سَفَر ..
* النص الفائز بالمركز الثاني في مجال الشعر الفصيح
سَفَرٌ .. وَرِيَاحُ مَجَازِيْ تَتَكَسَّر
وَالْمَاءُ يَنُوْحُ عَلَى جَسَدِيْ
يَا كُلّ مَجَادِيْفِ الْمَنْفَى
لا وَطَنٌ لِيْ.. لغَتِيْ وَطَنِيْ
لا شَيْءٌ لِيْ فِيْ الْحُلْمِ سِوَى
لَيْلِ مَلَائِكَةٍ نَامُوا فِيْ الْعُشْبِ
وَنَامَتْ فَوْقَ أَظَافِرِهِمْ أُنْثَى
مُرْهَقَةٌ مِنْ تَعَبِ الرُّؤيَا
وَالرُّؤيَا تَعَبٌ لا يَنْفَد
أَحْتَاجُ لِسِرْبِ فَرَاشَاتٍ
يَرْفَعُنِيْ ..
أَحْتَاجُ لِلَوْحٍ آخَر
كَيْ أَطْفُو فَوْقَ الرِّيْشِ النَّاعِمِ
أَهْرُبُ ...
لَمْ تَعُدِ الذِّكْرَى مُوْحِشَة يَا وَطَنِيْ
لَمْ تَعُدِ الصَّحْرَاء تُلاحِقني
هَا تَلْهَثُ خَلْفَ الرّمْلِ ضُلُوعِي ثَكْلى
غَائِرَةٌ فِيْ جُرْحِ النّاي عِظَامِيْ
هَا ظِلّ اللهِ عَلَى جَسَدِيْ ..
يَهْطلُ فَوْقَ نَخِيْلِ الرُّوْحِ الْبَارِدِ
وَالشّيْخُوْخَةُ تَقْرَعُ أَجْرَاسَ الْمَنْفَى
وَالْمَوْتَى مِنْ كُلِّ جِهَاتِ التَّارِيْخِ أَتَوْا
يَفْتَضُّوْنَ بِكَارَةَ هَذَا الليلِ ..
يَا لَيْلُ تَعِبْنَا مِنْ خَمْرِ الْفِضَّةِ
أَحْتَاجُ إِلَيْكَ لأَعْرِفَ نَفْسِيْ
أَعْضَائِيْ تَقْذِفُهَا الرّيْحُ بَعِيداً عَنّي
وَأَنَا أَلْهَثُ خَلْفِيْ
أَلْهَثُ أَلْهَثُ أَلْهَث ....
وَطَنِي يَتَمَزّقُ فِيْ خُطُوَاتِيْ
وَأَنَا أَلْهَثُ ...
مُقْصَىً فِيْ جِهَةٍ مُرْتَابَةْ
لا وَطَـنٌ كَيْ أَقْرَعَ بَابَهْ
لِمْ تَرَكَ اللهُ هُنَا فَأساً ؟!
وَالْغَابَةُ لَمْ تَعُدِ الْغَابَةْ
تَبْذُلُنِيْ الْحَانَةُ فِيْ كَأْسٍ
لَمْ يَعْرِفْ يَوماً أَنْخَابَهْ
وَطَنِيْ يَتَرَنّحُ فِيْ حَانَاتِ الْوَهْمِ
يَفِيْضُ مِنَ الأَقْدَاحِ حَزِيْنَا
وَأَنَا تَخْنقنِيْ الْعَتْمَةُ .. تَبْلَعنِيْ
لَمْ يَعد الآثِمُ يَلْثُمُ جَمْرَ خَطِيْئَتِهِ
لَمْ تَعُدِ الْفِضّةُ تُسْعِفُنِيْ ...
هَجَرتنِيْ الآلِهَةُ الأُوْلَى .. هَجَرَتْنِيْ
وَمَسِيْحُ الْمَاءِ الْجَارِحِ لَنْ يَرْجِعَ كَيْ يُنْقِذَنِيْ
وَحْدِيْ سَأُعِدّ جَنَازَةَ حُلْمِيْ
لا أَحْتَاجُ لِزَنْبَقَةٍ فَوْقَ النّعْشِ الْهَالِكِ
أَحْتَاجُ لِنَصْلٍ كَيْ أَخْرجَ فِي الْمَوْعِدِ
مُمْتَثِلاً لِلْمَوْتِ وَلِلرُّؤيَا ..
يَا لَيْلُ هَرِمْنَا
يَا سَعَفَ التّارِيْخِ هَرِمْنَا
لم تعد الزُّرْقَة تُدْفِئُ قَلْبِي الْمَالِحَ
فالْغُرْبَةُ أَقْسَى مِنْ تَعَبِيْ
يَا لَيْلُ تَعِبْتُ أُمَشّطُ أَوْجَاعَ الْكَوْنِ وَحِيْداً
هَا ظَهْرِيْ يَدْنُو لِلأَرْضِ
وَنَاصِيَتِي تَنْحَتُهَا الرّيْحُ ..
تَعِبْتُ أُقَامِرُ أَيَّامِي
يَا لَيْلُ تَعِبْتُ أَمُدُّ دَمِي
وَهُنَا فِيْ أَقْصَى الرُّوحِ نَبِيُّ يَبْكِيْ
وَحْدِي أدْفنُ أَسْنَانِيْ اللبنيةَ فِيْ لَحْمِيْ
لا مَعْنَى لِلْمَعْنَى
يَا لَيْلُ تَعِبْتُ ..
أَخَافُ مِنَ النّعْنَاعِ النّاعِسِ يُوْقِظنِي
وَأَخَافُ مِنَ الزّفَرَاتِ ..
هُنَا كَالثّلْجِ تَئِنّ مَفَاصِلُ رُوْحِي
يَتَمَزّقُ فِيْ أَحْشَائِي ضَوْءُ مَلاكٍ ..
مَاذَا تَفْعَل بِيْ يَا رَبّي !!
أَحْتَاجُ إِلَيْك ..
أَخَافُ مِنَ الْبَرْدِ الجَائِعِ يَنْهَشُ لَحْمِيْ
دَثّرْنِيْ .. أَحْتَاجُ إِلَيْك ..
الآنَ سَأَخرجُ مِنْ جُمْجُمَتِيْ
أَقْطِفُ أُذنَ الْبَحْرِ الْمَارِقِ
أسْرِف فِيْ أَحْلامِيْ ، عَلّي أَفْقدُ ذَاكِرَتِيْ
عَلّي أَشْتَاقُ مَشِيْئَةَ هَذَا الْحُلْمِ
أَنَا الْعَدَمُ الواقع فِيْ الْبَرْزَخِ
أَدْخُلُ مِرْآةَ الأَبَدِيّةِ
لا أَعْرِفُ أَيْنَ يَسِيْرُ الْمَوْتَى
فَالْمَوْتَى مَاتُوا .. لَمْ يَصِلُوا لِلأَسْمَاءِ
جَمِيعاً لَمْ يَصِلُوا ..
الآنَ الْحُمّى تَتَحَجّرُ فِيْ رَأْسِي
شُطْآنِي تَرتاح ..
لَو ارْتَفَعَ الْمَوْتُ هُنَا سِنْتِيْمِتراً
لَغَرَقْتُ ..
وَلَكِنّ رَنِيْنَ الأَجْرَاسِ
يُلاحِقنِيْ ..
الآنَ نَقِيْضِيْ يَتَنَهّدُ ..
لا أَتَذَكّرُ كَيْفَ خَلَعْنَا وَجْهَيْنَا
فالنّهْرُ النّائِمُ يَعْكِسُنَا
وَجْهِيْ وَجْهُكَ .. وَجْهُكَ وَجْهِيْ
نَحْنُ الْوَاحِدُ قَبْلَ الزّمَنِ الْغَابِرِ
لَكِنّ الأَشْكَال تُفرّقنَا
الآنَ الْخَوْفُ يَخَافُ مِنَ الضَّوْءِ الْخَافِتِ
أَقْتَرِبُ فَيَبْتَعِدُ قَلِيْلا ، أَبْتَعِدُ فَيَقْتَرِبُ قَلِيْلا
نَحْنُ الأَضْعَف وَالأَقْوَى
لا شَيء سِوَانَا يَتَدَفّقُ مِنْ ثَوْبَيْنَا فِيْنَا
نَحْنُ الليل الْفَائِض مِنْ قَدَحِ الْيَأْسِ
وَنَحْنُ سِوَانَا فِي الذّكْرَى
الآنَ الْوَقْتُ يَفِيْضُ مِنَ الْجِهَتَيْنِ
هُنَا أَشْبَاحٌ تَتَنَاسَلُ فِيْ جِلْدِيْ
وَهُنَا شَمْسٌ تَغْرَقُ فِيْ ظِلّي
مَا زِلْتُ أُرَاقِبُ سَاعَتِيَ الرّمْلِيّةَ
كَيْ أَفْصِلَ ثَابِتَكَ الْمَجْهُولَ عَنِ الْمُتَغَيّرِ
فَالْحَاضِرُ يَبْتَكِرُ الْفِرْدَوْسَ الْقَادِمَ
بِلُغَاتٍ شَتّى .. لا تُشْبِهُنِيْ
الآنَ هَوَاءُ الْوَاحِةِ يَجْرَحُ عَاطِفَتِيْ
لا حُبّ هُنَا غَيْرَ الْحُبِّ
أَنَا لا أَمْلِكُ إِلا قَلْبِي
عُكّازِيْ الرّيْح
وَلَيْلِي لا يَكْفِيْ كَيْ أَحْلُمَ
فِيْ حُلمِي ..
وَحْدِي فِي السّفْحِ
أُرَاقِصُ مَلَكَ الْمَوْتِ
أُطِلّ عَلَى اللهِ ..
فَتَخْرُجُ كُلّ فَرَاشَاتِ الْمَنْفَى
مِنْ جُرْحِي
وَحْدِيْ أَتَبَخّرُ كَالْكَلِمَاتِ
أَشِيْخُ وَلا أَحَدٌ يَعْرِفُنِيْ ..
غَيْر مَلائِكَةٍ نَامُوا فِيْ الْعُشْبِ
وَنَامَتْ فَوْقَ أَظَافِرِهِمْ أُنْثَى
مُرْهَقَةٌ مِنْ تَعَبِ الرّؤْيَا
وَالرّؤيَا تَعَبٌ لا يَنْفَدْ ...
أحمد بن حسين الفارسي