عرض مشاركة واحدة
  #38  
قديم 10-09-2013, 02:14 PM
الصورة الرمزية الملتقى الأدبي
الملتقى الأدبي الملتقى الأدبي غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 46
افتراضي

البراءة المسلوبة
لـ : مريم اليعربي

ذهبَ قاصداً ليجلس تحتَ شجرةِ الغافِ التي تعتلي التلةَ المقابلةَ للمسجدِ الكبيرِ ، محاولاً أن يسترجعَ ذكرياتِ خمسةً وثلاثين عاماً قد مضتْ. جلسَ متكِئً على الشجرةِ بعد ان احسَ بمرارةِ الذكرى ، وكأنها تعودُ من جديد لتجعله يصارعُ لحظاتِ الموتِ الصامتِ. أخرجَ صورةٌ من جيبهِ البالي ، وأخذَ يتأملها ، ويداهُ ترتجفان.
كان كل شي في رأس أحمد حائرا ولكن الذكرى أخذتْ به الى يومٍ ظل يتجرعُ الامهُ لسنواتٍ طوالٍ لم يشعرْ بها سواه. ظل ينشرُ حزنهُ بصمتٍ في كلِ ليلةٍ مظلمةٍ بالسكون.
حكاية أحمد بدأت منذ أن قرر أن يقطن في هذه القرية الملعونة التي سلبته أزهار حياتهِ ، فهذه الصخور والرمال تعلم جيدا بأنها ليست مجرد ممرا مشؤما لهذه القرية, بل مر بينها وادي واحتضن في مجراه صغارا فارقوا الحياة لانهم قرروا يوما أن يمارسوا حقوقهم في اللعب ولكن قسوةَ المكان سلبتهم تلك الحرية التي يحظى بها الاطفال من حولهم ليصبحوا ضحايا في غمضة عين.
قرر أحمد بعد صراع مع ذاته أن ينزل من أعلى التلة ؛ ليتجول في ذلك المكان ومن زاوية قاتمة بدأ ينصت جيدا لحوار دار بين اهل القرية وشيخها عن امكانية دفن مجرى الوادي وتحويله الى معبرٍ رئيسي لدخول القرية.
في هذه اللحظة داهمه حنين وشوق لحقيقة المكان , كيف لهم ان يجعلوا دفتر ذكريات الصباح والمساء معبرا للمارةِ ؟ وحده جعل من المجرى موعدا للقياهم ، ولا زالت رائحة دمائهم تعطر المكان ولا زالت اصواتهم كأسراب طيور تغرد ليتردد صوتها في مسمعه.
أخذ ينشج وهو يتذكر ناصر، ومريم ، وعبدالله تلك الأرواح البريئة التي جرفها الوادي في لحظة غضب تذكر ايام صباه ، وأبنائه من حوله يلعبون.
خمسةٌ وثلاثون عاما وأحمد كما كل يوم يذهبُ للجلوسِ تحت شجرة الغاف ليصارع حقيقة عجزَ عقلهُ عن استيعابِها , يحاولُ أن ينسى ، وتعود به ذاكرته من جديد.
رد مع اقتباس