عرض مشاركة واحدة
  #34  
قديم 10-09-2013, 02:11 PM
الصورة الرمزية الملتقى الأدبي
الملتقى الأدبي الملتقى الأدبي غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 46
افتراضي

اليقين
لـ : خديجة الحرفية

مهما كانت الحياة قاسية وصعبة ومؤلمة تبقى لنا دائما فسحة من الأمل وبصيص من الضوء ينير لنا طريقنا ويخرجنا من محنتنا ....
هكذا بدأت قصة ( يقين )
في حي فقير وفي بيت صغير عاشت أسرة يقين المكونة من أب وأم وسبعة أبناء حيث كانت يقين الرابعة بعد ثلاث أولاد ، عاشت يقين طفولتها كأي فتاة صغيرة تحلم بالغد المشرق الذي تجد فيه حلمها وأملها لتحقيق أحلامها .
لم يكن في حي يقين الذي تعيش فيه أماكن للترفيه كالحدائق والمنزهات ولا حتى الأسواق التي قد تفجر فيها طاقاتها الدفينة ، لم يكن في حييها سوى تلك ألتله التي تقع بالقرب من بيتها حيث تذهب برفقة أصحابها من أبناء الحي لتلعب معهم الألعاب المعتادة ( الجري ، القفز والاختباء ) وأحيانا كثيرة تقف يقين أعلى ألتله وتوجه ناظريها إلى ما وراءها وتنادي بأعلى صوتها ( متى أذهب إلى المدرسة ؟ ) ، وعندما يتعبون من اللعب يعودون إلى بيتهم فإذا بأمهم في انتظارهم وتكون قد أعدت لهم العشاء المتواضع فيأكلونه بفرح ويذهبون للنوم وهكذا ينتهي يومهم .
في ذلك الوقت لم تكن كل الأسر تستطيع تدريس أبناءها بل يكتفون بتدريس الذكور وبعض البنات الصغار وكانت العادة أن تبقى البنت الكبيرة في البيت لمساعدة أمها في أعمال المنزل وتربية الأبناء ، ولسوء حظها كونها البنت الكبرى ، لذا تحتم عليها البقاء في المنزل لكي تعاون أمها وتعينها في تربية إخوتها الصغار.

وهكذا بقيت يقين في البيت وتحطمت كل أحلامها الطفولية التي تحلم بها ، وتستيقظ في الصباح الباكر لكي تساعد أمها في تجهيز الفطور وتساعد إخوتها على ارتداء ملابسهم ، وحين يغادرون إلى المدرسة تنظر إليهم بكل حرقة وحسرة تتمنى لو أنها كانت معهم تحمل الحقيبة وتذهب إلى المدرسة ، وترتدي ملابس المدرسة وتنتظر أن تركب الباص لينقلها هي وأصحابها إلى المدرسة لكي تتعلم كل يوم شياً جديدًا ، تعود يقين إلى بيتها مكسورة ومتألمة وتكاد دموعها تفلت من عينيها ولكنها تحاول تخفيها عن أمها ،

تكمل يقين يومها كالعادة من تنظيف وغسيل والاهتمام بإخوتها الصغار .
وعند عودت أخوتها من المدرسة تجلس يقين معهم تتعلم منهم وتستمع إليهم وهم يقرؤون الدروس وتلح عليهم بان يعلموها الكتابة والقراءة فما هي إلا شهور قليلة فإذا بها تتعلم منهم القراءة والكتابة بل وتساعدهم في حل واجباتهم المنزلية لأنها كانت محبة للعلم وعلى درجة كبيرة من الذكاء والثقة بالنفس فكانت توفق بين الاثنين مساعدة أمها في أعمال البيت والاستذكار والتعلم من إخوانها .
ومرت السنيين وكبروا إخوانها ويقين مازلت تثابر في تحصيل العلم وتفعل المستحيل لكي تلتحق به لم تيأس أبدا بل كانت تبحث عن فرصة كي تدخل في مضمار العلم .
إلى أن أتت الفرصة السانحة لها وبعد إصرار شديد وإلحاح منها على والديها استطاعت يقين أن تلتحق بالتعليم فبدأت من الصفر بمحو الأمية ولكنها تفوقت بل وأبدعت وأثبتت جدارتها الفعلية في تحصيل العلم حيث تخطت كل زملاءها وتفوقت عليهم .
ثابرت يقين وبدأت ترتقي بتفكيرها وبعلمها وتشبثت أكثر به ، أصرت على أن تكمل ما بدأته ، أنهت الدراسة الابتدائية وأصرت على أن تكمل دراستها وبالفعل شقت طريقها بكل صبر وأمل نحو المستقبل ، ونجحت وتفوقت إلى أن وصلت للثانوية وبدأ الصراع الحقيقي لذا تحدت كل الضغوطات التي واجهتها وبالفعل تغلبت عليها وأثبتت جدارتها مرة أخرى بل وحصلت على أعلى النسب التي تؤهلها لتكمل دراستها الجامعية والمجال مفتوح لها كي تختار الكلية التي تريدها ، ولم تسعها الفرحة بحصولها على الشهادة العامة بعد مشوار طويل من الصبر والعناء والسهر في أحيان كثيرة .


اختارت يقين كلية التربية وأيقنت أخيرا أنها هي الكلية الوحيدة التي ترضي طموحاتها فالتحقت بها ، فمن خلالها تستطيع أن تكون مدرسة للأجيال القادمة تدرسهم وتحثهم على العلم وتنشر فيهم روح الأمل لغد أفضل وتحثهم على البذل والعطاء لتنير دروبهم وتوآزرهم على تخطي أزمات الحياة وظروف الحياة القاسية وانه مهما كانت الظروف صعبة ومليئة بالمخاطر والأشواك يبقى اليقين بالأمل موجود والله سبحانه وتعالى لا
يضيع عمل إنسان يريد تحقيق حلمه ومستقبله ولكن يبقى الإصرار والعزيمة هما اللذان ينتصران في الأخير وانه لا يأس مع الحياة بل بالجد والعمل يصير الحلم حقيقة ويصبح البعيد قريبا .

هكذا أيقنت يقين وهكذا بدأت حياتها بالأمل والصبر الذي كان يتوقد ويتجدد داخلها وهي تسعى جاهدة لتحقيقه .
فمن حياة الطفولة البائسة إلى حياة الدراسة القاسية والمحفوفة بالمشآق والصعاب ، حطمت يقين كل الصعاب بيقينها الذي كان يشتعل داخلها وبعزيمتها التي كانت سندا لها على البذل والعطاء فبالجد والعمل تقوم الأمم وتنهض الشعوب وتبنى الدول ويرتقى الفكر والذوق وتسود العدالة في المجتمع ، فالبناء لابد له من سواعد فتية تنهض به وترتقي به نحو الأمام فمن جد وجد ومن سار على الدرب وصل .
رد مع اقتباس