عرض مشاركة واحدة
  #29  
قديم 10-09-2013, 02:07 PM
الصورة الرمزية الملتقى الأدبي
الملتقى الأدبي الملتقى الأدبي غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 46
افتراضي

الحانة الصغيرة
لـ : حسام الجابري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ

خرجتُ من حانةٍ صغيرةٍ في دُبي .. لم أكن أرى شيئاً مع أنني كنتُ أرى كل شيء .. جسدي أصبحَ مُعرّضاً لأعمدةِ الإنارة المصطفة على رصيفِ شارع 2 ديسمبر .. قدمايَ تحملانني إلى جهةٍ مجهولةٍ في هذا الليل ، وأحسّ بأن قلبي تحرك قليلاً من مكانِهِ .. لقد امتلأ بكميةِ خمرٍ أعلى مما يحتمل ! .. رأسي كان خفيفاً وثقيلاً في آن وأنا أغني وأتذكر جسدَ تلك الراقصة الساحر .. حاولتُ أن أنهض وأراقصها وألمس جسَدها الخفيّ لكن قلبي الصغير لم يكن مستعداً بعدُ لكي يدور حَولها ويصمد أمام فتنتها الصارِخة .. فتنها التي جعلتني أصرخ بكل ما أوتيت من الصدق : الللللللله .. الللللللللله .. الللللللللله!!
لم أكن وحدي الذي صرخَ .. كل مَن في الحانةِ الصغيرةِ كان يحملُ قلباً لا يطيق كل هذا الجذب وكل هذا الصدر النافِرِ في قلوبنا الساخنة .. فمع كل هزةِ خصرٍ تنكسِرُ هيبة الإيقاع وتتلاشى في ثقبٍ صغيرٍ في رؤوسِنا ..

كلهم كانوا يصرخون ، وكل واحدٍ يظن أنها تدورُ حوله وتحدق في عينيه اللامعتين .. حتى أنا كنتُ أظنها -حين تقتربُ مني وتسحب قميصي وتبتعد هاربةً- أنها تريدني وحدي ! لكنها كانت حائرةً على ما يبدو وتطوف حول الجميع وتتعشق الجميع وتهمسُ في أذن الجميع بخلخالها الذي يشهدُ لجسدها نُضجَهُ واحترافه في الرقص الشرقيّ ..!

اشرب .. اشرب يا مُرَاد – قال لي صاحب الحانة
اشرب .. كل شيءٍ في هذهِ الحياةِ مُجرّد وهمٍ إلا هذهِ الخمرة والأنثى التي تتمايَلُ هُناك
اشرب .. ولا تَعْدُ عيناكَ عَنْها ..

شربتُ ما يُقارب عشرة كؤوسٍ بصمتٍ جارحٍ وعينايَ تفيضان بالرغبة والدمع .. لم أسأل صاحبَ الحانةِ عنها ، ولا عن اسمِها حتى .. اكتفيتُ بالحريق الذي أشعلَهُ ماؤها المُتلألئ على أطرافِ جسدِها المكشوفَةِ في قلبي الصغير .. ولا يُطفِئُ ذاك الحريق إلا كأس من مائها الذي لا يمكنني أن أظفر ولو بقطرةٍ منه الآن !

بدأ جسدي بالارتعاش والتعرق والدخول في حالةِ انخطافٍ عميقةٍ ، حتى فقدتُ الإحساس بالأشياء حولي ، ولم أكن أرى إلاها والخمرة ، ولم أكن أسمع إلا خلخالها وصوت مغنٍّ مأخوذٌ ، وأعتقد أنه كان يُغني ويحدق في رفرفة قميصها الحريريّ الذي يحاكي روحَهُ في الغناء .. وصوته كان يتردد في سويداء قلبي : أنا الكاس ، أنا الخمرة ، أنا الشارب المشروب !

مضت ساعة منذ خروجي من الحانة ، والعتمة بدأت تدخُلُ في كل مكان .. وقدمايَ تحملانني إلى جهةٍ مجهولةٍ .. وكنتُ أغني وأبكي ..
رد مع اقتباس