عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 13-04-2015, 11:36 PM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي سلّامة وذيل العجوز 7





حكاية شعبيّة


سلّامة وذيل العجوز


(7)




مجنون لا يعقل




فتتلقاها بكل قدرة وبراعة
وأستمرت المبارزة لمدّة طويلة
هو يسدد الضربات والطعنات وهي تردّها وتروغ منها
وأخيرا بدأ الملك الشاب يفقد قوّته شيئا فشيئا, وحينما أدركت أنّه
قد أنهك وضعف شنّت عليه هجوما صاعقا, وأمطرته بضربات قويّة يتّقيها بدرعه
وأخيرا سددت ضربة هائل بكلتا يديها إلى درعه الحديدية فأوقعته أرضا
مغميا عليه, ووقفت على رأسه شاهرة سيفها مدّة من الزمن فلم ينهض
فأمر المراقبون بحمل المهزوم, وحبسه تمهيدا لإعدامه إن رفض الرِقَ والعبوديَة.
فكبّر الناس وأسرع الملك دحّام إلى ابنته الباسلة يهنئها على السلامة والفوز المبهر
وفي مساء ذلك اليوم شوهد أتباع الملك المهزوم وهم يرتحلون إلى ديارهم
في ذلٍ وإنكسار, وشوهد ملكهم يسوس خيل الملك دحّام بعد ذلك.
وأنتشر خبر هزيمة الملك غسّان بن يحيى على يد الأميرة سلاّمة بنت دحّام
إنتشار النار في الهشيم, فعدل معظم الذين أتوا لمبارزتها عن ذلك القرار
لعلمهم المسبق بمهارة الملك غسّان وقوّته وشجاعته
فالذي تمكّن من هزيمته لا بُدّ أنه فارس لا يشق له غبار
وبعد أيّام دخل المملكة ثلاثة شبّان من ابناء الأعياِنِ
تقدّموا بطلب التحدّي في فن المصارعة, فقبلت الأميرة تحدّيهم جميعا في يوم واحد
وقام المشرفون بإعداد الحلبة, ثم نادى المنادى معلنا عن ثلاث جولات مصارعة في الغد
وأقبل المتفرّجون منذ الصباح, وخرج المتبارون إلى الحلبة, وأخذ الملك وحاشيته أماكنهم
ثم نزل الشّاب الأول وكان طويلا مفتول العضلات
فنزلت إليه الأميرة سلاّمة وقد عرفت من أين تؤكل الكتف
ومع إطلاق الإشارة هجمت على ساقه فأمسكت بها بكلتا يديها
محاولة إيقاعه من طوله, فأخذ الشاب يقاوم
فلم تتركه حتّى أوقعته أرضا على قفاه ثم قلبته على بطنه
وجلست على ظهره لاوية قدمه اليسرى بكتا يديها, فصرخ من شدّة الألم
ولم يتمكّن من النهوض, وأستمرّت في ثني القدم حتى خلعتها من مفصلها
فصرخ الشاب صرخة مهولة ثم أغمي عليه, فوثبت الأميرة قائمة على رأسه
وحين رآه المراقبون لا يروم حراكا علموا أنه هزم
فجروه إلى السجن تمهيدا لإعدامه إن رفض الرِقَ والعبوديَة.
فتقدّم الشّاب الثاني غاضبا ساخطا وقد رأى صديقه مهانا ذليلا
وكان قصيرا بدينا يملأه الحقد والغيظ والخوف والحذر في آنٍ معا
وقبل إنطلاق إشارة البدء هجم على الأميرة هجمة شرسة
وقد تملّكه الحقد والغضب, فصال وجال محاولا السيطرة عليها
وأخيرا تمكّن من تطويقها بكلتا بيديه من الخلف
ثم ضغط على كليتيها بقوة وحِدَة حتى كادت تهلك
وفي غمضة عين رفعها في الهواء وجلد به الأرض بعنف وقسوة
فأصيبت بكدمات وجراحٍ دامية عديدة, وبقيت مدهوشة لوهلة
فصرخت النساء وولولن خوفا وذعرا, وضج الناس ووقف الملك دحّام
متخوفا على ابنته الوحيدة, بينما أخذ الشّاب يتباها بقوّته وبأسه
ولم يكمل هجومه ليقضي على غريمته لثقته العمياء بأن الضربة قد نالت منها
فأدار ظهره إليها وطلب من المراقبين أن يعلنوا فوزه, وقبل أن يلتفت إلى الخلف
كانت الأميرة قد تحاملت على نفسها, ووثبت على ظهره وطوّقت عنقه
بساعدها القوية فحبست عنه الهواء حتى أوشك على الموت مختنقا
وحاول ثمّ حاول أن يتخلّص من قبضتها فلم يتمكّن
فتهاوى خائرا, ووقع على الأرض مغشيا عليه
فهتف الناس بحياة الأميرة سلاّمة, ونهض الملك يصفّق بحرارة لابنته الفاتكة
وأقبل المراقبون فأمهلوا المصارع الصريع بعض الوقت لكي يستيقظ فلم يفعل
فسحبوه إلى الحبس مع زميله, ثمّ أعلنوا عن إستراحة قصيرة لتلتقط الأميرة أنفاسها
وبعد الإستراحة تقّدمت إلى الحلبة, بينما تردد الشّاب الثالث في النزول إليها
فأدخله المراقبون قسرا, وعند إشارة البدء ركع الفتى على ركبتيه أمامها
وأعلن إستسلامه وإعتذاره, فخرجت الأميرة من الحلبة
وأعلن المراقبون فوزها في الجولات الثلاث, فعفى الملك عن الفتى وتركه لحال سبيله
فأنتشرت أخبارها في كل مكان, وطبّقت سيرتها الأفاق وبلغت شهرتها أقصى البلدان
فأقبل الناس من كل حدبٍ وصوب ليشهدوا بطولات وخوارق الأميرة الفاتنة
وأستمرّت تهزم كل من يبارزها ويتحدّاها
وعندما تخلوا بنفسها كانت تشعر بالتعاسة, إذ لم تشعر بوجود من يحبّها
ويرغب في الإقتران بها, فكل الذين تقدّموا لمبارزتها إنّما فعلوا ذلك لؤما وخسّة
وطمعا في الجاه والمنصب والمال, وليس حبا لها, فكانت تبكي حزنا وحسرة
وعندما سمعت أمّها بكاءها تلك الليلة دخلت عليها وسألتها:
لم تبكين يا نور عيني؟
الست الأميرة الفتية الجميلة الذكّية؟
هل ترغبين في شيء ما؟
فقالت الأميرة: كلا يا أمّاه لا رغبة لي في أي شيء أبدا
قالت الملكة: فعلام هذا البكاء المرير؟
قالت الأميرة: لا أحد يحبّني, كل من تقدّم لمبارزتي كان طامعا في الملك والجاه.
قالت الملكة: وكيف تعرفين من يحبّك؟
قالت الأميرة: إنّ من يحبّني سيفعل المستحيل لكي يهزمني
قالت الملكة: صدقت يا ابنتي. ولكن يجب أن تصبري حتى يأتي من يحبّك لذاتك
وليس لمالك أو سلطانك, وهو آت لا محالة
ففرحت الأميرة وتجددت آمالها, وشعرت بالتفاؤل والأرتياح.
وبعد أيّام أقبل وفد من إحدى المدن البعيدة, يضم شبّابا وشيبا
من الراغبين في المنافسة, فاستقبلهم الوزراء وأضافوهم إستعدادا لمقارعة الأميرة.
وفي كوخ منزوٍ على أطراف مملكة دحّام كانت تعيش إمرأةٌ عجوز
مع شابٍّ يتيمٍ فقير تولّت تربيته وتنشئته مذ كان طفلا
وكان يجمع الحطب أثناء رعي أغنام العجوز
فيحمله على ظهره ويبيعه في المدينة, ثم يشتري ما يحتاجان إليه من طعام ومتاع
ويعود إلى الكوخ مساءا, فيسامر العجوز والجيران من الفقراء أمثالهما
ثم ينامان مبكِّرا ليستيقظا مبكرا
وكان قوي البنية شديد الذكاء جرئ القلب نقي السريرة
لم ترى عينيه نساءا سوى تلك العجائز الفقيرة, وبنات المتسوّلين القذرات
وصادف أن حمل حطبه يوما من الأيّام إلى المدينة, ومر بجوار قصر الأميرة الزجاجي
فسمع نشيجا يقطع نياط القلب, فوقف متأثرا, ورفع رأسه إلى الأعلى فشاهد
الأميرة سلاّمة جالسة في شرفة زجاجية شاردة الذهن والدمع يبلل وجنتيها
كأنّه لؤلؤ منثور على بساط حريري ناصع البياض, فلم يتمالك الشّاب نفسه
فصاح متألما متعجباً: سبحان الله ما شاء الله
لا يحلّ البكاء لهذا الوجه الملائكي.
فأنتبهت الأميرة ونظرت إليه نظرة أردته قتيلا, وعندما
لاحظت مظاهر الفقر عليه, دخلت إلى غرفتها وقد تضاعف حزنها.
أمّا الشاب فقد هام في حبها, وتعلّق قلبه بها. فلم يبرح
مكانه لعلّها ترحمه بنظرة أو بكلمة أو بابتسامة
لكنّها كانت تبكي في غرفتها بكاء الثكالى, فالإنسان الوحيد الذي عبّر عن إعجابه
بها هو ذلك الفقير الذي لا يمكنه مقارعتها
لعلة الفقر والمكانته الاجتماعية التي لا لن ترضي أسرتها
وإن كانت هي ترضا به حبيبا وشريك حياة
ثمّ وبتلقائية لا يعلم سرّها غير الله تعالى, خرجت إلى الشرفة والقت نظرة
إلى المكان الذي سمعت منه كلمات ابن العجوز, فإذا به لا يزال
قائما في مكانه وعيناه تتطلعانِ إلى الشرفة, وعندما لمحها إبتسم
إبتسامة عذبة صافية نقية طاهرة فأستقبلها قلب الأميرة بكل السرور
وجلست على كرسيّها متفائلة خيرا
وأرادت أن تحاور العاشق المستهام الذي وجدت فيه ضالتها
فإذا بصوت الوصيفة يناديها: مولاتي مولاتي جلالة الملك قادم
فألقت نظرة وداعٍ إلى ابن العجوز, وأغلقت النافذة إيذانا بإنتهاء اللقاء
فزاد وله العاشق, وتراكمت صبابته, وتضاعف هيامه فأضحى مجنونا لا يعقل

يتبع إن شاء الله





رد مع اقتباس