عرض مشاركة واحدة
  #35  
قديم 10-09-2013, 02:12 PM
الصورة الرمزية الملتقى الأدبي
الملتقى الأدبي الملتقى الأدبي غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 46
افتراضي

محّـــــــارةْ
لـ : سعاد العلوي

...وجثت على ركبتيها بجانب المنز (أي سرير الأطفال) متوشحة بالثوب الأسود والذي كان سلفا- في قريتها- علامة على بلوغ الفتاة وأنها في سن الزواج.. وهي تردد بصوت تتلقفه العبرات..ذات الأغنية التي حفظتها من والدتها في صغرها: "صنصــور (أي عصفور) لا حلّك الله.. تاكل زرع اليتام.. قال الصنصور مب منّي.. كلّة يور(أي جور ) الحمام".. ...وظِلُّ ماء عينيها ينقش على صفحة خدها الغض.. لآلئ تشق طريقها لا تلبث ترغب في أن تتبخر على شاطئ الغرفة الطينية إلا والتهمتها شفتاها تماما كموج بحر رمى ما رمى وأخذ ما أخذ. (صفية/صفّوي )المرأة الطفلة الراسمة لعلامات التقزّز والشفقة على حد سواء في عين كل من لمح خصلة من شعرها الأسود الذي يلوّح من بين أعمدة دريشة غرفة الطين..لا يعلم أكان يقول للمارة انظروني اقتبس نقاءً من هواءكم المدّنس أم كان يلوح طالبا النجدة لحق صاحبته المغتََصب.. ...لحظات وترتبك خصلات شعر صفّوي ذعرا مسرعة إلى عمق الغرفة..معلنة اقتراب صوت خطوات ..!!خطوات تبعث في قلب صّفوي ارتجاجا كفيل بجعل دقات قلبها تهرول خوفا.. وحده (مرزوق مروحة )من كان يذعر لذعرها يصرخ كلما سمع صدى تلكم الخطوات. "ذروني أخبركم بأن مرزوق مروحة شاب لديه إعاقة عقلية أي كما يقولون (على البركة )شاب نصف مجنون سمي بالمروحة كناية على سرعة جريه" مرزوق يصرخ بشبه بكاء: ثفّوي لحقوا ثّفوي.. أكّوه (أي:ذاك هو )مثكُوْه..ثفّوي لحقوا ثفّوي.... .
التعليق ىّ أغنية قديمة كانت تغن للأطفال..تحضيرا للنوم.
عصر يوم آخر
.. "...غيثان!!..هين ماشي؟!..غيثان أجول لك تعال هنيه...تعال وإلا بردحك تردّيح (أي : سأضربك ضربا مبرحا) ..لـ تمشي صوب البحر غيثان أجول لك اجعد."... تلك كانت عوّاش تصرخ على أخيها غيث كعادتها عصر كل يوم.. لم تكن صرخات عواش على أخيها سوى خوف عليه من تردده على البحر خشية أن تغازله أمواج البحر يوما ما يذهب فيه .. ولا يعود. ...من الخارج ينادي العم سعيد على ابنته عواش محذّرا إياها من تشبير عتبة باب الدار: وإلا عايبنك حال ربيعتك ،!! "كم مرة أجول لك أذيه الباب مابا أشوف راسك يطلع منه صّفوي رابعنها(... )يلتقم الكلمة ويتمتم.. :الله يستر علينا دنيا وآخرة..الله يستر علينا دنيا وآخرة".. بالكاد قادته قدماه إلى مجلس المنزل متجاهلا دعوة زوجته حليموه بالدخول إلى الصالة أو غرفة النوم ليرتاح.. العم سعيد أضحى يرتشف استكانة الشاي في المجلس لا يتركه ..يمسي يعارك قهوته التي بات يشعر أنها أمست أكثر مرارة من ذي قبل!!.. عوّاش "تتجفّر على أطراف أصابعها /(أي:تمشي خلسة على رؤوس أصابعها) ناحية الباب ولا تلبث تطل بأنفها للسّكة إلا وتأتيها ردحة( /أي:ضربة قوية) على الظهر. ...على السكّة صوت بكاء طفلة..الصوت يخرج من نافذة غرفة صفّوي..يتعالى صوت البكاء ..يتعالى ..يتعالى..يصبح متقطعا..يحمُّر وجه الطفلة ثم يتماثل للزرقة..إلى أن وصلت والدة صّفوي لتجد أن صفيّة شرعت محاولة كتم أنفاس الطفلة وهو ما أدَّى إلى تقطّعِ النَّفَس عندها
هنا والدة صفّوي تركض محاولة إسعاف الطفلة تتجه مسرعة إلى باب منزل الطين فإذا بصوتٍ كهلٍ يخرج من غرفة شبه مهجورة بالمنزل (السّتر ..الله يستر علينا و عليك..الستر..الله يستر علينا وعليك) كان هذا الصوت بمثابة المنبه للأم كأن يقول لها إلا عتبة هذا الباب... عادت الأم إلى الداخل..بيدٍ تحملُ الطفلة التي تماثلت لأن تكون كقطعة اللحم احمرارا بعد أن باشرت بشحت ذرات الأوكسجين بسلام...واليد الأخرى توجه بها ساقيها اللذين قرصاها ألما يذكرانها بأنها تعاني من آلام في المفاصل.. صّفوي تستصرخ ألما..الطفلة تبكي ألم عودة الأكسجين لرئتيها..والأمُّ تتجرّع غصَّةً قَهََرا...يعمُّ الهدوء المكان... بعد برهه صوت طرقات عشوائية على الباب.!! تنظر أم صفّوي من النافذة لتجد خليفوه على عتبة الباب، "خليفوه امرأة على مشارف الخمسين من عمرها..تجيد تمشيط سوالف الحارة تجعلها مسترسلة تنقلها بعد ذلك بخفّة إلى بيوت الجيران"... أم صفوي تحاول أن تلهيها لكي لا ، تحاول الدخول إلى المنزل وكأنها تبحث عن شيء ما تدخل إلى الصالة لكن..هيهات.!! في تلكم الأثناء انفجرت الطفلة باكية جراء قرصة بعوضة على جبهتها اللينة..خليفوه تتبع الصوت.. تدخل غرفة صفّوي لتجدها مستلقية تتحرك بتثاقل بجانبها منز الطفلة!!. .. وما أن لمحت ذلك المنظر حتى تراجعت للخلف مدّعية أنها نسيت عشاءها على (الشتوله /) "أي الفرن، أو مايطبخ عليه". خرجت خليفوه مسرعة من المنزل..تصطدم بالعم سعيد.. يردي بها أرضا وهو يقول:
هيش فيك كيه (اتفرجعي( /)أي :تركضين بسرعة وعشوائيّة) ولم تردع لسانها حيث قالت :"سّوتها صّفوي بنت أبو صفّوي.. أني جايلتلهم هالبنت بذرتها فاسدة محّد سمعني". وانصرفت... العم سعيد واصل مشيه إلى أن وصل إلى قهوة مصبّح في سوق الحارة جلس وتنهّد فإذا بكرة (عنبر /)كرة صفراء أشبه بكرة التنس..تصطدم على رأسه يتقدّم طفل يكاد يكون في التاسعة من عمره..ينظر إليه العم سعيد بكل غصب ..يمد الطفل يده لأخذ الكره فيبصق العم سعيد على وجه الطفل والطفل شاخصة عيناه..الكل مستغرب من ما فعله العم سعيد وهو يقول : يردد: "كم بنت جدها عرّب أحفاد وأحفاد **لكن شرفها بين وقفـــــه وميلــه*"!!.. علم بعدها الجميع ما علمه العم سعيد من خليفوه. وحين عاتبوه على ما فعل..قال :مرتفع ضغطي وطلّعت حرتي ف الولد..مافيها شي كلمتين وطلعن للياهل. ...في تلك الليلة صرخت الريح بقوّة في الحارة...أمواج البحر غاضبة أشد الغضب ...أم عّواش :سعيد..الريح تنازع يا سعيد.!!! العم سعيد مشيحا بنظره بعيدا عن أعين أم عوّاش :لا تبالغي يا حرمة كلها ساعات وبيخف الهبوب.. صرخات مرزوق تخترق ضوضاء المكان..عمّي ثعيد عمّي ثعيد (ثالم يذّة )رجع عمي ثعيد..ثالم يذّة ياينك عمي ثعيد...عمّي ثعيـــ...
(البيت منذر الفطيسي)


يقاطعه العم سعيد :أجول لك غيب غابت عينك.. سالم يزّة من سنة حبابوتي روّح ومابيرد الله لا ردّه.. (سالم يزّة كائن اسطوري تناول قّصته أهل ذاك المكان على أنه يعترض سفن الإبحار يجزّها فتغرق..يقال لديهم أنه كلما ازدادت الحارة ظلما وفجورا خرج سالم يزّة غاضبا ..يمنعهم من التمتع برزق البحر ريثما تنجلي غمامة الظلم عن المكان ، ومن يصادفه لا يعود..وقد كان أهل الحارة يجزمون أن مرزوق في صغره صادف سالم يزّة وهرب منه وكان على وشك أخبار أهل الحارة بصفاته لولا أنهم قالوا بأن مرزوق قد فقد نصف عقله فور رؤيته لهيئة سالم يزّة) . مرزوق يركض.. تتقاذفه الريح يمنه ويسره يختلط صوته بصوت الريح يركض يختبئ في السكّة المطلّة على نافذة صفّوي..صفيّة كعادتها تستنشق الهواء عبر خصلات شعرها المسدل ومرزوق بصوت خافت ضاما ركبتيه بذراعيه..ويردد : ثالم يذّة رجع ثالم يذّة رجع..تنتبه له صفّوي وتهمس :سالم يزّة!..سالم يزّة !!..أخذت الذاكرة بصفّوي إلى حين كانت أمها تحكي لها حكايات سالم يزّة كي تزرع في داخلها خوفا من الاقتراب من البحر..لكن هذه المرّة صفّوي لم تشعر بالخوف بل ارتسمت على صفحات خدّيها ابتسامة رضا وبرقت لآلئ عينيها أملا في الفرج ُمتيِّقنَةً أن سالم يزّة لا يستيقظ إلا غاضبا من ظلم في قرية ما!! ...في فجر اليوم الذي تلا الغضب البحري كان الوضع هادئا جدّا ..نسمات الهواء كانت أنقى مما سبق..مرزوق نائم بجانب نافذة صّفوي..يتثاءب ..يناظر بنصف عين باتجاه النافذة لم يلمح حينها خصلات شعر صّفوي..أخذ من بقعة ماء البحر التي تكونت على السكّة وغسل عينيه وأخذ يدعكهما بقوّة متجاهلا حرقة التراب الممتزج مع الماء المالح على عينيه..أطرق برأسه يمشي باتجاه قلب الحارة مقابلا في جلسته باب بيت العم سعيد والمارة
لصلاة الفجر يمرون بجانبه وهو يتمتم ( :ثالم يذّة روّح وروّحت ثفّوي..ثالم يذّة روّح وروّحت ثفوي ) ... في تلك الأثناء خرجت أم صفّوي تنوح وتصرخ حتى بدأ من صوتها وكأن حنجرتها قد تشققت تعبا.. أم صفّوي :يـ هل الحارة..صفّوي محّد شاف صّفوي؟..!صفّوي محّد شاف صّفوي؟!...وأهل الحارة يجوسون حولها منهم من يحاول تهدئتها ليفهم ما حدث ومنهم من ظل يردد "لاحول ولا قوّة إلا بالله ..لا حول ولا قوّة إلا بالله" ومرزوق مروحة يصيح في الجانب الآخر ..ثالم يذّة روّح وروّحت ثفّوي....من بينهم كان العم سعيد أبو غيث وعوّاش ..نظرات احتقاره لأم صّفوي كادت تخترق قلبها..تمزقه..تذيبه زئبقا لا تتشربه التربة فينجلي ولا هو يصعد إلى السماء فيتبخّر ..كلماته تجلد على ظهرها وهو يقول: ((كم بنت جدها عرّب أحفاد وأحفاد..لكن شرفها بين وقفـــــه وميلــه*))!!.. وهي لا تجد سوى أن تقول..حسبنا الله هو نعم الوكيل..حسبنا الله هو نعم الوكيل. ... فجأة صوت فتاة مفجوعة تصرخ وتنوح..وأهل الحارة يرددون "لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.."لعنة وّحلت على هالحارة لا حول ولا قوة إلا بالله" يقترب الصوت..فإذا بها عّواش بنت العم سعيد تركض..غبار أتربة تتطاير من سرعة جريها وأتربة تتنحى خوفا من شدّة جريها...عّواش تلتقم الحروف والكلمات لتعجن جملة بكلمات متداخلة مع شهقاتها: .. "غيث..فـ البيت..أبويه..محّد..غيــ..." تتشنّج فتسقط أرضا.....والكل يتمتم "لاحول ولا قوة إلا بالله." ...عوّاش كانت تود أن تقول ..."أبويه غيثان محّد ف البيت".

اكتظت الحارة بتمتمات البعض وشماتة آخرين.. صرخات ..أدعية..كل من في الحارة يبحث ..بعضهم يبحثون عن غيث وآخرون يبحثون عن صفّوي..مرزوق ملازما للّسكّة يبكي خوفا ويردد ذات العبارة :ثالم يذّة رّوح وروّحت صّفوي!!. شارفت الشمس على الشروق ولا زال أهل الحارة يبحثون وقد كثر اللغط ..منهم من كان يقول أن صفّوي قد اختطفت غيث انتقاما من والده لأنه أساء لأخيها الصغير ..ومنهم من قال أنها تبعات لعنة سالم يزّة حّلت على القرية. وبعد فترة من البحث بدت علامات الاتفاق استسلاما تظهر على وجوه أهل الحارة مشيرين إلى البحر..المكان الوحيد الذي لم يبحثوا فيه..وما أن مدّت الشمس غصون أشعتها حّتى اتجهوا ناحية البحر بحثا عن صفّوي و غيث..ولكن دون جدوى...!! الكل عاد أدراجه بعد أن ارتدت تلك الحارة وشاح الحزن على ما حدث .. عوّاش أصيبت بصدمة لفقد أخيها الذي تعود على مشاكستها وتعودت هي على نهيه عن الاقتراب من البحر..توسوس وهي على حالها تقوم بفتح باب المنزل.. تتربّص.. وتغلقه تارة أخرى وصوت صرير حديدة الباب أشبه بصوت ربابة في ليلة ليس بها ضوء قمر.. وهي تردد بصوت مخنوق: ...ركبت فوق اليبل (الجبل) ..عاينت دّخانة ..أصريه أذيه مريكب اخويه ..واصل من الخانة ..شاحن قرنفل ..وشاحن الهيل بأوزانه..ويبيع بيع الغلا ..ويرفع بميزانه. تلك كانت أغنية عوّاش التي لازمتها يقينا منها أن غيث سافر بحرا وسيعود.. العم سعيد ُأخرِس لسانه من هول الصدمة وبات ملازما مجلسه الذي يطل على الباب في انتظار عودة غيث ويكأنه يخدِّرُ جرحه بما تتمتم به ابنته عّواش.
(أغنية من الموروث الشعبي ) التعليق ي في انتظار من يسافرون ّ لولاية صور تغن بحرا.
بعد أسبوع عُثر على غيث ملقّيا على السيفة (شاطئ البحر ) وقد فارقت روحه جسده..ولم يعلم أحد إلى تلك الأيام ماذا حلَّ به..أمات غرقا أم أنَّ صفّوي قد قتلته أم هي لعنات سالم يزّة تّهدى لتلك الحارة عامّة وللعم سعيد خاصّة..ولا أثر لصفّوي على الإطلاق .. و أم صفّوي جاثية بجانب سرير الطفلة تبكي وهي تردد أغنية ابنتها: صنصور لـ حلّك الله.. تاكل زرع اليتام.. قال الصنصور مب منّي.. كلّه يور الحمام.. حمامة وحدة صمّيء (صّماء) ماتسمع الكلام.. تسمع ردود الحارة...إلخ إلخ... والحال في الحارة على ما هو عليه....
...تَمّــــــت...

التعديل الأخير تم بواسطة الملتقى الأدبي ; 10-09-2013 الساعة 06:31 PM
رد مع اقتباس