عرض مشاركة واحدة
  #55  
قديم 30-07-2013, 02:21 AM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي الإنسان الطاووس



بسم الله الرحمن الرحيم
شاكرا تعاونك ونصائحك
ومبادراتك الجميلة
أستاذة / رحيق الكلمات
كتبت هذا النص القصصي
ولي أمل في نيل إستحسان إخوتي و أخواتي جميعا

الرجل الطاووس

عندما كانت أمه توزّع الحلوى والهدايا بينه وبين إخوته بالتساوي
كان لا يرضى بنصيبه أبدا. فكان يسطو على حظوظ إخوته وينهب شيئا منها
و لم يكن يبالي ببكاء الصغار ولا بتوبيخ الأم ولا بعقوبة الأب
ولم يتمكن أبيه من إنتزاع هذه السجية من قلب إبنه
لأنه كلما حاول أن ينصحه تتصدت له الأم قائلة :
عندما يكبر سيعقل
و كلما عاقبه يهرب إلى منزل الأجدادا
كبر الفتى, وكبرت معه تلك السجية السمجة
بل لقد طورها فأصبح حاسدا غيورا
لا يرى أحدهم من أترابه يرتدى ملابس أنيقه إلا عابه وعاب ما يلبس
ولا يحقق أحد نجاحا إلا و أنتقص منه, و أدّعى المقدرة على الإتيان
بالأفضل
فلّما إلتحق بالمدرسة كان والده قد فشل في تهذيبه
فظهرت عليه نوبات الحسد بوضوح تامّ
فلا يمتدح المعلم تلميذا إلا وحقد هو على عليهما
و إن أحرز أحدهم درجات أعلى من درجاته إنتقم من زميله المتفوق بالكذب
عليه و تلفيق التهم الباطلة ضدّه أو إفتعل معه شجارا
و كلما عاقبه والده إزداد حقدا على الجميع
حتى بعد أن أصبح موظفا متزوجا و يمتلك مسكنا و سيارة
لم يتخلص من ذلك الداء اللعين الذي مات والده وهو يوصيه بالتخلص منه
فكلما زاد راتبه زاد غروره
وكلما رزقه الله ولدا نقص وازعه الديني والعياذ بالله
فتغطرس على أصدقائه و جيرانه, و أنف عن صلة أرحامه
وصار يهتم بمظهره ليبدو كوزير أو كحاكم
وعامل الناس بكبر و تعالي, ولا يحتمل ان ينادى بإسمه المجرّد
ما لم يرفق بكلمة شيخ أو أية صفة أخرى
بل إنّه حول الحسد الى بلاء أعظم ضررا و أفدح خطرا
لقد ملء قلبه و حشي جوفه بجنون العظمة
فصار لا يجالس إلا أكابر الناس, ولا يرى إلا صارما
متبرما, وقد ظن أن ذلك يضفي عليه المهابة
ذلك لأنه تمكن من النجاح في تدبير حياته, و حل بعض المشكلات
مع إنها مشكلات يتعرض لها الناس جميعا
فلقد نشاء بين إخوته نزاع على تركة أبيهم
و لكونه كبير العائلة تمكن من إعادة المياه الى مجاريها
فحظي بإطراء ومدح الأهالي
جعله هذا النجاح يفخّم و يضخّم و يكبّر إنجازاته
و كأنه حلّ قضية الشرق الأوسط
و صار يتغني بذكائه و حكمته و فطنته أمام الناس
و قد زاده جنونا أن بعضهم سعى إليه لكونه موظفا كبيرا
و من أسرة عريقة ويحمل مسمى شيخ
فاحتكموا إليه ليفصل بينهم في خلاف
و عندما نجح في هذه المهمة إرتفعت قيمته في المجتمع القروي
و عرفت عنه الحكمة و الذكاء و سرعة الخاطر
أو هكذا كان يظن
فكان يسمع ثناء الناس عليه و مدحهم لشخصه, والترحيب به إذا أقبل
و كأنهم يصبون الزيت على النار
فأشتعل قلبه غرورا و امتلأت نفسه عظمة, ورويدا رويدا تملكته
مشاعر الغرور و الكبر و التعالي
فظن نفسه وحيد قرنه و فريد عصره
ورام بلوغ مرتبة إجتماعية تمكنه من التحكم بالناس
فأخذ يسفه أحلام الآخرين الذين يعارضون
أطروحاته و آرائه في المناسبات العامة أو الخاصة
فلا يرى أصوب من مشورته , ولا أنجع من تدبيره
و لا يقبل مناقشة ولا تصويبا ولا إنتقادا سوى ما يراه هو
فكرهه الجميع و مقتوه
وعندما شعر بذلك لم يهتدي الى سواء السبيل فيعود الى الله
و ينتزع الكبر و الحسد من نفسه
بل أخذ يبحث عن ضحايا ينافسها, ويمارس عليها إستعراض
خدعه ومكائده الخبيثة, ليثبت جدارته وقوة شخصيته
فنجح في إستدراج بعض المساكين و أوقع بهم
وخدعهم وسخر منهم آملا في الوصول إلى مبتغاه
ولكنه لم يحصل على إعجاب الناس ولا على محبتهم
بل لقد عاقبوه على مكره وخبثه بالإبتعاد عنه, وهجره
فارتداء جلابيب عدة محاولا إقناع الجميع بشخصيته الفريدة
فهو بين الحكماء حكيم و بين الفنانين فنان ملهما
و بين الشعراء شاعر عبقريا و بين لاعبي الكرة خبير كروي
و ربما حاول أن يؤلف كتاب في فنون الطبخ
كل هذه المهارات من الممكن أن يتميز بها فرد موهوب
ألا أن صاحبنا ليس بموهوب بل مدّعٍ
لذلك فقد فشل في كل مجال حاول أن يخوضه, وكانت مكافأته
السخرية والازدراء من الكبير والصغير
ولم يحظى بالمدح الذي يرجو, ولا بالإطراء الذي ينشد
إلا أنه لم يقتنع و لم يرتدع
فعاد وصادق عصابة من الخبثاء على سجيته يفوقهم ذكاء و خبيثا
ووجد في أولئك التافهين أداة طيعة تنشر أكاذيبه و أباطيله
و تطبّل له ليل نهار,تمجّده و تمدحه بما ليس فيه
هادفا إلى بلوغ تلك المرتبة الإجتماعية, التي تؤهله لممارسة
غطرسته وحبه للتسلط والأمر والنهي
لكنه فشل في كسب رضى المجتمع القروي
فهداه عقله السقيم الى محاربة المجتمع بأكمله
و نعرف جميعا نتيجة هذه الخطوة الحمقاء

ودمتم سالمين
وخواتيم مباركة
بإذن الله

رد مع اقتباس