عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 19-06-2013, 03:39 PM
الصورة الرمزية يزيد فاضلي
يزيد فاضلي يزيد فاضلي غير متواجد حالياً
عضو هيئة الشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: شرق الجزائر
المشاركات: 1,011

اوسمتي

افتراضي .../...

...بالطبع-أستاذنَا الدكتور سعيد-لا يختلفُ مسلمان يُؤمنان بنبوةِ محمدٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم ويَعرفان صفاتِ نبوته التي أجمعَ عليها علماءُ العقيدة الأسلاف والأخلاف،والتي من بينها ( العصمة من الوقوع في الكبيرة والصغيرة ) لأن من بَدهياتِ العقل-كما تقررَ عند الإمام الفخر الرازي وغيره-أن السماءَ لا تصطفي في سِفارتها غير الأكمل والأرجح والأصفى والأفطن،وإلا فأينَ مظنة التلبس بالخطأ والخطايا في مثل قوله تعالى : (( إن اللهَ يَصطفي من الملائكةِ رٌسُلاً ومن الناس )) وقوله تعالى : (( ورفعنا لكَ ذكْرَكَ )) وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : (( أنا سيِّدُ ولدِ آدمَ ولا فخرَ ))..وهناك العشرات العشرات من النصوص القطعية الدلالة،القطعية الثبوت التي تشيرُ إلى المؤشراتِ التي عليها اختارَ اللهُ محمداً-صلى الله عليه وسلم-ومعايير اصطفائه العليا...

والآية الكريمة : (( ما ينطق عن الهوَى )) مَحَلُّ إجماعٍ عند علمائنا وفقهائنا وأصوليينا ومفسرينا الراسخين الثقات،في أن النبي صلى الله عليه وسلم،يستحيلُ أن يَصدرَ عن لسانهِ عَبثُ أو تهريجٌ أو سَفـَهٌ أو مماحكة ٌأو هذرٌ أو لغوٌ أو أية شائنة-كبيرة أو صغيرة-مما يتلبسُ عادة ًبالألسُنِ ومنطقِها..يستحيلُ في حقه-صلى الله عليه وسلم-وفي ما يَصدُر عنه من أقوال وأفعال وتقريرات،سواءٌ في مواقفِ جـِدِّهِ أو هزلِهِ..في تبسطه أو غضبه..في منشطه أو مَكرهه...

ولكنْ-سيدي-هل يتعارضُ وصفُ العصمة والكمال في تصرفاته صلى الله عليه وسلم وفي قوله تعالى : (( وما ينطق عن الهوَى )) مع الشـِّقِّ الإنساني في صفاته عليه الصلاة والسلام..؟؟!!

أبداً لا تعارُضَ أو مناقضة...

فإن اللهَ تعالى حينَ رَفعَ من قدرهِ صلى الله عليه وسلم بالعصمة الكاملة-لأن الوحيَ الأعلى يقوده مباشرة -لم يتجاوزْ به حدودَ الآدميةِ والبشريةِ إلى مَصافِ الملائكية وطبعِها المختلف...

رسولُ اللهِ يأكل ويشرب ويتنزه..ينامُ ويصحو ويتعَبُ ويرتاحُ ويَحْزَنُ ويَفرَح ويَمرَضُ ويتألم..يتزوج النساءَ وتهفو مشاعرُه للأبُوَّةِ..ويأكلُ الطعامَ ويمشي في الأسواق..(( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِد... ))...

بل إن علماءَ العقيدةِ راحو يَفصلون بين جانبيْن من جوانب شخصيته العظيمة في الوحي المطلق الذي يرتبط بالتشريع واجتهاده البشري-في غير ما أوامر ونواهي-وفي غير أن يُخرجَه ذلكَ في حس المؤمن الصادق من إلزامية التأسي والاقتداء به واتباعه...

فأما التشريعُ،فالشأنُ فيه محسومٌ بصريح قوله تعالى : (( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ))...وعلماؤنا-بالإجماع-يقولون إن الآية الكريمة هنا خاصة ٌفي سبب نزولها ولكنها عامة ٌفي شمول لفظِها...

وأما ما اعتـُبـِرَ مظنة ًللاجتهاد،فهو يدخلُ في ما سماه العلماء ( منطقة العَفو )،وهو هامِشٌ يتحركُ فيه فِكْرُ المسلم وعقلـُهُ باتجاه ( المتغيِّر ) الذي يحتضنه ( الثابتُ ) في غير ما حَجْر أو تضييقٍ على الإبداع والابتكار باسم الاجتهاد..

والأدلة على هذا الاعتبار من سُنة رسول الله الصحيحة كثيرة،ولن تـُعْوِزَ المسلمَ أبداً...

خذ مثلاً الحديثَ المتواتر (( أنتم أعرفُ بشؤون دنياكم )) وفي روايةٍ : (( أنتم أعلمُ... ))،وكان ذلكَ في قصة تزبير نخل المدينة المنورة وتطليعها...

وخذْ مثلاً موقفه صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر،حينما عسْكرَ رسولُ الله بالجيش في مكانٍ معيَّنٍ عند آبار بدر،فإذا بسيدنا الحُباب بن المنذر رضي الله عنه يقول للرسول صلى الله عليه وسلم : (( أهوَ منزل أنزلكه الله،فليس لنا أن نتقدم أونتأخر،أم هي الحرب والمكر والخديعة..؟؟!! ))،فلما أشارَ له رسولُ الله بأنه مجرد رأيٍ في الحرب والخديعة،كان الصحابي الجليل-وقد خبَرَ أرضَ المعركة وتمرسَ في أسرار الحرب-يشيرُ برأي آخر،أخذ به رسولُ اللهِ ووافق عليه...

لكن-سيدي الكريم-علينا أن ننتبه إلى أمر،لا يجوز للمسلم التغافل عليه...

وهو أننا حين نقرر مبدأ أننا أعرَفُ في حياتنا بشؤون دنيانا،فليسَ معنى ذلكَ أننا سنصنعُ ستاراً أو حاجزاً شعوريًّا ووجدانيًّا وإيمانيًّا بيننا وبين أصل الوجوب في التأسي والاقتداء والمعيةِ مع سنة رسول الله وسيرته بالصورة والشكل التي يُريدُها أولئكَ العلمانيون الخبثاء الذين يَهدفون في غاياتهم الاستراتيجية إلى إيجادِ إسلامٍ جديدٍ،يقطعُ المسلمُ فيه الصلة بروافده الأولى تحت ذريعة الاجتهاد والمتغير من العصر وتحت ذريعة أنكم (( أعرف بشؤون دنياكم )) ومن أن للمسلم أن يتبسط في الاجتهاد لحد التمييع...!!!

كلاَ وألفُ كلا...

الضرورة هنا في فهم الآية ينبغي أن تـُفهَمَ في قدَرها الصحيح،وأول ما ينبغي استيعابُه أن هذا الحديثَ ذاته (( أنتم أعرفُ بشؤون دنياكم )) وحْيٌ قالهُ أفضلُ الخلق الذي لا ينطق عن الهَوَى أبداً..!!

ومعنى ذلك أنني-كمسلم-مطالبٌ حتى في ما يستقلُّ بشؤون دنيايَ أن يكونَ تحتَ المظلة العامة للهدي النبوي،في غير ما إحساسٍ أن لي حياة خاصة،لها حدودٌ معزولة ٌكاملاً عن السنة النبوية الشريفة،وإلا فأين أنا من قوله تعالى : (( قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِيَ لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّل الْمُسْلِمِينَ ))..وما أجتهدُ فيه لحساب دنيَايَ الخاصة يُعتبَرُ حياة ً..والحياة ينبغي أن تكون لله..وما كان لله بَداهَة ًكانَ لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم وسنة محمدٍ عليه الصلاة والسلام : (( مَنْ يُطِعِ الرَّسُول فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاك عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ))...

أسألُ المولى عز وجل أن يَجعلنا دائماً ممن يستمعونَ القولَ فيتبعونَ أحسَنه...وشكراً أستاذي على طرح الرؤية للثراء والإثراء...
__________________
يَا رَبيعَ بَلـَـــــدِي الحبيب...
يا لوحة ًمزروعة ًفِي أقصَى الوريدِ جَمَـــالاً..!!


التعديل الأخير تم بواسطة يزيد فاضلي ; 02-07-2013 الساعة 01:01 PM