عرض مشاركة واحدة
  #27  
قديم 14-09-2012, 11:53 PM
سعاد زايدي سعاد زايدي غير متواجد حالياً
كاتبة مميزة
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 685

اوسمتي

افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة يزيد فاضلي مشاهدة المشاركة
...أغمضُ عيني-أختي البديعة الأصيلة سعاد-فترتدُّ بيَ الذكرى إلى أكثر من خمس وعشرين سنة إلى وراء..إلى تلك الأيام الهادئة التي كنا ننشأ فيها على مَهَلٍ منْ زحْفِ العُمر الذاهب في أعماءِ الحياة،فما تنفكُّ طفولتـُنا الغرثى تدلفُ بواكيرَ المراهقة ونضارة الصبا إلا ومرحلة ُالتعليم المتوسط ( الإعدادي ) تحتوينا بين ثنايا راحتها العجْلى التي صارتْ دِمَناً لذيذة في حُسَار الذاكرة...

إن كنتُ سأنسى..فن أنسى ما حييتُ هيئة أستاذنا الوقور الهادئ مسعود بن عمر رحمه الله تعالى،وهو يَذرَعُ في تؤدةٍ حُجرة الدرس لفصلنا الثاني متوسط وفي يَده كتاب ( المختار من القراءة ) في اللغة العربية..يقرأ لنا بصوته الأجش الرخيم ما تقرر من نص حول ( البطل الشهيد محمد العربي بن مهيدي ) عليه من الله سحائبُ الرحمة..

لقد كان الأستاذ الجليلُ ينقلُ لنا طرَفًا من أشجانه-لأنه عاصرَ الثورة المباركة وهو صغير-فما أنسى ملامح التأثر البالغ وهو يَقرأ النصَّ الجميلَ،فتكادُ الكلماتُ تنسكبُ انسكاباً في شغافنا-نحن التلامذة-وأكاد أتمثلُ الشهيدَ العظيمَ وهو يمضي في يقينه الشامخ يصنعُ لجيله والأجيال اللاحقة ملاحمَ البطولة الحقة والرجولة الفارعة التي كسَرَتْ أنفَ فرنسا العجوزُ (( بما اجترحتْ من خداعٍ ومَكْر ))...

ووالله..واللهِ ما زلتُ أذكرُ مطالعَ خالدة من ذلكَ النص الخالد حول شهيدنا الحي..وما أخالُ سأنساه أبداً وقد دلفتُ اليوم الأربعين...

وبعد إذنكِ-أختي الأصيلة-سأفتح الكتابَ الأثيرَ في نفسي على النص مرة أخرى علنا نجدُ فيه قبسًا لخاطرتِكِ الوادعة الهادئة الجليلة ( حالة انفراد ) :

(( ... شابٌّ في مقتبل العمر يتبين في كلامه روحَ الرجل المسالم و تلمح على وجهه ملامحَ النبل و الوداعة،إنه يختار كلماته اختياراً دقيقاً فتأتي جميلة رزينة هادئة في صوت خافت حنون..

كان منذ صغره يشعر بتلك الشعلة المقدسة، حب الوطن تأكل قلبه و تهتز نفسه و تبعثه على العمل و كان ذا نفس مرهفة فسهل عليه أن يرى ما يعاني شعبه العربي في الجزائر من بؤس و شقاء و أن يستكشف ما وراء بعض المظاهر الخداعة من ظلم و إرهاق و محن فجعل نفسه وقفا لشعبه،يعمل في سبيل تخليصه من ربقة الاستعمار والاستعباد..

فشارك بن مهيدي في جبهة التحرير الجزائرية إلى أن اطلع البوليس الفرنسي على نشاطه فلجأ إلى الاختفاء و راح يعمل سرا على تهيئة الجو للاندلاع الثوري المشهور في ولاية وهران و في أثناء المؤتمر التاريخي الذي انعقد في واد الصومام في 20أوت 1956 عين عضوا في لجنة التنسيق و التنفيذ لجبهة التحرير الوطني الجزائرية فكان يقوم بعمل جبار في قلب العاصمة يواجه الحضر في كل ساعة تمر و يحاذي الموت عند منعرج كل طريق...

و في يوم 27 فيفري ألقي البوليس الفرنسي القبض عليه ثم سلط عليه أشد أنواع العذاب فلقد اقتلعوا جلدة رأسه كلها ثم أخذوا سفودا بعد أن أصلوه ناراً حتى أبيَضَّ و أدخلوه في فمه و حلقه إلى أن فاضت روحه إلى بارئها، صبر العربي بن مهيدي أمام هذا العذاب فلم يدل بأدنى اعتراف فقد شهد كل الذين رأوه بعد إيقافه أنه كان هادئا ثابتا ما تزعزع قط بل ابتسم للصحفيين الذين تجمعوا أمامه مع الرغم أنه كان يعرف مصيره...

إن البوليس الفرنسي عندما سلط على العربي بن مهيدي ذلك العذاب الشديد لم يكن يعرفه حق المعرفة إذ لو عرفه لما أتعب نفسه بذاك التعذيب الوحشي. أما شهيدنا فقد صبر على التعذيب لا لأنه شجاع فقط و لا لأن أعصابه من حديد فحسب بل لأنه كان قبل كل شيء محمد العربي بن مهيدي الذي قال عنه الكولونيل بيجار:" لو أن لدي ثلاثة من أمثال العربي بن مهيدي لفتحت العالم" فلقد كان بن مهيدي بطل من أبطال الثورة و لقد لقن العربي بن مهيدي درسا للاستعمار بأن الشجاعة قوة و عزم و صبر....
))...

وبَعْــدُ أختي سعاد...

أكانَ هو وحيُ التاريخ المشرق لواحدٍ من أعظم رجالنا وشهدائنا الأشاوس هو ما لمَسَ شجوناً في قلمِكِ الجميل،فراح يقتاتُ من ذكراه ما يرمي بهِ عواتق ضمائرنا-نحن الأجيال اللاحقة-أن احفظوا العهدَ..وصونوا الوديعة..وكونوا لأسلافكم العِظام خير خلفٍ لخيْر سَلَفٍ...؟؟!!

أم أنه الإحساسُ المنقبض من واقع أجيالنا التي تكادُ طراوة الحضارةِ وتقاليع التغريب والانسلاخ أن تحيلـَها إلى كوْمَاتٍ من الرخاوة،تأخذ أتفهَ ما في الحضارة المعاصرة وتجعله أخطرَ ما عندها..فشيءٌ بَدَهِيٌّ-والحالُ هكذا-أن يقفَ الحُرُّ وحْدَهُ ذاهلاً،غارقاً في إحساسٍ رهيب من ( حالة انفرادٍ ) واغترابٍ شعوري...؟؟ !!!

أم أنكِ-سيدتي الأصيلة-أردتِ أن تهمسي لنا..ولأجيالنا وشبابنا..أن هكذا يجبُ أن تتعملوا صناعة الحياة بالتضحية..وصناعة الرجولة بالتفاني...وصناعة القوة والإرادة والعِزة بالموتِ إذا اقتضى الأمرُ في سبيل غايةٍ عظيمةٍ..ومَنْ طلبَ عظيماً خاطرَ بعظيمته..فإن الشهيد محمد العربي بن مهيدي-وأترابَه من صُنَّاعِ التاريخ-هم الذين استمروا أحياءً حتى بعد سقوطهم مدافعين-ببسالةٍ-عن عرائنهم،فإذ بالموتِ تنبثقُ زهرة الحياة الحقة،وما كانَتْ أعذارُ الخائرين والجبناء ستنبوا عن حياتهم تلك بالموت،فمضوا إلى شرَفِ الغاياتِ ولسانُ حالهم يقول :

تأخرتُ أستبقي الحياة فلمْ ** أجد لنفسي حياة ًمثلَ أن أتقدمَا..!!


في كل الأحول..أظننا استوعبنا الدرسَ...!!!..ويالهُ من درس...!!!!

بوركتِ بابنتَ بلـَدي التي سأعتز بها دوْماً وأباهي وأفاخر..فإن زهرة ًيانعة ً،نبتتْ هناكْ في روابي باتنة الأبية..وجبل الشلعلع الأشم..وبريكة...وعين جاسر..وأرِّيس..وإينركب الباسلة..وتيمقاد..وتكوت..وعين توتة..وكيمل..والمعذر..ونقاوس..ورأس العيون...وبيطام...وباقي الربوع...

إن زهرة ً نبتتْ هناك بعد أن ارتوتْ بأمدادٍ من روافدِ العظماء الشهداء : أسد الأوراس والثورة مصطفى بن بولعيد رحمه الله..والصنديد الحاج لخضر رحمه الله..وباقي الرعيل...

إن هذه الزهرة التليدة..حقيقٌ بنا أن نجلسَ لمائدتها العامرة..نرخي لها سمْعَ القلب والعقل وهي تحكي لنا حالة انفرادها التي أيقظها في حسها الواقعُ الرديئ،فلم يكن غير الشهيد البطل محمد العربي بن مهيدي رحمه الله ليُكسِرَ فيها طوْقَ تلكَ الحالة وليستيقظَ فينا ما أنامَهُ أو أماتـَــهُ ( البيبسي ) و ( الكولاَ ) و ( الهامبورغر ) و ( الماكدونلاد ) ...!!!

مباركة ٌ أنتِ في الأولين والآخرين سيدتي البديعة الأصيلة...


أولا وقبل كل شيء أعتذر على التأخر في الرد عليك

أخي وأستاذي يزيد............،

لشرف لي أن تحظى خاطرتي بقراءة ضافية مضيئة لحروفها تنير درب تاريخ اليوم وتعزز بصور كالوسام على صدر زمانها،

ركن الذاكرة انفرد وانفرد معه القلم واختفت الأسئلة وراء حجة الألم المتعب ليوم لنا ونعده لغيرنا، نتسبب فيه ونعتز بما ننتمي إليه ونضيع ما يجب فعله.

توسط الإحساس المنقبض بواقع الجيل حتى شعرت بالاغتراب، هل ننتمي إلى جبال لا تتزعزع أم أن جفاف الأرض يسكن الجذور؟

خلفوا لنا حياة تشبه الموت ومنح لهم تاريخهم موت على قالب منحوت للحياة.

لا بد لأرواحهم أن تسكننا كي نتعلم أبجدية الكون لمن يكون.................فنحن نعاني زيمومية الزمان

أخي يزيد قد منحتني كلاما بقدر ما أعتز به من أستاذ جليل فاضل مثلك بقدر ما أرغب أن أعترف لك همسا أني لم أبلغ حلم الإبداع بعد.

فنحن من يجب أن نجلس لطاولتك ونرخي لك القلب والعقل كي نتمهن تفكيك شفرة الأنامل حينما تكتب.

شكرا لك

ولا حرمني ربي ولوجك متصفحي، فلا تحرمني إطلالتك ومعرفتك

دمت بألف خير
رد مع اقتباس