الموضوع: صرخة الرفض
عرض مشاركة واحدة
  #59  
قديم 24-05-2013, 10:52 AM
الصورة الرمزية مختار أحمد سعيدي
مختار أحمد سعيدي مختار أحمد سعيدي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 583

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى مختار أحمد سعيدي
افتراضي

صفقتين بحجر واحد ، جميل جدا،لا يكاد يصدق أنه بلغ هذه الدرجة من نضج الدهاء و المكر، بهذه المسكنة المفتعلة تأكد أنه يستطيع الآن أن يدخل أي مغامرة، و يراوغ مثل عمه أو أكثر أي ثعلب في الوجود، يقال أن الثعبان لا يلد إلا من هو أطول منه، واثق من نفسه و مطمئن على النتائج التي سيحققها، هي لعبة يجاري فيها عمه خلف ستار، طواعية من عمه و براعة منه، و بدأت المرحلة الحاسمة يصاراع الدهاء خلف الظنون، و في كواليس المقاصد الخبيثة، إنه السباق لضبط الأرقام و الحسابات قبل فوات الأوان،و بدت أطراف الخيوط كلها بيده، هكذا يظن، بل متأكد، لا يزال يوجه و يتحكم في ترتيب أدوار المسرحية و تحريك الشخوص نحو الإتجاه الذي يريده لنهاية العرض، و هو يعرف أن بدونه يتوقف كل شيء ...فقرع الطبول. – ألو...أين أنت ؟...انتظريني ...خلاص ، أنا قادم ...
خرجت من الندوة واتجهت إلي مباشرة إلى مقهى الحديقة، تنتظره على أحر من الجمر ، فها هو ذا قادم من بعيد يبتسم، يد في جيبه و الأخرى تحمل بين أناملها لفافة ، يمشي مطمئن كأنه في نزهة، أعجبت به و قامت تستقبله، جلس و جلست أمامه، الكل ما فيها يسأله ...
-خلاص يا سيدتي، إنهم بحوزتي و في مكان آمن لن يصل إليهم أحد.
-أنت متأكد، لآ أصدق، كيف فعلت؟..لا أكاد أصدق..
-ها هي ذي صورتهم في النقال
- كم عددهم؟
-ثلاثة و عشرون شريطا.
- أنت متأكد أنه لا يملك نسخ أخرى ؟.
-أكثر من متأكد، ستصيبه سكتة قلبية، أرجوك بلغيه بهدوء.
ضحكت حتى بانت نواجدها ، و ضحك هو بشفتيه، و دارت في عينيها الفكرة الشيطانية من جديد، حتى الآن هي وحدها التي بيدها خيوط اللعبة كلها...
-هيا، أهتفي له، أخبريه، أريده أن يعيش الفاجعة الآن، و يبدأ عد سقوطه تنازليا.
-لآ...لا..لا..اتركني أتصرف الآن، عندي معه حساب طويل، يجب أن أشويه على نار هادئة، سأجعله يتجرع الويل، سأحسسه بالخوف و القلق و الرعب، و يعيش على أعصاب تشتد حتى تكاد تتقطع، لن تذوق جفونه النوم، سأعذبه، سأنتقم منه شر انتقام، لن أتركه يستريح بعد اليوم أبدا حتى ترتاح منه الحسرات .
تستعيد في وجم شريط أيام مرت من عمرها في عبودية نخاس اغتال فيها تنفساتها، حركاتها، سكناتها، سجن ضميرها في بؤر أوامره ونواهيه، جردها من كل كرامة إنسانية...كانت تحت وطأة الحسرة في هذه اللحظات أشد عليها من جلد السياط...حولها إلى سادية في أوكار الرذيلة و الحيوانية التي تحكمها الغريزة، و فقدت كل شيء ..و صعدت من عمقها نداءات الغيث التي كانت مقيدة بسطونه و تسلطه و جبرونه، بدأت تستعيد أنفاسها و تطلب الثأر،تحاول أن تبرر لنسها أنها كانت أضحية فقدت روح التضحية من أجل بقائها على الأقل بملامح إنسان،كم كان الزمن طويلاو ثقيلا في اضطهادها، و كم كان سريعا في إنقضاء العمر، رغم كل هذا تنظر إلى نفسها أنها صارعت كثيرا للحفاظ على الشغف بالشباب لبناء أمل كان ضالتها كل هذه المدة..
و عرف هو الشيء الذي جعلها تلتزم هذا الصمت الموبوء بماضيها، يرد ابتسمته الساخرة بيقينه أنها تعيش مجرد حلم سيؤول إلى ما لا تتوقعه عندما تستيقظ، و لكن أراد أن يترك لها حق الحلم لأنه البلسم الوحيد الذي يضمد به كل مخلوق في نظره جروح الماضي و إخفاقاته...و ماذا عساه أن يفعل لها، تلك هي سنن الحياة في مسارحها لما توزع الصدف الأدوار، و شاءت الأقدار أن تكون هي كذلك في هذه اللعبة القذرة...
كانت هي ترسم مسارا جديدا على أنقاض ماض كله خراب، تمهد للرحيل بعيدا عن بشاعات هذا الكابوس الذي حاصرها طويلا، وتعطي لهذا الجسد حق الرفض من جديد، بعيدا عن المساومات الدنيئة، لقد حان الوقت الذي تقول فيه ..لااااااا و لا تحتاج إلى حرف آخر تدافع به عن لائها ،و تدفع بهذبن الأرنبين إلى الجحيم ، العم وابن أخيه...تبتسم ، و تنظر إليه بعين الثعلب، فيظهر لها سذاجة المغفلين حتى تطمئن و نضع رجليها بكل وقاحة في وسط الفخ.
-من أجلك سأخسر عمي، لأنك عندي أغلى، على أن تبقى الصفقة بشروطها ، لا تسليم إلا بعد الدفع...هكذا اتفقنا؟..
-خمسمائة ألف دينار هو كل ما جمعته في حياتي، قليل مقابل ما تقدمه لي من خدمة جليلة، بعد ترتيب الأمور سأعطيك كل ما بقي من عمري ، تستاهل...
- أشكرك ،أنت أجمل هدية من السماء ، لأنك حلمي الأكبر، أنا و ما أملك لك.
-لن يكون إلآ ما تريد، فقط لا تستعجل، بعد أن أتخلص منه نتكلم..
في مساء ذلك اليوم جاءت بالمبلغ كما واعدته،و قارورة شمبانبا، سلم لها ألأشرطة، سكبت فوقهم البنزين، و أحرقتهم أمامه كما تعهدت، و قالت له
-أحتفظ بهذه القارورة، سنحتفل عليها الليلة بعد أن ينام 0عمك، إنها ليلة التحرر، و غدا لك أن تسافر حتى لا تشهد سقوطه، بعد أسبوع سأفجر اللغم تحته و هو نائم،سأخبرك، ويوم تعود ستكون مجرد فضولي متفرج، أنصحك، لا تقترب حتى لا تحترق، و ألزم الحياد، أفضل لك...
تذكرت قصة الثور الأبيض و الثور الأسود فضحكت في قرارتها زهوا، واسأذن عمه في الغد أمامها وانصرف.
و بدأت تتحول في ذلك الأسبوع الى شيء آخر، و زوجها يجاريها برفق، كلما صعدت كلما استكان هو و يظهر أضعف. انشغل في تلك الأيام باستثمار أمواله، و أكد لها أنه سيساعدها لإنشاء جريدتها التي يجب أن تخدم مصالحه أولا، و تحتفظ هي بالأرباح،هكذا كان وعد الفخ الذي مهد لها الدخول في مواجهة عنيفة ظنا منها أن الرجل خسر كل أوراقه واستسلم، ولهذا فهو يطاوعها، و في آخر الأسبوع كتبت مقالا تشير فيه أن هناك شخصية نافذة تبتز بعض الإطارات لقضاء مصالحها، باستعمالها أدوات وإشاعات تثبت تورطهم في قضايا أخلاقية وهمية لآ وجود لها إطلاقا، و تناولت الموضوع بشيء من التحفظ...قرأ الخبر و لم يحرك ساكنا، عاد مساء ذلك اليوم و كأن شيئا لم يكن، و بدأ يساورها الشك ، استغربت كيف أن الخبر هز كل المتورطين حتى لا يكاد هاتفه يتوقف ، و كان يرد ببرودة أعصاب ...
بعد العشاء ، أعد كوبا من الشاي الأخضر، و ليس من عادته، و جلس في الصالون يدخن سجارته و يتلذذ مذاق مزيج الشاي بنكهة التبغ...ناداهل ، فأقبلت، و جلست في الأريكة المقابلة كالمتفاوض القوي و هي تبتسم، تريد أن تملي عليه شروطها من موقع الآمر الناهي ...فابتسم و قال لها.
-استمعي إلي جيدا، ليس لدي الوقت لأعيد...أنا لست ذلك الغبي الذي تظنين،و لست خريج جامعة تؤسس للنظريات المثالية و أخلاقيات المباديء التافهة التي تحملونها بسذاجة، أبدا يا سيدتي ، لست ذلك الغبي الورقة التي تحسم بها المرأة التافهة متلك قواعد لعبة كهذه...
أنا يا سيدتي خريج مدرسة الدناءة و الخسة التي تبتذل الفضائل و القيم ،و تغتال القدرات، و تدجن الهمم، حقيقة أنا أعيش في الظلام، لكن لأراقب المغفلين مثلك ماذا يفعلون في الضوء، لأتابع التحركات التي أمليها عليهم، لأراقب ما يجري على خشبة مسرح فرضياتي و أنا راويها ..لا تتنكري ، أعرف كل شيء، أنت الآن في المحطة الأخيرة التي أخترتها لك، هل تعرفي لماذا أنت ساذجة؟..لأنك تؤمني بكل ما يكتبه الأغبياء في الكتب، نشوهه نحن ونلزمكم به و لا نلتزم ، أيتها التلميذة الغبية في مدرستنا، كل هذه المدة معي و لم تتعلمي كيف تحركي دوالب الأمور، و لهذا احتفظت بك كل هذه المدة...اسمعيني جيدا، أريد أن أخرج من هذه الدائرة السوداء إلى ظل آخر، و قد حققت كل طموحاتي، سأتزوج و أعيش حياة طبيعية هلدئة، بعيدا عن الهرج، فقط عليك أن تطلبي الخلع، و تأخذي أولادك، و تختفي من حياتي نهائيا، لا أريد أن أسمع عنك و لا أريد أن أراك...أعرف أنك استعملت الفيلسوف، أعطاك الأشرطة مقابل خمسمائة ألف دينار، و أنا أعطيته مليون دينار مقابل هذا الشريط الذي يثبت تورطك وحدك ، و يتبت إدانتك و لا مبرر لك بعيدا عن ضغوطاتي، و اعترافك بأنك كنت طعمة غاوية لشخصيات نافذة ذكرتيها بالأسم هنا من فرط غبائك يكفي ليكون دليلا قويا لشنقك أمام الملأ أو تصفيتك...و يثبت أن الأولاد ليسوا أولادي ، و ما أنت زوجتي إلا على الورق، ولهذا أراك في وضعية لا حسد عليها و ليس لك خيار...أتمنى أنك سمعت و وعيت، أعطيك كل الليل لإجترار الموقف، وغدا أستدعي القاضي هنا في البيت، و نقوم بكل الإجراءات اللازمة و لك حريتك، افعلي في نفسك ما تريدين، و لا تحاولي اللعب بالنار معي مرة ثانية، لأنني لن أرحمك مثل هذه المرة...بالمناسبة حاولي طمس الموضوع الذي طالعتنا به الجريدة يإمضائك، حتى يطمئن الجميع وتهدأ النفوس و تعود المياه إلى مجاريها ، و إلا...أنا الآن لست بحاجة إلى أي أحد ..أليست هذه أمنيتك ، أردت قتلي فقتلتك و أنت ترزقين...
ابتسم و قام يحمل كوبه، و سجارته بين أسنانه...أشار إليها..بااااااي، و ذهب يتبختر بكبرياء إلى غرفته ، و قبل أن يدخل إلتفت إليها و قال
-كنت أعرف أنك على علاقة بالفيلسوف ، ها أنا اليوم أوظفها لصالحي..لعلمك إنها آخر الدناءات في حياتي ...ضحك واختفى كالشبح.
جالسة في مكانها تجتر كلامه، تبحث عن فجوة، أو ثغرة، أو هفوة تدخل منها كلمة و لو في غيابه، فوجدته قد أغلق عليها كل المنافذ تنظر إلى نفسها أمة من العصر الجاهلي و حررها سيدها في القرن الواحد والعشرين...تناثرت ردود فعلها كأوراق في عمق عاصفة هوجاء،و تهاوى وعيدها وانهار كل شيء ، خرجت من اللعبة كمقامرة خسرت كل شيء...سرق الفيلسوف شريطه و به قايض و ربح...
حزمت أمتعتها و أمتعة أولادها ، وقفت أمام الباب و قالت له.
-مهما كنت بارعا في اغتيال الحقائق، لا تستطيع أن تغتال الجريمة لأنها هي وحدها التي لا تموت، أنظر إليهم جيدا ، إنهم خطأك، إنهم المكان الذي نحرتني فيه و ستعود إليه يوما لتلقى حتفك، لأن مثلك لا يقهره إلا الزمن، أنت تعرف أكثر مني أنهم أولادك من لحمك و دمك...
...يتبع...
رد مع اقتباس