منتديات السلطنة الأدبية

منتديات السلطنة الأدبية (http://www.alsultanah.com/vb/index.php)
-   النقد والكتابات الأدبية والسينمائية (http://www.alsultanah.com/vb/forumdisplay.php?f=14)
-   -   حساب الزمن (http://www.alsultanah.com/vb/showthread.php?t=15238)

فيصل مفتاح الحداد 28-01-2013 02:46 AM

حساب الزمن
 
لقد ربط الزمان الفلكي بدورة الأرض حول الشمس ، وقد أحصى الله تعالى دوراتها بحيث يمكن عد الأيام والأسابيع والشهور والأعوام والحقب المختلفة ، بحسب القياس الشمسي ، كما بيَّن لنا تقويماً آخر يتمثل في الحساب القمري ، وجعل الفرق بينهما في كل قرن ثلاثة أعوام ، ولولا تحديد هذه الأوقات في كلا الحسابين لغابت عنا أعداد السنين والحساب والتواريخ ..
وإذا نظرنا إلى مظاهر الكون المختلفة وجدناها تبقى ماثلة لدهور متطاولة في القدم ، تتجاوز ملايين السنين ، وإذا نظرنا إلى أجل الإنسان وجدناه لا يقاس بهذه المعايير المتناهية في الامتداد ، فهو بالقياس إليها يبدو كومضة قدحت في الكون وانطفأت لتوها ، وإذا علمنا أن اليوم عند الله يعادل ألف سنة مما نعد نحن علمنا أن عمر الستين أو السبعين التي يعيشها الإنسان ما هو إلا فترة وجيزة جداً لا تصل إلى يوم واحد من أيام الدهر ( ألف سنة ) ولذلك فإن قوله تعالى ( قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم ) فالذي لبث يوماً هو سيدنا نوح الذي عاش نحو ألف عام أو أقل قليلاً ، أما باقي الناس فعاش بعضاً من يوم ، ويمكنك أن تعد أي مولود تلده أمه ميتاً مادام ولد على هذه الأرض المؤقتة بتوقيت الزمان الأرضي ، وبميلاده يبدأ العد التنازلي للعمر ، وليس العد التصاعدي كما يظنون ولذلك فإن بعض الناس ( ممن يحتفلون بعيد ميلاد أطفالهم ) يضعون لهم شمعة ، وتأخذ هذه الشمعة في الاحتراق ، كأن ذلك يؤكد بدء إنفاق هذا العمر الضئيل ، لينتهي كومضة البرق بالقياس إلى مظاهر الكون الأخرى .
وقد قلت يوماً لأحد الناس : هل ترى هذا الحشد الهائل من الناس ؟ فقال : نعم . قلت : ليس ثمة أحد ، فقد ماتوا جميعاً مذ ولدوا ؛ لأن أمهاتهم أنزلنهم في دائرة هذا العالم الفاني ، الذي ينتهي كل شيء فيه ، فالحديد يهلك بالصدأ ، والخشب بالسوس ، والجدران بعوامل التعرية ، والإنسان بوهن البدن ؛ لأنه مكون من لحم ودم وعظم ، وهذه المكونات لا يمكن لها أن تقاوم الهلاك ، وإن أسباب الفناء كامن في الجسد نفسه ، وهذا معنى قوله تعالى  إنك ميت وإنهم ميتون  لإيضاح حتمية الموت ، وما هذا الإنسان الذي تراه حياً أمامك في حقيقة أمره إلا ميت حالاً ، أو بعد وقت لا يعد من حساب الزمن إلا بمقدار قطرة من محيطات .
وقد يقول قائل إن النبي الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) يقول " بعثت في نَفَسِ الساعة " (أي قبيل قيامها) وقد صار لبعثته أكثر من ألف وأربعمائة عام ! فالجواب : لما كانت الألف عام تعد يوماً واحداً من أيام الله ، فإن بعثة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لم تصل إلى يوم ونصف يوم .
والله تعالى خلق السماوات والأرض في يومين ( ألفي سنة من سني الأرض ) وقدر أقوات الخلق في أربعة أيام ( أربعة آلاف سنة ) .
وقد يخرج فعل الشيء عن حدود الزمان ، وهو أمر يتم بإذن الله ، ولدينا نموذج فريد في الخروج عن الزمان ، في قصة آصف بن برخيا لما أراد النبي سليمان ( عليه السلام ) أن يأتي بعرش بلقيس ، قال له ( أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ) فأتاه به بناء على أنه كان يعرف اسم الله الأعظم ، فخرج عن قوانين الزمان التي تقتضي أن يمر وقت طويل يكافئ المسافة من بيت المقدس إلى مدينة سبأ جيئة وذهاباً ، قد يستغرق شهوراً ، ولكن الرجل الحكيم أتى بالعرش قبل لمح البصر ، خارجاً عن حدود الزمان .
كما أنه توجد مخلوقات أرضية تولد وتموت في وقت نراه نحن قصيراً جداً ، وبخاصة الحشرات فكيف نحسب سنيها ؟ لاشك أن هذه الفترة في حسابها هي طويلة وكافية لحياتها ، أما في حسابنا نحن فهي تعد بساعات وربما بدقائق ! .
كما أنه توجد بعض الحيوانات تعيش طويلاً كالسلحفاة البحرية مثلاً ، وقد رأيت في مصر بحديقة الحيوان بالجيزة اثنين منها ، في هيأة ضخمة فقيل لي عمر هذه السلحفاة سبعمائة سنة ، وهذه تسعمائة سنة !
ولو صدف أن أنجبت امرأة طفلاً في حين ولادة نعجة ، ومرت ستة أشهر على ولادتهما ، فإنك تجد الطفل مازال في مهده لا يكاد يجلس ، وتجد الحَمَلَ وقد صار كبيراً جداً بالقياس إلى الطفل !
والعلة في هذا أن الطفل سوف يأتيه تكليف في المستقبل ، ويدخل في صراع شديد مع قوى الشر ، وسوف تحسب له أعماله من خير وشر ، فإذا كبر جسمه بزمان الخروف بين ليلة وضحاها ، وبدأ تواً في الصراع ، وهو لا يدرك بعد ، فإنه سيكون لقمة سائغة للشيطان لا محالة ، ويكون كالحمل الذي عليه أن يقاتل الذئب قبل أن يصير له قرنان قويان عتيدان ، فاقتضت الحكمة أن تكون له طفولة طويلة يلعب فيها ويلهو ، وتصير له فيها ذكريات جميلة ، رحمة من الله تعالى ، أما الحَمَل فلو طالت طفولته إلى حد طفولة الإنسان حتى يكبر ويصير صالحاً للذبح لما تمكن الإنسان أن يأكل في عمره كله إلا خروفين أو ثلاث !
وإذا كنا نقيس مقدار اليوم الشمسي بمدى حجم الأرض ، فكلما كبر الكوكب زاد طول اليوم فلا ريب أن تتبدل الأرض والسموات ؛ لأن كوكب الأرض صغير جداً لا يستوعب جميع البشر والجن والملائكة منذ بدء الخليقة ، وبهذا يظهر لنا زمان آخر ، وهو اليوم الذي طوله خمسين ألف سنة مما نعد نحن ، وهذا الطول المفرط يدل على مدى حجم الكوكب الذي سيتم الحساب عليه ، فهو غاية في الضخامة بحيث يحمل جميع سكان الأرض الذين تعاقبوا عليها منذ خلق آدم ، كما يحمل الجن والملائكة ..
فهذه كما ترى أزمنة مختلفة ، منها ما يتعلق بحجم الكوكب ، ومنها ما يتعلق بسرعة النمو وقلته ومنها ما يخرج عن إطار الأزمنة ..

سالم الوشاحي 28-01-2013 09:08 PM

أخي الغالي فيصل مفتاح الحداد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أحييك على هذا المقال الرائع والمميز بكل تفاصيله

فقد عشنا مع عمر الإنسان وحساب الزمن الذي يطوي

مراحل الإنسان كطي الكتب ....

فسبحان الله تجلى بعظمته وملكوته .

فيصل مفتاح الحداد 29-01-2013 03:55 AM

أخي سالم
 
أشكر لك أخي سالم على ما أبديته من مقال ، وأحييك كما أحيي القائمين على أهل هذا المنتدى الذي تعلقت به وبأسرته الكريمة ، وأرجو لكم جميعاً مزيداً من التوفيق والسعادة ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

يزيد فاضلي 16-02-2013 08:37 PM

.../...
 
...قصة ( الزمن ) في عمق الوجود الذي أراده الله تعالى-دكتور فيصل-هي صَدًى مباشر صحيحٍ لكثير من سُنن الله تعالى في النفس والآفاق ؛ كسنة التداول الحضاري..وسنة المُدافعة..وسنة التسخير..وسنة الآجال...

خذ مثلاً-أستاذي-عبارة الـ ( قَدَر المعلوم ) التي وردتْ في أكثر من آيةٍ..

إن الله سبحانه وتعالى،مع كوْنِهِ يملكُ زمامَ كل شيءٍ في بداية الزمان والمكان وفي نهايتهما وفي ما بينهما،إلا أنه يقول لنا في سورة الحِجْر : (( وإنْ مِنْ شيءٍ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقَدَرٍ معلوم ))..

لماذا يا تـُرَى القدَر المعلوم..؟؟

إنه لمصلحة الوجودِ ولِمَنْ يتحركُ في نواميسه..إنه لمصلحة الإنسان تمَشيًّا مع حِكمةِ أنَّ العطاءَ يكونُ على قدْر ما تحتاجُ إليه الضرورة المكانية أو الزمانية...دائماً لا بد من التقدير..الماءُ إذا شبَّعَ الخلية النباتية انبجسَتْ-تفجَّرَتْ-وماتتِ المحاصيلُ وهلَكَ الغطاءُ الزراعي..وإذا كثُرَ حوْلَ الناس أغرقهُمْ وأبادَهُمْ..لابد من الماء-كضرورةٍ-ولابد من تصريفه بالقدر المُحتاج منه...

والله تعالى قادرٌ على أن يَخلقَ الجنينَ بَدلَ تسعة أشهرٍ في سبعة أيام أو في يوم واحد أو في لحظةٍ..وقادرٌ على أن يجعلَ الحبوبَ-أو ( حَبَّ الحصيدِ ) كما سماه-بدلَ أن يَحتاجَ إلى خمسةِ أو ستة أشهر كما في القمح،وشهريْن أو ثلاثةٍ كما في الذرَه،كان من الممكن أن يَقعَ هذا فجأة ودفعة واحدة..لكنه سبحانه وتعالى-كما خلق الكون على عدة أيامٍ-جعلَ التدرج هنا في أزمنة معلومةٍ ومُقدَّرةٍ تقديراً منضبطاً عجيباً..

ولأمْر مَا كان علماؤنا الحكماءُ يقولون لنا : إن الزمنَ جزءٌ من العِلاج..!!

وهذا-وايْمُ اللهِ-كلامٌ في غايةِ العِلميةِ والدقة..!!

فالزمَـنُ-في التناسب النظري عند البرتْ انشتايْنْ-بُـعْــدٌ رابعٌ إلى جانب الأبعاد الثلاثية المعروفة : الطول والعَرْض والعُمْق..ولابد منه لاستكمال الصورة..!!

لذلك رأينا الفيلسوف والجَراح والعالِم البيولوجي الفرنسي الكبير إلكسيس كاريل ( 1873 م – 1944 م ) في كتابه المعروف ( الإنسان ذلك المجهول L’homme, cet inconnu ) يعتمد على توظيف التناسب المُطردِ مع الزمن في علاجاته العضوية وفي وصفه لعمل الأجهزة العضوية العاملة..كأن الزمنَ حقيقة حِسِّيَّة مع الطول والعَرْض والعُمْق..!!

مع هذه الحقائق الثابتة فإن سلطان الزمان وأثر أوْعِيته الثلاثة ( الماضي والحاضر والمستقبل ) على الحيِّز والمستوي والمكان موْضِعُ دراسةٍ ومتابعةٍ دائمةٍ لعلماء المادة والطبيعيات..وماتزالُ حيرتـُهم بادية ًفي تحديدِ مستوياتِ ذلك الأثر،وهذا ما يَجعلنا-نحن المسلمين-سلفيينَ خـُلـَّصاً في أمْر العقائد،يسَعُنا-في الإيمان واليقين والتسليم-ما وسِعَ الرعيلَ الأول من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم وتابعي التابعين رضي الله عنهم أجمعين..لأننا إذا كنا-على ما وصلَ إليه العِلمُ التجريبي الآن-حائرين في الإحاطة والإلمام بكل أسرار المادة،فكيفَ بما وراءَها..؟؟!!

إن عيوننا الكليلة القاصرة خُلِقتْ لترى على مسافةٍ مُعينةٍ وعلى حَجْمٍ مُعَيّنٍ،فإذا نقـُصَ الحجمُ كثيراً تضاءلتِ الرؤية أو انعدمتْ،وإذا اتسَعَتِ المسافة أو زادتْ عزَّتِ الرؤية نهائيًّا..

كذلكَ الأمرُ سيانٌ لبصيرتنا العقليةِ..إن لها مَدًى معيًّناً وطاقة إدراكية ًاستيعابية ًتدركُ بها الحقائقَ وتعِي بها الكُنـَهَ الخفية،وبعدَها تتلاشى ولا تستطيع أن تدركَ أكثرَ من ذلك..!!

متعتَ أفكارَنا-دكتور فيصل-بهذه السياحة العلمية حول الزمن..وحساب الزمن..ودمتَ كما أنتَ دائماً...

mubarak alseyabi 16-02-2013 08:59 PM

أحييكم أساتذتي الأكارم الدكتور فيصل مفتاح الحداد
وأستاذنا ومعلمنا يزيد فاضلي على ما أتحفانا به من معلومات غاية في الأهمية
حقا إن وجود أمثالكم هنا في هذا الصرح العلمي الراقي يعد مكسبا لجميع طلاب العلم والمعرفة
والشكر موصولٌ لإستاذنا الغالي سالم الوشاحي
وحي الله هذه الوجوه الطيبة

الديمه 18-02-2013 12:17 AM

لو تأملنا هذا الكون سنجد الإعجاز
في كثير من الأمور..سبحان الله الخالق
المُدبر لكل شيء..
مقال جميل لشخص مُبدع حقاً
آستمتعت بقرائته..


الساعة الآن 09:26 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

جميع الحقوق محفوظة لدى الكاتب ومنتديات السلطنة الادبية