عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-08-2015, 09:23 PM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي حكاية شعبية الأخوة الأربعة الجزء الثالث






حكاية شعبية




الأخوة الأربعة



الجزء الثالث


موت الأميرة لطيفة



فأظهرت الرقعة التي كتبها الأمير دريقان وختمها، غير أن من بيده قلم لن يكتب نفسه شقيا
فلقد سخر منها الأمراء والأميرات، ورفضوا الاعتراف بنسب التوائم، مدّعين بأن الرقعة مزورة
وطالبوها بشهود يشهدون لها، فأسقط في يدها، إذ أن زوجها قد مات منذ سنوات طويلة
وليس لديها ما يثبت حقيقة نسب التوائم الثلاثة، سوى تلك الرقعة، والشهود في بلاد الهند.
فاغتمَّت لذلك وأصابها هم ثقيل، وأنتحل جسمها، وذبلت زهرة شبابها
وأمست شبح إنسان يقاوم الموت، وظلّت تخفي عن أبنائها حقيقة ما جرى في قصر الإمارة
حتى لا يقدموا على إرتكاب ما لا تحمد عقباه وهم في هذه السن المبكّرة
فتأثر الفتية بسوء حالتها الصحية، وأخذوا يلحون عليها لمعرفة سبب حزنها وشقائها
فأوصتهم بالصبر والتروي، حتى يحين الوقت المناسب معتمدة على الله
ثم على أخلاقهم وتربيتهم، وعلى السجايا الخيّرة التي عرف بها والدهم
وذكرت لهم عنوان منزله في الهند وقالت: عندما تبلغون أشدّكم، سافروا إلى الهند
وأبحثوا عن هذا العنوان، وهناك ستجدون تفسيرا لكل ما تسمعون وترون
ثم أنشدت هذه الأبيات لأمير المؤمنين علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه:

رأيت الدهر مختلفاً يدورُ ::::::::::: فَلاَ حزْنٌ يَدُومُ ولا سرور

وقد بنت الملوك به قصوراً ::::: فلم تبق الملوك و لا القصور

ثم فاضت روحها إلى بارئها، فحزن الفتيان حزنا مريرا، غير أن خالهم الوزير مخلد أحسن معاملتهم،
وعوضهم عن فقد أبويهم، ثم إستأجر لهم المعلمين والمربين، بعيدا عن أعين العصابة الحاكمة
وعندما شبوا عن الطوق، أرسلهم في رحلات تجارية عادوا منها وقد غنموا مغانم عظيمة, فوسعوا على الناس
وأغاثوا الملهوفين، وتصدقوا على الأيتام والأرامل والعجزة والمسنين، وأقرضوا المحتاجين قروضا حسنة,
وعملوا في التجارة والصناعة والزراعة, وكانوا يتقاسمون الأرباح من مصادرها الثلاثة بعد إخراج الزكاة,
فبارك الله لهم، وزكت أموالهم وكبرت ثروتهم، فبالغوا في أعمال البر والإحسان,
فذاع صيتهم، ولمع نجمهم، وأحبهم أهل المدينة حبا جما, وتعلّقوا بهم تعلق الغريق بالقشة
إذ وجدوا فيهم القادة المقتدرين، والحكّام المشفقين
وصرّح البعض بضرورة تولي أحدهم مقاليد حكم امارة أبيهم.
وعندما وصلت شهرتهم إلى مسامع أفراد العصابة الحاكمة،
سلّطوا عليهم أذنابهم وكلابهم. وكانوا كما قال الأعشى:
كناطح صخرة يوما ليوهنها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
لأن الفتيان كانوا أذكى وأقوى، فلم يهنوا ولم يتضعضعوا، بل كانت شهرتم تطبّق الأفاق
وأصبحوا حديث المجالس، حتى وصل ذكرهم إلى أسرة الأمير مطلق
فذات يوم، وبينما كان يتناول غداءه مع بناته سألته ابنته ريحانة:
من هولاء الفتية الذين لمع نجمهم، وأشتهر إسمهم يا أبت؟
فذهل الأمير من سرعة إنتشار سيرتهم، وقال مقتضبا:
إنّهم لقطاء ابناء فراش، لا نعرف لهم أبا.
فقالت ريحانة: لقد قيل لي أنّهم ابناء عمي دريقان رحمه الله.
فقاطعها والدها منتهرا:
إن دريقان هذا كان عقيما، ولا أحب ذكره، فلا أسمعنّك تتحدثين عنه بعد اليوم،
فأنصرفت الفتاة حزينة غير مقتنعة برد والدها. ثمَّ إنَّه إستدعى أفراد العصابة الحاكمة، وقال:
إن ابناء لطيفة قد أفسدوا علينا الرعيّة، وأخشى أن تكون لهم أطماع في الإمارة،
لأنهم يشترون الناس بالإحسان إليهم، فقد جلبت القلوب على حب من يحسن إليها
وأرى أن نتخلّص منهم قبل أن يشتد عودهم، ويكثر مؤيدهم وناصرهم، فماذا ترون؟
قالوا: وماذا ترى أنت أيها الأمير؟ قال: أرى أن نشهِر بهم على أن أنهم لقطاء أبناء فراش
فيبغضهم الناس، ويجفونهم. فقال له الأمير سطّام: إنَّ صوت المنفعة أعلى من صوت النسب
ورنين الدينار أبلغ من عشرات الخُطب، ولقد رأيتهم بعيني هاتين، إنّهم أبناء أخي الأمير دريقان
وكل من يعرفه لا يشك في أنهم أبناؤه، وأرى أن نحسن إليهم
وان نعيد إليهم حقوقهم، فهم أهل للحكم.
وأقترح الأمير فضل أن يلفّقوا لهم تهمة، يسجنون على أثرها، وتمنع عنهم الزيارة.
بينما رأت الأميرة زعفران أن يطردوا من الإمارة، وأن يمنعوا من دخولها.
غير أنّ الأمير مطلق أصرّ على رأيه قائلا:
سنستخدم كل وسائل الدعاية المضللة، وسنسلّط عليهم الكذبة والنمّامين
وسوف نلصقهم بأبٍ من إحدى القرى المجاورة
بعد أن نشتري ذِمّته بالمال ونزوّر شهود يشهدون له.
ولم تمضي سوى أيّام على مؤآمرة العصابة الحاكمة، حتى قدِم إلى الإمارة رجل غريب
وأخذ يتناول سيرة الأميرة لطيفة بالسوء أينما حل وأرتحل. ويدّعي محبّتها له، وعشقها إيّأه
وأنه كان يعاشرها معاشرة الأزواج، وأنّها حملت منه سفاحا. وعندما سمعه بعض محبي الأمير دريقان
هجم عليه وضربه ضربا مبرحا، عندئذٍ تدخّل عساكر الأمير مطلق, وقبضوا على الرجلين
وانتشرت الدعاية التي كان دعاة العصابة الحاكمة يبثّونها بين الناس
ولمّا بلغت هذه الأنباء السيئة إلى مسمع الوزير مخلد، اشتد غضبه, وأراد قطع الألسن الكاذبة
لكن الأمر خرج عن سيطرته, وبخاصة عندما تباهى ذلك الرجل الغريب بعلاقته مع الأميرة لطيفة وهو كاذب
أمام القضاء الجائر, وقد شهد له بذلك شهود زور، رشاهم الأمير مطلق وإخوته
وانتشرت الشائعة إنتشار النار في الحطيم, وإنقسم الناس بين مصدّق ومكذّب.
فأصيب إخوة الأميرة لطيفة بالعار، وكذلك تعرّض الأمير بهاء الدين وإخوته للسخرية والمهانة والإستهزاء
وكانوا وأخوالهم غير مصدّقين ما يقال، لكن سيل الدعاية الكاذبة كان جارفا.
وعندما تحققت العصابة الحاكمة من تأثر التوائم وأخوالهم, ونجاح خطّة الأمير مطلق
أضمروا الإجهاز على ما تبقى لدى التوائم من عزيمة...

يتبع إن شاء الله



رد مع اقتباس