الموضوع: الميزان
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 16-06-2010, 10:12 PM
الصورة الرمزية محمد عباس على
محمد عباس على محمد عباس على غير متواجد حالياً
عضو هيئة الشرف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
الدولة: الأسكندرية -مصر
المشاركات: 407
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى محمد عباس على
افتراضي الميزان

الميزان
........... قصة قصيرة
...............

تمهيد


معجونة كلماتها بالدموع..تنظر الى الأعين حولها..الأعين تبادلها النظرات ..بينما على الأرض بجوارها يقبع البيض المكسور التى كانت تنوى بيعه فى السوق مختلطا بالجبن والطين..الكل ينتظر رحيلها ليهرول نحو البرعى طلبا لرضاه..البرعى يقف أمام حانوته حاملا نظراته الثعلبية مقسما أنه لا دخل له فى هذا بل هى رغبة الباعة فى السوق !

1- الطرد

يحيطون بها كالقيد ..ملامحهم عابسة الى حد العاصفة ..أعينهم ضيقة تتأجج فيها النيران ،والسنتهم حادة تقطربالحروف السوداء..تدير عين الرعب فيهم..تهطل فى أعماقها أمطار الرعب ..ترتعد..تهمس للمرأة السمينة بجوارها ،مستجيرة بها : - خالتى أم محمد !
المرأة تغشاها ايضا غاشية من خوف ..تتسع عيناها كبئرين غاض منهما الماء،ويتلون وجهها بلون غروب زاعق الاحمرار ..الوقت مايزال مبكرا ..السوق ينفض عنه أثار الليل.. من أين أتى كل هؤلاءالباعة أصحاب عربات الخضر والفاكهة ،و معهم الجائلون الذين يحملون بضاعتهم فوق أيديهم أو يفرشون على الأرض وسط السوق أو يحملونها على عربات صغيرة تدور بهم بين الحارات ..كلهم ترك فرشته وترك بضاعته وأتى كالصقر..دار حول فاطمة تسبقه مخالبه..عينا المرأة السمينة معجونتان بالدهشة وهى تبصق نظراتها على الجميع..لم تجمعهم كلمة من قبل ..مثل النور والظلام لايلتقون الاعلى فراق .الآن فقط ومن أجل فاطمة تتوحد كلمتهم!!
اتجهت الى البنت الصغيرة بجوارها بنصف عينها اليسرى ..منكمشة تحت جناحها..التصقت بها ونقلت اليها الرعشة..علا صوت سليمان : - أنت وهذه البنت التى جلبتها ..أخرجا من السوق .
تنظر فاطمة اليه ..وجهه قسماته ملطخة بتراب السوق ..معجونة بالغبار ..مترعة بالعرق..ترفع صوتها عله يصل اليه ..يفهم حقيقة الامر.. يعذرها..تضيع حروفها
وسط زحام الكلمات ..ترفع صوتها أكثر .الآذان لاتسمع والعيون لاتنتبه..تشعر أن هناك قرارا لابد أن ينفذ لذا لايسمعون ..الكل فقط يتكلم ..يطالبها بالرحيل ..تقوم أم محمد مستندة على الأرض ..رافعة جسدها الممتلىء بالكاد ..قسماتها مشربة باصفرار طارىء،يتمدد متشعبا على أجزاء جسدها المرتجف وهى تواصل الاحتجاج باحثة بينهم عن أذن تسمع .
يزأر صوت منصور من جديد : أنت وهى خارج السوق
ويهرول مندفعا نحو بضاعتها وبضاعة فاطمة من الجبن والبيض يريد القاءها أرضا ..تمتد الأيدى لتمنعه..يزيد حماسه ويمد ساقه من بين غابة السيقان المحيطة به ..ترتفع صيحات استياء كطيور سوداء تحوم فوق المكان .
...............................
2- حسرة
وجه أم محمد كسطح رغيف قارب على الاحتراق ..تسير به وسط الطريق ..تحدق فى الوجوه المارة ..ترميها بجمر النظرات..السوق الذى عرفته وعرفها ..ربت فيه زبونا يجىء من أجلها ويسأل عنها..الباعة أنفسهم ..من كانت تظنهم لها..
يطردونها منه..البنت أخطأت ..أغضبت البرعى ..مالها هى؟ ..ثم أن الحق يقال
البرعى هذا شره ..عينه فارغة ..ينظر الى الصبية الصغيرة بعين السوء ..البنت لاتفهم من هو البرعى أو غيره ..وهؤلاء الباعة الذين اجتمع جمعهم على رأى واحد هو ارضاءه يتسابقون الى طردها .. مادامت صغيرة ,جديدة فى المكان ولن يغضب أحد لها فليجتمع الكل عليها..تكمل سيرها وسط الطريق ..تبصق نظراتها على الوجوه العابرة ..بينما قدمها تودع الطريق بحسرة ..تنتبه لفاطمة الى جوارها وهى تتعثر ،تنقلب ببضاعتها على الارض ..تتفجر البراكين فى عينيها ..تلعن الظروف التى اضطرتها الى مساعدة هذه البنت وأسرتها ..جلبت لنفسها الضرر بيديها .
.................................
3- بعد الوقوع
كانت فاطمة تمضى ..جسدها النحيل لايقوى على حمل البضاعة والرعب معا ..تنظر الى الوجوه المحتشدة ..تتساءل لم يفعلون هذا ..الرجل البرعى الذى هو فتوة السوق ،الذى يفرض الأتاوات كما يقولون انفرد بها فى حانوته..الحانوت
يقسمه حاجز خشبى الى نصفين أمامى وخلفى ..انفرد بها فى ا لأخير ومد يده عليها ..لو نال ماأراد هل كانوا يصمتون ،يتغاضون مادام الامر بعيدا عنهم ؟ ..
تريد صوتا واحدا يقول لها أخطأت حينما تصيدت اصبعه وطحنته بين أسنانك ليبتعد عنك ..تدير عينيها فى الوجوه المنقبضة القسمات ..تهطل دموعها مطرا
وهى تتحرك خارجة الى الطريق ،حاملة مع البضاعة انكسارها ..المطر يصنع سحابة تغطى عينيها ..تحجب عنها المرئيات ..تتعثر قدمها فى حجر وسط الطريق ..تنقلب وبضاعتها على الأرض ..يختلط الجبن بالتراب بالبيض المكسور ..يمتلىء وجهها بالدموع والدم والطين ..البضاعة ضاعت ..ضاع ثمنها الذى اقترضته أمها من الجيران جنيها وراء جنيه على مدى أيام طويلة حتى استقام مبلغا تستطيع به أن تبدأ مشوارها فى السوق .. تدير وجهها بين العيون المتراصة
والتراب المعجون بالجبن والبيض..تحدق فيهم بعينين متحجرتين غاض ماؤهما
وهى مكانها على الأرض..تنظر ..تترقب ..ثم مرة واحدة
تهذى بكلمات لايحاول أحد من الوقوف فهم معناها !!
محمد عباس على
رد مع اقتباس