عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 10-09-2013, 02:08 PM
الصورة الرمزية الملتقى الأدبي
الملتقى الأدبي الملتقى الأدبي غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 46
افتراضي

الساعة المصلوبة
لـ : مريم الوهيبية

تخترق الشمس نافذة الشاب المضطجع على سريره، لتنبهه بأن الساعة قد تجاوزت السابعة صباحا موعد استيقاظه المعتاد.
يستيقظ الشاب فزعا، يلقي نظرة على ساعة الحائط..
السابعة صباحا .. يبتسم و يشتم الشمس التي أخافته بنورها الساطع المبكر جدا.

كان شابا مهووسا بالوقت حد الموت، ذو قامة طويلة و شعر طويل أيضا، لم يفكر أن يضيع دقائق من حياته ليقصره أو يتخلص منه كليا، كل وقته لعمله و لأوراقه فقط.
نهض من على سريره، و نظر لساعة الحائط مرة أخرى، السابعة صباحا.
كان خائفا من أن يكون قد تأخر في النوم، فلديه اليوم موعد ضروري عند الثامنة، مع صديق قديم يعرفه أكثر من نفسه، و يحفظ تفاصيل حياته كما لو أنها تخصه هو لا غير.
سيقدم له أوراق روايته التي يسرد فيها زمنه الماضي و ذكرياته، و سيكمل معه بضع أوراق ناقصة من زمن لا يعرفه، كان أهمها بالنسبة إليه، وفاة زوجته حينما كان مسافرا في رحلة عمل لم يستطع تأجيلها رغم إلحاح زوجته عليه.
فكيف ماتت و في أي وقت بالتحديد، من المؤكد أنها لم تمت حين رن هاتفه و بلغه صديقه بالأمر, و لِمَ لم يسعفه الوقت حتى يحضر جنازتها، بل لِم دفنت قبل عودته المستعجلة.

يستعد للذهاب إلى عمله، يعد الشاي ليحتسيه في الطريق، يحمل معه أوراق روايته، يلقي نظرة على ساعة الحائط مرة أخرى، السابعة والنصف، يزيح بنظره إلى النافذة، يرى طيف زوجته، يلقي ابتسامة حزن لبيته و يخرج.

كانت الشمس خارج البيت كحالها ، ساطعة جدا .
يسير الشاب تحتها و هو يغني تارة و يشتمها تارة أخرى.
كان الطريق فارغ إلا من سابلة قليلة، يواصل سيره وهو يفكر في حال جاره العجوز الذي ربما كان مريضا لذا لم يره ككل صباح، يقيم حوارا غير مفهوما مع لحيته.
وصل إلى موقع عمله، محل صغير يحوي عدد كبير من الساعات بمختلف أشكالها و ألوانها و أعمارها أيضا.
كان يسافر بحثا عن أندرها و أقدمها ، حتى يضمها لمحله .

وضع أوراقه على الطاولة ، تنهد قليلا ، رفع يده اليسرى ليعرف كم استغرق من الوقت .
الساعة الثانية عشر .

حملق في ساعته، و لم يصدق أنه استغرق كل ذاك الوقت فمحله لا يبعد عن بيته سوى بضع دقائق فقط !
راح يتفحص الساعات المنتشرة حوله، تلك التي يحرص دوما على دقتها.

الساعة الثانية عشر و خمس دقائق، الساعة الثانية عشر و عشر دقائق، الساعة الثانية عشر و النصف.

ارتبك ! سقط أرضا و هو يرتجف، كيف يحصل هذا فبالأمس قد ضبط كل الساعات و كانت دقيقة جدا.
​أمسك بأقرب ساعة منه, ساعة بإطار كبير منكسر, سألها في أي زمن تراه الآن, و كم سيستغرق حتى يعيد ترتيب وقته مع أوراقه, هل سيأتي صديقه بعد قليل حاملا له السر !
يرتجف و يحرك عقاربها, يجرحه إطارها, تنزف يده كثيرا, يتجاهلها, يرفع رأسه محدقا في باب المحل على أمل أن يرى صديقه مقبلا, تمر ساعة حائط بيته أمامه, تصفعه, يتذكر الشمس و النافذة و وجه زوجته الميتة في ساعة لا يعرفها و يبكي.

أجل، لقد كانت ساعة الحائط معطلة، لقد تأخر على صديقه الذي لم يأتي، و لم يكن سيأتي أبدا ليخبره أنه سيموت بعد قليل كما ماتت زوجته.
رد مع اقتباس