عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 14-11-2013, 07:14 PM
الصورة الرمزية عمر حامد
عمر حامد عمر حامد غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Mar 2011
المشاركات: 92

اوسمتي

افتراضي

(2)
مرت الأيام متبوعةً بالاسابيعِ التي شاخت الى مرحلة الشهور وسيفٌ على حالهِ يزاولُ مهنتهُ التي شغفتهُ حُبا ونشاطا،
وكان كُل ما اشعل سيجارةً تذكر الطفلة الذكية صاحبة العيون البندقية! لذلك لم تغب وصالُ يوما بل ولا ساعه عن باله,
رغم ذلك لم يفي بوعديه: (عدم التدخين , والقصة المنشوده) مُتعللا بانشغاله, ولكن مشكلة سيف الرئيسة لم تكن الانشغال وإنما
(التسويف) فكان يعد نفسه بداية كل اسبوع بأن يقوم بالاتصال بوالد وصال نهاية الاسبوع في الاجازه لزيارة وصال واهدائها القصة..
وفي يومٍ ما كان شتاؤهُ باردا, فردَ سيفٌ يداهُ عرضيا بشدّه مُحاولا التلذُذَ من التعب الذي نالهُ بعد كتابةِ مقالٍ ما, فنظر الى مكتبه المنثورةِ
أشيائهُ هُنا وهُناك فلمح خربشاتهُ التي حاول ان يحلب منها افكارهُ الاولى في كتابة قصه لوصال, نظرَ اليها باستسلامٍ ونفث آهةً طويله,
ففتح بعدها زُجاج نافذة مكتبه فإذا بالشمسِ قد مال ميزانُها الى المغيبِ مُعلنةً وقت الاصيل, فشتت تأملهُ هاتفا مُوسيقيا من نقاله, فحركَ
سيفٌ نظارتهُ مُمركزا نظرهُ على الوافد الجديد الظاهر على الشاشه :

(ابو وصال يتصل بك).. ارتبك سيفٌ شيئا ما فتحمحم قائلا:


"اهلا" ,

فأجابهُ صوتُ رجُلٍ مهزوم :
" اهلا الاخ سيف؟" ,


فدار بينهما حوارٌ سريعٌ طلب ابو وصال منهُ ان يلحقهُ بالمستشفى وان يلتقي بهِ عند البوابة الرئيسية!!,
انطلق سيفٌ بمركبته من لحظته متوجها الى المشفى وعلاماتُ الاستفهام قد نالت منهُ ما نالت.. وما ان وصل الصحفيُّ
الى البوابه الرئيسه حتى استقبلهُ ابو وصال مُحييا اياهُ بوجهٍ شاحبٍ راضٍ بقضاء الله وقدره, لم يطل ابو وصال الحديث مع الضيف
المطلوب وأشار عليه ان يتبعه , فمشى سيفٌ خلف الرجل وكل ما مر على قسمٍ انقبض قلبه! فلم يكن حادثا قد اصاب الصغيره!
لأنهم تعدو قسم الطوارئ! فماذا حدث يا تُرى؟ مشى سيفٌ خلف الاب المكلوم وقلبهُ أشدُّ ما يكونُ من الهلع!..

الى ان وصلا قسم معنونا بـ(قسم الاورام السرطانيه).. هُنا وقف الدمُ مُكابرا في عروق الرجل الصحفي! فأمسك بذراع ابو وصال
بحنو وقال :
"هل ..."

فأجابه الأب :
"نعم اخي الكريم.. مصابه بالسرطان منذُ فترةٍ طويلةٍ مما أجبرها على ترك المدرسه مُبكرا! "!!

عندها استرجع سيفٌ لقاءهُ مع الصغيره, وكيف ان آخر سؤالٍ لم يرزق اجابته كان كفيلا بأن يكتشف وضع وصالا لهُ من اول لقاء!,
طلبت الممرضةُ من سيف ان يلبس كمّامةً طبّيةً قبل الشروع بالدخول, فلبسها سيفٌ بيدٍ تنتفض, ودخل مع والدها الى المكمن الذي
فيه تفترش وصال السرير.. كانت الفتاةُ مُكممةً فاها هي كذلك, وأول ما نظرت اليه ضاقت عيناها البندقيتان, فتبين لسيف ان
وصالا ابتسمت, فتمنى لو انهُ يخلع الكمامةَ من ثمه ويقبل جبينها المُرهق بفعل الحاجبين الجميلين المرفوعين مدة طويلةً من الزمن..
جلس سيفٌ بجانبها وأمسك بكفّها الذي نقل الى كامل جسده أمواجا من الدفئ.. وتيّاراتٍ من الكهرُباء.. فحنا برأسه يُقبل كفيها الصغيرتين, فعجزَ ان يرفع رأسهُ كي لا يزيدَ من كربها بأن تكتشف دموعهُ المنحدره.. ولكن نشيجهُ الذي تحول الى نحيب ممتواصل جعلهُ يستسلم
للأمر ويرفع رأسهُ الى الطفلةِ ويقول :

"أميرتي الصغيره, لا قصّةً لدي أُعطيكِ إياها, فكل قصص الثعالب والارانب مُملةً لطفلةٍ مثلك, ولكنني أُقسمُ لك بأني سأقلع عن التدخين بمجرد الخروجِ من هُنا..

وصال .. لماذا لم تخبريني يومها عن مرضك, على الاقل كُنتُ سأشارك المتظاهرين مُطالبا لك مد يد العون للسفر خارجا للعلاج!
لماذا لم تحاولي ذلك عزيزتي؟" ..


فابتسمت وصالٌ عندها وقالت بصوتٍ يكادُ تتقطعُ خيوطه :
"انا صوتٌ واحد, وهم الالاف من الاصوات! فكيف لي ان اكون انانيه؟؟!!"


عندها انبهر سيفٌ من ردها.. وتأكد من انانيته التي كانت تجبره ان يتمنى لو ان كل المطالبات تتفق مع مطلبه في زيادة الرواتب!!

فقال لها :
"وصال يا حلوتي ... اتعلمين .. لو ان كل المتظاهرين يفكرون مثلك, لكانت الدنيا كلها بخير"!
فردت عليه وصال :
"كيف ذلك يا عمي؟" ,


فتجاهل سيفٌ هذا السؤال وأردف قائلا:
"في هذه المرّه يا عزيزتي عند خروجك من المشفى لن تتفسحي في مُظاهرةٍ ما"
(قالها مُبتسما مُداعبا اياها محاولا اخراجها من كربها وبث الروح لديها من جديد) ..
"بل ستخرجين رأسا معي الى مزرعتي الجميله, ستلعبين مع ابنتي الصغيرتين (صفا ومروى) وستسعدين هناك,
ستركضين في الفيافي وستجنين ثمار البيذامِ وستُلاحقين صيصان الدجاج كما تفعلُ بناتي"


فردت عليه ببراءة الاطفال :
"لكن الطبيب يمنعني من ذلك ها انا امكُثُ هنا من ثلاث أشهُر تباعا, في السابق كنت اغادر المشفى وأعود اليه,
ولكن يا عمي المستشفى ليس بهذا السوء, فالمكوثُ هُنا يمنحني الوقت الكافي للقراءه!!"

ما ان اكملت وصال عبارتها الاخيره حتى دخلت الممرضه تطلب من سيف الرحيل لغرز ابرة الكيماوي في جسد الصغيرة الهالك..
عندها قبّل سيفٌ كفها وودعها وهو يقول: "غدا سآتي اليك في الصباح الباكر, وسأجلبُ لك مُفاجأةً جميلةً فكوني قويه يا اميرتي
انتي لا تزالين بخير" , فقالت وصال : "غدا صباحا؟ أنا في انتظار المفاجأه يا عمي العزيز, سلم لي على صفا ومروى" فودعها
بقلبٍ هالع .. وما ان وصل الى عُتبة الباب وغلقه وراءه حتى انفجر باكيا كما لم يبكي من قبل.. وحادث بعدها ابو وصال الذي شرح لهُ
وأن حالة ابنته في آخر مراحلها.. فودع سيفٌ ابو وصال واعدا اياهُ ان يكون هنا صباحا.




انطلق سيفٌ بسيارته الى مقر الجريده لا المنزل, وذلك لتحضير المفاجأه للطفله الصغيره, المفاجئةُ كانت عبارةً عن مقالٍ طويل
يتحدثُ فيه عن وصال, واصفا إياها وبرائتها ودروسها التي لقنتها لسيف بدون ان تشعر, كتب الصحفي المقال وسلمه مدير التحرير
الذي وافق سيفا في نشره, انتظر سيفٌ طيلة الليل لطباعة الجريدة ولم ينم ليلته, فتارةً يتذكرها ويبتسم وتارةً تنزلُ دموعٌ من
عينيه الزائغتين حُزنا .. في تمام السابعه كان سيفٌ قد ركن مركبته في مواقف المستشفى, يحمل في يدهُ مطوية الجريدة وفي يده
الاخرى عُلبةُ السجائر أحكم عليها قبضتهُ ورماها في سلة المهملات بلا عوده, اتصل الصحفي بوالد وصال, ولا مُجيب, فعاود الاتصال
مرارا الى ان تم الرد عليه من قبل ابو وصال:
"وصال في ذمة الله يا اخي العزيز!"


فلم ينبس سيفٌ ببنت شفه! فأضاف ابو وصال:
"توفت في الساعةِ الثالثةِ فجرا, لم أشأ ان أُزعجك",

فما كان من سيف إلا ان قال: "وهل ينامُ المحبُ والمحبوبُ مُعتل!"،


بعدها توجه سيفٌ الى مسجد العزاء, وبقي مع المعزين الى بعد صلاة الظهر
وتوجه بعدها الى المقبره بمعية والد وصال.. وما أن وصلا الى القبر الذي لا يزالُ رطبا.. حتى فارقهُ والد وصال وهو يبكي ويقول:
"لقد رَحَلتَ مُبتسمةً يا سيف.. لن أبقى معك.. فذلك شأنٌ بينك وبينها.."


وما ان ابتعد والد وصال عن المكان، حتى جثا سيفٌ على رُكبتيهِ وشرع يقول :
"أميرتي.. أعلمُ بأنك تسمعينني الآن, أنا أؤمن بذلك" ..

فابتسم بعدها وقال:
"لقد تركتُ التدخين يا وصال" ..


ثم تنشج قليلا وفتح الصحيفة, وأخذ يقرأُ لها المقال.. وأعادهُ لها مرارا وتكرارا..
تحدث فيهِ عن الدروس التي علمته إياها, وعن منيته بأن يقرأ الشعب كله دروس وصال البريئه.
بعدها قرأ الصحفي الفاتحه على روح وصال, وودع المقبره, رأسا الى منزله فعزته زوجته في مصابه الجلل.
بعد عام رزق الله سيفا طفلةً ثالثةً اطلق عليها اسم وصال. (انتهى)..
__________________
لا لَــيــلَ يـكـفـيـنــا لـنـحـلُـمَ مـرّتـيـن
رد مع اقتباس