عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 29-01-2012, 02:03 PM
سعيد اليعربي سعيد اليعربي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2011
المشاركات: 314

اوسمتي

افتراضي من مشكاة الوطن " متجدد"

دائما أقول إن هذا الوطن بحاجة إلى من يشعر به، ويحسه ويتنفسه، بحاجة إلى قلوب محبة، وأرواح طاهرة تحلق في سماوات قدسيته السرمدية، نعم الوطن بحاجة إلى من ينفض عن تراثه غبار الأتربة المتطايرة من هنا وهناك ، والتي تكوّم سحائب دخان تحجب الرؤية عن بريق معدنه الأصيل، لن نتقدم ما انبتَّ حاضرُنا عن تراثنا بأبعاده المتنوعة، ذلك الإرث الذي بذلت في سبيل تمجيده لنا الأرواح الطاهرة، والدماء الزكية، نحن " أن نقرأنا" من الأعماق، ماذا كنا؟ وإلى أين نتجه ؟ وفيما بين هذين كيف نحن الآن؟
أتعجب كثيرا عندما أقرأ كتابات تنادي بتجديد الإرث، وعندما أنظر بعمق لا أرى ذلك التجديد يزيد إرثنا إلا عتمة، وتواريا خلف أستار حجب كثيفة، فبدءا من صناعة " البسكويت" وانتهاء بصناعة "الفكر"، كل شيء يقودنا إلى نتيجة واحدة، هي أن نصبح مسخا لا هوية له، لا ملامح تميزه، ولا شيء ينتمي إليه، مستنسخا عجيبا من أمشاج شتى، لا يعرف شيئا عن أي شيء، إلا أنه وجد في فضاء واسع، وأن هذه المجرات تدور، وهو وحده الذي يقف مقلبا بصره في دورانها، إلى أن أصيب بالدوار.
أكلني الألم حتى أنه لم يبقِ فضلة منِّي لشيء بعده يمكن أن تؤكل، هنا خلف حنايا الصدر يقبع قلب منفطر، وهناك وراء الشمس تحلق روح ثملى، جلُّ ما أسكرها حنين لإيقاد شمعة في حنادس الظلام المركوم فوق رؤوس الأشياء، وكلما تمكنت من إشعال عود ثقاب لوقدِها، جاءت ريح عاصف، فلم تبق من عود ثقابي إلا دخانا لم تسنح له فرصة أن يصبح رمادا تذروه الرياح.
أيقظ فيّ نص سالم البوسعيدي "قافية للتاريخ" ما أستطيع تسميته بجنون اليأس، فما عدت أبالي بشيء من الأهوال والمخاطر، وعندما يستيقظ شعور كهذا في الإنسان لا يمكن أن يكون إلا أحد اثنين، طوفان ابتلعه البحر، أو بحر فجره الطوفان، وفي كلا الحالين لن يتحمل جسدي الواهن الغرق في قعر المحيط، ولا التحطم فوق قمة جبل شامخ بعد تحطيم كل شيء.
قد تكون لدي ملحوظات فنية على هذا النص؛ من حيث التراكيب والصور الفنية، ولكنني حينما أنظر إلى عمق الدلالات، وما تستدعيه من قوْد الفكر قوْدا لتنفس الحياة الحقة، التي طالما تنفسها رجال لم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فإنني أقف مشدوها إزاء ذلك النور المنبعث من مشكاة الوطن، ذلك النور الذي أجزم أن من استهداه لن يحتاج إلى أن يجد على النار هدى.
رد مع اقتباس