منتديات السلطنة الأدبية

منتديات السلطنة الأدبية (http://www.alsultanah.com/vb/index.php)
-   النقد والكتابات الأدبية والسينمائية (http://www.alsultanah.com/vb/forumdisplay.php?f=14)
-   -   قراءة في قصيدة ياسر المشيفري ( رصيف بارد) (http://www.alsultanah.com/vb/showthread.php?t=7084)

محمد الطويل 15-03-2011 06:20 PM

قراءة في قصيدة ياسر المشيفري ( رصيف بارد)
 
قراءة في قصيدة ( رصيف بارد ) بعيون أخرى تفتح أبواب خلف الأبواب ولا تقف عند النقد أو تسير إليه ، إنما عيون تبحث عن جماليات ما يخبئه كل سطر أو بيت من شعر أو قصيدة .. عيون تحاول أن تقف مع الشاعر في محنته وتتلمس جوانب القرب منه .

مقدمة استهلها محرر الصفحة مسعود الحمداني لقصيدة ( صيف بارد ) جاء فيهـــا : " تنام القصيدة خلف أجفان الشاعر ، تغرس نخلتها على حقل القمر وتذهب بعيداً حيث يمكنها أن تمشط شعر النجمة الصغيرة ، وتتوارى بحب خلف عيون شاعرها "

مقدمة .. تلهب القارئ شوقاً في الانعطاف إلى أغوار القصيدة التي عنونت بـ ( رصيف بارد ) للشاعر الجميل ياسر المشيفري .. القصيدة التي عانقت النور من خلال ملحق شرفات للعدد 10876 بتاريخ 13 مارس 2011م من جريدة عمان .

( لا تفكر أبداً بما تركته وراءك ، كل شيء محفور في روح العالم ، وفيها يبقى للأبد ) . باولو كويلو

حينما يتخلص القمر من حصار السحب ويختفي حفيف الإطارات الرتيب مع هدأة الليل ويستحم الأفق بقطرات من البللور لا يبقى سوى رصيف بارد ولذة من الذكريات ممزوجة بألم .. لا يبقى سوى أرصفة خالية إلا من عطر يطوف على الأنوف مصدره بعيد وصاحبه مجهول .. حينما تتناثر الكلمات بين الرصيف والرصيف والخطى تتبعها حافية تشكو من برد الرصيف وتستمر في السير نحو لملمة تلك الكلمات المتناثرة كمن يطارد في الغربة عن تذكرة عودة يبحث عنها في عيون المسافرين ويحدق في الطائرات المرتحلة يتمنى أن يعود ولو على جناح رصاصة هكذا تمر لحظات السكون بأكثر من لون وأكثر من حلم وأكثر من أمنية ويقيم مع ذاته مأتم الطقوس المظللة بالبخور لتنام المصابيح الحزينة وتغيب فتائلها المتوهجة خلف أجمل تفاصيل الحكاية تبحث عن وجه عشقته المدينة .. وجه تمركز في القلب له من الهيبة والشأن في ذاك القلب ما له :

" نامت مصابيحي الحزينة كلها وغابت ورا ..
أجمل تفاصيلك تدور عن ملامح هيبتك "

في ذات الشاعر حب أزلي وحزن أزلي وأمنيات عالقة لم تطوى صحائفها بعد .. أمنيات بين الرجاء والتمني تعبث بها حالات من القلق واليقظة تتدحرج على أرض من وجع صباحاته ذكرى وليله ألم ومكانه رصيف بارد ، ولقد خص الشاعر الرصيف بالبرودة ربما لأن الخطى ما عادت تطأه أو ربما لأن الليل لفه بالغموض وطالت إقامة الليل عليه فدانت الحرارة إلى برودة والبرودة يعني ربما يأس أو فتيل من فقدان الأمل ، لكن هو ياسر المشيفري يحدث نفسه كمن يؤكد لذاته أنه في المكان الصحيح:
[
" هذا أنا في شارعك من وين تطلع يا ترى
يا ليت يومي يبتدي في كل صباح بشوفتك "

وكأنني أرى ذات الشاعر هنا تقف على الأرصفة تمشط الطرقات وتحدق في مخارجها وهي تترقب طلعة الحبيبة من إحدى تلك الطرقات ممنياً النفس أن تكون بدايات الصباح برؤية من يهواها أو من جعلته على الأرصفة لتكون صباحاته جميلة وهنا أتذكر الشاعر الدكتور / أحمد الدرمكي إذ يقول :
[
( تخطين وشماً في الهواء ، ووجهةً
تسرق عروجاً مأتمياً لمقبلِ
[
وتحصين من يبقى إلى الفجر واقفاً
لقاء دم يرفو جبين التوسلِ ) .

جميل حينما يتوحد المرء مع نفسه ويخاطبها بل يخاطب أعضاءه جميعها يشركها معه لتتوزع مهام وظائفه ويدرك حجم الفرحة إن فرح أو حجم الألم إن تألم وهذا ما يوجده في النص ياسر المشيفري على الرصيف البارد حينما يسأل قلبه :

" من باع طيبك يا قلب مع ذكرياتك واشترى
ناديت للريح اقبلي صوبي .. وطارت خيمتك

حتى الريح التي ناداها الشاعر في قصيدته أتت بالخيبات إذ اقتلعت الخيمة وأخذتها إلى البعيد ، والخيمة هنا دلالة على صناديق الذكريات الملتحفة بغطاء شبهه الشاعر بالخيمة ليعبر عن ذلك بكثير من الذكريات إن لم تكن أطنان فهل تناثرت تلك الذكريات مع الخيمة التي سافرت مع الريح أم بقيت ليبقى ياسر يفتش عن الحبيب الغائب عبر الانتظار مواسياً نفسه بالبيت التالي ومذكراً بالتضحيات وما قدمه في ذاك الغياب أو من خلال مسيرة عشق لم تكتمل :

" أهديت لك شوقي مثل ناس المداين والقرى
كل يوم يتزايد شوي ويشتكي من غيبتك "

كمن يسأل ذاته ترى ماذا أفعل بكل هذه الذكريات التي تحيط بي في الشارع بل في كل زاوية أو زقاق أو مكان أنظر إليه والغياب في نظر الشاعر يشكل عبئاً أكبر بزيادة حجم الشوق ليتحسس ما حوله فيجد كم هو بارد هذا الرصيف مخاطباً الحزن القديم الذي شبهه كالشيخ الهرم رغم أن الحزن كالزمن لا يشيخ واستمد الشاعر العصا في إشارة إلى العمر الكبير الذي قطعه فيه هذا الحزن مرتعشاً من شيبته ومخاطباً له من خلال البيت التالي :

" بارد رصيفك يا الحزن والسالفه ماتنطرى
مكسور ظهرك من عصاتك / وارتعاشة شيبتك "

وكأنه يقول كل ما تبقى ليس سوى بؤساً عظيماً لا يحلم بغير الانهيار كالكهل الذي يصارع ماضيه ومستقبله وكلما أنبلج الفجر وأشرقت الشمس بنور ربها فلا جديد على الكرة الأرضية فكل ما في البارحة والأمس تكرر هذا اليوم وكأن سم الأفعى يسيل ككل يوم على الجرح الملسوع . متذكراً شاعرنا ليل البارحة وكيف أشعل النور وكيف الليل ارتحل تاركاً له نجمتين وقمر في إشارة إلى الفجر القادم وبقايا ما خلفه الليل "

" أشعلت ضوي البارحة والليل عاندني وسرى
لك نجمتين .. ولك قمر .. وأشياء تشبه سيرتك "

هكذا شبه الشاعر تلك التي ينتظرها على ذاك الرصيف بما تبقى من وجه الليل نجمتين وقمر عينان ووجه باسم ربما تأويلي يسوقني لهكذا تفسير ولأنه متوحداً مع ذاته يلقي الكلام على الكلام صار يتساءل ترى هل يستر أو يحجب الدمعة على نفسه كي لا تزعل عليه إن رأت في عينيه الدموع ، وربما ذاك ( الخفوق ) الذي ذكره الشاعر في البيت يقصد الحبيبة التي إن رأته باكيا يثير فيها روح الزعل فظن أن حجب الدمعة أمر مستحب . للنظر إلى حجم المشاعر وهي تتجسد لتكون بركان ثائر ورغم أن البركان لا يمكن أن تحصر اتجاهاته لكنه ياسر المشيفري يحاول أن يصنع لبركانه اتجاه وتشريع وتقنين من خلال البيت :
[
" كنت أستر الدمعة ؟ .. أخاف أنه خفوقي لو درى
يزعل عليك .. ومو بعيده ينتقص من قيمتك "

ولأنه آثر السهر ومعانقة ساعات الليل الطوال نسي النوم فما عاد الكرى له بين العيون مكان إلا لحظات عابرة قال عنها الشاعر " أحياناً "


" أحيان .. بس أحيان تتعطش جفوني للكرى
ويمر في حلمي عطر تشريقك / وتغريبتك "

إنه عطر التأمل يا ياسر ، بل هو عطر الانتظار ، بل هي الشرارة التي تشتعل دوماً في القش اليابس ، كيف لا وأنت تلقي عاطفتك للريح وتتلمس الأرصفة .. كيف لا ووجه من تهواه يطل عند الصباحات كالحريق ، كيف لا وقطرات الندى تجففها الشمس من على جبينك بعدما سكبتها أجفان الليل على ذاك الجبين وخوفي أن يطول الانتظار وتستعر الشمس بحرارتها ويتحول الرصيف إلى نار حارقة وأنت لازلت مع الصبح تمني رؤيتها معترفاً بالوقوف بالشارع الخطأ علك تراها لتكون صباحاتك جميلة وعذبة وكأنك تخضع الأمس المنصرم إلى ميول اليوم وتخشى أن يرتحل اليوم ويأتي الغد وأنت بذات الانتظار ولا شيء سوى انسياب الجرح من رحم الانتظار كمن يلهو بكفه مع الشمس على أن يحجبها أو كمن يبحث عن الماء وأقدامه على الرمل فلا شيء سوى همهمات ليل انقضى وصبح لم يأتي بالحبيب :

" واقف غلط في شارعك أقدر أشوفك يا ترى
الصبح يا عيني عليه .. يصير احلى بشوفتك " .

طبعاً سيكون الصبح أجمل برؤية من تحب فالحقيقة دائماً هناك تقبع خلف المجهول تملك تفاصيل الحكاية وأنهي قراءتي لهذا النص بنص لشاعر سوداني لايحضرني اسمه :

" على جمر النوى أحيا وقلبي
وليلاتي حزينات الغروبِ
رحلتِ ومذ رحلتي فلا حكايا
ولا عطر يمر على الدروبِ
وسافرت الغمائم دون عودٍ
وناحت كل صادحة طروبِ
وإذ تفد النجوم .. تظل حيرى
تسائل عنكِ في ولهٍ غريبِ " .


محمد الطويل




مريم العلوي 16-03-2011 01:19 PM

محمد الطويل
قراءة مميزة جداً تابعتها امس في ملحق شرفات وكانت لي وقفات طويلة في سطورها
امنياتي لك بالتوفيق


مملكة

فهد مبارك 17-03-2011 12:56 AM

محمد الطويل أولا أشكر تواجدك هنا سيدي وحضور قراءتك

ثانيا لا غنى عنكم في الساحة فأنتم من تغيرون وتؤرخون لساحتكم الشعرية

لك شكري على هذا كله

سالم الوشاحي 17-03-2011 09:10 AM

الأستاذ محمد الطويل

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قراءة إبداعية نقدية واعية

تتماشى مع النص الإبداعي

شكرا لك فقد أمتعتنا هذه القراءة الجميله

تحيتي وتقديري أيها الفذ



محمد الطويل 17-03-2011 03:16 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مريم العلوي (المشاركة 77971)
محمد الطويل
قراءة مميزة جداً تابعتها امس في ملحق شرفات وكانت لي وقفات طويلة في سطورها
امنياتي لك بالتوفيق


مملكة



هلا مريم العلوي .........

أشكرك على متابعة أسطري سواء هنا أو من خلال الصحف المحلية وفي ذلك تشريف لي ولأحرفي .

تقبلي خالص تقديري لشخصك .

محمد الطويل 17-03-2011 03:19 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فهد مبارك (المشاركة 78031)
محمد الطويل أولا أشكر تواجدك هنا سيدي وحضور قراءتك

ثانيا لا غنى عنكم في الساحة فأنتم من تغيرون وتؤرخون لساحتكم الشعرية

لك شكري على هذا كله


أخوي / فهد ........... مرحبا .

الشكر موصول لشخصك أخي العزيز على تواصلك وقربك من ما يستجد على الساحة الأدبية وما نحن سوء جزء لا يتجزأ منكم كالدائرة لا تكتمل حلقاتها إن غاب جزء ولو بسيط منها وأنتم الجزء الأكبر في اكتمال الدائرة .


كن قريباً سيدي .

محمد الطويل 17-03-2011 03:21 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سالم بن محمد الوشاحي (المشاركة 78050)
الأستاذ محمد الطويل

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قراءة إبداعية نقدية واعية

تتماشى مع النص الإبداعي

شكرا لك فقد أمتعتنا هذه القراءة الجميله

تحيتي وتقديري أيها الفذ





سالم الوشاحي / أخي الغالي ............

كأن الزمن بدأ يفصل بيننا فسر عكس اتجاه الزمن كي نصل لبعضنا فأنا لازلت في الطريق المعاكس .


خالص تقديري

فاطمة الكعبي 18-03-2011 01:43 AM

الأستاذ محمد

كنت هنا..
جميلة هي وقفاتك..دائماً تشعرنا بأن هناك من يقرأ لنا..




تشعرنا بالفرح أيضاً
همسة/ ومتأخرررررررة كثيراً..ومنك العذر سيدي الكريم
ألف شكر على قراءتك لنص "وجه مكسور"
أسعدتني وقفتك مع هذا النص :)


دمت كريماً..

هيثم العيسائي 18-03-2011 02:05 AM

متميز يا صديقي دائمااااااااااااااااا


كنت هنا هيثم

محمد الطويل 18-03-2011 03:35 PM

فاطمه الكعبي ........ الشاعرة المتميزة .

أرحب بك وأشكرك على كلماتك التي تدفع المرء دوماً للعطاء الدائم والمستمر .


توقفني فعلاً بعض القصائد وتجبرني على قراءتها بعيون أخرى بعيداً عن النقد بل أبحث عن الجماليات التي بالنص وأكتبه وهكذا كانت قصيدتك مشاعر وكلمات وصور رائعة أجبرتني على التوقف عندها وأتمنى أن لا أكون قد قصرت فيها .


خالص تقديري .


الساعة الآن 11:44 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

جميع الحقوق محفوظة لدى الكاتب ومنتديات السلطنة الادبية