان القرية المعروفين بالطيش والرعونة، وقد كانوا ملثّمين
وعندما رأوها وحيدة هاجموها وضربها أحدهم بهراوة على أمِّ رأسها ضربة
افقدتها الوعي، ولم تفق إلاّ على صراخٍ رهيب


يتبع إن شاء الله




ناجى جوهر 25-11-2016 08:04 PM





حكاية شعبية




سبع الليل والبئر المعطلّة



المشاريع التنمويّة



قال الراوي:

كان ذلك صراخ أحد المعتوهين المذعور، فلقد قبض عليه زائد الفقعي
والبنات الاخريات، لآنهم عندما شاهدوا النار اسرعوا لنجدة ليلى، وكانوا يوهمونهم بأنهم سيأخذونه
وسيلقون بهم في البئر ما لم يكشف عمّن حرّضهم على إشعال تلك الحرائق، وقبل أن ينهار المعتوه
اقبل الشيخ غانم بن محمود بمعيّة نجدة من رجال القرية، وتدخّل مبخوت الفقعي وبعض الشيوخ وافلتوه
إذ لم يحترق شيئ غير اكوام القشٍّ. وفي الصباح خرجت ليلى ومنى إلى منزل ذلك الفتى، وشكتاه
إلى والديه، فاستقبحا فعله واستدعياه، فلمّا اقبل وشاهد ليلى أمامه أحرِج وقال معتذرا: لست والله من ضربك
فانتهره ابوه قائلا: لا بورك فيك، أهكذا ادبّناك؟ الا تخاف الله؟ الم انهك عن صحبة الأشرار؟
قال الفتى وهو يجهش بالبكاء: لقد هدّدوني بحرق حظيرتنا، وتسليط سبع الليل علينا، قال الشيخ: منهم هم؟ تكلّم ...
لم يحن وقت صلاة ظهر ذلك اليوم حتّى كانت البنات قد ضمنت ولاء الفتيان الثلاثة وأسرهم في معركتهنّ ضد سبع الليل
بينما كان الشبّان الأربعة قد عزموا على اكتشاف مدخل البئر. فلمّا كان الليل تسللوا ودخلوا القرية، وتوجهوا حالا إلى هناك
وأخذوا يبحثون عن المخرج الذي يستخدمه اللصوص، فطافوا بها من كل النواحي ولكنهم لم يعثروا على شيء، فأرادوا أن يقفزوا
لكن الظلام كان دامسا وليس لديهم مصابيحا ولا حِبالا، فأصيبوا بالخيبة، و قرروا العودة، وتأخر عبدالله بن النعمان ليقضي
حاجته، وبينما كان جالسا لاحظ شبح إنسانٍ قادما، ثم رآه يدخل عريشا يبعد أمتارا عن البئر فنبّه زملاءه، فأرادوا أن يتبعوه
ثم آثروا التروّي، ولم يطل انتظارهم، فلقد أقبل ثلاثة رجال آخرين من نفس الاتجاه ودخلوا العريش أيضا
فتوقّع الشبان أن يكون أولئك الرجال هم بعض أفراد العصابة، وأنّهم يستعدون للخروج وترويع الناس وسرقتهم
فأرادوا أن يتبعوهم، ولكنهم سمعوا وقع أقدام وثرثرة بلهاء، وإذا بعساكر مقبلين من الناحية الأخرى وهم يحملون قدرا كبيرا
كبيرا تفوح منه رائحة المندي المطبوخ بماء لحم الضأن، فخافوا أن يراهم أولئك الحمقى ويبلّغوا عنهم
فتسللوا إلى داخل العريش ثُمَّ أخذوا يتفحصون جدرانه وأرضيته، فما أعظم فرحتهم عندما وجدوا بابا سرّيا !
فدخلوه بكل جرأة واقتدار، وإذا بنفق واسع مشوا فيه على حذر وبعد عدة خطوات شاهدوا ضوء يزداد تألقا كلما تقدّموا
فتأكدت شكوكهم وواصلوا تحرُّكهم، وكان النفق يتّسع كلما توغلوا فيه، وبعد برهة قصيرة من المشي أشرفوا على مغارة
وشاهدوا في جانبٍ منها فتحة يتدفق منها الماء ثم يتجمّع في قعر البئر، ففهموا كيف يتحكم أولئك الأشرار بالماء
ثم شاهدوا اللصوص في أسفل المغارة وهم يستقبلون القدر الكبير الهابطمن الأعلى وقد ربط بحبالٍ متينة
فظنوا أن العساكر متعاونون معهم، فخرجوا من النفق عاجلا قبل أنْ يدخلوا عليهم واختفوا في الخلف
فسمعوا عسكريا يقول: بالهناء والشفاء يا سبع الليل يا أبا الفرس والخيل ثم انصرف إلى القرية
مع زملاءه، فعلموا أنّهم شرفاء ولكنهم سذّج جهلة.

قال الراوي :

وصل الأربعة شبان إلى كهفهم عند منتصف الليل مجهدين ومنهكين، وقد عرفوا الكثير من أسرار اللصوص
وأطلعوا على خدعهم فناموا ليلتهم تلك، وفي الصباح تدارسوا خطّتهم الجديدة، واتّفقوا على تنفيذ هجوم شامل
خاصة بعد أن عرفوا من البنات تأييد مجموعة من الناس لهم، لكّن بقت أمامهم عقبة كأدا لا بد من تذليلها.
إذ لابد من تعاون شيخ القرية، فاقترحت عليهم جَم عَت بنت الشيخ تأجيل الهجوم يومين أو ثلاث
حتّى تتمكّن من اقناع والدها، وكان الرجل قد تضايق من الذبائح التي يذبحها يوميا، ومن الرعب المستشري
في قريته، وفي تلك الليلة وقبل أن يأوي إلى فراشه سمعته جَم عت يحوقل بمرارة، فوجدت مدخلا
لفتح حوارا معه. وفعلا وجدت أذانا صاغية وتمكّنت من اقناعه بالوقوف على الحياد
وكلّف مبارك الفقعي عمّه زايد بشرح خطّته الهجومية للشيخ غانم لكي لا يتفاجأ بالتطوّرات
وتقضي الخطّة أن يدخل المغارة كل من مبارك وعوض قحْمُمْ ورشيد وعبدالله وليلى ومنى
وينتظروا قدوم اللصوص، وكلّما دخل واحد منهم باغتوه وكمّموا فاه وربطوه، على أن يبقى محمّد
وزايد الفعقي وزكيّة وجم عت ونزه في الخارج للمراقبة والتدخّل حين الحاجة إليهم
أمّا الشيخ غانم فعليه البقاء خارج اللعبة حتى لا ينكشف دوره إذا ما فشلوا في القبض على العصابة
وفي اليوم التالي وعلى حِين غرّةٍ قدِم إلى القرية وفد حكومي، يرافقه عدد من الجنود في سيارات
بيد فورد ولاندروفر، وكانت المرة الأولى التي يشاهد فيها القرويون السيارة، وعند مرورهم بالكهف
استوقفهم الشبّان، وسألهم مبارك عن سبب الزيارة، فأخبره رئيس الوفد بالمشاريع التي جاءوا لتنفيذه
فطلب منه الشاب المتعلّم أن يرافقهم مع زملائه، وفي الطريق حدّثه عن سبع الليل ومأساة القرية فوعده خيرا
كان الكثيرون من السُذَجِ يفرون من أمام السيّارات الفارهة في هلع، بينما كان الصبية يركضون خلفها
في فرحة غامرة، والنساء يزغردن بجنون ...

يتبع إن شاء الله






ناجى جوهر 01-12-2016 09:17 PM




حكاية شعبيّة





سبع الليل والبئر المعطّلة


على أبواب النهاية


ذبح الشيخ غانم عجلا على شرف الضيوف
وعلم القرويون أن ذلك الوفد أتى بأمر من الحاكم لإقامة مشاريع تنموية في القرية
منها مدرسة ومركز صحي وجامعا ومخفر شرطة ومحطّة توليد كهرباء وغيرها، ولم يجرؤ أحد
على طرد الشبّان الأربعة إذ ظنّوهم من ضمن الوفد.
وفي الصباح عقد اجتماع عام حضره معظم الناس, فعرض عليهم رئيس الوفد الخطط الحكومية التنموية
غير أن القرويين كانوا لا يفهمون شيئا من كلامه ولا يعرفون عم يتحدّث؛ فقط كانوا يصفِّقون عندما يسكت
ويلتقط انفاسه. فقام رجل آخر من الوافدين وأخذ يشرح لهم معنى كلمة مدرسة وأهميّة مخفر الشرطة
ومحطة الكهرباء، ففرحوا كثيرا. غير أنّ مبخوت الفقعي، اعترض على إقامة محطّة الكهرباء، وقال:
هذه المحطّة خطِرة، ستنفث من دخانٍ مسموم، وسيصدر عنها هدير مزعج سيفزع حيواناتنا
ونخشى أن تقتل عيالنا إذا لامسوا أسلاكها المكشوفة؛ فلا نريد كهرباء في قريتنا!
فصاح الرعاع: لا نريد كهرباء ... لا نريد كهرباء ... وانفضّ الاجتماع.
فأسرع مبارك إلى دعوة فريق النجباء والأعضاء الجدد وطلب منهم الحضور حالا إلى منزل زايد
الفقعي خلسة، فلمّا حضروا جميعا، قام فيهم خطيبا وقال: إنّ هذه المشاريع التي يعرضها الوفد
مفيدة جدا للجميع، ثم شرح لهم أهمية كل مشروع، وطلب منهم إقناع ذويهم بالموافقة عليها لمنفعتها
وفي الاجتماع الثاني بعد الغداء فوجئ المعارضون بموافقة القرويين قاطبة، بما فيهم الشيخ غانم بن محمود
الذي اقنعه ابنه رشيد وابنته جَمْ عَت، ووافق على بناء محطة الكهرباء والمشاريع الأخرى. فخرج ابن فرضة
رحى حاقدا على الجميع، وبخاصة على الشيخ غانم و في اليوم الثالث صباحا غادر الوفد القرية
وقد شق طريقا للسيارات.

قال الراوي :

كان تاجر القرية ومبخوت الفقعي قد سافرا في شبابهما إلى دولا كثيرة، وكانا يزوران المدينة بين فترة وأخرى
ويبقيان فيها أياما عديدة، وكانا يجلبان المقتنيات الحديثة مثل الراديوهات ومكبِّرات الصوت والمصابيح
التي تعمل بالبطارية الجافة، وأخيرا احضرا ماتورا كهربائي وضعاه في البئر، وقد سيطرا على الكثير
من القرويين ذهنيا وماديا بفضل القروض والحرب النفسية والإيهام والإرهاب؛ فلا يعصون لهما أمرا.
وعندما رأى المجرمون اصرار الحكومة على تطوير القرية قرّروا استغلال الفرصة قبل الإنارة
وتكثِّيف عملياتهم الإجرامية، وعزموا على مباشرة هجماتهم منذ الليلة، وقد اطمأنوا إلى شعور
مبارك الفقعي والشُّبّان الآخرين بالانكسار والإحباط عقب طردهم، وظنّوا أنّهم لن يقووا على فعل شيءٍ
بعد أن رحل عنهم الوفد، وبعد أن جوبهوا بالاستهجان والاستهزاء والتحقير
وقد عنّف مبخوت الفقعي ابنه ووبّخه أمام القرويين، ولم يردّ عليه.
فلمّا كان الليل؛ ما راع القرية إلا هجوما وحشيا شرسا من قبل سبع الليل الذي أخذ يحرِّق ويُحطّم
ويكسر ويبثّ الرعب والهلع بصراخه المتواصل، بينما كان رفاقه يسرقون وينهبون فخرج رشيد
ابن الشيخ غانم وعبد الله بن النعمان، وتوجّها إلى منزل مبخوت الفقعي وعندما طرقا الباب
برز لهما بدر شقيق مبارك واغلظ لهما القول، لم يسمح لهما بالدخول، ثم أغلق الباب في وجهيهما
في تصرفٍ نذلٍ وحقير، وعندما حاول مبارك أن يخرج إلى زميليه هجم عليه بدر وإخوته الآخرون
وكتّفوه بعد أن قيّدوا يديه ورجليه، وحينما سألهم عن سبب ذلك أخبروه بأنّ والده هو من أمرهم بتقييده
وحبسه ومنعه من الخروج، فقال مبارك: وأين هو أبي، أريد أن أتحدّث إليه؟ فقالوا: لا نعلم
لقد خرج لصلاة المغرب ولم يعد بعد، فشعر بالاستياء الشديد، وحاول أن يفكّ قيوده فلم يتمكن
فقعد مقهور، وفيما هو على تلك الحالة سمع صوت عمّه زايد يخاطب بدر وإخوته قائلا:
خذوا النساء والأطفال وأصعدوا بهم إلى الطابق العلوي، ودعوا مبارك الملطوم هنا لوحده
لعلّ الوحش يقضي عليه. وعندما غادروا المكان تسللت إليه أخت له وفكّت قيوده وخرجت معه
فوجدا عمّهما زايد ينتظرهما في الخارج فتوجّهوا جميعا إلى منزل الشيخ غانم والتقوا
بعبد الله والآخرين وكان زايد قد قابلهم وهم عائدين محبطين من منزل أخيه فطمأنهم
وطلب منهم انتظاره ومبارك وشقيقته التي انضمَّت إليهم مؤخرا ولا يعلم بها إخوتها الحمقى.
وعندما اجتمعوا قال رشيد: هذه فرصتنا المناسبة للقبض على اللصوص المجرمين
قال مبارك: فماذا تقترحون أن نفعل؟
قالت منى: يجب أن نطارد سبع الليل ونمسك به ونحبسه
قال محمد: فإنّ رفاقه سيهربون, وربما إلى خارج القرية
فقال أحد الشبان الجدد: في هذه الحالة نعود إلى نقطة الصفر
قالت نزه: وما العمل؟
قالت ليلى: أرى أن نسبقهم إلى البئر وننتظرهم هناك
قال مبارك: قد لا يأتون
فقال عوض قحمُم: بل سيأتون, لأنّ المغارة هي مقرَّهم الآمن الوحيد.
فأخذ الشبان والفتيات حبالهم وأدواتهم وخرجوا يتسللونعبر الأزقة حتى وصلوا إلى العريش
فدخلوا جميعا يتقدّمهم عوض قحمُم، وفي أثناء هجوم سبع الليل على القرية افتقدت أم عبدالله ولدها
فخافت أن يكون قد خرج وأصابه مكروه؛ فأخذت تصرخ بشدة، وسمعها اللصوص الذي دخلوا منزلها تقول:
أخرج يا أبا عبدالله وأبحث عن ولدك لا بُد أنه قد ذهب إلى مبارك الملطوم الذي غرر به ولا يأتي
منه خير أبدا, حسبي الله عليك يا ابن الفقعي.
فخاف اللصوص وارتبكوا, وعلموا أنّ مبارك وأصحابه لم يتوبوا عن مطاردتهم، وأخذوا يصفِّر بعضهم لبعض
في إشارة على الانسحاب، ثمّ أرسلوا إلى سبع الليل من يحذِّره, فخاف خوفا شديد وأخذ يسابق عصابته في الفرار
ووصل أول لصين من المجموعة إلى المغارة وهما يلهثان ويقولان:

يتبع إن شاء الله







ناجى جوهر 08-12-2016 08:42 PM

قصّة طـويلة سبعُ الليلٍ والبئرُ المعطّلةُ الأسرى
 



حكاية شعبيّة





سبع الليل والبئر المعطّلة




الأسرى



فوصل أول لصين من إلى المغارة وهما يلهثان، وقال أحدهما:
كفى هذه آخر مرة نخرج فيها، ابن الفقعي وعصابته لن يدعونا نعيش بسلام. فهجم عليهما الشبان وكتّفوهما
وقامت الفتيات بتقييدهما وتكميم فاهيهما ثم أخفوهما، واختبأوا منتظرين القادم التالي. وجعلوا يفعلون ذلك مع
من يدخل المغارة من اللصوص حتى قبضوا على معظمهم، وفجأة سمعوا سبع الليل ينادي ويستغيث من على الشبكة:
أسرعوا وارفعوني قبل أن يصل الملاعين. فخرج إليه محمد وعبدالله وشابان آخران، فلمّا سمع خطواتهم توهّم أنَّهم
رفاقه فقال هامسا: اسرعوا وارفعوني، إنّهم قادمون، هيّا اسرعوا فأنزلوا إليه حبلا وسحبوه حتى أخرجوه من البئر
فما أشدّ هلعه عندما أكتشف أنّ الذين رفعوه هم مطاردوه!
وما أشد ذهول الشباب عندما اكتشفوا أنّ سبع الليل امرأة!
فأدخلوها المغارة وقيدت البنات يديها ورجليها وكمّمن فاها ثم كمنوا في تلك المغارة وقد نال منهم التعب والإرهاقّ
وبقي ثلاثة منهم على الحراسة، بينما أسرع زايد الفقعي إلى الشيخ غانم بن محمود وطلب منه إرسال بعض الرجال لمعاونة
الشباب، لكّن العساكر الجبناء رفضوا تنفيذ الأمر خوفا وفرقا. وعند منتصف الليل سمع الحراس وقع خطوات ثقيلة كثيرة
تقترب منهم، فاستعدّوا لاستقبال الضيوف؛ فدخل أحدهم وهو يقول وقد وجد رائحة الطعام الذي أعّده الشيخ غانم كالمعتاد:
آمل أن يكون القبولي قليل الملح، فإنا كثرتها تضرّني، فضحك زميله الذي شرع بالاعتذار قبل أن يصل، وقال:
آسفين يا جماعة لقد تأخرنا قليلا، ولكنّ الحذر واجب؛ فإنّ أولئك الملاعين لا يؤمن جانِ ...
وقبل أن يكمل جملته الأخيرة قفز عليه عوض قحمُمْ وطرحه أرضا، بينما ثبّت رشيد ومحمّد الرجل الثاني
الذي كان يصرخ مرعوبا وكاد أن يفقد روحه هلعا وخزيا، فأستيقظ الغافون، ورأوا المعمعة؛ فتدخّل مبارك
الفقعي وضرب قفى الرجل الأوّل بهراوة افقدته وعيه، فصمت الرجل الثاني مذهولا فاغرا فاه وعيناه تكادان
تلتهمان الشاب المتعلّم.
قال الراوي :
بعد رحيل الوحش افتقد بعض القرويين أبناءهم وبناتهم الذين انضموا إلى فريق النجباء وهم لا يعلمون
فلم يجرؤا على الخروج ليلا للبحث عنهم، وباتوا يفترسهم القلق والخوف والخشية، وما إن اشرقت شمس
الصباح حتّى خرجوا يبحثون ويسألون عند جيرانهم وذويهم، وقد غلب عليهم القلق،وإذ لم يعثروا عليهم
ولم يسمعوا خبرا عنهم؛ خرجوا إلى النواحي القريبة وأخذوا ينادون بأسمائهم، فقال قائل منهم:
ربّما فتك بهم سبع الليل. فازداد هلع الناس وخوفهم وخشيتهم على المفقودين، وناحت الأمّهات
ثمّ توجّهوا إلى منزل الشيخ غانم حائرين، فخرج عليهم وطمأنهم قائلا:
فإنّ ولدي رشيد قد خرج مع مجموعة من خيرة ابناء وبنات هذه القرية، وانا واثق من أنّهم
قد قبضوا على سبع الليل وعِصابته، ولن يفلتوا من أيديهم هذه المرّة بإذن الله...
فصعق الأهالي عندما سمعوا كلامه، وأصيبوا بالذعر والرُّعب، وكادوا ييأسوا من نجاة أبنائهم
وبناتهم؛ فارتفعت أصواتهم المنددة بالشيخ غانم ومبارك وأعوانهما، غير انّ الشيخ قال في حزم
وثقة عجيبة: من يرغب منكم في الاحتفال بالانتصار على عصابة سبع الليل المجرمة فليتبعني
فتردد القرويون المساكين، وتسمّروا في أماكنهم انتظارا لقائدٍ يقودهم، وعندما تحرّك الشيخ
تبعه بعض الرجال ثم تزايدت أعدادهم وانضمّت إليهم بعض النساء والأطفال وفي الطريق
سأل الشيخ غانم: هل رأى أحد منك ابن فرضة رحى أو مبخوتا الفقعي؟ فلم يجبه أحد
فقال: هكذا أفضل، لو كانا موجودين لأفسدا أمرنا
وعندما اقتربوا من البئر تراجع معظم الناس، ووقفوا بعيدا في حيرة وقلقٍ ورعب، وتقدّم الباقون
على خوف إلى أن وصلوا إلى الحوض، وفجأة سمعوا سبع الليل يقول بصوتٍ جهوري منكر:
يا شيخ غانم، مر رجالك بذبح ثلاث بقرات سمان من أبقار مبخوت الفقعي ومثلهنّ من ابقار
بن فرضة رحىوليُعدّ عساكرك مأدبة فخمة للقرويين جميعا، فإني أودِّعكم إلى الأبد
ثم أذهبوا إلى ذلك العريش وانتظروني هناك.كانت بعض القرويات قد فقدن وعيهن، بينما بُللت الكثير
من السراويل الرجالية، واصيب بعض العساكر بالخرف وكاد الشيخ أن يفقد رشده من الحيرة
وأرتبك ارتباكا فظيعا، ثمّ تماسك وأرسل بعض العساكر وأمرهم بتنفيذ أوامر سبع الليل
وقبل أن يذهب إلى العريش، سمع الهاتف مرة أخرى يقول له: انتظر يا شيخ غانم
فوقف الشيخ مرتجفا
فسأله سبع الليل :
أما عرفتني يا شيخ؟
فقال الشيخ بعد أن بلع ريقه مرّاتٍ كثيرة:
بلى أنت سبع الليل أبو الفرس والخيل
فسمع الناس ضحكاتٍ مدوّية، واستمرّ الهاتف يعبث بالقرويين ويضحك ضحكا هيستيريا بلغ بقلوبهم الحناجر هلعا وذعرا.
عندما استيقظ نزلاء البئر شدّوا وثاق الأسرى، وانتظروا الإشارة للخروج والظهور أمام القرويين.
كانت مشاعر الفرح والسرور طاغية على فريق النجباء، إلى درجة جعلت محمّد إرْ سعّد إر مَغلِل يصيح منتشيا
وهو المتأتئ: وي يُه وي يُه ويييي يُه الله أكبر الحمد لله الحمد لله
فردّت عليه البنات بزغاريد متتالية، غير أنّ منى بنت لبخيت لم تتوقّف عن الزغردة، فقام محمّد
بأداء رقصة الرقيد مبتهجا، ففهم مبارك الرسالة، ووجدها فرصة للتعبير عن مشاعره تجاه من يحب
فقام بدوره يباري محمّد في الرقيد، ففهمت المحبوبة رسالته وقامت تزغرد وتعلق بلغتها الشحرية:
حآي ذك شّوف حظذر ني حّود هئ فِدّاكم هئ فِدّاكم
فدخل الحرّاس تدفعهم النشوة والحماسة، بينما كان عوض قحمّم يضحك في سعادة وهو المعروف بتجهّمه
وفجأة أخذ أحد الأسرى يرفس ويركض برجليه ركضا عنيفا، فأسرع زايد الفقعي وفتح الكيس وفك الكمامة
عن فمه؛ فأخذ الرجل يتنفس وعيناه زائغتان، فقام الشباب بتحرير افواه الأسرى جميع، فما أشد دهشة
مبارك وزايد الفقعي عندما وقعت عيناهما على الأسير الأخير ...

يتبع إن شاء الله





ناجى جوهر 15-12-2016 09:38 PM

سبع الليل والبئر المعطلّة الجزء الأخير
 






حكاية شعبيّة




سبع الليل والبئر المعطلّة




الجزء الأخير



العُرس الجماعي



إنّه فايل الصغير بن مبخوت القعي, وهو أكبر عياله، وإنّما اسموه صغيرا لضآلة جسمه

فشعر الرجلان بالإحراج الشديد، وانصرفا عنه، وسمع القرويون المرعوبون الهاتف يقول:

أبي أنا ابنك رشيد، لا تخافوا يا جماعة، فإنا قد قبضنا على العصابة فانتظرونا عند ذلك العريش

فشعر الناس ببعض الطمأنينة، وتسابق الصبيان إلى المكان ولم يطل انتظارهم

فلقد خرجت الفتيات وعندما شاهدهن ذووهن كبّروا

وسارعوا لاستقبالهن، وارتفعت صيحات الفرح والسرور وزغاريد النساء. وبعد قليل خرج

اللصوص تباعا وهم مقيّدين وملثّمين، ثم خرج ابن فرضة رحى ولم يكونوا غطّوا رأسه

وقد اصفرّ لونه وانتقع وجهه، تعلوه المهانة ويكتنفه الذل؛ فركله الشيخ غانم ركلة أوجعته

وطلب من الحراس شد وثاقه، وخرج الشباب تباعا، ولم يبقى أحد في المغارة.

فسأل الشيخ غانم: وأين مبارك الفقعي؟

قال رشيد: لست أدري ألم يخرج قبلي؟

فقالوا جميعا: لا. لم يخرج بعد

فقال عبدالله: ربما أكله سبع الليل

فخاف الناس مجددا وشعروا بالرعب، وفجأة سمعوا من يصرخ: ها هو الوحش يخرج

فتوجّهت الأنظار كلها إلى البئر، فشاهدوا سبع الليل نهارا جهارا وهو يصعد من البئر

فأصيبوا بالذعر والهلع، وكادوا يموتون من الخوف عندما رأوه يرسل نارا من شدقيه

عندئذٍ كشف مبارك القلعي عن وجهه، واظهر الساقين الخشبيتين وسط ذهول ودهشة

القرويين، ثمّ أخرج مكبّر الصوت الذي كان اللصوص يستخدمونه، وتحدّث من خلاله

فتعجّب الناس، وعندما لمح خالته عويشه الدبّاغة واقفة بين النساء، ركض مسرعا

نحو العريش، وما لبث أن عاد يحمل جسما ثقيلا يخفيه في جونية فارغة، ثمّ وقف أمام

الخالة وقال لها: ها هو الاستيريو يا خالة وكشف عنه فكادت تموت هلعا، ولم تعد إليها

نفسها إلا بعد أسمعها تلاوة عطرة، فأخذت تضحك ويضحك معها الجميع.

وأمر الشيخ غانم بحرق تلك السيقان وردم النفق، ودعا الناس جميعا للضيافة في الحصن.

غير أن حال مبارك تغيّر وغدا مشغول القلب، حائرا قلقا، فهو لم يرى والده حاضرا مع الناس

فسأل عمّه زايد الذي سأل الشيخ غانم فنادى الشيخ في جموع القرويين:

هل رأى أحد منكم مبخوت القلعي؟ أحب أن ينظر بنفسه إلى سبع الليل وقد قبضنا عليه

فصاح تاجر القرية فرِحا: يا ناس إنّ مبخوت الفقعي هو كبيرنا، وهو الذي يأمرنا وينهانا

فاكشفوا عن وجوه اللصوص تجدوه بينهم، فأسرع العساكر يكشفون وجوه المجرمين

فإذا بمبخوت يكاد يموت مختنقا، وهو يترنّح ويتمايل بشكل غير طبيعي. لاحظت نزه بنت زايد

الفقعي أنّ عمّها مبخوت في حالة من الذهول والشرود، فادركت أنّه ليس على طبيعته

فنبّهت والدها والذي بدوره نبّه مباركا؛ فطلب من الشيخ غانم ومن جميع القرويين أن يلاحظوا

حالة والده الغير طبيعية، فتعجبوا من ذلك، وقال بعضهم: إن الرجل مسحور بلا ريب

فأسرع مبارك إلى البئر وملأ دلوا ماءا سكبه على رأس والده؛ فانتبه مبخوت الفقعي

وأنتفض وثاب إلى رشده، ثُمَّ قال: أشهد أنْ لا إله إلاّ اللهُ وأشهَدُ أنَ مُحمَّدا رسولُ اللهِ

وأخذ يجول ببصره في وجوه الناس مستغربا مندهشا، فلمّا رآهم مجتمعين قال: ماذا حدث؟

لم أنتم مجتمعون هاهنا؟ وأين ولدي مبارك؟ وأخذ يتصفح الوجوه مجددا، وحينما رأى تاجر

القرية مغلولا تذكَّر ما حدث له وأراد أن يهاجمه فمنعه الحراس، وسأله الشيخ غانم عن أمره

فقال: كنت قد اقتنعت بكلام ابني مبارك، وقرّرت التوقّف عن ذلك الإرهاب، ونويت أن أتوب

إلى الله وأن أعيد للناس حقوقهم، وعندما صارحت شريكي ابن فرضة رحى بذلك أظهر الفرحة

والموافقة، وطلب منّي أن أمرّ عليه بعد صلاة المغرب لننسق بيننا. عندما خرجت من المسجد

وأتيته وجدته واقفا مع رجلين لم اعرفهما، وسمعته يقول: ستكون هذه آخر عملية نقوم بها

فقلت له: لن أسمح لك بترويع الناس أكثر مما قد فعلنا. فطلب مني الذهاب معه إلى منزله

وهناك بدأ يكلّمني كلاما لا أفهمه ويؤمي إليَّ بإشارات غامضة، شعرت بعدها بفقدان عقلي

وبضعف شديد في بدني، أرى وأسمع ولا أعي، ومن ثم حضر أولئك الرجال الذين لا أعرفهم

وأدخلوني معهم في النفق وانا لا أقوى على شيء ولست أدري ما الذي يحدث.

فأشرق وجه مبارك وقال: أيها الناس إنّ ابن فرضة رحى قد سحر والدي، وأوقع به

وأراد أن يورِّطه معه في جريمته، ولكن الحق ظهر فكبّر الشيخ غانم وكبّر القرويون لتكبيره

ثم اطلقوا صراح مبخوت الذي شرع يعتذر إلى ابنه ورفاقه وإلى الناس جميعا واعدا بالانصاف

منه شخصيا، وأقتاد العساكر المجرمين إلى الحبس. وفي الليل ذهب مبارك الفقعي وزملاؤه

ومعهم مجموعة كبيرة من القرويين رجال ونساء إلى البئر، فأستقوا دون خوف

وفي الصباح إستدعى الشيخ غانم أعيان القرية ووجهاءها لمحاكمة اللصوص، فلمّا حضروا

أمر عساكره بجلب تاجر القرية، فلمّا حضر سأله الشيخ: لماذا فعلت هذه الافاعيل بأهلك وناسك؟

فقال في كبر وغرور: إنّ هذه القرية وما فيها من خير هي ملك لأجدادي وقد جئتم أنتم فنافستونا

ونازعتونا على الأخضر واليابس. فتعجب الناس من عنصريته وأنانيته وحقده الدفين ولؤمه.

ثم استدعى الشيخ تلك المرأة الجريئة وسألها فقالت: لقد وعدني ابن فرضة رحى بالزواج من ابنه

عندما نجمع مبلغا ضخما من المال، ثم نهجر القرية إلى المدينة.

وفيما هم كذلك أقبلت سيارات الوفد الحكومي، ومن خلفها مجموعة من شباب القرية البُلهاء

ذكورا وإناثا وهم يركضون دون تعب، فتضاعفت بهم فرحة القرويون، وأشار مبارك على شيخ

القرية بترحيل اللصوص مع الجنود العائدين إلى المدينة ليسجنوا ويحاكموا هناك، وأبدى استعداده

وزملائه لمرافقتهم وشرح القضية أمام القضاء في المدينة، فوافق الشيخ غانم

ثم وقف الشاب المتعلّم أمام القرويين خطيبا وقال: آمل أن تكونوا قد تعلّمتم درسا

وأنْ لا تصدِّقوا الشائعات بدون دليل لقد وهبكم مولاكم عقولا، فيجب أن تستخدموها.

غير انّ القرويين لم يفهموا شيئا من كلامه، بل كانونا يصفّقون له كلّما توقف عن الكلام.

وبعد أسبوعا أقيم حفل زفاف جماعي، فقد تزوّج محمّد بن سِعِدْ إرْ مَغْلِلْ على منى بنت لبخيت

بعد أن اقتنعت أنّ الناس جميعا لآدم وأن آدم من تراب، وأن المسلمين عدل لبعض.

و تزوّج مبارك الفقعي ليلى بنت خميسان، ورشيد بن الشيخ غانم تزوّج زكيّة بنت عاشور بن

جمعان بيت لَبْزْ، وعوض قحمُمْ تزوّج نزه بنت زايد الفقعي وبدر بن مبخوت تزوّج جم عت

بنت الشيخ غانم بن محمود، أمّا عبد الله بن النعمان عي جَم

فقد تزوّج طُفُلْ بنت مبخوت الفقعي.

إنتهت






الساعة الآن 01:07 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

جميع الحقوق محفوظة لدى الكاتب ومنتديات السلطنة الادبية