عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 25-12-2013, 05:33 PM
الصورة الرمزية يزيد فاضلي
يزيد فاضلي يزيد فاضلي غير متواجد حالياً
عضو هيئة الشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: شرق الجزائر
المشاركات: 1,011

اوسمتي

افتراضي .../...

...شكَرَ اللهُ لكَ-أخي الكريم الأصيل ناجي-على هذا المرور الطيب الذي حمَلَ معه خيْراً في فائدةٍ وإثراءٍ...

نعمْ-أخي-هو ما قلتَ وأثريْتَ،فإنَّ مدرسة التصوفِ،كما يعرفُ الدارسونَ لمسيرةِ التاريخ والحضارةِ الإسلاميةِ،ظهرتْ بشكلٍ ملحوظٍ في بداياتِ الدولةِ العباسيةِ منذ القرن الهجري الثاني،ثم توسعتْ لتغدو في النهايةِ منهجاً أصيلاً،راحَ يحتوي رقائق الإسلام بكل ما فيها من إشراقاتٍ وفيوضاتٍ ربانيةٍ،ويَدفعُ بالنفس المؤمنةِ إلى أن تتهذبَ وتترقى في مدارج الكمَالاتِ والدربةِ على تغذيةِ الروح بما يَقِيها مثالبَ الجسَدِ ورغباته...

وكلنا يَعلمُ أن التيارَ الصوفي الذي تسَاوَقَ والدولة العباسية ظهرَ كردةِ فِعلٍ طبيعيةٍ على تيَّار المجون والتخلع والثراء الفاحش الذي مضى يتغللُ رويداً رويداً في أوصال المجتمع المسلم باطرادٍ أيامَ العباسيينَ...

وكشأن التياراتِ الفكريةِ والسياسيةِ الأخرى فإن التيارَ الصوفي لمْ تنجُ مسيرتـُهُ-بما تحمل من إرثٍ وتراثٍ-من الوقوع بين كمَّاشتيْ الإفراط والتفريط،مع أن الأصلَ فيهِ هو الاعتدالُ والتوازن...

لقد كانَ المبدأ عندهم يقوم على قاعدةِ أن الزهدَ (( هو قطعُ العلائق بما في يَدِ الخلائق ))،وهو مبدأ نابعٌ من تأصيلٍ عقدِيٍّ إسلاميٍّ صحيحٍ،متجذرٍ في صميم الكتاب والسنة...

والإمام ابن عطاء الله السكندري رحمه الله ومعه المدرسة الصوفية التي انبثقَ عنها وتحدَّرَ،كانتْ وما تزالُ نموذجاً فريداً راقيًّا في وَصْلِ المؤمن بربهِ وصلاً يقومُ على أساساتٍ سليمةٍ صحيحةٍ من كتاب الله تعالى وسنة رسوله،سواءٌ في الفكرِ أو الممارسة،وقد راحتِ هذه المدرسة الرائدة تصقلُ في المؤمنينَ أرواحهمْ بالتجردِ والتهجد،وتدفعُ القلوبَ إلى الاغترافِ من معين الحب والوجدِ الإلهي بطريقةٍ اجتهاديةٍ إيجابيةٍ لمْ تنحرفْ فيها قيْدَ أنملةٍ عن ثوابتِ الكتاب والسنةِ،بل يُمكنُ أن يَصدُقَ فيها وفي قطفِ ثمارها حديثُ الإمام مسلم الذي يَرويهِ بسندِهِ العالي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه،عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ سَنَّ في الإسلام سنة حسنة،فعَمِل بها بعده كُتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيءٌ،ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيءٌ ))...

إلا أنَّ الذي يُؤخذ على التيار الصوفي عندما وقعَ انحرافٌ عن منهج أقطابهِ العلماء الفحول الصالحين أمرانِ خطيران :

الأول / هو أنهُ جاءتْ فترة على الصوفية-خصوصاً في عهود الانحطاط التي تلتِ الدولة العباسية-راحَتْ تتجاوزُ في منهجها التربوي الروحي القيَامَ بالتكاليفِ الشرعية،بطريقةٍ تـُغري ( المُريدينَ ) وتطمعهمْ في رضوان الله تعالى وجنتِهِ بأقصر الطرق وأقلِّ المسالكِ جُهداً..ومن هنا بدأتْ قصة التنصل عن القيام بالواجباتِ والتكاليفِ..!!

يأتي ( الشيخُ )-مثلاً-إلى ( مُريدِهِ )،فيهمسُ له : هل تريدُ أن تنالَ رضوانَ اللهِ تعالى والقربى منه..؟؟ هل تريدُ أن تنالَ الجنة الموْعودة..؟؟..تعالَ نرشدكَ وندُلكَ-من الباب الخلفي-على أقصر الطرق الممكنة إلى ذلكَ..خذْ هذه الأذكار رددها مائة مرةٍ كل ليلةٍ..خذ هذه ( الأوراد ) فالتزمْ بها مدة معينة ً...خذ هذه التسابيح واقرأها ألفَ مرةٍ في أسبوعٍ..وستصل وتكون من الواصلين وانتهتِ المسألة..!!

وبهذا حدث ( تفلـُّـتٌ رهيبٌ من القيام بالتكاليف الشرعية ) كانَ له أسوءُ الأثر على مفهوم العبادةِ ومقتضى العمل في حِسِّ المسلم..وصارَ كثيرون لا يقومونَ بواجبهم في ما تقتضيهِ تكاليفُ العمل،لأن الطريقَ الأقصر والمُختصَر أطمَعَهمْ في الوصول بأقل جهدٍ ممكنٍ..!!

أما الثاني / فهوَ ( تضخـُّمُ الشيْخ الصوفي في حِسِّ المريدِ لدرجةِ أنه صارَ واسطة ًبينه وبين ربه )..ولعلَّ هذا الأمرُ من أخطر ما راجَ في أوساطِ المتصوفةِ المنحرفةِ وما استتبَعَ ذلكَ من رواج الدجل وشِرْكِ الأضرحةِ والتمسحِ بالقبور وما إلى ذلك..!! ولا يُخفى على أحدٍ من المسلمينَ ما لهذا الأمر من خطورةٍ مباشرةٍ على صحة العقيدةِ التي تأبى التوسيط بين العبد وربه...وأنا هنا لا أعني دعاءَ الأخ لأخيه عن ظهر الغيْب ولا دعاء الصالحين لبعضهم..

ولعلَّ أعلاَمَنا المتصوفة العلماء الزهاد العبَّاد الحقيقيين تبرؤوا في إرثهم وتراثهم من هذه اللوثاتِ التي علِقتْ بمنهج التصوف...

ولنا أن نقرأ مثلاً ما قاله العلامة الشيخُ الإمام عبد القادر الجيْلاني في كتابه ( الفتح الرباني... ) وما كتبه الشيخ الكبيرُ أبو الحسن الشاذلي في شذراتهِ وما كتابه الإمامُ القشيري رحمه الله في رسالته القشيْرية لنرَى بَراءَة هؤلاءِ مما ابتدعَهُ المبتدعون وغالى فيه المُغالون...

بقيَ بعد ذلكَ بعضُ إخواننا الجدد..من إخواننا الذينَ يتصدرون المجالسَ في حربِ المتصوفة ورميْهمْ بالابتداع المطلق أو الزندقة العامة أو ما شابه من هذه الأحكام...

في تقديري-أخي الكريم ناجي-أن أنصفَ كلمةٍ قيلتْ في شأن التصوف والمتصوفة،هي الكلمة الجامعة المانعة التي قالها شيْخُ الإسلام ابن تيمية في ( مجموع الفتاوَى ) ما مفادها : أن الصوفية فريقان ؛ فريقٌ انحرفَ على منهج الكتاب والسنةِ-فهو يقينٌ على شفا الباطل والزيغ-وفريقٌ التزمَ بالكتاب والسنة فهو على الحق والهدَى...في تقديري-أخي ناجي-هذا هو فصلُ الخطاب في المسألةِ دون غمطٍ أو إجحافٍ....

سررتُ بمروركَ الطيب العذب أخي..وسررتُ بإثرائكَ ومناقشتِكَ الهادفة النافعة المفيدة...
__________________
يَا رَبيعَ بَلـَـــــدِي الحبيب...
يا لوحة ًمزروعة ًفِي أقصَى الوريدِ جَمَـــالاً..!!


التعديل الأخير تم بواسطة يزيد فاضلي ; 25-12-2013 الساعة 08:03 PM
رد مع اقتباس