[يزيد فاضلي]

...عندما كنا ندرسُ شعرَ المرحلة الأدبية الثالثة-والأخيرة-في عمر أدبياتِ العصر العباسي،كان يستوقفنا كثيراً سؤالٌ عن سِرِّ اتقادِ جذوةِ الرقةِ الغزليةِ المياسة في شعر أبي الفضل بهاء الدين زهير المهلبي،المشهور أدبيا بـ ( البهاء زهير ) على الرغم من قدرته الشعرية الملحوظة التي لا يُعْوزهَا أيٌّ من الأغراض الفنية السائرة كالفخر والمدح والهجاء والوصف..هذا فضلاً عن انحداره النسبي من نسل المهلب بن أبي صفرة،وقد كانَ المظنونُ أن تكونَ حِدَّةُ الطبع وشكيمةُ الخُلُقِ قد تسربتْ في قريضهِ،لأننا نعلمُ سَلَفاً مَنْ همْ آلُ المهلبِ في فخامةِ مكانتهم وسطوتهم المادية والأدبية بين الناس..!!

..لقد سارَ شِعْرُ البهاء زهير سيْراً في رقةِ الحرفِ كأنما يستقطرُه من غمام الشفق في سلاسته وعذوبته...

..ولمْ يغبْ عنا السرُّ في الجوابِ حتى قرأنا للعلامة المؤرخ ابن خلكان،صاحب ( وافياتِ الأعيان )-وقد التقى به في القاهرة وعاشرَه وصاحبَه زمناً-فجاء في وصفه لشعره : (( ...إنه من شعر خفيف الأوزان،رقيقٌ لطيفٌ واقعٌ في القلوب والأبدان،سهل الألفاظ سهولةً لا نرى لها شبيهاً إلا في شعر أبي العتاهية،مع حبكةٍ تمنعه عن الإسفاف والابتذال..شعره أقل ما يُقال فيه إنه سهلٌ ممتنِعٌ.. ))...

...وها أنتِ تنتقين لنا-أختي البديعة وهج-قصيدةَ فيحاء من قصائده السلسَة تلك...ولنا أن نستشفَّ فيها المعنى الذي أوردناه في حقهِ-والذي أكده ابنُ خلكان-وأظن لن يَخفى علينا كيفَ جاءت أبياته المياسة مغموسة في شَهْدِ عسليٍّ من رقةِ القول بالرغم من أن مقام القول ملامةٌ وعتاب...

...تشكرين-أختي الصغيرة-على جمال الانتقاء الذي أمتعَ ذوائقَنا الشعرية...