عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 29-05-2014, 09:05 AM
الصورة الرمزية عمر حامد
عمر حامد عمر حامد غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Mar 2011
المشاركات: 92

اوسمتي

افتراضي

(4)
كان الحاج "ناصر" يُهرول للحاق بصلاة الفجر عندما تعثّر بجُثّةٍ على الأرض، وبعد أن تبدد صرعهُ تبيّن الجثة فوجدها فُرصةً بأن يغسل الفتى بروحانيات الصلاة، فأوقظ سواحاً برفق خرير الماء :


  • ولدي سمير مالك نايم هنا الله يهديك قوم معي


"ولدي سمير" .. كان خطاباً زُلالاً، لقد ناداهُ الكهلُ باسمه لا بلقبه، لقد وجّه كلامهُ إلى سمير لا إلى (سوّاح) فما كان من صاحبنا إلا الطاعة.
كان يمشي خلفهُ وهو يحاول التأكد من سلامة خُطاه وعقله على حدٍّ سواء، فاكتشف وهو يطردُ بقايا النوم أن الحاج يمسك بيده، فتأكد إنما الرجلُ يجرُّهُ إلى المسجد ولأي صلاة؟ صلاةُ الفجر!.
هَتَفَ في سِرّه :


  • <LI style="TEXT-ALIGN: center">كيف سيستقبلني الله؟"، فأجابهُ عقلهُ الباطن : "إنهُ غفورُ رحيم".
  • وكيف ستستقبلني أعينُ الناس؟ فأجابتهُ نفسه: "سوف تلتهمك".


دخلا الى المسجد، وطَلَب الحاج من صاحبنا أن يدخل ويتوضأ، فاستجابَ لهُ استجابة الطفل لوالده، ولاحظ ان الحاج ينتظرهُ وكأنما يخافُ عليه من الهرب، وما أن انتهى من وضوءه والماء يتقاطرُ منهُ حتى شَعَر بالروحانيات تعانقهُ وكأنهُ عادَ من سفرٍ طويل.
روحانيةُ الفجر، رائحةُ المسجد، صوتُ الإمام وهو يُقيمُ الصلاة، سكينةُ اصطفاف المُصلين، عواملٌ جعلتهُ يصطف مع المصطفين مُتجاهلاً عيون بعضهم.
وبينما يُساوي المُصلّين أقدامهم بأقدام بعض إذ بالرجل الذي كان على يمين سمير يدفعهُ برفقٍ للإمام كي يتساوى معهُ بالأقدام، نظر سميرٌ إليه نظرةً خاطفةً وما أن جاءت عيناهُ في عينيه حتى بُهِت! فقد كان نفسه الرجل والد الطفل الذي أهانهُ على الشاطئ، لم يرفع سميرٌ نظرهُ إليه مرّةً أُخرى واتخذ من تكبيرة الإحرام ذريعةً ولكنهُ ظلَّ يشعر بأن الرجل لا يزال يأكلهُ بنظراته، فقال في نفسه :


  • ألا يُريد أن يُصلي مع المصلين؟.


مرّت ركعتي الفجر بطيئةً على سوّاح، وقد شابها التفكير في السيناريو المحتمل بالخروج من المسجد إذ سيواجهه الرجل لا محاله، فقرر أن يُطيل الجلوس في المسجد مُتذرعاً بالدعاء كي يتقي الرجل وشرره.
لم يبقى في المسجد سواه وإمام المسجد الذي كان منهمكا في تلاوة القرآن الكريم، فاطمئن صاحبنا ووثق بلحظة الهروب البريء، وبينما يلبسُ نعلهُ خارج المسجد , انتبه لوجود رهطٍ من الشباب, وما أن مرّ عليهم حتى سلّم، فأتته رد التحية من الثلاثة إلا أن واحداً منهم كانت تحيّتهُ بطيئةً لم تنتهي سريعا، ليضيفَ بعدها :


  • سوّاح .. تعال تعال!


تسمّر مكانه! وترددت الكلمة في داخله مراراً (سواح)، تردد في أمره بين كفتي تجاهل النداء وتلبيته، وفعلا رجع إليهم ومدّ يدهُ لمصافحتهم، وكان أولهم نفسُ الرجل والد الطفل، وفعلا تصافحا وقال له بوجهٍ لا يحملُ علامات الغضب ولا ابتسامة الترحيب :


  • اسمي سمير لو تكرّمت!


وعندما أراد سمير أن يسحب يدهُ ليُصافح الرجلين الآخرين وجد أن الرجل لم يُسرّح لهُ يده، فالتقت عيناهما، وعينُ سمير كانت أقرب ما تكون من التحدي، أما الرجلُ فقد كان يرسمُ ابتسامةً تحملُ في طيّاتها الكثير من الخبايا التي سوف يتقيؤها في وجهه، وقبل أن يقرر سمير سحب يده بالقوة , خاطبهُ مصافِحهُ :


  • <LI style="TEXT-ALIGN: center">ما شاء الله تصلي!
    <LI style="TEXT-ALIGN: center">اترك ايدي اولاً لو سمحت
    <LI style="TEXT-ALIGN: center">لا ومُحترم بعد! لا زين زين
    <LI style="TEXT-ALIGN: center">اترك يديني قلت لك
  • طيّب، اسحب يدك! ما تقدر؟


يتدخل هُنا احدهم مُتعاطفا مع سمير:


  • ما لك حاجة يا بو حمد خلي الرجال


في هذه اللحظة يقترب الشاب الملتحي الذي أمّ الناس في صلاة العشاء, وقد تابع ما حدث وهم لا يشعرون، فسلّم ومد يدهُ ليضطرّ الرجل أن يُخلي سراح يد سمير (سوّاح) بعد أن تعمّد أن يعتصرها في آخر لحظة .
" خير يا جماعه! وش عندكم ؟ " –قال الشاب الملتحي-
ليرد عليه بو حمد :
- ما في شي يا شيخ كنّا نمزح مع السوّاح شويه وناخذ علومه
شعر سمير بطعم مرارة الظلم نفسهُ الذي انتابهُ عصرَ أمس, وأحسّ بدموعٍ تكادُ تتجمعُ في مُقلتيه، كاد أن يهجم على الرجل ويقتلع منهُ عين، ولكن الموقف كان أقسى عليه من أن يتخلصّ من تسمُّره!.
يُنقذُ الشاب الملتحي الموقف مرةً أُخرى:


  • بس أنا شفت وسمعت كل شي يا بو حمد بدل ما تشارك الله عز وجل الفرحة بتوبة الشاب, تقوم تحبطه ؟


كان سؤالا صاعقة لولا أنهُ موجه لشخص تأخذهُ العزة بإثمه عندما رد عليه :


  • واحد كما هذا سكير ويضارب الصغيرين ما منه فايده هذا جاي هنا يمثّل علينا عشان نشفق عليه ونعطيه كم بيسه، سواح كم تريد؟


وأدخل أبو حمد يده في جيبه وكرر السؤال :


  • كم تريد؟ أهم شي تبتعد عن هنا لأننا نخاف على أولادنا منك! خبرني كم تريد؟


فخرجت الكلمات تزأرُ من سميرٍ وهو يتوعد أبو حمد:


  • احترمتك كثير وأُقسم بالله العظيم لو طلّعت يدك من جيبك بتشوف شي ما شفته


عندها تقدم إليه أحدهم وقال لسمير بلغة التحدي :


  • أيش بتسوي؟


ليزأر سميرٌ في وجهه :


  • <LI style="TEXT-ALIGN: center">ما كلمتك أنت
  • طيب أيش بتسوي ؟


هنا يتدخلُ الشابُ الملتحي ويهدئ الموقف ويسحب سمير بعيداً، وكاد ينجح في ذلك لولا أن تقدم صديق أبوحمد ووجه لكمةً نالت من وجه سميرٍ أنفه ليسقطَ أرضاً، ورُغم الدوخةِ التي شعر بها مسحَ أنفهُ الذي كان ينزُف واستوى واقفا، وبقوّة شياطين الدُنيا التي تجمّعت في جسده, وثبَ على صديق أبو حمد فأسقطهُ أرضاً وانهال عليه بوابلٍ من اللكمات وهو يجثمُ على صدره، والثلاثةُ يُحاولون أن يوقفوه فلم يتوقف إلا بعد أن أحسّ بخدرٍ في قبضتيه وكاد أن يصُبَّ المتبقي من جام غضبه في أبو حمد، لولا أن قرأ روح الهزيمة في عينيه والخوفِ معا ليُديرَ بعدها ظهرهُ للجميعِ راحلا.








(5)
أدار وجههُ لرهطٍ من الرجال، وأدارَ وجههُ لمجتمعٍ رَفَض أن يستقبلهُ إلا سواحاً، وأدار وجههُ لمسجدٍ كان من المفترضِ أن يكون بيتاً من بيوت الله، وهتف في سرّه :


  • سبحانك اللهم، تساوينا مُصطفّين في بيتك من أكتافنا حتى الأقدام، وما أن خرجنا من بيتك حتى ألبسوني سواح بدل سمير، فبارت الأوصافُ واختلّت الأحكام!.






يمضي في سبيله بثوبه الدامي وأنفه النازف مهزوماً بلقبه وشخصه، ولا يلوحُ النصرُ إلا خَدَراً في قبضتيه اللتين نالت ما نالت من بعض حقٍّ مهضوم، يمضي وهو يحسبُ حسبتهُ في العودةِ إلى (أمل) ومحاولاته الفاشلة للعودة إلى مجتمعٍ لم يحتمل رجوع الشاب سمير إلا سوّاحاً شريد.
__________________
لا لَــيــلَ يـكـفـيـنــا لـنـحـلُـمَ مـرّتـيـن
رد مع اقتباس