عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 04-09-2010, 04:02 PM
الصورة الرمزية فهد مبارك
فهد مبارك فهد مبارك غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2010
المشاركات: 1,479

اوسمتي

افتراضي

ثانيا : جغرافية الصورة الذهنية ضمن الزمن الذهني :

وفي الزمن الذهني توجد جغرافية لها تفاصيل حيواتها وعناصرها .. ومن المهم أن يهتم الشاعر هنا بهذه التفاصيل حتى نجد لغة النص قد عبرت عما أراد له الشاعر أن يصل للمتلقي ..
إن الأماكن التي ذكرت في القصيدة تحاورت مع عناصر القصيدة في علاقات مترابطة ، فهي تحاورت باختلافاتها وتشابهها على أرض كانت ولا زالت المقصد ، والشاعر هنا ارتباطه عميق بجغرافية المكان ، حيث التاريخ والانتصار والانكسار لاحقا .. هذه الأماكن والظواهر سوف نوضحها في الجدول أدناه:



كل هذه المفردات أخذت تتحرك ضمن علاقاتها بعناصر القصيدة ، وبما أن هدف الشاعر هو تبليغ الرسالة السماوية على الأرض ، فإنه انطلق من جغرافية ارتبطت بتاريخ المكان وحدد علاقاتها وعناصرها وأخذ يوضح لنا الهمّ الذي يعيشه ، ولذلك فإن عوالمه التي صوّرها في زمنه الذهني احتاجت إلى مكان ، فهنا لا بد من وجود هذه العناصر الثلاثة :

الصورة الذهنية = العناصر + الزمن الذهني + المكان

ولو نلاحظ من أبيات القصيدة أن الشاعر علاقته بالمكان قوية جدا ، فكانت ولا زالت عامل جذب له وهذا ما ساعد على وضوح الصور الذهنية لأن هذا الانجذاب القوي للمكان بطأ سرعة الزمن ، وأخذت الصور تأخذ تفاصيلها بشكل جيد وتتشكل بجلاء للمتلقي .

ثالثا : الإيحاء في العلامة أو الإشارة اللغوية :

هنا نحاول أن نوضح كيف يمكن للمتلقي أن يفهم الإيحاءات من خلال العلامة اللغوية في أبيات القصيدة ..

في البيت الأول من القصيدة يقول الشاعر :

دسرٍ وألواح مع شراع وأخشاب
وبلغتهم بالحق ما قال ربّي

عندما نقرأ الشطر الأول من البيت لن نفهم شيء مما أراده الشاعر ولكن دعونا نحلل هذا الشطر :



لدينا خمس إشارات لغوية ، وكل إشارة لها دال ومدلول ، وهنا لو درسنا كل علامة بمعزل عن العلامات الأخرى لن تعطينا أي معنى قصده الشاعر ولذلك لا بد من أن تدخل في علاقات مع بقية العلامات الأخرى ، مثلا العلامة (شراع) لها دال وهو الجانب المادي سواء منطوقة أو مكتوبة ، ولها مدلول وهو المعنى المقصود من الدال ، وهنا سوف نقول أن الدال شراع سوف يعطيني عدة مدلولات أو معانٍ : ( سفينة شراعية ، بحر ، سفينة شراعية وسط عواصف بحرية ، بحارة يصارعون الأمواج ، رياح تحرك السفينة عن طريق الشراع ..) إلى آخره من المدلولات التي تعطيني مدلول العلامة في نفسها وليس مدلوها الكلي ، وهنا يجب أن ترتبط بعلاقات مع ما سبقها من علامات وما لحقها ، فعندما نربطها بالشطر كاملا سوف يتضح معناها ، حتى الآن لم نصل إلى مبتغى الشاعر ، لذلك لا بد من تكملة الشطر الثاني من البيت ونتعرف على العلامات اللغوية فيه :


من خلال العلامة الأولى في هذا الشطر من البيت الشعري (وبلّغتهم) سوف يتضح المدلول من الدال وهو مهمة تبليغ وهنا كانت الوسيلة للتبليغ هي السفينة فعندما تُفهم الإشارات اللغوية بأكملها في البيت الشعري سوف يتضح أن تبليغ الرسالة السماوية تحتاج إلى وسيلة وهنا كانت السفينة ، ولكن لو نقارن هل في هذا العصر الحالي سوف احتاج للتبليغ استخدام سفينة شراعية مع التقدم التكنولوجي ، هنا يبدأ المتلقي في فهم وإدراك المدلول حيث كانت السفينة رمزا لتبليغ الرسالة السماوية إلى شتى بقاع الأرض ، ولذلك سوف يفهم المتلقي أن الشاعر استند في رمزه هذا إلى قصة النبي نوح في تبليغ الدين ، وهنا يمكن للمتلقي أن يفهمه من البيت الأول من القصيدة أو من الأحداث المتتابعة ومعرفة المدلولات من بقية أبيات القصيدة وهذا يتضح بشكل جليّ في البيت الأخير من النص .
يقول الشاعر في البيت الخامس :

وجاك النصيح وساقلك كومة أحزاب
جزت الصراط وصافي الحوض شربي

لو نركز في العلامتين :

سوف نجد بعد الوصول إلى مدلول كل علامة من خلال العلاقات التي ربطت بينهما وبين العلامات الأخرى ، أن هذه الأحزاب التي تحزّب بها الشاعر هي وسائل لتبليغ الرسالة السماوية ، وكلما كان إيمانه بتبليغ الرسالة قويا كلما ساعد على التبليغ بشكل أفضل فكان الإيمان هو الوسيلة الأقوى من بين الأحزاب التي تحزّب بها الشاعر ..


في البيت السابع عشر يقول الشاعر :

اراويةٍ واتأصلت منك الأنساب
(أبو قبيس) اللي تبادى فـ عبّي

لننظر إلى الإشارة (أبو قبيس) في البيت ، سوف نجد هنا إيحاء بأهمية مكان معين ، إذ من النص وتفاصيله ذكر الشاعر قصة نوح والطوفان ، ويقال أن أبا قبيس وهو جبل في مكة كان أيام الطوفان مستودعا ، لذلك لو نركز على المدلول لهذا الدال سوف نجد أنه يوحي إلى أهمية مكة بالنسبة للمسلمين وذلك بوجود الكعبة المشرفة قبلة المسلمين ، ولذلك جاء جبل أبو قبيس في النصّ ليوحي إلى أهمية مكة المكرمة ولذلك فإن هذه الإشارة اللغوية لن نفهم مدلولها إلا إذا ربطناها بعلاقاتها في القصيدة بأكملها ..

رابعا : العلاقات التبادلية بين عناصر القصيدة :

من المهم أن نقوم بدراسة تلك العلاقات بين عناصر القصيدة كي تعطينا معانٍ متسقة مع موضوع القصيدة حتى نستطيع الوصول إلى وجود تناغم علائقي يهدف إلى خدمة النص في جميع جوانبه :
1ـ في البيت الخامس يقول الشاعر :

وجاك النصيح وساقلك كومة أحزاب
جزت الصراط وصافي الحوض شربي

سوف نجد أن الشاعر قد اختار عنوان قصيدته من خلال هذا البيت (كومة احزاب) ولذلك سنحاول أن نجد هذه الأحزاب التي ساعدت الشاعر في إكمال مهمته السامية ..



2- في البيت الحادي عشر يقول الشاعر :

ومسّي على ريح ( الصبا ) مرسي اطناب
ولهبّت ( النــكباء ) تمايــل لعبّــي



لو نلاحظ العلاقة ما بين (ريح الصبا ) و (مرسي ) ، سوف نجد توافق جميل وذلك لأن ريح الصبا رياح باردة وتجلب الأنتعاش عندما تهب على المناطق الصحراوية ولذلك تؤدي إلى الاسترخاء والهدوء والحماية من حرارة الصيف ، وكأن الصبا ريح مبشرة بالخير والاستقرار . ولو نظرنا إلى العلاقة ما بين (هبّت النكباء ) و (تمايل ) تدل على عدم الاستقرار ، حيث أن النكباء رياح حارة وتأتي بالغبار فتثير المكان وتجلب الحركة وعدم الاستقرار ، ولذلك كان الشاعر موفق في استخدامه (تمايل ) ليمثل علاقته بهذه الريح .

3- في البيت التاسع عشر :

ونمر فالدنيا سفارى وأغراب
ونثور نوبات ومرّات نخبي



عندما يثور المرء في النوبات هذا شيء جميل ، ولذلك عندما وصف الشاعر بأن الثوران في النوبات وفق في ذلك ، لأن النوبات هي مواقف تستدعي الثورة والقيام السريع وبدون انتظار ، وعندما قال ( ومرّات نخبي ) فإن المرات هي محدودة جدا وفي مواقف لا تستدعي الثورة ولذلك فإن وصفه ل(نخبي) جاء موفقا جدا لأنه مثل الجمر الذي فوقه رماد ، ويمكنه في أي لحظة أن يثور ..

ـ توظيف الأحداث التاريخية في النصّ :

الشاعر صالح السنيدي وظّف قصة النبي نوح بهدف الوصول إلى غايات معينة ينشدها ، ونحن بدورنا في هذه القراءة سوف نحاول تحليل هذا التوظيف الذي قام به من خلال النصّ مبعدين العامل الزمني بحكم أن قصص الأنبياء دائمة وحاضرة في الحياة الدينية بشكل مستمر ، ولذلك سوف نحللها من خلال توظيف بعدها الأسطوري كما جاء في القصيدة ..
ومن خلال الجدول التالي سوف نتناول قصة النبي نوح من خلال تأثير الحكاية في النصّ:



من خلال الجدول الذي تم تقسيمه إلى ثلاث مستويات إن الأحداث في المستوى الأول كلها متصلة بما قام به النبي نوح من عمل ، أولا بتبليغهم رسالة ربه ، ثم ينصح من أعرض ، ثم ينصحه ربه بالخروج عنهم ويأمره ببناء السفينة انتظارا لحدوث الطوفان الذي سوف يغرق الذين لم يؤمنوا بدعوته ، ثم ينتظر الوعد من ربه ، فيحدث الطوفان .. ولو نلاحظ هنا أننا وضعنا الأحداث المتصلة بالنبي نوح في مستوً لوحدها ، وفي المستوى الثاني وضعنا ما قام به قومه .. وكان المستوى الثالث إسقاط قصة النبي نوح على الأوضاع المحيطة بالشاعر ، وهنا الشاعر يوظف دور النبي نوح في نصح قومه أمام ما يحدث من إستعمار داخلي وخارجي للعرب والمسلمين ..إذن ،الشاعر اختفى وراء قناع شخصية النبي نوح ، لأن الوضع الذي وصلت إليه أمته من تخلٍ عن مبادئ وقيم إسلامية جعلها تخنع وتتقاعس عن الدفاع عن مقدراتها المقدسة وتخليها وتنازلاتها الكثيرة ، وفي المستوى الأول يحاول الشاعر أن يساعد قومه بأن يتمسكوا بدينهم ويدعوهم ويتخذ الأسباب والوسائل حتى ينهض بهم ، ويحاول أن يساهم في نهضتهم وانتشالهم من الضياع الذي هم فيه .. وفي المستوى الثاني بعض من قومه يحاولون التخلي عن هذه القيم ، وذلك نتيجة لما يشاهدونه من إغراءات وتقدم مدني ، حيث أصبحت الحياة مفتوحة ضمن غزوات المدنية القوية على المجتمعات المحافظة ، مما جعلهم يتنازلون عن الكثير ، وهنالك من الضغوط السياسية والاجتماعية والثقافية التي كانت سببا في خنوعهم ، وهنا الشاعر يحاول أن يذكرهم بماضي المسلمين ..

ـ المستوى الفني للحكاية :

من الملاحظ ان الشاعرربط ما بين شخصيتين : شخصية الحدث الواقعية وهي هنا النبي نوح ، وشخصية الشاعر ، وهنا ناتج عن التفاعل القوي بين الشخصيتين ، وهذا ناتج من اللاوعي الذي يعيشه الشاعر بتلك الكتلة الملتهبة من المشاعر النازعة نحو أمته ونصرتها ، وهذا نلاحظه في البيت الثالث حيث قال :
حتى إذا هبّت بوارح والاسباب
شيء جلا مني وشيء ذهبّي
وكذلك في البيت السابع :
كل ما نمرّ أبشيخ يحلف لكذاب
يضحك وستهزئ ألا الريح هبّي

إذ نلاحظ أن الشاعر الربط ما بينه وبين النبي نوح في تبليغ الناس (نمرّ)..
وفي البيت الثالث عشر حيث انتظار أمر الله أن ينقضي :

حتى تعلقت (الجدي) خط وحساب
هبّت (دبورٍ) ونسفت كل حزبي

حيث في هذا البيت الشاعر تقمص شخصية النبي نوح تقمصا كليا واختفت الشخصية الرئيسية ..
وفي البيت السادس عشر كذلك كان التقمص كليا :

وتخايلت عندي عذاريب وعتاب
والا السفينة بحرها طود يحبي

وفي البيت الأخير يقول :

نصنع سفينة لو بقى دسر واخشاب
ونبلـــغ الــدنيـــا تعــاليـــم ربــي

الشاعر وصل إلى درجة قوية في استفزاز كل وسيلة للدفاع عن الدين ومبادئه وعن عزّة أمته ولذلك نجد أنه استعان بالخيل كوسيلة إضافية من الأحزاب التي تحزّب بها ، وهنا نجده يستعيد تاريخها ويعدد أسماءها حيث يقول :

وخيوط ننشرها ضحاضيح وحجاب
ونثوّر الدنيا على خيل تسبي
عاحيدره وضرغام وحجول وحراب
صفنٍ بياض البرق من كل حدبي

وهنا الشاعر يذكّر بتاريخ قيام الدولة الإسلامية كعامل محفّز لإستنهاض الهمم ..

ـ نلاحظ الشاعر أنه استعان بأحداث أخرى أعطاها النصّ بعدا أسطوريا ، كي تكتمل عنده (كومة أحزاب ) ، وهي :
1- سواع وود ويغوث في البيتين التاسع والعاشر :

مجنون لا تجري على كل مسحاب
هذا (سواع )و(ود) وعـ البيت لبّي
وهذا (يغوث) اليوم واقف عالعتاب
يروي شــهود القـوم تاريخ غربـي

2ـ ريح الصبا والنكباء في البيت الحادي عشر :

ومسّي على ريح (الصبا) مرسي اطناب
ولا هبت ( النـكبــاء ) تمــايل لعبّــــي
3ـ الخيل في البيتين العشرين والحادي والعشرين :


وخيوط ننشرها ضحاضيح وحجاب
ونثوّر الدنيـــا على خيل تسبــي
عـ حيدره وضرغام وحجول وحراب
صفنٍ بياض البرق من كل حدبي

إذن ، اشتركت كل هذه الأحداث في النصّ ، وهنا أصبحت لدي أكثر من بنية أعطاها النص بعدا أسطورية من خلالها خدم الشاعر بتوظيفه لهذه الأحداث النصّ كثيرا وبشكل أساسي ، لذلك نحتاج هنا إلى دراسة متعمقة ، وهذا ما يؤدي إلى إرهاق النص من حيث المستوى الفني ، لذلك حاولنا الإشارة إليها وبتأثيرها في القصيدة وبنيتها ..

خلاصة القول ..

النصّ يحتاج إلى دراسة أكثر عمقا وتفصيلا مما ذكرناه ، وخاصة في جانبه الأسطوري ، لأن الشاعر هنا لم يربك المتلقي ، بل أربك النقد في دراسته للحدث الأسطوري عندما تعامل الشاعر مع النص باستخدام أكثر من حدث أسطوري ، حيث تكون المهمة مرهقة جدا وتحتاج إلى نفس طويل ، وهنا اكتفينا بدراسة بسيطة كي نخرج بقيمة جمالية لهذا النص .

التعديل الأخير تم بواسطة فهد مبارك ; 04-09-2010 الساعة 04:28 PM
رد مع اقتباس