عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 13-02-2013, 12:53 AM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي الجزء الثاني من حكاية في رواية


حكايات شعبية
أبو البنات السبع"
الجزء الثاني

أراد "أبو ساعدة "أن ينسحب, عندما رأى غفلة أبنائه وتفاهة أحلامهم

لكن فساد تدبيره أوقعه في ما يكره. فلقد ردَّ بإصرارٍ وغباء قائلا :

بل تبدأ المناظرة حالا

قال القاضي : فأختر أتكون المناظرة قولا أم فعلا ؟

قال : فلتكن قولا وفعلا, ولتسألهم سؤالا ولتسألنا سؤالا

فخاطب القاضي سعاد : أسألكِ عن شىءٍ أطولُ مني ومن أبيكِ

ولكّنه لا يستطيع لمس ضرع البقرة, ما هو؟!

قالت سعاد : إنه الدّرب يا سيدي

قال القاضي : أحسنت , بارك الله فيكِ

فأنبهر الناس من سرعة بديهتها, وجودة خاطرها

ثّمَ سأل القاضي ساعدة, فقال :

منتصب قـــــائم كالبنيان فـــي الطـول رمـح بـلا ســـنان

لا أذن لـــــه ولا لــسان يُشرب بعد العصرِ في رمضان

فما هو ؟

لم يفكّر ساعدةٌ, بل قال : أستغفر الله أيها القاضي

لا شيء يشرب بعد العصر في رمضان فالناس صائمون

قال له القاضي :

بل هناك ما يشربه المسلمون بعد العصر في رمضان .. !!

ثمّ سأل سعادة : أتعرفين أنت الجواب ؟

قالت سعادة : هو قصب السكر يا سيدي, يصنع منه العصير

فارتفعت صيحات الصيادين فرحة وسرورا

قال القاضي :

ما تقول يا سعدون في رجل مسلم بالغ, سميع بصير

صلـى بـالنـاس إمـامـــا , فــقـالـوا : صلاته باطلة

ثم صلى مع الناس مأموما, فقالوا: صلاته باطلة

وصلى لـوحـــده مـنفردا , فـقــالوا : صلاته باطلة

فما علته يا سعدون ؟

إرتجّ على سعدون , وأخذ يسأل إخوته و أباه و أخواله وأعوانهم

فلم ينجده أحد منهم بجواب

فقال "أبو ساعدة" : إنّ هذا كلامٌ مُبهم, لا تفسير له

قال القاضي : أفتينا يا أبنتي , إن كنت تعرفين

قالت سعيدة : إنَّ الرجل مجنون بلا عقل يا سيدي

ولا تصح الصلاة لفاقد العقل, من جنون أو من غيره

فكبّر القاضي, وعلت الأصوات تثني على البنات

فغضب "أبو ساعدة" وقال : فلتسألني أنا أيها القاضي

ثم اسأل "أبا البنات السبع"

قال القاضي : حسنا, فبين لن الحكم الشرعي في :

رجل مسلم , يأكل الميتة, ويصلي بلا ركوع ولا سجود

ويبغض الحق, ويحب الفتنة

قال "أبو ساعدة" : إنّ من يفعل هذا ليس بمسلم

قال القاضي :

بل هو مسلم, وليس عليه ذنب فيما يفعل, ولكنك رجل جاهل

يا "أبا ساعدة" فلتسمع ماذا يقول أخوك

قال "أبو البنات السبع" :

الرجل إنما يأكل السمك والجراد, وهما ميتتان, ويصلي على الموتى

وليس فيها ركوع وسجود, ويبغض الموت وهو حقَ

ويحب المال والبنين وهما فتنة

فأبتسم القاضي, وفرح الصيادون, وإغتم" أبو ساعدة"

وقال بعد أن أدرك أنهم ماضون في طريق الفشل :

فلننتقل من القول إلى الفعل أيها القاضي

قال القاضي : فماذا لديك ؟

قال : إنني أطلب من أبي "البنات السبع" أن يأتى بعد أيامٍ ثلاث

حاملا سلة مملوءة من شحم البعوض, وقد طُبخ بلبن العصفور

و إلاّ فإنّه و بناته يخسرون المناظرة, و يكون الشرف و الفضل لي و لأبنائي النجباء

عجب الناس من هذا الطلب الغريب العجيب, وأشفقوا على الصياد وبناته

قال القاضي : فصف لنا شحم البعوض ؟ وماذا يكون لبن العصفور ؟

قال " أبو ساعدة" مُستخِّفا : إنّ شحم البعوض شيءٌ لينٌ دسمٌ أبيض

أما لبن العصفور فهو سائل أشهب, ثم إستغرق في نوبة ضحك مجنونة

فقال القاضي : أمّا إن فعل" أبو البنات السبع"ما طلبت منه

فوالله لنغرمنَّك غرما يقصم ظهرك

ثمّ إنفضَّ المجلس, وإنصرف الناس, وغادرت البنات ووالدهن

وقد غلب عليهم الحزن والهم وحاروا في طلب "أبي ساعدة"

وبين جدران الكوخ جلسوا يتدارسون ذلك الطلب العجيب

فلم يتوصّلوا إلى شىء يقنع "أبا ساعدة" والقضاة

ومضى اليوم الأول , وتبعه الثاني, وبعد مغيب شمس اليوم الثالث

خرجت سعدى إلى منزل بعض الجيران

فشاهدت جارتها " أم أحمد" وقد وضعت جريشا أبيضا ناعما في صحن تريد تجفيفه

فسألتها : ما هذا أيتها الخالة ؟

فأخبرتها بإسمه

فسألت البنت : وهل يأكله الناس ؟

قالت الجارة : نعم يا أبنتي, بل ويستخرجون منه حليبا أيضا

قالت سعدى : فهل لي بالقليل منه ؟

دخلت "أم أحمد" وأحضرت شيئا, ناولته الفتاة

ثمَّ قالت لها : لقد أرسل إلينا "أبو أحمد" حمل بعيرٍ منها

ولكن أرجوك يا بُنيتي لا تخبري أحدا

إنصرفت سعدى تسابق الريح, و في الكوخ فتحت الكيس

وأخرجت هدية الجارية, ولكن أيٍّ من أخواتها لم تبدىء إهتماما

فهن لا يعلمن حقيقة تلك الهدية

فقامت سعدى وعالجت بعضا منها, ثم إستخرجت لُبا ناصع البياض

وجرشته, فتناثرت منه قطعا صغيرة بيضاء اللون

فلمّا رأت ذلك سُرَّت سرورا بالغا

ثم قبضت على حفنة من ذلك الجريش وعصرته بين يديها

فدَّرَ عليها حليبا ناصع البياض, فلمَّا تذوّقته, وجدته طيبا مستساغ

فأدركت أنّ أحجية "أبي ساعدة" قد فُكَّ لُغزها فحمدت الله وشكرته على لطفه

ثمّ أخفت ما تحصّلَ لها, وأنضمّت إلى أخواتها الباكيات

أمّا أبوها ,فإنّه إعتكف في المسجد يذرف العبرات, ولسانه يلهج بالدعاء

ولم يعد إلى الكوخ إلاّ بعد ان تيقّن من نوم البنات, فدخل مُتسللا

ونام حزينا كئيبا, كسير الخاطر, مشغول البال

وحين نهض فجرا لأداء الفرض, وجدَ سلّة أنيقة, مُغطاة بمنديل لطيف

قد وُضعت أمامه, وعندما رفع الغطاء شاهد شيئا لم يره قبل ذلك

فأحتار في أمره, وتشوش خاطره, وبينما هو كذلك , دخلت عليه إبنته سعدى

فبادرها مُتسآئلا : أأنت من جلب هذه السلّة ؟ وما هذا الذي فيها ؟

فأجابته : نعم يا أبي. ولكن الا تعرف ماذا فيها ؟

ردّ الأب نافيا : لا والله , لا أعلم ماذا يكون هذا الشيء

فابتسمت الفتاة قائلة : إنه شحم البعوض وقد طبخ بلبن العصفور

فضحكا حتى أيقظا النائمات, فأتينَ يستفسرن عن السر

في دار القضاء كان " أبو ساعدة" يترنح بِطرا وغرورا , وقد وضع على رأسه

عمامة " كشميرية" تِزنً أرطالا, وهو يقطع الساحة ذهابا وإيابا

ينتظر قدوم الناس ليشهدوا هزيمة أخيه النكراء ـ هكذا كان يُمني نفسه ـ

فإذا حضر احدٌ ما إستقبله أبو ساعدة" هاشا باشا, باسم الثغر منشرح الصدر

وما ذاك إلا ليقينه بأنّ البنات السبع وأباهن لن يفكوا أبدا طلاسم لغزه العويص

فكان يضحك مغتبِطا

وحين قدِم أخوه حاملا سلته, بادره" أبو ساعدة" ساخِرا :

ماذا تحملُ في هذه القُفّة القذرة ؟ أتظُنُّ أنّك قد عثرت على شحم البعوض؟

أم إنّك قد حلبت عصفورا أيها الأحمق ؟

ثم ضحِك ملتفتا إلى أعوانه الذين شرعوا في إمتهان "أبي البنات السبع"

لكن الرجل لم يهُشّ ولم ينُشّ, بل رماهم بنظرة تحدٍ ملتِهبة

فشعروا بالقلق, فهو يبدو واثقا من نفسه, وأضطرب "أبو ساعدة"

وحاول معرف سر السلّة, وقبل أن تبُدر منه بادرة أخرى

حضر القاضي. فشعر بالخذلان المبين وبدأت المخاوف تساوره

كانت القاعة تعجُّ بالحضور أبناء "أبي ساعدة" و أصهاره و أعوانه

وكذلك الصيادينن, ومحبوا "أبا البنات السبع" وغيرهم

فبدأ القاضي جلسته بحمد الله والثناء عليه

ثمّ سأل "أبا البنات" : هل أحضرت شحم البعوض ولبن العصفور ؟

قال "أبو البنات السبع" : نعم يا سيدي, إنّهما في هذه السلّة

فأستدعى القاضي "أبا ساعدة" فلما دنى منه

أمر ا القاضي" أبا البنات السبع" بإظهار المُخبّى فأزال المنديل, ورفع الغِطاء

وإغترف غرفَة وضعها في طبق فشاهد القاضي و"أبو ساعدة" الجريش الأبيض

يطفو فوق سائل يشبه اللبن , وعندما لمساه وجداه دسما

فتعجّبا أشدّ التعجب, ونكّس "أبو ساعدة" رأسه في حيرة ووجل

فأمر القاضي بعرض الجريش و اللبن على الحضور, ولمّا عاينوه جميعا

سألهم : أيعرِف أحد منكم ما هذا الشىء الذي رأيتم ؟

فلم ينطِق أحد بردّ

عاد القاضي وسأل : فماذا يكون ذلك السائل ؟

قالوا : إنه لبن, ولكننا لا نعلم لبن أي شىء هو

قال القاضي : فما تقول أنت يا "أبا ساعدة" ؟

تلعثم "أبو ساعدة" ثم قال : لا أعرف ... لا أعرف

قال القاضي : وما تقول أنت يا "أبا البنات السبع" ؟

قال "أبو البنات السبع" :

إنه لبن العصفور الذي طلبه أخي, وذاك شحم البعوض

فأعترض "أبو ساعدة" قائلا :

إنّ ما يقوله "أبو البنات السبع" غير صحيح. فلا شحم للبعوض, ولا لبن للعصفور

فوثب الصيادون و هتفوا : إنَّه شحم البعوض .. إنَّه شحم البعوض

فخاف "أبا ساعدة" و أنصاره, و اندحروا

فقال القاضي : لقد أخزاك الله أيها المغرور وفرّج كربة هذا الرجل الكريم

والآن. قل يا "أبا البنات السبع" : بماذا تُحب أن نعاقب هذا المغرور القاسي ؟

قال "أبو البنات السبع" : أطلب ...

يتبع ...

إن شاء الله

حكاية في رواية

كتبها / ناجى جوهر

سلطنة عمان

التعديل الأخير تم بواسطة ناجى جوهر ; 17-02-2013 الساعة 11:32 PM سبب آخر: خطاء إملأئي
رد مع اقتباس