عرض مشاركة واحدة
  #26  
قديم 11-05-2012, 09:38 PM
زاهية بنت البحر زاهية بنت البحر غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 134
افتراضي



بصمت وانتباه كانت تقرأ ما يختلج في صدره من خوف رهيب؛ تشي به ارتعاشة يده الجاثمة في قبضة يمناها؛ وهي تعود به إلى بيت أبيه.
ترى هل سمعت مواساة الأزقة الضيقة له بحيطانها العتيقة؛ وشبابيكها المغلقة هروبا من صفير الريح الممتقعة وجها؛ بما تحمله من بقايا القمامة التي نثرتها في أماكن شتى من مساحة الجزيرة الصغيرة؛ فَهَمَتْ من عينيها بعضُ دموع؟
ربما أحست بها، استشفت ذلك من خلال تعاطف من هم خلف الحيطان مع الصغير منذ رحيل والدته وهي تضعه فجاء الى الدنيا لطيما..
جميلٌ أن تجدَ قلوباً نقية تحبك بصدق وإخلاص.. تقف جانبك وقت الضيق.. تبتسم لك عندما تكون بحاجة لمن يدخل السعادة إلى نفسك.. تحملك لراحة الفكر والجسد، وتضيء لك درب الحياة بقنديل الأمل.
كان مولده مؤلما للجميع، وازداد تعاطف الناس معه بعد رحيل والده قبل سنتين غرقا في البحر، فبقي في عهدة زوجته رضوى المالكة الشرعية للبيت الذي كتبه لها الراحل عوضا عن المهر، لكن رضوى لم تعامل اليتيم اللطيم رزق كما أمر الله وكما أوصاها والده، فأساءت إليه ولم ترسله إلى المدرسة، وحبسته في حوش الدار في غرفة صغيرة باردة في الشتاء، حارة في الصيف بحجة ضيق البيت خاصة بعد زواجها في العام الماضي من سعفان الفذي، الذي قيل بأن شرطه الرئيس للزواج منها كان عدم السماح للصغير بالعيش معه تحت سقف بيت واحد كي لايذكره بوالده، فآثرت له العيش في الحوش دون الطرد خشية أن تلوكها ألسنة الناس على فعلتها النكراء تلك، بعد أن رفض خال الطفل وخالته حضانته بحجة أن بيت والده هو الأَولى به من بيوت غيره، فظل في الحوش ينام ويأكل البائت من الطعام فليس له جد ولا عم يرعى طفولته في زمن تسيدت فيه على عرش حياته امرأة ظالمة لاتخشى الله في عمل ولا في قول.
قبلت رضوى بسعفان وقبل بها فهي تريد طفلا وهو يريد مالا وجمالا، هي امرأة جميلة وشابة تستحق التضحية بالزواج منها حتى لو عارضته زوجته، وتصنعت الضيق، وذهبت إلى بيت أهلها، فلاشيء يهم مادام سيريح نفسه من صراخ الأطفال ونق المرأة متفرغا لعبِّ السعادة في شهر العسل مع رضوى، وفي النهاية ستعود وصيفة مع أولادها إلى البيت لعدم قدرة أهلها على القيام بواجباتهم تجاههم تماما.
(رزق) الطفل اليتيم اللطيم جميل الصورة، ذكي، نبيه وصبور يحمل في أحضان أعوامه التسعة قلب رجل كبير جرعته الحياة باكرا كؤوس البؤس والحرمان، وكثيرا ما كان يلجأ إلى بيت أم عادل قبل وفاة والده يشكو لها ظلم زوجة أبيه، وبخلها الشديد، وعدم اهتمامها بنظافة جسمه وملابسه، وعدم السماح له بالخروج من البيت ولقاء الأطفال إلا نادرا، وإرهاقه بأعمال البيت رغم اعتراض والده على ظلمها وإهمالها لطفله اللطيم، فكانت تهدده بطردهما من المنزل إن هو ألح عليها بالكلام، فيصمت مرغما فهي سيدة البيت ومالكته، وليس هناك مكان آخر يأوي إليه مع طفله المسكين.
وظل رزق بعد وفاة والده يلجأ إلى أم عادل، فقد كانت له الصدر الحنون الذي وجد فيه شيئا من الدفء الذي افتقده منذ مولده. لم ترزق رضوى بأطفال من والد رزق، فظنت بأنه أصيب بالعقم بعد الحادث الذي وقع له في إحدى السفن التجارية، وكثيرا ماكانت تعيره بعقمه دون أن تزور طبيبا لمعرفة من العقيم منهما.
بعد رحيله بعام أرسلت لسعفان من يقنعه بالزواج منها. كانت فرحتها عارمة عندما علمت بموافقته، فرضيت بكل ما أملاه عليها من شروط، وقبل ليلة الدخلة قبض منها مبلغا كبيرا من المال احتسبته ثمنا لطفل قد ترزق به من سعفان الفذي، وحتى اليوم لم يتحقق حلمها، ولم تعامل رزق بما يرضي الله .



بقلم
زاهية بنت البحر

__________________
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
مدونتي


http://zahya12.wordpress.com/2010/09...4%d9%87%d8%a7/
رد مع اقتباس