الموضوع: إفتقاد
عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 24-07-2012, 09:26 PM
الصورة الرمزية yasmeen
yasmeen yasmeen غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2012
الدولة: سلطنة عمان
المشاركات: 313

اوسمتي

افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة يزيد فاضلي مشاهدة المشاركة
...كأنما أغلِقُ عيْنيَّ-أختي الكريمة البديعة ياسمين-على أصداءِ حُداءٍ رخيمٍ،ينبعثُ من تجاويفِ حروفِِ ومضتِكِ العابرة،تستجدينَ بها من بوتقةِ الذكريات الغابرة لفتةً أبويةً حانية ً،كانتْ لكِ معها صوْلاتٌ إلفةٍ وجوْلاتٌ...

أو لِنقلْ : إنها رحلة انبعاثٍ رقيقةٍ لذكرى تليدةٍ بين ( البنوة ) المتشوقة و ( الأبوة ) الراحلة...

وليسَ أقسى-أختي البديعة-حينما نستذكرُ أيامَنا الخوالي من ذكرياتنا البعيدة مع والدِينا..!!

ولا يَعْدِلُ قسوة َالذكرى لأيامهما إلا فقدُهُما في ساعةِ الحَوَج والعَوَز لدفءِ حنانهما وسكينةِ وجودِهما..!!

أيْ واللهِ أختي...!!

فإنَّ لرحيل أحدِ الوالديْن-أو كلاهما-في حياةِ المرءِ ما يزرَعُ في النفس أخاديدَ من لوعةِ الفراق وحُرْقَةِ البَوْنِ،بحيثُ تبقى جراحاتُ الشعور بالفَقْدِ والافتقادِ تثلِمُ أخاديدَ من آلامٍ وشجونٍ،لا يُخففُ من لظاها كَرُّ الغداةِ ومَرُّ العَشِيِّ..وإنما كانَ من ألطافِ المولى عز وجل ومن فيْضِ رحماتِه أن دَثَّرَ قلوبَنا الضعيفةَ بدَثار الصبْر والتجمُّل وبنفحاتِ الرضى بما قسَمَ وقدَّرَ في قضائه،فنمضي في درْبِ دنيانا،نلقى الحياةَ بابتسامةِ التسليم مع ما نتكتمُ عليه في خبيئتِنا من ألَمٍ دفينٍ،ولسانُ حالِنا يقول :

ولربما ابتسمَ الوقورُ من الأذى ** ونارُ فؤادِهِ من حَرِّها يتأوَّهُ..!!

ما أقساهُ-أختي الكريمة-شعوراً بافتقادِ الوالدِ..!! وما أعنَفَها أحاسيسَ حينَ تمضي الأيامُ وتتعاقبُ،فيتلفَّتُ القلبُ المُعَنَّى،وإذ بالعيْنِ القريحةِِ تكتحلُ بما تبقى من بقايا الذكرياتِ التليدةٍ-مع آثار الوالِدِ-التي تصرَّمَتْ مع لحظاتِ العُمُر الخوالي،فلم يبْقَ من نعيم الدنيا بعَدَه إلا تلك الذكريات التي تشدنا نحوَهُ والبقايا التي تنتمي إليه..!!!

هنا كان يجلس ويقوم..وهناكَ كان ينامُ ويَقعُد..وتلكَ هي ثيابه وأشياؤه..وهاتيكمْ هي أصداءُ أحاديثه وحواراته..حتى لو كان حوار فضوليا حول زهرة ( ذنين الفار ) التي كانت تكسو الضيْعة والحَرَاش...!!!

حتى أنفاسُهُ وأعباقُ حِسِّهِ ما يزالُ عِطرُها يضيعُ في جنباتِ البيْتِ حتى ليكادُ كل شيءٍ سيَذرِفُ ويبكي...!!!

إنه حالنا جميعاً حين تتلهفُ أشواقنا لذكرى من ذكريات الوالد الراحل...

فلا يُؤنسُنا إلا الحديثُ عنه،ولا يُطربنا إلا استرجاعُ الأيامِ الخوالي معه،خصوصاً عندما كنا زنابِقَ صغاراً،نتفيأ ظلال أحضانه الدافئة ونستشعرُ رقةَ حنانه المتدفِّقِ الفيَّاض...

إن في القلب لغُصَّةً تتنزَّى..وإن في العيْنِ لدمْعَةً تتقرَّحُ..!!!

ولكنْ..ما عسانا نفعلُ يا تُرَى،وقد حَلَّ القضاءُ فضاقَ الفضاءُ..؟؟!!

عزاؤنا-أختي الكريمة-فقط أن نكونَ امتداداً لآمالهم وأمنياتِهم فينا،وأن نسيرَ في ذاتِ الدرب والطريق الذي كانَ مرسوماً في دوحةِ أحلامهم..لا نخيسُ بها ولا نألوا جُهْداً أن نكونَ ستاراً قَدريًّا لدعواتِهم ونَجَواتِهم وهم يَجأرون إلى الله تعالى في سجودهم وقنوتهم : (( ربنا هبْ لنا من أزواجنا وذرياتِنا قرةَ أعيُنٍ واجعلنا للمتقين إماماً ))...

عزاؤنا أن نستشرفَ من حاضرنا لمستقبلنا،فنستمد من مآثر والدِينا ما تَقِرُّ به أعيُنُهم وأرواحُهم عند بارئها،و (( الأرواحُ جنودٌ مجندةٌ... ))...إلى أن يحينَ اللقاءُ فَيَلْتَمُّ الشملُ-بإذن الله-في دار البقاء...

أقرأُ-أختي الكريمة-كلماتِكِ،فأستشعرُ شجَناً وجَوًى ولوعةً..وحُقَّ لبنتٍ أصيلةٍ بارَّةٍ أن تذرِفَ كلماتٍ رقيقةً في أثر والدها الكريم رحمه الله...

ورُبَّ كلمةٍ صادقةٍ من قلبٍ صادقٍ بارٍّ،أحيا اللهُ بها أفئدةً مَوَاتاً بالجحود والعقوق والهجر والعصيان..!! فإنه-واللهِ-لن يعرفَ قيمةَ الوالديْن ونعمةِ وجودهما إلا حين يُسدِلُ الموْتُ بينه وبينهما ستارَ الرحيل...!!!

بوركتِ-سيدتي الكريمة-وبوركتِ على هذه الومضة القصصية التي تقاطرتْ من قلمِكِ تلقاءً وعفواً،فكانتْ-في تلقائيتها وعفويتِها-أجملَ ما وفاءِ بنتٍ أصيلةٍ لذكرى والدِها التليدة...ولا حُرمنا من كتاباتك...


أخي الكريم الأستاذ يزيد فاضلي وجدت مواساة في كلماتك وحضرتك


هنا بكلماتك سطرت مقال رائع في حب الوالدين


أسعدتني بمرورك الراقي الجميل وأسال الله أن يديمك بخير وعافية
رد مع اقتباس