عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 01-11-2011, 12:43 AM
الصورة الرمزية مختار أحمد سعيدي
مختار أحمد سعيدي مختار أحمد سعيدي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 583

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى مختار أحمد سعيدي
افتراضي

يحاصرك زمان ؟..
خضراء : آه لو كنت ريحا ... لعصفت بهذه المجتمعات ، و قذفت بها الى الجحيم ، أي حرية هذه التي تتكلم عنها ، حرية الذباب و الحشرات و البهائم ، هذا المفهوم للحرية هو الذي صنع نخاسة العصر واستعبد الجميع ..
السائق : هذه فلسفة و كلام لا يعكس الواقع ، لو كنت فلاحة لمات الناس جوعا ، تشاؤم وانهزام كلي ، أمام تحديات بسيطة و طبيعية يصادفها الجميع و في كل المجتمعات
خضراء : لست فلاحة والناس يموتون جوعا ، و لست حاكمة والناس يموتون مئات المرات ظلما ...و الناس ...و الناس...أما أنت لا شك أنك ابن ما وراء العصر ، أرجوك لا تجعلني أسجل أسفارك في سجلات العبثية ، بالله عليك بأي عين تنظر أنت الى هذا المجتمع ؟..أبهرتكم السطحيات ... خنقها الدمع فسكتت...
و عاد الصمت ليخيم من جديد و يترك المجال لسمفونية الاجترار ،اجترار النفس و الحديد ...يستوي الطريق أمامها و يمتد حتى يدرك الأفق ، ثم تأتي المنعرجات ، الأشجار تمر كأنها تقتلع و يرميها الزمن الى الوراء بكل ما أوتي من قوة ...هكذا تنظر خضراء الى الأشياء ، الزمن في نظرها لا تقهره الا القوة ، قوة السرعة ، و سرعة الحركة ، رغم أنها تقدمنا الى الموت ، و تحدث الاصطدامات و الانكسارات ، الا أن الانسان عازم على الوصول بسرعة على حساب العمر ...هكذا التحمت نفس خضراء بالمسافة و شجون السفر، و دون سابق انذار قفز تفكيرها الى حادثة البارحة ، ماذا سيقولون بعدها ، سيقولون هربت المجرمة ، و يقول آخرون اراحنا الله منها و يقول ...آآآه ،كريم هو الوحيد ، نعم هو الوحيد ... و بدأت مراسم الندم تتشكل في كل مدارك ذاتها ، اغرورقت عيناها و كادت تنهار بالبكاء ، تصارع فكرة العودة الى البيت بأيد فارغة وقلب جريح ...حينها كان البيت مسرحا للتساؤلات ، و حقلا للظنون و الاتهامات ، الكل في الغرفة حول سرير الأم الطريحة ،رؤوس منحنية أثقلتها التساؤلات ، و شفاه تأكلها أسنان الغضب الذي تغذيه الكلمات الملتهبة ، التي تتطاير كالشظايا من كل جهة ...
كانت حينها نونة الشبح ، هكذا ينادونها ، هذه العمة العانس ، واقفة أمام الباب ، تطارد بنظراتها عيون الأم ، كأنها تريد أن تقول لها شيئا ... امرأة طويلة ، بوجه عريض تملأه عيون البوم ، تتابع مجريات الحديث في صمت مريب ، كأنها تخفي وراءها منبع الحدث ، فضولية الى أقصى درجة ، لا تفوتها صغيرة ولا كبيرة ، تساعدها شساعة البيت وكثرة أجنحته على تحركاتها المريبة ، تجدها دائما حيث لا تتصور أن تكون ، وحيث لا يجب أن تكون ، كأنها السراب ، تتصرف ببرودة ، تمر أمامك مر الكرام ، أينما كانت يثير تواجدها اسئلة الشك ، لا تتكلم كثيرا ، عندما تنظر اليها تشعر وكأنك أمام شبح تتصارع في عمقه أرواح متناقضة وملامح الوعيد ، تزرع في نفسك رهبة ممزوجة بنوع من الشفقة والحذر ، ليلة الحادث شاهدتها خضراء في آخر الرواق ، واختفت فجأة ، ولما خرجت كانت تراقبها من شباك الطابق العلوي ... لا يعرف عنها سوى أنها العمة الشقيقة ، كانت هي اللبنة الأولى في تشكيل هذه الأسرة ، تحتفظ بجميع أسرار البيت وماضيه ، لا تقوم بأي شغل ، كأنها السيدة الشرفية للعائلة ، لا يدخل غرفتها أحد ، تعيش في عزلة وهي محور البيت ، تظهر وتختفي بسرعة ، لا يحدد أحد مكانها ... في هذا البيت لا تستطيع أن تجزم أنك وحدك الا وهي معك ، الجميع يتحفظ ، صورة لظل ليس له جسد ...
ثورة : هذا أقل ماكنت أتوقعه ، ان لعنة اللقطاء تطاردها حتى الموت ، سترون ذلك ..
الأم : لقد انتهى كل شيء ، لن يكون لها المكان بيننا أبدا ، قالها الأولون ًالمربي اليه ربي ً هي ذبحت الكلب لا تسلخيه أنت .
ثورة : كنا نحنو على أفعى ، لم أكن أكرهها الا لسواد أفعالها ، انظرو الى ذلك الأبله ، أراد أن يتزوجها ، كم كنت غبيا وساذجا ، وهكذا يعيرون أبناءك بأولاد اللقيطة
الأب : يتزوج من ؟
ثورة : يتزوج خضراء
الأب : خضراء ؟! .. هذا هراء كيف يحصل هذا في بيتي ؟! لماذا أنا آخر من يسمع في هذا البيت ؟
الأم : هون عليك يا حاج مجرد كلام أطفال ، لم يكن من الأهمية بمكان ، وأنت يا ثورة كفى !..لا تزيدي .. كفي عن أذى أخيك
كريم : سأبحث عنها لعلها تكون عند عمي بامبرا
الأم : لا تحاول يا بني ، انها كابوس العائلة وانزاح ، دعنا منها ..فقط لا أريد أن يسمع أحد بهذه الفضيحة ... خضراء سافرت
ظهر نوع من الارتياح على وجه الأم ، كأنها أحطت رحلا ثقيلا ، نسيت جرحها وهمت بالوقوف ، فأعادها الألم الى وضعيتها ، تنهدت وهي تنظر الى السقف وهمهمت ، وأخيرا جاءت النهاية وبتكلفة أهون ...
كريم : ماذا تقولين ؟
الأم : لا شيء أراحنا الله منها
نظر اليها كريم مستغربا كيف تحولت أمه بين عشية وضحاها الى وحش لا يرحم ، ماكان يظن أن أمه تحمل كل هذا الكره لخضراء
الأب : اتركوها ترتاح قليلا ، لقد تعبت كثيرا ، أما تلك اليابسة ، يعني بها خضراء ، فالى الجحيم
انصرف الجميع وبقي كريم ، ولما استوت أمه على فراشها ، وضع على صدرها الغطاء ، وهمس في أذنها قائلا ...
لماذا كل هذه القساوة يا أمي ؟!.. لماذا كل هذا البغض ؟! لماذا ؟ لماذا ؟
الأم : كم أنت طيب يا كبدي ، ليت الناس كلهم كريم ، يسامحون مثلك ، ولكن هيهات هيهات يا بني الدنيا آكل ومأكول ...
خرج كريم يجر الخطى ، وهي تنظر اليه بعين الشفقة ، تنهدت وقالت .. من أجلك ، ومن أجلها ، ليس لي خيار آخر ، لعل هروبها يكون قد حمل معه كل الافتراضات المأساوية التي كانت من المحتمل أن تصيب هذه العائلة ..
وصلت الشاحنة الى محطة الوقود ، تزودت ثم انطلقت ولا يزال السائق يلتزم الصمت وأحست خضراء بنوع من الحرج وهي تنظر الى صاحب المعروف الذي وضعته في قفص ، وبدى على وجهه الانهزام وشعرت في نفس الوقت بقوة تدفعها الى خوض المغامرة بكل ثقة ومواصلة الطريق ، لعلها تكون قد تزودت هي كذلك بعزيمة أقوى ..
الآن انهما على مشارف مدينة أروان ، هذه المدينة الساحلية التي سلبت بشوارعها ومحلاتها وساحاتها ، ومآثرها التاريخية ومراكزها الثقافية وشواطئها الذهبية ، سلبت بهذا الارث الذي تركه الاستعمار الفرنسي عقول مريديها ، هنا ، في هذه المدينة كل منشغل بنفسه ، هنا تذوب كل الفوارق الا فوارق العلم والمال ، لكي تعيش هنا يجب أن تندمج ، ويبقى هذا الوجه الظاهر لهذه المدينة العريقة التي تعاقبت عليها عدة حضارات واحتوت مختلف الثقافات
من هنا تبدأ رحلتي ، هكذا قالت في قرارة نفسها .. لا يزال شيء من الخوف يدفعها الى التردد ، الا أن الأمر قد تجاوز حد التراجع ..
سأعيش الغربة ، أستنجد بالعيادات ولا شك سأجد عملا ، ولا ربما في المستشفى ، لا أحتاج الى سكن .. المهم سأكافح من أجل البقاء ولو بالانحراف ، ليس لي من ألام عليه ، لا ، لا يا خضراء ، سيحميك الرب وليس لك سواه ، ومن بعد ، ذنبي على من أوجدني وضيعني ، سأحاول ..
السائق : ها نحن في مدينة أروان ، مدينة اللهو والطرب والخمر والنساء ، هنا يا آنستي يتنفس التاريخ بثقافاته المختلفة ، ترين موزايك من البشر حسب الأصول ، الروماني ، والبربري ، والبيزنطي ، والتركي ، والعربي ، والفرنسي ، والاسباني ، واليهودي ، و ، و ... كلهم محسوبون على العرب الا القبائل لا يزالون رومان وانظري الى فيزيولوجيتهم بالمقارنة ، الأفارقة يتميزون بالشفاه الغليظة و أنوف عريضة ، المصريون مثلا رغم أنهم بيض الا أنهم أقرب في الوصف الى أغلبية الأفارقة ، أما القبائل هم من بقايا الضفة الأخرى ، ولا يزالون لأنهم لم يندمجوا ...
كثيرة هي الأشياء التي ستكتشفينها خلف الممارسات الغريبة ، مثلا العبيد لايزالون في رقصاتهم الفولكلورية يستعيدون ظاهرة الجلد ، سجلها التاريخ بهذه الطريقة على شكل شطحات روحانية الى يوم الدين ...
دخول البيض معهم تكفير عن هذا الذنب واقتصاص
انها مخلفات الأمم التي مرت من هنا وشكلت النواة الأولى لكيان جديد ، يجمعهم في آخر أعمارهم عند سن التقاعد الاسلام ، انه العربة الأخيرة في قطار الحياة التي تنقل الى القبر ، فلا تتعجبي ، ربما ترين أشياء أخرى وتكتشفين عوالم خفية وطقوس أغرب من الخيال ، فلا تتعجبي ، انك في مدينة أروان ....
خضراء : لأول مرة آتي الى هنا
السائق : اذن كوني حذرة ، هنا يعروك والبوليس ينظر ولا ينقذك أحد ، لأن ماوراء نجاتك فائدة ، واذا كانت باريس مدينة الجن والملائكة ، فمدينة أروان مدينة الجن فقط ، منهم ومنهم وقليل ما هم ...
ستتذوقين التاريخ وتستلذين معانيه وتتحولين من المحافظين ، فاذا كنت من أصول افريقية هنا تستمتعين بذلك ، فأنا مثلا من أصول تركية ، لا نزال تركيبة أساسية في هذا البلد .
على كل حال اسمي سلطان ، تحصلت على شهاد الليسانس في التاريخ من جامعة الجزائر ، وأعمل كسائق في سوناطراك لأنني أحب السفر ، وأحب المال ... ربما يجمعنا الطريق مرة أخرى ونعزف حينها على وتر واحد .
توقفت الشاحنة وقال السائق : لا يسمح لمثل هذه الشاحنات بالدخول الى المدينة ، لا بد أن تنزلي هنا ، هذا أقرب مكان لوسط المدينة ، هناك النقل بأنواعه لكل وجهة تريدين .
لم تجد خضراء ما تكافئ به السائق ، فأهدته ابتسامة خاصة جمعت فيها كل معاني الشكر والامتنان ، نزلت ولما استوت واقفة على الرصيف ، نزعت خاتمها ومدته اليه
خضراء : خذ ، انه من الذهب الخالص
فنظر اليها ، هز رأسه ، ابتسم وتحركت الشاحنة بكل قوة ، أعادت خاتمها في اصبعها ومسرعة ارادت أن تمر الى الرصيف الآخر ، وبمجرد ما ظهرت خلف الشاحنة ، فاذا بسيارة قادمة بسرعة جنونية ، اراد السائق أن يتحاشاها فاصطدم بسيارة اسعاف قادمة من الاتجاه المعاكس وارتطمت بهم سيارة الشرطة التي كانت تطاردها ... كوم من الحديد ولحوم البشر ، لم ينج في الحادث الا خضراء ، نقلت الى المستشفى في غيبوبة تامة ، وضعوها في غرفة منعزلة تحت حراسة مشددة ...
كان النوم برزخيا عميقا ، فضاء أزرقا ، لا بداية له ولا نهاية ، مجرد من الاتجاهات ، ضياع ، سباحة في عمق الماء دون مقاومة ، سكون مطلق حيث يتوقف مفعول الشعور واللاشعور ، يندمج فيه الأنا والذات بالفراغ ، انه اللاشيء ، انه الذوبان والفناء ، كأن هذا الجسد وجد ضالته ، اغتسال وتطهير من الماضي وموت السؤال ...
فجأة هبت نسمة هواء ، ثم أخرى ، وبدأت الأشياء تتشكل ، تتركب ، والحواس تستعيد وظائفها ، وقد تلقى الجسد البارد نفحة من دفء الحياة ، انه يعود من بعيد ، من عمق السفر الآخر
خضراء : آآه .. آآه .. آآه
الشرطي : ألو .. ألو .. سيدي المحافظ ، لقد استيقظت المتهمة
الممرضة : لم تستيقظ بعد ... لقد خرجت من الغيبوبة فقط ، ولا تزال تحت تأثير الصدمة ، لا ندري كيف تكون حالتها النفسية ، على كل حال لن يراها المحافظ قبل الطبيب .. أنصحك أن تبقى أمام الباب
الشرطي : أبدا ، عندي أوامر ، لن أبرح هذا المكان
خرجت الممرضة ، وبعد هنيهة عادت ومعها الطبيب ، جص نبضها ، تفقد الأجهزة ، ابتسم ونظر الى الممرضة ، ابتسمت ، ولما هم بالانصراف دخل المحافظ
المحافظ : آه ، دكتور .. خرجت من غيبوبتها ؟
الطبيب : لا ، لا تزال تحت تأثير الصدمة ، لم تخرج بعد من مرحلة الانعاش
المحافظ : اني في سباق مع الزمن يا دكتور ، والوضع لا يخدمني
الطبيب : لا أسمح لكم بأي سؤال قبل نهاية مهمتي واخراجها من دائرة الخطر
المحافظ : لن نكون ثقلاء ، سؤالين أو ثلاث
الطبيب : أبدا ، انها تحت مسؤوليتي
المحافظ : أي مسؤولية هذه التي تخدم المجرمين
الطبيب : تعالى معي الى المكتب ونتحدث
فراغ كبير يحيط بها ، كأنها ريشة تسبح في الفضاء ، دوران في الرأس ودافع للقياء ، وأوجاع مع كل نابض ، رائحة غريبة تملأ المكان كأنها تخرج من جوفها ، شبح أبيض تتشكل ملامحه وتختفي خلف الضباب ، رويدا رويدا ، تقوم بمجهود أكثر ، تقاوم ، بدأ يتبدد ، ينقشع ، ويظهر وجه امرأة تبتسم ، نعم انها شابة جميلة بلباس أبيض ، يحول الدمع بينهما ، أغمضت عينيها من شدة الألم ، أرادت أن ترفع يدها ، آآه .. آه ..ماء .. ماء
سقطت قطرات على شفتيها الذابلتين ، تلعقهما وتبتلع بصعوبة ، قطرة أخرى ، ثم أخرى ..
خضراء : أين أنا ؟
الممرضة : أنت في المستشفى ، لا تخافي لقد تجاوزت مرحلة الخطر ، لا تتكلمي كثيرا حبيبتي ، ولا تتحركي حتى لا ترهقي نفسك أكثر ، أغمضت عينيها من جديد واختفت ملامح الحياة ، في نوم عميق .. جصت نبضها ، الأجهزة تعمل عاديا ، ليس هناك أي اشارة لخطر ما .. انه الارهاق فقط..
أغلق الطبيب الباب ، وجلس ودعى ضيفه للجلوس فأبى قائلا
المحافظ : ليس الوقت للجلوس والحديث ، أنا بحاجة الى تصريحات ، الوقت يداهمني يا دكتور ، تعقل قليلا
الطبيب : عندما تنتهي مهمتي وتخرج المريضة من دائرة الخطر
المحافظ :المجتمع كله في خطر ، هذه العصابة ان تمكنت من الفرار ستكون ضحاياها بالآلاف ، يستحيل الانتظار أكثر
الطبيب : هب أنها ماتت
المحافظ : كنا نحول اهتماماتنا الى اتجاه آخر ، وحتى الآن هي أقرب الى الحقيقة من غيرها
الطبيب : أنت يا سيدي لا يهمك الا التحقيق ، انها مهمتك ، تريد أن تقوم بها على أكمل وجه ، ورغم كل الصعوبات يبقى لك هامش التحرك واسعا ، أما نحن فليس لنا الخيار، تهاون بسيط وينتهي كل شيء ، اننا نتحدى الموت يا سيدي ، أرجوك لا تحاول ... ومن يدري لعل المتهمة بريئة
المحافظ : ينظر اليه بازدراء .. سآتيك بأمر من النيابة ، مهما كانت نتيجة عملك ، لن تنجو من حبل المشنقة ، وسأتشرف على ما يبدو أن أضعه حول عنقها ، وان ماتت قبل ذلك ، ستدفع أنت الثمن غاليا ..
الطبيب : ستكون مهمتك صعبة للغاية ، يمكن مستحيلة
المحافظ : سنرى ، سنرى ..
خرج المحافظ وقبل أن يغلق الباب ، نظر الى الطبيب ، تبسم وانصرف بكل هدوء ..
الشرطي: سيدي المحافظ لقد تكلمت مع الممرضة
أدخل يده في جيبه ، ينظر الى الممرضة وهو لا يزال يبتسم
المحافظ : تكلمت ؟
الممرضة: نعم .. تكلمت
ولما رفعت بصرها كأنها تراه لأول مرة ، كان وسيما ، تتطاير شرارات الرغبة من عينيه وهو يقترب ، انه فارس الحلم الذي كان يجوب أفق أحلامها منذ زمن بعيد ... سحرها واستسلم كل شيء فيها كأنها سادية
المحافظ: تكلمت ؟ ماذا قالت ؟ ..
لا تزال تنظر اليه ، خدرها بنظرته الثاقبة وانتصرت خشونته الممتزجة بالرقة المصطنعة على تلك الرقة والروح الملائكية ، تنظر الى شفتيه وهي تتحرك ، انها تقول لها ما تريد وبدأت ابتسامة الاستسلام تكتسح وجهها وترسم على المحيا الشغف والاعجاب ، تنبه المحافظ لذلك وحول ذلك التيار الى عمق الشجون الرومانسية فبهتها .. وقال : أتعبناك معنا أيتها الجميلة ، تحملي خشونتنا ، هي الظروف فقط ، لسنا كما تتصورين ، فقط نخفي مشاعرنا ورقة قلوبنا وراء نصوص القانون ، وأحيانا أمام مثل هذا الجمال تخترقنا الابتسامة وتدرك العمق .. نحن ملزمون برفع التحديات .. ساعديني أرجوك .. وضع يده على كتفها فارتعشت وهمت أن ... ثم قالت :
طلباتك أوامر ، سأخرجها من هذا السكوت عن قريب .. كان صوتها قد غشيته بحوحة وارخت حباله..
الممرضة : أرجوك ، لا تخبر الطبيب ، هذه من أسرار المهنة ..
أخرجت هذه كلمة من عمق المكر ،نظر اليها و ابتسم من جديد
المحافظ : هذا رقم هاتفي الخاص ، انني في انتظارك ، شد على يدها بكل قوة ، نظر اليها بعمق ، أكد في سريرتها موعدا ، وانصرف كعادته بكل هدوء ، كانت الممرضة تتبعه بنظرتها كأنه الشمس نحو الغروب ، ترسم في أفق عمرها كل معاني الرومانسية ودخل قلبها في غيبوبة تامة وما هي الا لحظات حتى دخل الطبيب
الطبيب: كيف حال المريضة ؟
الممرضة: آه .. نعم .. نعم .. إنها .. لا تزال ...
الطبيب: لا تخشي شيئا ، عمل الشرطة مروع ، ومعاملتهم خشنة ، ولكن علينا أن نعلمهم كيف يحولون خشونتهم وعنفهم رحمة في خدمة الإنسانية ، عند الأمم المتحضرة ، الشرطي أرحم وأرق من الطبيب ، الشرطي يا بنيتي في الأمم المتحضرة هو ذلك الجراح الماهر وهو يعالج مجتمعه ، لا جلاد سعيد بقطع الرقاب، والقانون عند الأمم المتحضرة يشرع للمساعدة على العيش الكريم والسلام والحرية والأمن والأمان ، ليس موادا لاضطهاد الأمة وذلها واستعبادها ، ان غاية القانون صنع الجنة فوق الأرض ، ولا يعذب بالنار الا رب النار ... نحن نحيي الناس ونمنح لهم الحرية
رد مع اقتباس