الموضوع: بحيرة البجع
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 26-12-2009, 10:15 PM
الصورة الرمزية محمد الطويل
محمد الطويل محمد الطويل غير متواجد حالياً
عضو مجلس ادارة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 2,036

اوسمتي

افتراضي بحيرة البجع



( بحيرة البجع )

الأرصفة النائمة في هذه المدينة هي دون خطى إلا من خطواتي السائرة نحو البعيد والمثقلة كالزمن بالأسى .. أجمع في ذاتي بعض الكلمات المتناثرة وأنشد بصوت عال تلك الكلمات ورذاذ المطر السخي يداعب وجهي لينام ذاك الرذاذ على شعر رأسي .

هكذا أنا هنا بلا حب ولا وطن متأرجحاً بين يأس مرير وأمل يحتضر سائراً في شوارع المدينة على جوانب الأرصفة مبحوح الرجاء وهذا الغيم الرابض قد قلم أظفار الشمس والندم يملؤني كهذا البرد الذي يجتاحني منتهزاً فرصة توحدي وغربتي بينما البجع الأبيض عن يساري في ماء البحيرة يستحم ويرفرف بأجنحته دون أن يطير وكأنه يهمس لذاتي أن للأمل تبقى أجنحة سوف ترفرف لتحملنا يوماً إلى الوطن مهما بلغت فينا الغربة مداها .

لكنه ذاك البجع الراقص لا يعلم أن حبال الأماني قد أغرقتني بعد أن ظننت يوماً أنها ستنقذني من الغرق المؤكد .. لا يعلم ذاك البجع أن الكلمات التي كانت تملؤني بالغزل والحب هي اليوم مثقلة بالصمت والغبار .. لا يعلم ذاك البجع شوك الحرمان الذي سارت عليه خطاي منذ أول خطوة لي في طريق الغربة ومنذ آخر لقاء كان بيننا في ذاك الوطن النائم خلف موج البحر . آه أيها البجع الراقص في هذا الطقس الجميل ليتك تعلم أني مثقل كالبحر وعميقاً بالجراح .. ليتك تعلم أنني أقمت أضرحة لأحلامي منذ زمن بعد أن صادرتها إلى الزرقة .

عاشق أنا إلى عودتي لوطني الأم ، بل إلى قلب حبيبتي وإلى العطر الذي كان يأسرني ونام بين أناملي منذ أعوام تجلت .. عاشق أنا إلى التصاق الجسدين .. إلى الشفتين حينما تداعب براكين الشهوة ومربعات الطباشير تقتحم خرائط التخطيط .. عاشق أنا إلى الوشم النائم على الخد الأيسر .. بل إلى غابات البلوط وإلى مواسم الحصاد .. عاشق أنا إلى الدموع حينما تصافحنا بالفرح وإلى الحلم في شوارع الأمل ..

عاشق أنا لكنني لا أبلغ بعشقي حدود أسوار موقعي الذي أتقوقع فيه منذ أعوام والزمن يسرقني كما يسرق الآخرون وتبقى وحدها أمنيات شاحبة تنام كل مساء في مخيلتي وتتناثر على هذه الأرصفة لتكون مجرد جثث أحلام يغسلها المطر قبل أن تدفنها الرياح .

هذا أنا أيها البجع الراقص في تلك البحيرة المترجرجة بمياهها العاكسة لشجر الصنوبر والسحب وقمم الجبال الخضراء ووجهي البائس ، لا أملك سوى بقايا شتات أمنيات أتعكز عليها في غربتي وبقايا فتات من ذكريات تبقى كنصل جارح في فؤادي فتسيل بدمائها فوق عراء المكان لأنزع بعدها جرحي بوجع جديد من قلبي ، وعبر هذه البحيرة أرسل أكاليل الزهور لقبور أحلامي وأمنياتي الجميلة .

تلك الأحلام التي قتلها الزمن .. إذن هذا أنا أيها البجع ترى هل علمت الآن كيف أتعامل مع أحزاني .. هذا أنا وجه من رماد وابتسامة ساخرة في نهار الناس مصبوغة بألوان فاقعة تتلاشى عند سقوط المساء لتكون الدمعة وحدها الحاضرة فأغني ألمي بصوت مترنح الطبقات . ترى هل ستحضر أيها البجع أمسيتي التالية لتسمع إلى بعض مواويل الأسى فلازال في ذاك الأسى ثمة مقعداً شاغراً .



النص كاملاً .
رد مع اقتباس