عرض مشاركة واحدة
  #36  
قديم 10-09-2013, 02:13 PM
الصورة الرمزية الملتقى الأدبي
الملتقى الأدبي الملتقى الأدبي غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 46
افتراضي

رائحـــه
لـ : عائشة النقبية

لحَظات ُ السكونِ في هذا المساءِ تُشوشُ أَفكاري المشبَعةِ بترانيمِ الموت , أبحثُ عن تفاصيلي في وجهِ هذه الغربةِ اللعينةِ ولا أجدُ سوى روحي التائهةِ هنا وهناك .
بلعتُ كبسولتي قبلَ ان أصلَ إليها , كانت تتأملُ صورتَها على وجهِ القهوة ِ الداكنةِ وإِصبعُها تعبثُ بالكأسِ الخزفي بغيرِ اكتراثْ , حركةُ شفتيها كانتْ تشي بجملةِ أسئلةٍ كثيرة وهُناكَ غُصةٌ تُولدُ على ملامحِها المرسومةِ من بقايا انكساراتي .رميت بثقلي على الكرسي الجاثمِ أمامَها , نظرتْ لساعتها في حركةٍ تُشيرِ لي بأنني قدْ تأخرتُ عنِ الموعد .ما أغباني فقد نسِيتُ بأنهم يقدسون الوقتَ كثيراً ..
رائحةٌ غريبة كانتْ تملأُ المكان , بدأتُ أُشعرُ بالغثيان , حاولتُ تجاهُلَ هذا الإِحساس وبدأتُ في الحديثِ معَها وبعدَ سردٍ طويل تكلمتْ دونَ أنْ تُكلفَ نفسَها عناءَ النظرِ إلي قائلةً : ( لمَ تقُولُ هذا لي أَنا ؟)
- ربما لأنكِ وطني والأرضَ التي أجدُ فيها الأَنا التي فقَدتُها منذُ سنينْ.
تهضتْ غاضباً وتوجهتْ نحو الخارجِ وعلى إِيقاع ِ المطرِ المتساقطِ صرَختْ بإنفعال ٍ شديد : (شرقيٌ بائس ) قالتها قبلَ أَن تُغادرْ وخيبةِ أملٍ واسعةٍ تُطاردُ خطواتِها , إنكمشتُ في مكاني وتمعنتُ في الوجوه التي حولي فإذا بكلِ تلكَ العُيونِ المُلونةِ تنظرُ الي .
خَرجْتُ منَ المقهى وقبلَ أن أَستمع َ لِصخبِ تعْليقاتِهم كنتُ قد تسَرَبْتُ في عُتمةٍ آفلة إلى ركنٍ مهجور .ماذا بها فقد حاولتُ التعبير َ عن شعوري فأنا فعلاً لا أُطيقُ تلكَ الرائحةَ المُنبَعِثةِ من ضجيجِ المُدرعاتِ وأصواتِ الطلقات.
حاولتُ جاهداً النوم لكن دونَ جدوى , ذاكرتي تغرقُ بهواني وتلفازي يبثُ أجسادهم وهي تُسحقُ تحت آلاتِهم , أراهم محرومونَ حتى من حُفرةٍ تَضمُ أشلائَهم المُتَطلِعةِ نحوَ السماء .
خمسون يومآ وربما شهراً أو حتى سنةً لا أدري لمْ أَعد أَشْعُرُ حتى بالزمَن , كُلُ جوارحي أُصيبت بالشلل خاصةً بعدَ أنْ أعلنت مُرؤَتي عجزها التام .الغريبُ أنة حتى أصواتُ الرابِ في أعلى مُستوياتِها لمْ تستطعْ أَن تُغطي على صَرَخاتِهم في أُذُني .
استندتُ إلى ظهرِ المقعدِ وأنا اُفكرُ لماذا صفقتُ مع أُولئك !!
سحقاً لي فلقد شربتُ الدياثة َ من كؤوسِهم وربما دخنتُها في سجائرِهم الملوثة .
صُداعٌ كبير يعبثُ برأَسي لمْ افقْ مِنةُ الإ على صوتِ الجرسِ في ساعةٍ متأخرة , ناولتني الخاتم وانفرجَ ثغرها عنْ إبتسامةٍ باهتة وغادرت المكان (هل حان دورها هي أيضاً لتتخلى عني ؟ )
إلتفتُ ببطء الى يمينِ البابِ وفي المرأة المُعلقةِ على جدار ِ الممرِ الضيق , حدقتُ النظر َ في ملامحِ وجهي , كانت لرجُلٌ بائس ليسَ أنا (تباً لهذهِ المرأة القذرة ) , هكذا حدثتني نفسي قبلَ أَن أَدْخُلَ في غيبوبةِ غضبي وأُباغتها بالنوم.
أَفقتُ في الصباح ِ وقررتُ الذهابَ لمنزِلها وهناك رمقتني بإستهجان قائلة : ( هاه ماذا قررت , هل سنعودُ معاً ؟ ) همست لنفسي ( من أَينَ ابدأ وما هو الطريقُ الأقربُ للإجابةِ عن سؤالها ؟)
أَجبتُها متلعثماً وأنا انظُرُ لموضعِ قدَمي : أرجوك ِ صدقيني رائِحةُ الموتِ تُشْعِرُني بالغثيـ ..... ) لمْ أكد انته من حديثي حتى أغلقتِ الباب في وجهي وهي تصرخ : تباً لكَ أيُها الأزرقُ الجبان
جُملَتُها هذهِ جعلتني أَسرحُ بِذاكرتي للوراء حينما كُنتُ استمع اليهم وهم ينعَتونني بصاحبِ الدماء الزرقاء , ياترى ما هي العلاقة بين الجُبنْ والدماء الزرقاء ؟
أَخَذَتْ يدي المرْتَجِفةُ تُحاولُ البحث عن كبسولتي من جيوبِ بنطالي , أُريدُ أَن أبلعها حتى تَطولَ المدة قبلَ أن يفيقَ دماغي فلقدْ أَخذ مني الإنكسار كُلَّ مأخّذْ وبالتأكيد لمْ أنسَ قبلَ أَن أُغادرَ المكان أنْ أُطيلَ النظرَ في عروقِ ذراعي لأتأكدَ بأنَ دمائي حمراء وليست زرقاء كما يدعون.
ذابت هي في الايام كَقِطعةِ سُكّر وأنا على حالتي تلك لا زلتُ أَخشى رائِحةَ الموت الى ان جاءَ ذلكَ اليومُ الذي كُنْتُ أَرتشفُ فيه الشاي وأُحدقُ في شاشةِ تلفازي كعادتي لأراها خبَرَ ذلكَ اليوم , جسَدُها الصغير غارقُ في دِمائه –كما عروبتي –ودَّعت الحياة وهي تُناضل من أجلِ وطني وعلى شفتيها إِبتسامة لم ْ تكتمل بعد وكأنما تُريدُ إخباري بأنَّ رائحة َ الموتِ ليست سيئة كما كنتُ أَظنها دائماً . خرجت الى الشارع كالمجنون , كان كلُ شئ بائساً , أعمدةٌ أَرهقها الوقوفُ طويلاً وشحاذ ٌيمسح ُ عن وجهة لطخات ِالزمن يسألني : هل تبحثُ عن شئ ؟
أجبتُه : نعم أبحثُ عن كرامتي ضاعت مني منذُ زمن , هل رأيتها؟
شخصَ ببصره نحوي وهزَ رأسه في استنكارٍ شديد ورحل بعيداً .
(يا إلهي حتى الشوارع ُ تنأى بنفسها عني )
رَغبةٌ تَكْسُرُني تُلحُ عليّ أن ارى ما ضحيتُ به لأَجلِ أن لا أنتمي للموت , وهل ثمةَ شي لا ينتمي للموت هنا ؟
(البُكاءُ لا يليقُ بالرجال ) هذا مَا كانَ يقُولُه لي والدي قبلَ أن تُسحقَ أشلائُه هُناك , لذا إنتزعتُ الحبةَ الصغيرةَ وبلعتُها لتبدأَ عملها المُعتاد.
كانت ساعةً مُتأخرةً من صحوةِ الضميرِ ولا شئ سوى العدم , هُنا ينظرونَ اليَّ بسُخرية وهناكَ يحاولون إقناعي بأنهم يشعرون وأنهم ليسو من فصيلةِ الدماءِ الزرقاء تمثيلية رائعة يستحقونَ جميعاً التصفيقَ من أَجلها .سُحقاً لهم أليس بينهم من سيثُورُ على هذهِ الأدوارِ الكاذبة ؟ لم يعد بوسعي سوى البحث عن ضريح لروحي المتعبة منذُ سنين .لا أَحدَ يُريدُ أن ينصفني , ما مُشكلةُ هؤلاء لماذا لا يفهمونَ بأنَ رائحةَ الموتِ تُشعِرُني بالغثيان؟
رد مع اقتباس