الموضوع: صرخة الرفض
عرض مشاركة واحدة
  #62  
قديم 27-05-2013, 03:57 PM
الصورة الرمزية مختار أحمد سعيدي
مختار أحمد سعيدي مختار أحمد سعيدي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 583

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى مختار أحمد سعيدي
افتراضي

كان الأولاد ينظرون إليه حيرة ، سجلوا الموقف استفهاما بمشرط الوشم المؤلم على الذاكرة ليوم الجواب، أرادوا أن يقبلوه كعادتهم، فدفعهم و صرخ في وجوههم..
-اذهبوا مع أمكم لست أب أحد.
كانت الصغيرة تشد على سرواله و تعانق ساقه و تبكي ليحملها كعادته و يقبلها و يمسح دمعها، إلا أنه في هذه المرة كان جافا، غليظ القلب، قاسيا، فدفعها برجله الى أمها، دخل و أغلق الباب، كان صوت بكائها يبحث في ذاته عن تلك المشاعر التي ادعت يوما الحب و التضحية و الحنو، يطاردها من القلب إلى الكبد إلى الظمير، إلا أن كل هذه الأبواب كانت موصدة بأمر من الأنانية الجشعة التي حولته إلى وحش تريد أنسنته بما يخالف فطرة كل الكائنات .
في طريقها إلى بيت صديقتها رأت الفيلسوف يحمل محفظته أمام باب المدرسة يتحدث إلى تلميذاته ، فرسمت على ثغرها آخر ابتسامات هذا لفصل من عمرها، واختفت هي كذلك في وسط الصخب البشري الذي تلتهمه فوضى شوارع المدينة ...تنثرت عقد الوصل و ذهب كل واحد إلى شأنه يقكر بما شاء و القضاء يدبر في الخفاء ما يشاء ..
كانت في ذلك اليوم قاعة الجلسات مسرحا لقصة حب بدأ أفلاطونيا و تحول مع مر الزمن إلى مأساة، خلفت الكثير من الدمار و البؤس، و حطمت الطموحات و الأمنيات، و أسست للشقاء مجرة يدور في فلكها الكثير، و كأن على رؤوس الحضور الطير لما بدأت تروي تفاصيل الحكا، يتابع الجميع ما يعرضه الواقع على لسان الأسطورة،و رغم صرامة القاضي و جديته التي ترفض الخوض في الحيثيات الصغيرة،وجدته يتابع الأحدات باهتمام كبير ، كأنه يقرأ رواية لكاتب داهية ، و من أدهى من الزمن لصنع العجائب، واستطاعت أن تكون صادقة بالقدر الذي يشد انتباه الجميع و يتأثر بها ، وأحدثت اعترافاتها تفككا كبيرا وشرخا بين قلوب الرحمة و سيف القانون ، و خاصة لما ختمت مرافعتها بقولها ..
-سدي القاضي ، أنا لا أطلب الرحمة بجرأتي هذه، و لكن أريد أن أعترف لكم في الأخير، أنها و لا شك لعنة أبي الذي بزقت في وجهه و هو يموت ، و جاءت بي إلى هنا لتقتص مني و أخسر الجميع، فدونكم سيدي هذا العمر والتفعل الإجراءات الجزائية به ما تشاء، لأكون عبرة، و رحمة بي ليشعر ظميري بشيء من الإرتياح، و لهذا ألتمس من سيادتكم قصاص الحياة...
سكتت و خيم الصمت، وأعطى القاضي الكلمة إلى المدعي العام، فأنزل سيفه دون رحمة و لا شفقة، و رفعت الجلسة للمداولة، جلست على كرسي الإتهام،كان الإعتراف أشد عليها من مخاض الوضع، و أحست بالراحة االتي تسبق الموت،فابتسمت لدمع حار كان يسقي وجنتيها، تنظر إلى الزوج المدعي بعيون الفريسة المستسلمة بين مخالبه، تغير لونه و ظهر الإرتباك عليه ممزوجا بشيء من الخجل، في عجالة من أمره يستعد للخروج.
و حكمت المحكمة عليها بخمس سنوات سجن نافذة، و حجبتها من التصرف في أموال الوصية بقوة القانون، و حكمت على زوجها الفار غيابيا بسبع سنوات سجن و غرامة مالية تقدر بمائة ألف دينار،وإعادة تسجيل الطفل بإسم أبيه الحقيقي و إلغاء العقد الأول، و نقل كل أموال و ممتلكات الطفل تحت وصاية الأب و الولي الشرعي ، يتصرف فيها بموجب ما تسمح به الوصية و القانوانين السارية المفعول...و رفعت الجلسة وانصرف أعضاء المحكمة .
وضع لها الشرطي القيود، يقودها إلى سيارة السجن، وقبل أن تركب توقفت، فطاوعها الشرطي ،كأنها تنظر النظرة الأخيرة إلى المجتمع، تجول بنظرها محيط المحكمة، الجدة تحمل الطفل على الرصيف أمام الباب، بعض القضوليين ينظرون إليها ، المكان الذي كان ينتظرها فيه يقف فيه رجل آخر، لعله ينتظر هو كذلك امرأة ، و ربما يعيد الحدث نفسه مرة أخرى ...فصرخت بكل ما أوتيت من قوة..لاااااااااا...دفعها الشرطي داخل السيارة ، وأقلعت في اتجاه السجن...

...يتبع...
رد مع اقتباس