الموضوع: شاكر
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 24-08-2010, 02:41 AM
فيصل مفتاح الحداد فيصل مفتاح الحداد غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 206

اوسمتي

افتراضي شاكر

:d

روى فيصل الحداد هذه القصة الواقعية فقال :

كان صغيراً نحيفاً يتبع جدته أينما ذهبت ، فقد تركه والده وتزوج ، فما كان من والدته إلا أن تركته وتزوجت هي الأخرى ، نكاية في والده ، ولم يبق له سوى هذه العجوز ، التي تنطلق به هنا وهناك جيئة وذهوباً ، وتعطيه حفنة من الحلواء ، يلعقها بلذة عجيبة ،ويجلس في حجرها هادئاً .
مر بعض الوقت وكبر شاكر قليلاً ، ولما اتصل بوالده أخذ يعذبه ، ويربطه بسلاسل من حديد ، فطلب منه ورقة تثبت هويته ، فحرمه منها ، ثم نفاه إلى سجن الأحداث ، وظل المسكين في سجنه دون جريرة ، وكان يستغرق فيما حوله ، وكأنه يستعيد ماضيه صفحة صفحة ، ويرى الأطفال يلعبون ، يتعالى صياحهم ويتواثبون ، فلا يكثرت لهذا الضجيج ، ويظل قابعاً كأنما يشاهد شريطاً خفيا يمر أمام عينيه. .
مر وقت طويل وشاكر يكبر كل يوم ، ويزداد طولاً وضخامة ،إلى أن صار شاباً وسيماً ، يجدب انتباه الناس ،وتلتهمه الأنظار شرقاً وغرباً ، وظهرت له عضلات قوية ، زادته وسامة إلى وسامته ، ومع ذلك لم يؤخذ عليه أنه يعتدي على مرافقيه ، وأخذت سيرته الطيبة تنتشر بين أهل السجن ، وعجبوا كيف يتركه والداه وهو على هذه الدرجة من الأخلاق ، وطيب الأحدوثة ، إضافة إلى أنه رسام بارع ،يرسم لوحاته فتأخذ بألباب السجناء ، وكل ما فيه ينطق بالرجولة والإباء ، ولما بلغ الثامنة عشر من عمره ، اتصل أهل السجن بوالده ، وقالوا :إن ابنك بلغ مبلغ الرجال ولا يمكن تركه مع الأحداث ، فقال لهم إنني لا أريده . فانطلقوا به إلى السجن الكبير ، وهناك رأى المجرمين العتاة ،وقد رسم الشر على جباههم ما يحاكي بواطنهم ، وأذرعتهم موشاة بالوشم ، وكأنها تحاكي ماضيهم الغابر الأليم ، غير أنهم لما رأوا هيأته هابوه ، ولم يعرفوا ما الذي يدور في رأسه ، وهو مستغرق في تأملاته الحالمة .
ولما خرج بعض السجناء استحلفه شاكر أن يمر على خاله ، ووصفه له وسماه اسمه ، فبر السجين بوعده ،وانطلق إلى خاله ، وحدثه بجلية الأمر ، وأن ابن أخته قابع في السجن يرجوه أن يأتي لاستخراجه ، فأخذ خالَه الرحمةُ وانطلق إلى السجن وكفله وخرج به ،وجاء به إلى بيته ، وفرحت به الأسرة فرحاً شديداً ، واستضافوه وأكرموا وفادته ،غير أنه ـ وهو العاقل الحصيف ـ رأى بثاقب نظره أنه إن مكث معهم فإنه سيجلب لهم شراً من قريب أو بعيد ، وبخاصة أن لديهم فتيات شابات ، وهو مظنة للشبهات ؛ لخروجه من السجن .
وهكذا آثر شاكر أن ينسحب هادئاً كما جاء هادئاً ، ونظر لأخواله نظرة تفيض من الدمع ، وظلوا أياماً يسألون عنه ، حتى أتاهم آت ، وقال: إن شاكراً قد فرش لحافاً في المقبرة المجاورة ، ونام عليه ولم يستيقظ . .. لقد مات شاكر .
__________________
فيصل الحداد
رد مع اقتباس