الموضوع: حارة الدجاج
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 26-05-2015, 03:59 PM
فيصل مفتاح الحداد فيصل مفتاح الحداد غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 206

اوسمتي

افتراضي حارة الدجاج

حارة الدجاج
لم يكد هذا الديك يمر بإحدى دور الدجاج ، حتى وقعت عيناه على كتكوتة
كالعاج ، جميلة رشيقة ، نظيفة أنيقة ، لم يكن قد رآها من قبل قط ، أو
علم بمثلها في قبائل البط ، قعد في موضع مجاور ، يسأل عنها ويحاور ،
وقد أطلق العنان لعينيه ، ووزنها بمقلتيه ، فرجحت في ميزان عقله الحاد
، وثقلت في كفة فكره الوقاد ، ومازال يجلو بصره منها ، ويستوفي
الحديث عنها ، حتى علق منها بقلبه ما علق وقال سبحان من خلق ،
لا أظنها كسائر الدجاج ،وهي تزهى بهذا الحسن الوهاج ثم عاد إلى
بيته وقد أضناه الجمال ، وأودى بمهجته في الحال، وما إن أشرق صباح
اليوم التالي حتى أسرع بالخروج والسير ، وكاد من لهفته أن يطير ،
ويسلك مسالك الطير ، ولما اقترب من موضعها قعد يترقب خروجها
الموعود ، من قصرها المرصود ، وما لبثت أن خرجت تستنشق أنفاس
الصَّباح ، بعد أن أشرق بضوئه ولاح أما هو فقد مدَّ رأسه ، واستشعر
أنسه ، وكأنما يتأمل شيئاً حادثاً ليس له به عهد ، أو معلماً من معالم
المجد ، وها هي تمشي ..تقترب من أكوام الأمنيات ، إنها على بعد
خطوات...صاح صيحته المألوفة ، ونغمته المعروفة ، محاولاً جذب انتباهها
إليه ، وتحويل قلبها عليه ، ولكنها ولته ظهرها باستعجال ، ومضت في
سبيلها في الحال ، أسرع الديك يسبطرُّ خلفها ، أيتها الكتكوتة الجميلة
اسمعيني ! فالتفتت إليه فجأة :
- من أنت ؟
-أنا جاركم الجديد .
-وماذا بعد ؟
- رأيتك فظننتك من حارة أخرى غير التي أسكنها ...
فابتسمت وأطرقت خجلاً ومضت ، فكأن روحه قد قضت ، فعاد إلى داره ، حتى
استقر في قراره، وفي نفسه منها صدوع ، وفي قلبه شيء مقطوع، ماذا
دهاني ؟ وأصاب كبدي وكواني ..
وفي اليوم التالي ..
-أين أنت يا ولدي ، انقر هذه الحبوب ، فقد أحضرتها إليك ، وجعلتها بين يديك .
-لا أريد يا أمي ، ليس بي شهية للطعام ، أريد أن أنام ..
-لمَ ياولدي ؟ يا قطعة من كبدي ، ثم ما هذا الذبول الذي أراه ؟ ويحك ما لك ؟
أنجح الله أعمالك .
_ ثمة شيء أصاب كبدي ، وأوهن عضدي .
-لا تُخْفِ عني أمرك ، وصارحني بما تجنه في قلبك .
وبعد أن حكى حكايته ضحكت أمه وتهللت، وفرحت وتكلمت :
-لا بأس عليك..سنطلبها من أهلها ..هذا يوم سعيد ..
لم ينم أحد تلك الليلة وقد ضربت الدفوف ، ورقص الدَّجاج والضُّيوف ، وجاءت
الكتكوتة ترفل في زينتها ، وتخطر في مشيتها ، فانبهر الحاضرون ، وزغرد
القاعدون ، وهنأوا الديك بحصول المراد ، من بعد ما غاب وعاد ، وقد لبس
ثيابه الأنيقة ، وارتدى حلته الرشيقة ، فبدا كأنه القمر ، أو البدر في دجى
السحر ، ومازالت الأفراح على قدم وساق حتى آذن الوقت بالفراق ، فأخذ
عروسه وانسحب ، وعلى وجهه علامات الرضا والطرب .
__________________
فيصل الحداد
رد مع اقتباس