الموضوع: العكاز
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-10-2011, 05:28 PM
الصورة الرمزية محمد عباس على
محمد عباس على محمد عباس على غير متواجد حالياً
عضو هيئة الشرف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
الدولة: الأسكندرية -مصر
المشاركات: 407
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى محمد عباس على
افتراضي العكاز



العكاز



قصة قصيرة


تلك الدمعة بالذات بكل مرارتها سكنت عينيه، أرادت الإعلان عن نفسها. وأبى عليها هذا ، ناضلها مصراً على نفيها عنه، رافضاً أن يربط عينيه بها.. الآن يراها تعاود تحديه، تغرز مرارتها فى أحداقه ، تبرز عاتيه معتليه أجفانه وهو يرى (إحسان) أمامه أو هو أمامها، وجهان متقابلان مترابطان بذلك الرباط الذى يجمع الوجوه المحبة مهما باعدتها الأيام ، وعيون تتعانق متلهفةباحثة عن كونها الخاص بها ، والذى يسكن فى كل منها فقط ، ولا يراه الا الآخر ..أخذ يتأملها ..يتأمل عينيها ..يبحر فى عسلهما الرائق الذى يزيده الإبتسام تألقاً ..فتح فمه ليتكلم ..أراد أن يعود الى ماقبل الفقد ليحكى لها- كما طالما حكى - عن العيون برياضها الفسيحة ذات الأنهار والزهور والرياحين والطيور البيضاء المغردة ، والكواكب والنجوم المتعانقة ، والسماء المشرقة التى تمطر حناناً ، أراد أن يحكى لها - كما طالما حكى قديماً - عادت الدمعة تناضل للخروج ،أغلق فمه رغما عنه.مكتفياً بالغوص فى ثنايا نظراتها ، غير أنه تذكر أنها التى تركته ، لم تخبره إنها ستمضى ، لم تشفع له العِشرة ولم يزكّيه الحب ..خرجت الدمعة بمرارتها عنوة الى عينيه ..( حتى اذا كانت أخبرتك أنها ستمضى ، ماذا كان بوسعك - بعكازك هذا- أن تفعل ؟) ..غطت الدمعة حدقتيه ..خشى أن تراها وتعرف أنها تسكن عينيه منذ تركته ..أدار وجهه متلهياً بالحجرة من حوله ..الحجرة التى شمت ريحها من قبل ..مد يده اليمنى يمسح عينيه، بينما اليسرى تمسك بالعكاز حتى لاينزلق من تحت إبطه ..الحجرة كما هى لم تتغير ...السرير المبعثر الفرش الذى يفتقد يدها التى طالما اهتمت به، الأريكة الخشبية أم صندوق التى كانت ترتب مساندها، وتغطيها بالقماش الوردى السميك الذى حاكته بيدها ، المائدة الصغيرة أمامها بمفرشها الأبيض وفوقه طفاية السجائر النظيفة دائماً ، النافذة التى استبدل زجاج ضلفة منها بورق كرتون سميك لحين ميسرة ، الصينية الألومنيوم التى تحوى القلة الفخار ، الستارة السمنية اللون المعلقة بدوبارة مربوطة بمسمارين أعلى إطار النافذة ، الطبلية الخشب المسندة على الحائط بجوارالباب ، وأخيراً الدولاب ذى الثلاث ضلف بعد أن فقد الرابعة ..عاد اليها غرز نظراته فى حبتى عينيها ..(هذا هو مكانك ..الم يوحشك ؟) ارتجف القلب ..أصرت الدمعة على النزول ..مد يده اليمنى يضغط بها عينيه ليمنعها ، وعاد اليها ..عيناها مازالتا باسمتين ، فيهما ذات الألق الذى طالما شده اليها ، قسماتها منبسطة راضية لاتشعر به ، ليس مهماً، المهم أنه يراها وكفى ..مرت برأسة خاطرة ابتسم لها ..( وجهك رغم تغضنه يحمل قسمات طفولية أحبها )..ومد يده كما طالما فعل يتحسس الوجه ..أحس برودة الزجاج تتخلل أصابعه ..لامس الشريط الأسود حول الإطار وهو يسحب يده ..انزلق العكاز منه ..تكاثرت الدموع على عينيه ..بكى!



__________________
محمد عباس على
عضو اتحاد كتاب مصر
عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
عضو رابطة الأدب الإسلامى
عضو نادى القصة بمصر
my blog : mabassaly.blogspot.com
mohamedabassaly.blogspot.com
رد مع اقتباس